الجمعة 03-05-2024 13:21:01 م : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

11فبراير.. الحلم المغدور !.. محطات على طريق الثورة والتغيير (الحلقة الأولى)

الخميس 11 فبراير-شباط 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص / توفيق السامعي
 

 

لم تكن ثورة الحادي عشر من فبراير ترفاً عابراً أو امتداداً لما سمي لاحقاً بالربيع العربي أو تقليداً للثورات في المنطقة، فقد كانت اليمن أشد حاجة من كل البلدان للثورة على نظام أعمى بصره عن كل ما حوله ومن حوله، ولا يرى غير أسرة بسيطة من أشخاص على عدد أصابع اليد على حساب أكثر من 25 مليون نسمة، وكانت البلاد تقاد من هاوية إلى هاوية، ومن سيئ إلى أسوأ، زاد الطين بلة إقرار الحزب الحاكم لجرعة سعرية جديدة كانت أشد وطأة على المواطنين يومها رغم الفقر المدقع الذي كان يمر به الشعب، لتصل أسعار البنزين والديزل إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال للجالون الواحد سعة 20 لتراً قبيل الثورة بقليل ليزداد معها غضب الشعب.

الثورة ودوافعها

لقد أعيا نظام صالح كل من حوله وهم ينتقلون معه من محطة إلى أخرى سعياً لإصلاح البلد، وبحسب ما يطمح إليه أبناؤه، وما اتفق عليه الجميع في محطات متعددة منذ الحوار الوطني الأول الذي أنتج تأسيس المؤتمر الشعبي العام من كافة تيارات البلد عام 1982 مروراً باتفاقيتي الوحدة عام 1990 واتفاق عمّان الذي أنتج وثيقة العهد والاتفاق عام 1993.
كان كل شيء يسير بالتوافق بين كافة التيارات والقوى الوطنية حتى تفرد الرئيس السابق وحزب المؤتمر الشعبي العام بالبلد عام 1997 بعد الانتخابات النيابية التي جعلت كل القوى في كفة والمؤتمر وزعيمه في كفة مقابلة، ليبدأ بعدها صالح في التنكر لكل التوافقات السابقة جاعلاً أصابعه في أذنيه صاماً سمعه ومبعداً ناظريه عن كل تقارب مع أبناء البلد الواحد.


ومع كثير من مطالبات القوى السياسية للرئيس السابق بإصلاح سياسة البلد وإنشاء المجالس المحلية بحيث تكون واسعة الصلاحيات بدلاً من كامل الصلاحيات، ووصولاً لأول انتخابات محلية عام 2001 شهر صالح سيفه لأول مرة في الاستقواء والتسلط على عمل ديمقراطي مستقوياً بالقوة والسلاح لتسيير تلك الانتخابات حسب رغبته هو لا حسب اختيار الشعب كما اتفق الجميع.


من خلال المقارنة بينما فعله تكتل اللقاء المشترك مع صالح من محاولة للإصلاح السياسي والحوار النخبوي، وبين ما فعله الثوار على الإمامة قبل ثورة فبراير عام 1948 مع الإمام يحيى وولي عهده أحمد حميد الدين أن حاول الثوار بكل جهدهم الوصول مع يحيى حميد الدين للإصلاح الدستوري فقط، فحاولوا مع ابنه أحمد، كما قال أبو الأحرار يومها محمد محمود الزبيري "حاولنا بشتى الوسائل معهم حتى أنني مدحت أحمد يحيى حميد الدين بعصارة كبدي من الشعر أملاً في إصلاح البلد وتبني دستور شعبي للبلاد، إلا أنه غدر بنا ولا فائدة ترجى منه"، وهذا ما كان مع علي صالح أيضاً.
كان ينبغي على اليمنيين أن يكونوا من أوائل الشعوب التي لا بد لها أن تتحرك وتنتفض؛ لأن رئيس نظامها علي عبدالله صالح لا يمتلك أدنى المؤهلات العلمية لسياسة هذا البلد والنهوض به، وفضلاً عن ذلك فقد شوه اليمن ووضع كرامة اليمنيين في الطين، ووصفهم بأنهم ثعابين، وخوف العالم منهم؛ فقال إنهم قنبلة موقوتة، وأنهم إرهابيون وقاعدة، وفوق كل ذلك دمر اقتصاد البلد وعبث بأمنه وخيراته، واتخذ سياسة فرق تسد، وأشعل الحروب بين أبناء البلد الواحد بمبررات مناطقية وطائفية وعشائرية قبلية، وفرَّخ الأحزاب وصادر الديمقراطية ومؤسسات الدولة التي جاء على إثرها، وباع الأراضي اليمنية للسعودية بثمن بخس وتسلم ثمنها لشخصه لا لوطنه، ليسود هو وبنوه وبنوا إخوانه، وسلطهم على رقاب الأمة، وجعل الفساد عنوان البلد، والأزمات الاقتصادية ديدنها اليومي، ولجأ المواطن للاغتراب والشتات بحثاً عن الرزق والعيش الكريم.


لن نكون مغالين إذا قلنا إن الثورة في اليمن بدأت قبل كل تلك الثورات رغم تعدد المسميات للرايات التي انطلقت بها، فمنذ العام 2005م تبنى اللقاء المشترك النضال السلمي للإطاحة بنظام صالح، إلا أن السلم دائماً ما يغري الأنظمة على الشعوب فيقوم على زيادة مصادرة حقوقها الدستورية، فصادر كثيراً من مخصصاتها وعمل على تفريخ وتشتيت هذه الأحزاب بقوته المالية والسياسية والعسكرية في مصادرة نتائج الانتخابات بالقوة، ووصل الناس إلى حالة من اليأس من الواقع المعاش أن يغير.

 

محطات في طريق الثورة

كانت الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2006 بين مرشح اللقاء المشترك فيصل بن شملان ومرشح الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) الرئيس السابق علي عبدالله صالح هي المحطة الفاصلة والكبيرة والدافع الأكبر لوصول العملية السياسية إلى أفق مسدود، حيث تقول كثير من المصادر أنه رغم كل التضييقات، ورغم كل أساليب الالتواء السياسي التي مارسها صالح واستخدام مؤسسات الدولة في تلك الانتخابات للفوز بشتى الوسائل، وإن كان حتى من بينها التزوير لإسقاط مرشح المعارضة، إلا أن فيصل بن شملان كان هو الفائز الحقيقي في تلك الانتخابات، لكن صالح هدد بالحرب وإنزال الدبابات إلى الشوارع وقال إن الدماء ستسيل إلى الركب إن تم فوز بن شملان أو إن تم إعلان النتائج لصالح المعارضة، وهنا تراجع اللقاء المشترك خطوة إلى الوراء حفاظاً على البلد من عدم الانزلاق إلى حرب أهلية يكون الوطن هو الخاسر الوحيد. حتى أن اللواء الركن علي محسن قائد المنطقة الشمالية الغربية -يومها- كان قد أكد فوز مرشح المعارضة فيصل بن شملان، إلا أن إعلانه جاء بعد تأييده لثورة فبراير، وعُد هذا التصريح أنه جاء في سياق التنافس بعد انشقاقه عن صالح وتأييد الثورة، وأنه لم يعلن عن ذلك أثناء تلك الانتخابات في مرحلة الوئام مع صالح.


فقد فاجأت اليمن أهم محافظتين كانت محسوبة لصالح المعارضة هي صعدة وعمران وقفت بأغلبيتها مع صالح، وكان الأدهى من كل ذلك أن يرشح الحوثيون بكل قوتهم صالح في تلك الانتخابات، والمحافظتان كانتا أكثر المحافظات تنسيقاً لبن شملان وبحكم تواجد وقوة وتنسيق أبناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لصالح بن شملان.
ما يهمنا في هذه الانتخابات والمحطة هو أنها كانت أهم محطة مفصلية فصلت اليمن إلى فريقين أسود وأبيض، وتمايزت الصفوف بين الجانبين؛ صف صالح والحزب الحاكم ومن معهما، وصف المعارضة، ليتجه صالح بعدها بجنون، وبسرعة الصاروخ لتغيير كل شيء في طريقه ساعياً وبقوة نحو توريث الجمهورية لابنه أحمد وأسرته كلها.


بعدها ذهب صالح للقصر بسيكولوجية الناقم والمنتقم من الجميع كأسد جريح جرح كبرياؤه باهتزاز مكانته الاعتبارية والمقدسة لدى أتباعه فقد كان يرى نفسه فرعون اليمن الحديث الذي لا ينازع أمره ولا تراجع قراراته ولا تناقش مواقفه!
فقام بعملية إحلال وتغيير مؤسسات الدولة ووضع كل منتسبي الحزب الحاكم في كل مؤسسات الدولة من الفرّاش والمراسل وحتى أعلى هرم الدولة، مزيحاً كل شخصيات المعارضة من قيادة كل المؤسسات في البلد.
وعمل على هندسة الجيش في الخمس السنوات الأخيرة بشكل مختلف عزز فيه وضع ونفوذ العائلة والأبناء، واختلق جيشاً شخصياً له بعيداً عن الولاء للوطن ليكون ولاؤه لشخص الرئيس وأسرته، هو الحرس الجمهوري، والأمن المركزي، وجعل الانتساب إليهما من أبناء المشايخ والذوات المدينين له بالولاء والطاعة التامتين، وجرد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية من كل أسباب القوة؛ ابتداءً من مصادرة أهم الأسلحة النوعية فيها إلى مخازن الحرس، واستقطاب أهم الضباط والأفراد والمدربين تدريباً عالياً إليه، ثم منحهم امتيازات خاصة حارماً منها تلك المنطقة!


حتى الدستور بدأ يوجهه نحو فترات غير محدودة له وبما يتناسب مع مصالحه وتوجهه وصولاً إلى إلغاء كل فترات المدد المحددة في الدستور.
وكمكافأة للحوثيين لدعمه إياه في تلك الانتخابات أطلق كثيراً من سجنائهم وعززهم بالأسلحة والمؤن المتنوعة، وبدأ التحالف الزمني بينه وبين الحوثيين من تلك اللحظة، وكان إدخاله لجيش المنطقة الشمالية الغربية في حروب معهم هو كنوع من التدريب للحوثيين على الحروب من ناحية، ومن ناحية أخرى إضعاف المنطقة الشمالية الغربية والقضاء على نفوذ قائدها اللواء علي محسن حينها وهو العقبة الكبرى أمام التوريث ونقل السلطة السلس إلى أحمد علي صالح.
بعد تلك الانتخابات كانت السفارات الغربية ومراكز دراساتهم ومنظماتهم العاملة في اليمن تكتب التقارير الخطيرة متنبأة بانفجار الأوضاع عما قريب في البلاد بسبب انسداد الأفق السياسي، والفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، وتفشي البطالة ووصولها إلى 35%، واختلال الواقع الاجتماعي يبين الطبقات، وتجاوز نسبة الفقر 80%، وغيرها من الأسباب كثيرة لا تحصى.

 

الحراك الجنوبي

وفي العام 2007م تحرك أبناء المحافظات الجنوبية بالمسيرات والمظاهرات والاعتصامات، فيما بات يعرف بالحراك الجنوبي، للمطالبة بحقوقهم المسلوبة من نظام صالح في المشاركة الحقيقية في دولة الوحدة التي هم أحد جناحيها بعد مصادرة صالح ونظامه الوحدة عام 1994م بالحرب التي انتصر فيها بتكاتف كل اليمنيين، وتم خداعهم والاستئثار بالسلطة والمال، وسرح العسكريين منهم وقضى على بقية أجهزة الدولة في المحافظات الجنوبية التي كانت منذ قبل الوحدة.


بدأت المطالب لأبناء المحافظات الجنوبية حقوقية بالمساواة وإعادة المفصولين والمسرحين من وحداتهم العسكرية وإعادة رواتبهم، غير أن صالح ونظامه المعروف بكثرة مراوغته أشبعهم وعوداً وكلاماً وخطابات سياسية، واتهمهم بالانفصال مجدداً وبالإرهاب تارة أخرى، وحاول شراء بعضهم وقتل البعض الآخر، وعمل انشقاقات في صفوفهم فلم يُجدِ ذلك نفعاً معه؛ فتحولت المطالب إلى ثورة سلمية تصعيدية مدنية عبر الإضرابات والعصيان المدني.
في كل تلك الأحداث كان البيت الشعري للزبيري -يرحمه الله- شاخصاً أمامنا كقاعدة بيانية كبرى أو نبوءة تتلى في كل المواقف، وهي قوله:
إن الأنين الذي كنا نردده سراً غدا صيحة تصغي له الأمم
كنا كمراقبين نحذر بأنه إذا ما تم تجاهل مطالبهم المشروعة فقد تتحول إلى أعمال عنف وتخريب وكفاح مسلح ومناداة بالانفصال فعلاً، وهذا ما تم فعلاً؛ فتم قطع الطريق وظهرت الشعارات المناطقية والانفصالية، وتم قتل وتقطع لبعض أفراد من المحافظات الشمالية، وإن كانت أعمالاً تنسب حيناً لنظام علي صالح، إلا أنها حدثت فعلاً فأرغم صالح على الاستجابة لبعض المطالب كإعادة المسرحين من وظائفهم وإعادة رواتبهم، لكن بقيت مسائل أساسية كالشراكة الحقيقية في الوحدة وتداول السلطة سلمياً والتنمية ومصادرة الأراضي.


في المحافظات الشمالية لم يكن أبناؤها أحسن حالاً من إخوانهم في المحافظات الجنوبية، حيث كانت الأوضاع تتردى مرة بعد مرة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، وتردي الحريات والأمن، وتفشي الفساد أكثر فأكثر، ومصادرة نتائج أية انتخابات سواء كانت رئاسية أو نيابية أو محلية.
وأخيراً أغرت كل تلك الأعمال نظام صالح على نقض كل عهد ووعد واتفاق أجراه مع المعارضة المتمثلة في "تكتل اللقاء المشترك"، وظهروا بآخر فكرة من الاستبداد السياسي بمصادرة الدستور وتعديله وفقاً لهوى الحاكم وفكرة "قلع العداد" التي جاءت لتقتلع صالح إلى الأبد بدلاً من فكرة قلع العداد التي كان عرّابها سلطان البركاني -رئيس الكتلة النيابية للمؤتمر الشعبي العام الحاكم وأمينه العام المساعد - حينها.


كان المراقبون للشأن اليمني يرون أن الانتخابات النيابية والرئاسية القادمة في عهد علي عبدالله صالح عام 2013م ستكون مشكلة لليمن أكثر منها حلاً سياسياً، فجرت تفاهمات على اتفاقات عديدة بين المعارضة والرئيس والحزب الحاكم على تأجيل الانتخابات النيابية في 3 فبراير 2009م عامين كاملين، وتنقيح سجلات الناخبين، وتقاسم اللجنة العليا للانتخابات، وتعديل نظام الانتخابات النيابية إلى القائمة النسبية، وتمديد فترة عمل المجلس النيابي الحالي عامين كاملين.
وفي 29 يوليو 2010 وقع الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) وأحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) على محضر اتفاق تكوين لجنة مشتركة قوامها 200 عضو مناصفة بين الطرفين للحوار، وتهيئة الأجواء للانتخابات، وحل المشاكل العالقة بين الجانبين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتنقيح سجلات الناخبين.


غير أن حزب المؤتمر أخل بالاتفاق، وجاء بفكرة "قلع العداد"؛ بمعنى أن تكون مدة الرئيس مدى الحياة وليست مقيدة بدورتين انتخابيتين، وهنا كانت الكارثة السياسية.
من هنا بدأ اللقاء المشترك (تجمع أحزاب المعارضة) يدعو إلى هبة شعبية غاضبة لنقض المؤتمر الشعبي الاتفاق بين الجانبين خاصة بعد حصوله على موافقة تلك الأحزاب وكتلها النيابية على التعديل الدستوري وتأجيل الانتخابات، ففي يوم الثالث عشر من ديسمبر عام 2010 دعا اللقاء المشترك – في بيان له - المناضلين وأنصاره وشركاءه وجميع أفراد الشعب إلى هبة غضب شعبية متواصلة وشاملة لا تهدأ إلا باستعادة خياراته الوطنية الديمقراطية المشروعة، وحقه في التغيير، وتحقيق الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وفي العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية, وحقه في مشروعه الديمقراطي التعددي وفي حياة حرة وكريمة، كما جاء في البيان.


الحزب الحاكم كان أجرى تعديلاً على لوائح وقانون الانتخابات قبلها بيومين فقط يوم السبت 11 ديسمبر من طرف واحد رغم الاتفاق بينه وبين أحزاب المعارضة على التأجيل، وقال هو الآخر في بيان له إنه سيمضي في الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في أبريل 2011 منفرداً ولن يسمح بدخول البلاد في فراغ دستوري، وهنا بدأت تتصاعد الخلافات إلى نقطة اللاعودة للحوار بين الجانبين، بعد فشل لجنة المائتين، وزيادة الشرخ بين الجانبين وانعدام الثقة بينهما.


بدأ اللقاء المشترك يسير مظاهرات جزئية في أمانة العاصمة، حيث خرجت مسيرة جماهيرية لمديرية معين إلى أمام جامعة صنعاء في 18 ديسمبر 2010 ونفذت وقفة احتجاجية هناك.
ولحقتها مسيرة أخرى لمديرية التحرير من بضعة آلاف من المواطنين في 29 ديسمبر 2010 وشاركوا في اعتصام أمام مبنى البرلمان تعبيراً عن رفضهم للتعديلات التي أقرها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم على قانون الانتخابات.
تصاعدت وتيرة الأحداث في البلاد وإذا بالمؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) بتاريخ 1 يناير 2010 يستخدم أغلبيته في مجلس النواب ويقيم اجتماعاً من طرف واحد ويوافق مبدئياً على تعديلات دستورية تسهل تولي الرئيس أكثر من ولايتين متعاقبتين، بينما رفضت المعارضة تلك الجلسة والتعديلات.


يبدو أن ذلك الاجتماع والإقرار من طرف واحد كان للضغط على المعارضة وطرحها أمام أمر واقع، وإدراك الحزب الحاكم أن المعارضة لا تملك أوراق الضغط الكافية، ولم يأبه "الحاكم" لمعارضة المعارضة وتصعيدها جماهيرياً.
في لحظة غير متوقعة وأحداث مفاجئة في المنطقة بدأت الثورة التونسية فأجبرت رئيس تونس زين العابدين بن علي التنحي عن السلطة في 14 يناير 2011، لتبدأ بعدها ثورة ال 25 من يناير في مصر، فأدرك الرئيس صالح المتغيرات الإقليمية من حوله، وهنا بدأ يتلاعب بحذلقته السياسية بالدعوة إلى مواصلة حوار عقيم كان قد قطع أوصال كل أسباب نجاحه.


في يوم 18 يناير 2011 خرجت مسيرة طلابية وشبابية لطلاب جامعة صنعاء للاحتفاء بنجاح الثورة التونسية، وهتف الطلاب برحيل صالح من السلطة، وهنا أطلق الرئيس صالح في نفس اليوم مبادرة جديدة لحل الأزمة السياسية مع تكتل أحزاب اللقاء المشترك، تتضمن إلغاء تعديل المادة 112 الخاصة بتحديد فترتي الرئاسة التي كان أقرها مجلس النواب والكتلة البرلمانية للحزب الحاكم من طرف واحد، ليدرك صالح أن شرارة الاشتعال هذه يمكن أن تتصاعد إلى ثورة عاصفة، فكانت من أهم عوامل الضغط عليه.


في يوم 21 يناير 2011 خرجت مسيرة جماهيرية حاشدة في مدينة تعز تطالب بالإصلاحات السياسية واستجابة للهبة الشعبية التي دعا إليها اللقاء المشترك، واحتجاجاً على محدودية الإصلاحات السياسية التي طرحها الرئيس صالح وحكومته بالتعديلات السابقة التي لم تكن كافية بنظر الجميع، ووصل الجميع إلى مرحلة انعدام الثقة.
بدأت الأحداث بالتصاعد المستمر وخرجت في اليوم التالي 22 يناير 2011 في العاصمة صنعاء مسيرة طلابية وجماهيرية وشبابية للمئات، تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية، والمعارضة تصدر بياناً ناشدت فيه ضمنياً الجيش بعدم التدخل مثلما حدث في تونس.


وتواصلت المسيرات الصغيرة في صنعاء وتعز وعدن، وخرجت مسيرة في صنعاء في التاسع والعشرين من يناير، ودعا الرئيس صالح أحزاب "اللقاء المشترك" إلى وقف المظاهرات والحملات الإعلامية واستئناف الحوار.
كانت العجلة قد بدأت في الدوران، وكان الجميع يدرك أنها لن تتوقف وستستمر بالتصاعد، خاصة واليمن يعيش في أزمات متصاعدة وانقطاع الحوارات بين المعارضة والنظام الحاكم وانعدام الثقة بين الجانبين.
جاءت الثورتان التونسية والمصرية لتشكلان مخرجاً بالنسبة للمشكلة السياسية اليمنية ليتخذ الشعب اليمني الثورتين أنموذجاً، والخروج للشارع لإعلان الثورة وتصحيح الوضع اليمني برمته.

كلمات دالّة

#اليمن