الجمعة 03-05-2024 15:12:34 م : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 11 فبراير.. دوافع، أهداف، ملهمات.. الحلقة (1): الدوافع والأهداف

الأربعاء 10 فبراير-شباط 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي
 

 

أولا- الدوافع:

دوافع ثورات الشعوب تتمثل في دافعين: الأول، الوعي بالفساد السياسي. والثاني، تراكم القهر المجتمعي.

ذلك أن الوعي بالفساد وحده لا يكفي، لأن الوعي بالظلم والاستبداد والطغيان والفجور السياسي والفساد والفوضى، هو من طبيعة النخبة، غير أن النخبة لا تستطيع تحريك الثورات لاعتبارات أهمها انقسام النخبة مع وضد النظام الفاسد.

وإذن، فالدافع الثاني للثوارت هو تراكم القهر الشعبي الذي يمثل ركنا أساسيا في انفجار ثورات الشعوب.

ثورة 11 فبراير:

كان الوعي بفساد النظام عند النخبة اليمنية حاضرا وبقوة، لكن فساد رأس النظام والذي سعى مبكرا لتفتيت النخبة من خلال تفريخ الأحزاب داخل الحزب الواحد، وتفريخ النقابات والصحف بل صناعة مشيخات كوجاهات مجتمعية، فدخلت النخبة في موت سريري، ثم إن فساد النظام لم يقف عند هذا الحد، وإنما أمعن في نشر الفوضى عبر منظومته المفرخة، فانتشر القهر وتراكم الفساد والطغيان في الفضاء العام، وأصبح الشعب يرى انتهاكات للدستور والنظام الجمهوري ومخالفات فضيعة ووقحة للقانون تمارس بأساليب قذرة منتهكة لكل القيم الدينية والأعراف الدستورية والقانونية من قبل منظومة الفساد المتحكمة في مقاليد السلطة ومفاصلها، والتي أحاطت نفسها بجوقة مطبلين عموديا وأفقيا، إلى حد أن النظام يدعم المجرمين ذوي السوابق، فيمنحهم وظائف رسمية في الجيش والأمن، والمشيخات والسلطات المحلية تحميهم وهي على علم بهم وبفسادهم، والشعب يرى ذلك فيتساءل فيأتيه الجواب: هو المُخرج عاوز كده.

يرى الشعب الفوضى والفساد الممنهج ينخران بعمق صميم القيم السياسية ومبادئ النظام الجمهوري.

وجد الشعب ذاته أمام شللية وعصبيات يحميها الفساد السياسي ليقمع بها صوت الشعب الرازح تحت الطغيان والفساد، وبالتالي فالشعب بين خيارين: إما الاشتباك مع تلك الكلاب المسعورة، أو تقديس الصنم الأعلى، بل والرضوخ لكلاب الصنم، بل وعلى الشعب أن يقتنع بشعار الصنم القائل "قبلك عدم وبعدك ألم".

تراكم القهر الشعبي عندما شاهد ويشاهد نظام عفاش الأسري يكرّس ويتبجح باستحواذاته الأسرية العائلية على مقاليد ومفاصل الدولة والثروة والإعلام، فأصبحت عائلة الفساد كيانا موازيا للدولة وبلا أدنى خجل، فالبنك المركزي يوازيه كاك بنك، تابع للولد أحمد، والمؤسسة العامة للحبوب توازيها المؤسسة الاقتصادية العسكرية التي تأخذ رأسمالها مما تبقى من خزينة الدولة وبالتالي لم تقدم أي عائدات لخزينة الدولة.

شاهد الشعب إقامة الحرس العائلي باسم الحرس الجمهوري، يقابل ذلك أهال التراب على مؤسستي الجيش والأمن التي نصت على إقامتها مبادئ ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، كما حددت هدف بناء مؤسسة الجيش متمثلا في حماية مكاسب الشعب والنظام الجمهوري وحماية الوطن، فازداد حجم مآسي الشعب وهو يشاهد جيش أحمد وجيش خالد وجيشا مترامي الألوية والأسلحة الثقيلة اسمه "أمن يحيى" المركزي.

شاهد الشعب وسمع عن قيام عدد من الأجهزة الأمنية - المخابرات المركزية تابعة لمكتب الفساد الأعلى، والأمن القومي تابعا لأبناء الأسرة، ومجلس الدفاع والأمن ليشفط ملايين الدولارات شهريا.

شاهد الشعب تهميش الأمن العام والأمن السياسي والشرطة... إلخ.

شاهد الشعب عفاش وقد باع مخزون الشعب من الغاز، بجرّة قلم ولمدة عشرين سنة قادمة وبأتفه الأسعار، بالمقابل هناك طوابير المواطنين تظل أسابيع عدة منتظرة إسطوانة غاز.

وجد الشعب أنه يدفع تسعيرة الإسطوانة بما يعادل سبعة أضعاف الإسطوانة في الصفقة الملعونة.

شاهد الشعب رأس الفساد والذي تربع طيلة دورة فلكية كاملة، حيث تمكن خلالها من خصخصة أكبر عدد من مؤسسات الدولة تم بيعها للقطاع الخاص التابع لرأس الفساد، فابتاعها لنفسه بثمن بخس والثمن من خزينة الدولة.

شاهد الشعب إهمال بقية المؤسسات الإيرادية والخدمية من الدعم المناسب (نموذج مؤسسة الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمستشفيات والتعليم).

بل إن الفساد الممنهج قرأ الشعب وسمع عن عمليات السطو على المخصصات المالية لتلك المؤسسات الخدمية والإيرادية، حيث نُهبت بطرق قذرة يتبرأ منها إبليس.

قرأ الشعب وسمع ما لم يكن في حسبانه، لقد قرأ وسمع بيع القطع الأثرية والمخطوطات تارة بأوامر عليا إلى الجهات ذات العلاقة، وتارة بنسخ مفاتيح الخزانات والصناديق، المهم قبض الثمن بالعملات الصعبة.

شاهد الشعب تعثر المنطقة الحرة والتي عقد عليها أحلام تحسن المعيشة، غير أن الأحلام تبخرت وتحولت 600 مليون دولار سنويا تنزلق إلى خزينة رأس الفساد.

شاهد الشعب أن خروج البترول في اليمن كان نقمة على الشعب فلم يشهد الشعب استقرارا لأسعار مستقات الطاقة.

بل اصطدم الشعب بحرب نفسية حاقدة أطلقتها لسان المفسد الأعلى أن البترول سينضب في اليمن عام 2012.

هذه إشارات قليلة جدا تمثل رأس جليد الفساد والطغيان أوردناها كدلالات على تراكم القهر فقط.
 
عود الثقاب: 

عرفنا آنفا أن الثورات تنطلق من دافع الوعي بالقهر، ودافع تراكم القهر والطغيان، لكن يفتقر هذان الدافعان إلى شرط ثالث هو عود الثقاب الذي يشعل فتيل الثورات، وقد كان عود الثقاب هو البطل الثائر الحر الكريم الشهيد البوعزيزي رحمه الله، فانطلقت شرارة ثورات الربيع العربي.

 ثانيا- الأهداف:

1- تحرير المفاهيم: 
كما أن شعبنا وعى القهر طيلة عقود ثلاثة، وأحس بتراكم القهر وصولا إلى انطلاق ثورته المباركة، فإن من أوجب الواجبات على الشعب أن يدرك أن انطلاق الثورات هدفها هو إسقاط نظام منتهي الصلاحية، والسعي لتحرير الشعب من نير الطغيان والفجور والفساد السياسي المهلك للحرث والنسل أولا، والعمل على إعادة بناء منظومة قيم لإقامة مؤسسات الدولة ثانيا، وترك القرار للشعب يمارس حقة المشروع المتمثل في امتلاك الشرعيه السياسية.

ومن خلال ممارسة حقه في صناعة القرار، والذي من خلاله سيصل الشعب إلى حفظ حقوقه والوصول إلى الخدمات المنشودة.

إذن، ينبغي أن يترسخ في وعي الشعب أن الثورات في العالم هدفها إسقاط منظومة الفساد السياسي وبناء منظومة قيم سياسية فقط، وليس البحث عن خدمات.

وهذا هو مسار وهدف ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية والتي استهدفت استعادة كرامة الشعب اليمني وحماية إنسانية الإنسان اليمني الذي خرج طيلة عامي 2009 و2010 في ما سماها الهبة الشعبية، غير أن الفساد الضارب الأغوار ظل في غيبوبته وسكره غير آبه بكرامة الشعب، فوصلت محاولات الشعب مع الفساد إلى طريق مسدود فازداد الفساد إمعانا، وصولا إلى خلع العداد وفرض التوريث في دولة اسمها الجمهورية اليمنية.

ثالثا- مسار ثورة 11 فبراير: 

انطلق الشعب اليمني نحو ما يصبو إليه من هموم وتطلعات، وتبلور الموقف بتسليم الشعب لممثليه من النخب والشرائح المختلفة من مثقفين وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني والاتحادات النسوية والنقابات والخريجين وحملة الشهادات العليا وقادة الرأي... إلخ.

وانطلق الحوار الوطني وسط عشرات من المعوقات متسلحا بالصبر الواعي بالمعوقات المرسومة والممنهجة، لكن لجنة الحوار حققت "هدف الثورة" المتمثل في بناء منظومة القيم السياسية (النظام السياسي)، بدءًا من إصلاح قواعد حكم جديدة تقوم عليها مؤسسات وأجهزة الدولة، ووضع الكوابح اللازمة والقيود أمام تغول السلطات حماية للقيم السياسية والوطنية وحقوق الشعب. 

رابعا- اغتيال الثورة:

اغتيال الثورات يتخذ صورا ومظاهر مختلفة ومتعددة منها اختلاس الثورة، ومنها اغتيال، ومنها إعاقة، وهناك مظاهر أخرى سنوضحها لاحقا. 

إذن، نحن أمام محاولات قذرة ومستميتة استخدمت كل وسائل الإجرام دون رادع من دين أو وازع من ضمير، وهدفها اختلاس ثورة 11 فبراير وإجهاض مخرجات الحوار الوطني اغتيالا، وسرقة، وإعاقة... إلخ.

 اغتيال الثورة هو موضوع الحلقة القادمة..

نلتقي بعون الله.