السبت 20-04-2024 09:55:52 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأمم المتحدة في اليمن بين مبعوثين.. ضياع الدولة وغياب الرؤية!

السبت 21 أكتوبر-تشرين الأول 2017 الساعة 05 مساءً / عدنان هاشم

   

دور الأمم المتحدة في اليمن، يبدو أكثر غموضاً من المواقف الدولية الأخرى، إذّ أنه دورٌ مربك للسياسيين وللحكومة الشرعية وجماعة الحوثي وحليفها الرئيس اليمني السابق. تمارس الحكومة اليمنية دورها بصفتها ممثلاً للشعب ومعترف بها دولياً، فيما تُمثل جماعة الحوثي والرئيس اليمني السابق نفسهما، كتحالف ضرورة في محاولات إثبات وجودها كسلطة أمر واقع داخل البلاد.

في الواقع أنَّ الأمم المتحدة تُعلن أنها لا تلتقي في صنعاء بالحوثيين وحليفهم "صالح" إلا كضرورة إما لإيجاد حلٍ سياسي في البلاد أو لتسيير المساعدات الإنسانية، لكنه في نفس الوقت يعتبر اعترافاً -وإن كان جزئياً- عند اللقاء بحكومة الحوثي/صالح أو أعضاء مجلسهم السياسي، الذي يُدير الدولة بصفته رئاسة الجمهورية!

 

مرحلة بنعمر

من الصعب تفكيك دور الأمم المتحدة في اليمن ما لم نعد بشكل أكبر إلى دور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر (أبريل/نيسان 2011 – أبريل/نيسان 2015) إذ أنَّ بنعمر فضّل في إحاطاته لمجلس الأمن الدولي أو في التصريح لوسائل الإعلام توصيف تحركات الحوثيين بعيداً عن التوصيف الحقيقي للأحداث، فكانت التسمية الشائعة والمتداولة، إنَّ المعارك بين الجيش اليمني والحوثيين، اشتباكات بين "جماعات مسلحة" كتعبير فضفاض لتحركات الحوثيين من صعدة وحتى محافظة عمران بين (2012-2014م) حتى أعلن في يونيو/حزيران 2014م- قبل أسبوعين من إسقاط مدينة عمران- بأن المواجهات تدور بين "جماعات مسلحة" والحوثيين لتكون أول تسمية للحوثيين بأنهم وراء الأحداث في المحافظة؛ ولكنه في نفس الوقت يوضح أن القتال لم يكن مع الجيش بل بين فصائل مسلحة متناحرة وهو ما أثار انتقادات عديدة.

وفي 16 سبتمبر/أيلول 2014م قام الحوثيون باقتحام قرى في الشمال الغربي للعاصمة، والاشتباك مع قوة من الجيش اليمني "الفرقة الأولى مدرع" وتوسعت الاشتباكات إلى المناطق الشمالية الغربية من مدينة صنعاء خلال أيام، لتصل ذروتها في 21 سبتمبر/أيلول2014م، واجتاح الحوثيون صنعاء. وفي موازاة ذلك كان بنعمر يتفاوض مع الحوثيين حول اتفاقية جديدة، والتقى المسؤول الأممي عبدالملك الحوثي في صعدة لبحث الاتفاق وقال إن مباحثاته مع زعيم الجماعة كانت "إيجابية وبناءة"، ونتيجة لتلك المفاوضات خرجت ما أسميت بـ"اتفاقية السلم والشراكة الوطنية" والتي تم التوقيع عليها في يوم سيطرة الحوثيين لصنعاء. وما مثّل شرعنة لعمليات الحوثيين. وقَدم بنعمر الاتفاق بكونه يمثل نقلة نوعية في العملية السياسية في اليمن، ووقعت عليه جميع القوى، وهو التوقيع الذي تم إما تواطؤًا مع الحوثيين أو خوفًا منهم، بينما الحقيقية أن ذلك الاتفاق لم يكن إلا الغطاء الذي حجب عملية سقوط اليمن.

قام الحوثيون بالإعلان الدستوري في فبراير/ شباط 2015م وبالرغم من ذلك ظل بنعمر متفائلاً وطلب استمرار المفاوضات بين الجماعة والأحزاب السياسية، في وقت كان الرئيس اليمني وحكومة خالد بحاح تحت الإقامة الجبرية. ولم يخرج مجلس الأمن من دائرة التنديد والتهديد بفرض إجراءات.

في هذه المرحلة كان بنعمر يؤكد أن الدولة انهارت في البلاد وأن الحرب الأهلية هي الخيار الرئيس لما يحدث- دون تسمية الحوثيين بالطبع-. ضرب بنعمر على وتر ما سماه الإرهاب، وقال إن هناك "ظاهرة القاعدة، والوضع الجديد أصبح مساعدا لها وللإرهاب"، وأوضح أن الوضع في اليمن يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأمن والسلم الدوليين، مفسرا بذلك موقف واهتمام مجلس الأمن.

في جلسة مجلس الأمن 23مارس/آذار 2015م حذر بنعمر في إحاطته لمجلس الأمن الدولي أن اليمن على مشارف حرب أهلية، وقال إن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، واصفا الرئيس هادي والحوثيين بأنهما طرفان مهمان في أي حل. وقال بنعمر إن الحوثيين واهمون إن اعتقدوا أن في وسعهم السيطرة على اليمن، وإن هادي واهم إذا ظن أنه يستطيع استعادة ما استولى عليه الحوثيون.

 

مرحلة ولد الشيخ

في منتصف ابريل/نيسان2015م أعلن بنعمر إنهاء مهامه في اليمن(). وعُين بديلاً عنه إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

وأتى ولد الشيخ على قرار مجلس الأمن الدولي -تم بضغط خليجي وأوروبي واسع بأن ما حدث في اليمن يعد "انقلاباً"- (2216) تحت الفصل السابع، وألزم المجلس الأمم المتحدة بتقديم تقرير عن تطبيقه بشكل دوري، والذي يشير إلى انسحاب الحوثيين من المدن وتسليم سلاحهم الثقيل والمتوسط للجيش اليمني. رفض الحوثيون وحزب علي عبدالله صالح القرار، ثم تراجعوا عن ذلك في مايو/آيار نفس العام، لكنهم سرعان ما بدلوا مواقفهم خلال أول جولة مشاورات في جنيف ثم في بلدة "بييل" السويسرية.

بدأ إسماعيل ولد الشيخ جهوده بزيارة إلى العاصمة الإيرانية "طهران"، ثم عقد عدة لقاءات كانت معظمها في صنعاء مع الحوثيين (خلال شهر مايو/آيار2015م)، رفض الرئيس هادي أي مفاوضات مع الحوثيين قبل تنفيذ القرار الأممي، وكان من المقرر -حسب قرار لمجلس الأمن- في نفس الشهر أن تبدأ المشاورات مع نهايته، لكن رفض هادي أجلها إلى الشهر التالي يونيو/حزيران وأثناء ذلك عقد مجلس الأمن جلسته داعياً من أسماهم "الفرقاء اليمنيين" إلى الحوار في جنيف، وبدأت تخفت تدريجياً لهجة الحسم لدى المجلس ضد الحوثيين.

تلقى الرئيس اليمني دعوة من بان كي مون في أغسطس/آب 2015م لمشاورات مع الحوثيين بعد تأكيدهم الالتزام بالقرار الأممي (2216) ودفع الرئيس بفريق للمشاورات التي تأخرت حتى نهاية العام لكنها فشلت.

 

تطابق رؤى

بتقارير من إسماعيل ولد الشيخ بدأ دور مجلس الأمن يحذر من توسع تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية -على سبيل الضغط على هادي والحكومة الشرعية-، وخاصة في المحافظات التي بدأت القوات الحكومية بتحريرها، وبدء مجلس الأمن ينحو مساراً مختلفاً للأزمة مع بداية عام 2016م، مع غياب نقاشات المجلس على تنفيذ القرار (2216)، فقد بدأت النقاشات تتمحور حول الأزمة الإنسانية المتفاقمة ببلاد وذاب السبب الرئيس لتلك الأزمة والأزمات الأخرى وهو إنهاء الانقلاب.

في ابريل/نيسان 2016م تحدث إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن محادثات مباشرة في دولة الكويت، موضحاً أنها تشكل الفرصة الأخيرة، وستركز على خمس نقاط أساسية: الانسحاب، تسليم السلاح، الترتيبات الأمنية، الحل السياسي، إنشاء لجنة لإطلاق سراح السجناء والأسرى. وأشار إلى أن ما يتعلق بالحل السياسي يشمل استعادة الدولة لسيطرتها على جميع مؤسساتها إلى جانب استئناف الحوار السياسي. وبدأت فعلاً رغم تأخر الحوثيين قرابة الأسبوعين عن الحضور.

وقدمت الميليشيات تصورها من أجل حل الأزمة كذلك فعلت الحكومة، وفي يوليو/تموز 2016م قدم ولد الشيخ تصوره لحل الأزمة اليمنية بناءً على النقاط الخمس. ووقعتها الحكومة اليمنية، ورفض الحوثيون هذا التصور ليتقدم ولد الشيخ في الشهر التالي بتصور يمثل تطابقاً لتصور فريق صالح والحوثي لحل الأزمة.

في أغسطس/آب2016م تحدث إسماعيل ولد الشيخ أنه قدم ورقة ل"طرفي الصراع"، لكن يبدو أن الخريطة لم تحظ بتوافق الآراء – وقال ولد الشيخ أحمد: "لقد استلم كل الأطراف الآن الخريطة مني مباشرة. ما بلغني حتى الآن -بطرق غير رسمية- يشير إلى رفض الأطراف لخارطة الطريق. وهذا دليل على عجز النخبة السياسية في اليمن عن تجاوز خلافاتها وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية".

ومنذ هذا التاريخ بقيّ إلقاء اللوم على "النخبة السّياسية" حاضراً في كل إحاطة يقدمها إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

شكّل الحوثيون وصالح مجلساً سياسياً ثمَّ حكومةً لتحالفهما وحظي ذلك بإدانة إسماعيل ولد الشيخ، لكنه وبعد عِدة أشهر التقى هشام شرف الذي عينه الحوثي/صالح وزيراً للخارجية، ثمَّ التقى بالمجلس السياسي للحوثيين، وفي زيارات الوفود التابعة للأمم المتحدة إلى صنعاء تلتقي بقيادات في حكومة "الانقلاب" بشكل دائم ومستمر. وبالرغم من أنَّ ولد الشيخ قال إنَّ لقاءه ب"شرف" كان بصفته قيادي في حزب "صالح" إلا أنَّ "شرف" نفسه لا يملك صفةً في حزب "صالح" للقائه فلم يكن ضمن وفدهم التفاوضي في جولات المشاورات السابقة! ونفس الأمر بالنسبة لحكومة الحوثيين ولقاءات رؤساء اللجان والمؤسسات بالأمم المتحدة بمجلسهم السياسي.

 

ما تحتاجه الأمم المتحدة

الحوثيون لم يسمحوا لـ"لجنة التحقيق" التابعة لمجلس الأمن من الوصول إلى صنعاء! وتعرض ولد الشيخ لمحاولة اغتيال (مايو/أيار الماضي)، ومع كل ما يقدمه ولد الشيخ من حضور دولي للحوثيين إلا أنهم يعلنون بشكل دائم الحاجة إلى تغييره بمبعوث آخر؛ كانت العملية تتم بذات الكيفية مع بنعمر، حتى شرّعن للجماعة وحليفها كل ما أرادوه.

إذاً، تحتاج الأمم المتحدة لإيجاد حل في اليمن العودة إلى القرار (2216) الذي لم يعد يُذكر في بياناتها على سبيل الاستحياء والحاجة كبرتوكول اعتيادي، فالقرار الأممي والمرجعيات الثلاث ونتائج الحوار الوطني هي أكبر من مسألة إيجاد حل لأزمة اليمن بل إنَّ تنفيذها يمنع وجود جولات جديدة من الصراع، ولا يبدو أنَّ الأمم المتحدة تسير في الطريق السليم من أجل منع وجود صراعات جديدة في مستقبل اليمن.

كما أنَّ الأمم المتحدة، حتى مع دورها كوسيط لتقريب وجهات النظر، هي بحاجة إلى أنَّ تُقدم المخطئ على حقيقته وتتخذ إجراءات ضده، وتلتزم بما هو أسلم لليمنيين لا بما تعتقد أنه تحقيق إنجاز/اختراق وإن كان مؤقتاً في اليمن. فتذبذب بنعمر سمح للحوثيين بالسيطرة على السلطة، وتذبذب ولد الشيخ قد يُسلم باقي الدولة للحوثيين وحليفهم صالح.