الخميس 28-03-2024 12:32:00 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأمم المتحدة ودعم الشرعية في اليمن..فرص النجاح وأساليب الفشل (الحلقة الثالثة)

السبت 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 الساعة 04 مساءً / الاصلاح نت – خاص/ فهد سلطان

    

المسار الحقوقي

في وأخر اكتوبر/ تشرين أول الماضي كان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني قد انتقد بشدة قيام الأمم المتحدة بدفع مبالغ مالية كبيرة للحوثيين لغرض نزع الألغام(1) , وهي الخطوة التي نظر لها مراقبون على أنها دعم مباشر من قبل المنظمة, وتنسيق واضح في جوانب أخرى كثيرة, إلى جانب تغافل واضح من قبل المنظمة عن قيام مليشيا الحوثيين بزرع آلاف الألغام في عدد من المدن اليمنية، والتغاضي عن التقارير المحلية والدولية المتوفرة في هذا الجانب, والتي خلفت عشرات الضحايا ولا زالت مستمرة حتى هذه اللحظة(2). 

وفي أوائل يونيو/ حزيران 2016م كانت وسائل إعلامية قد كشفت وثيقة رسمية بقيام منظمة الأمم المتحدة بالتعامل مع أحد قيادات جماعة الحوثيين المسلحة, باعتباره قائماً بأعمال وزير الخارجية, وسقطت كل التبريرات التي قدمها محمد النسور من المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن عملهم في المفوضية بشأن إعداد التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن يتطلب الاتصال بجميع الأطراف في أرض النزاع لاستقاء المعلومات - حسب قوله (3). 

 ثانياً: تقارير انتهاكات حقوق الإنسان

المتابع لسلسة التقارير التي تصدر عن المنظمة سيلحظ بوضوح العبث بالمعلومات وإخفائها والتقليل من شأنها إلى جانب تغافل واضح عن جرائم موثقة وتوفر فيها كل وسائل التوثيق إلا أن المنظمة تتعمد التغافل عنها وعدم الإشارة لها. كما أن عدداً من التقرير المغلوطة التي قدمها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جمال بنعمر حول حقيقة الجهات المعرقلة للعملية السياسية في البلاد تكشف جانباً من ذلك التساهل والتنسيق القديم, والتي استبسل حينها الرجل في تسليط الأضواء على فئة معينة دون غيرها من القوى المعرقلة على ارض الواقع, وكان يكتفي بالتمليح دون التصريح كما حصل في الاعتداء على معسكر اللواء 310 بعمران 2014م وقبل ذلك حصار المحافظة, وهو ما كان يجعل الجميع في حالة إرباك شديد وجدل حول تفسير ما يقول وما يريد أن يصل إليه, ما انعكس سلباً على بيانات وقرارات مجلس الأمن.

 

تناقضات المنظمة

تجاهلت منظمة الأمم المتحدة التعامل المباشر والشفاف مع الحكومة الشرعية في اليمن, ولم تبدِ أسباباً واضحة في هذا الجانب, كما أن عدم الاهتمام بالمناطق الشرعية كان بارزاً، فضلا عن عدم إجراء أية زيارات لعدن بشكل منتظم، وفي المقابل تواصل التعامل بشكل فعال مع الانقلابيين والتعاون مع مؤسساتهم في إيصال المساعدات مثل وزارة التعليم في حكومة الانقلاب، وسبق أن فقدت الكثير من المساعدات ولم تصرح بذلك في حين أن تقارير محلية تحدثت عن نهب منظم لتلك المساعدات وعدم صرفها في المكان الصحيح، قبل أن يتحول إلى مجهود حربي وورقة ولاء يستخدمها الانقلابيون عبر حرمان المناطق الموالية للشرعية من المساعدات بإيقافها في نقاط التفتيش وتحويلها إلى مناطق الانقلابين.

وساعدت هذه التناقضات في تأخر التقدم العسكري وحرمان وصول المساعدات لعدد من القرى والمناطق المنكوبة، لإجبار أهالي تلك المناطق على موالاة القوى الانقلابية باتباع أسلوب العقاب بمنع وصول تلك المساعدات, كما سعت المنظمة إلى عدم التطرق بشكل مفصل في تقاريرها إلى إشكالات ومخاطر الألغام وتجنيد الأطفال ونقاط التفتيش التي تعيق مرور المساعدات وسرقتها, والاحتماء بالمدنيين العزل وتفجير منازل بعض المعارضين، واعتقال الصحفيين والانتهاكات التي تجري في سجون صنعاء، خصوصا السجن المركزي وسجن الثورة وسجن هبرة والتواجد في المستشفيات والمدارس بالشكل الذي يبرز حجم الإشكالية والتغاضي عنها لأسباب يصعب تفسرها.

وبشهادة العديد من الجهات، فإن المعايير المتبعة في إيصال المساعدات من الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود أكثر شفافية ومهنية من تلك التي تتبعها هيئات الأمم المتحدة، وأن هنالك رقابة من قبلهم على الشحنات لضمان وصولها للمحتاجين وعدم تسييسها. كما أن الأمم المتحدة تتعاقد مع شركات نقل تابعة لتجار موالين للانقلابيين في صنعاء، وترسل المساعدات الإنسانية دون وجود مراقبين أمميين وعدم تأكيد إيصالها والسكوت عن هذه الانتهاكات خوفا من الحوثيين وخوفا من الطرد من صنعاء حسب إفادة أحد المتعاونين من التحالف.

كما أن المنظمة لا تقوم بجولات تفقدية إلى المناطق المحاصرة والخاضعة للشرعية، مقابل قيامها بزيارات دورية لصعدة والمناطق التي يختارها الانقلابيون، في وقت قامت بزيارة تعز قبل سنة ولم تأخذ سوى بضع ساعات وبزخم إعلامي لا يتناسب مع مستوى الزيارة.

تعمل المليشيات المتمردة على إعادة توجيه القوافل وفق مصالحها أو حتى مصادرة المواد وإعادة بيعها في السوق لتمويل عملياتها العسكرية ضد القوات الشرعية وسط صمت مطبق أو حتى بتواطؤ من ممثلي الأمم المتحدة، الذين تحولوا إلى أداة بيد المتمردين ينفذون أجندتهم ويساهمون في تعقيد الأزمة اليمنية التي دخلت عامها الرابع(4).

ولم يتوقف الأمر عند ذلك إذا كانت الجماعة نفسها تقوم ولأكثر من مرة بإيقاف مساعدات الى عدد من المناطق منها مدينة تعز والذي تكرر لمرات دون أن يكون للمنظمة موقف حازم في ذلك (5), وحتى المبعوث الأممي الحالي كان يشير إلى الحصار المفروض على مدينة تعز دون أن يشير بوضوح الى جامعة الحوثيين, وهذه المواقف المتخاذلة كانت تمثل غطاء ولو بطريقة غير مباشرة لمواصلة هذه الأعمال.

كما يدفع الأطفال في اليمن ثمن تخاذل الأمم المتحدة التي تتغاضى عن عمليات تجنيدهم لصالح المليشيات، أو في أفضل الأحوال تكتفي بإصدار بيانات خجولة رغم تأكيد منظمات حقوقية عدة أن الانقلابيين يقحمون بشكل منهجي المراهقين في أتون الحرب، ويستخدمون المدنيين -بمن فيهم الأطفال- دروعا بشرية, وتحدثت تقارير محلية بأرقام وإحصائيات دقيقة, كما أن القنوات الإعلامية تنشر يبن الحين والآخر أسرى حرب من الأطفال المتورطين في الحرب وتحدثوا عن المئات من أصدقائهم مشاركين في الحرب (6).

ودائما ما تجد تقارير ممثلي الأمم المتحدة أسبابا تخفيفية لجرائم المليشيات التي تعد انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وهو ما يشجع المليشيات أكثر فأكثر على ارتكاب مزيد من الجرائم بحق الإنسانية وتجنيد الأطفال وقصف مناطق المدنيين وحصار المدن والبلدات التي ترفض الانصياع لمشروعهم الطائفي.

................

هوامش:

(1)  ذكرت بعض المواقع الإخبارية أن المبلغ يتجاوز 14 مليون دولار دون أن يحدد مصدر معتبر للمعلومة. 

(2)  جزء من تقرير أعدته منظمة هيومن رايتس ووتش جاء فيه "زرع الحوثيون والقوات المتحالفة معهم العديد من الألغام الأرضية، منها ألغام محظورة مضادة للأفراد، في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية: عدن وأبين ومأرب ولحج وتعز، منذ بداية النزاع الحالي. تسببت الألغام الأرضية في مقتل وإصابة عشرات المدنيين، منهم أطفال.

كما تحققت المنظمة في حالات 5 أشخاص أصيبوا بتشوهات بسبب ألغام مضادة للأفراد في تعز منذ مارس/آذار 2016، منهم رجل كان عائدا إلى منزله مع شقيقه بعد أشهر من النزوح. بحسب منظمة حكومية غير محلية، تسببت الألغام الأرضية في مقتل 18 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 39 آخرين في مناطق في محافظة تعز بين مايو/أيار 2015 وأبريل/نيسان 2016. قال موظفون طبيون ويمنيون يعملون في إزالة الألغام لـ هيومن رايتس ووتش إن العدد الحقيقي لضحايا الألغام الأرضة أعلى من ذلك بكثير. في يونيو/حزيران، قال طبيب إنه عالج 50 شخصا في تعز بترت أحد أطرافهم منذ أبريل/نيسان، ويعتقد أنهم أصيبوا بألغام أرضية. رابط التقرير ( https://www.hrw.org/ar/world-report/2017/country-chapters/298316 ).

 

(3)  لقاء على قناة الجزيرة في برنامج ما وراء الخبر بث بتاريخ 7/6/2016م

(4)  تصريح لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن تورط مليشيات الحوثي والمخلوع صالح ووقوفها وراء سرقة المساعدات الغذائية والدوائية التي يقدمها المجتمع الدولي لليمن نشر التصريح على وكالة الأخبار الرسمية واس 25 مايو/ ايار 2017م الماضي.

(5)  تصريح لوزير الإدارة المحلية اليمني ورئيس اللجنة العليا للإغاثة عبدالرقيب فتح، الذي استنكر احتجاز ميليشيات الحوثي الانقلابية 10 شاحنات محملة بالمساعدات الإغاثية الإنسانية وتابعة لبرنامج الغذاء العالمي كانت في طريقها إلى #تعز قادمة من ميناء الحديدة نشر بتاريخ 10اكتوبر/ تشرين أول 2017م الماضي.

(6)  أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن الأطفال المجندين لدى كل الأطراف في اليمن أقل من 800 طفل في حين أن الحقيقة تقول إن المتواجدين في صفوف الحوثيين فقط يزيد عن 5 آلاف طفل فيما عدد الذين قتلوا وتم التحقق مهم في صفوف الحرب يفوق الرقم الذي ذكرته المنظمة.