السبت 20-04-2024 05:09:35 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

هل تتخلى إيران عن حلفائها الحوثيين! (تحليل)

الإثنين 27 فبراير-شباط 2017 الساعة 03 مساءً / الاصلاح نت - خاص

 


يزعم الحوثيون أن علاقتهم بإيران نِدَية، وأنهم لا يدورون في فلكها وليسوا جزءاً من مشروعها في اليمن والمنطقة، ويطلقون بين الحين والآخر تصريحات تهاجم إيران وتدخلاتها في اليمن، في محاولة لتأكيد استقلاليتهم وعدم تبعيتهم لها. في السياق ذاته تذهب بعض القراءات إلى التأكيد بأن علاقة طهران بالحوثيين أخذت في الانحدار، وأن هؤلاء الأخيرين باتوا أكثر تذمراً تجاه سياسة طهران إزاءهم وفشلها في إنقاذهم من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. وتذهب تلك القراءات إلى أبعد من ذلك، وتزعم أن إيران قررت بالفعل التخلي عن الحوثيين في صفقة تتنازل بموجبها عن اليمن وتحصل في مقابلها على سوريا، ويفسرون الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني حسن روحاني للكويت في هذا السياق، وهو أمر لا يمكن الجزم به في ظل ما تشهده السياسة الدولية من متغيرات وما تعيشه المنطقة من حالة انسداد في الأفق السياسي، إضافة إلى عمق الروابط العقدية والسياسية بين إيران والحوثيين.


الحوثية كامتداد للمشروع الإيراني
هل كانت مصادفة قدوم يحيى ابن الحسين من بلاد طبرستان بإيران ليؤسس حكماً طائفياً سلالياً في اليمن يقوم على عقيدة الاصطفاء والحق الإلهي وانتقاص الآخرين؟ وهل كانت المصادفة وحدها هي التي جعلت بدر الدين الحوثي – الأب الروحي للشباب المؤمن وحركة الحوثيين- يولَي وجهه شطر إيران هو وابنه حسين هرباً من ملاحقة السلطات لهما في العام 1994 عقب دعمهما للانفصال؟ وهل هي ذات المصادفة التي جعلت محمد بدر الدين الحوثي يقوم بتدريس مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها في اتحاد الشباب الذي أسسه صلاح فليتة في صعدة العام 1986؟ (انظر الزهر والحجر/عادل الأحمدي). وبماذا نفسر استيراد حسين الحوثي لشعار الخميني (الموت لأمريكا...) وجعله شعاراً لجماعته؟!


لم تكن عقيدة الحوثيين، التي أسسوا عليها حركتهم الفكرية المسلحة منبثقة من المذهب الزيدي النقي الذي يعتنقه كثير من اليمنيين في الهضبة الشمالية، بل كانت امتداداً لمذهب الجارودية الذي يعد أكثر فروع الزيدية غلواً وتطرفاً، ويلتقي مع المذهب الاثني عشري الإيراني في سب الصحابة وتكفير الأمة.


حاجة الحوثيين لإيران
كان المشروع الإمامي الكهنوتي مشروعاً دخيلاً استقوى بالفرس لفرض سطوته على اليمنيين، وبالمثل كان المشروع الكهنوتي الحوثي مشروعاً دخيلاً لجهة ارتباطه الوثيق بإيران واستقوائه بها واتساقه مع مشروعها الاستراتيجي في المنطقة.


وفي خضم سعيهم الحثيث لاستعادة إرث الإمامة وما يعدونه حقاً مكتسباً لهم فإن الحوثيين مضطرون لتوثيق علاقتهم بطهران كحليف استراتيجي يمكن الوثوق به في مواجهة الرفض الشعبي اليمني والتحالف العربي، لذا نرى توافد خبراء إيران وحزب الله لمساندتهم في بسط هيمنتهم على اليمن وزعزعة استقرار الجيران، وهم يعتمدون بشكل كبير على شحنات الأسلحة الإيرانية المهربة بما فيها الصواريخ بعيدة المدى.


تقوم سياسة الحوثيين بالأساس على قاعدة التحالف مع الأقوياء التي مثلت طهران طليعتهم في المنطقة، فيما لعبت العقيدة المشتركة دوراً محورياً في تعزيز ذلك التحالف الذي من غير المرجح أن يتخلى عنه الحوثيون في المدى المنظور.


حاجة إيران للحوثيين
في المقابل فإن ثمة أسباب كثيرة تدعو إيران للتمسك بحلفائها الحوثيين؛ فالعقيدة السياسية للثورة الإيرانية تقوم على تصدير الثورة، ما يعزز حاجتها إلى شركاء في الخارج. أضف إلى ذلك، فإن المشروع الإيراني يرنو إلى إحكام قبضته على الإقليم وفرض نفوذه وعقيدته المذهبية، ويعد ذلك حقاً مشروعاً طالما يمتلك القدرة على ذلك. وفي هذا السياق استغلت طهران الفراغ الجيوسياسي الذي أحدثه الاحتلال الأمريكي للعراق لتأكيد هيمنتها على هذا البلد وتحويله إلى منصة إطلاق للهيمنة على المنطقة، وقد عملت في السياق نفسه على الإفادة من الفراغ الجيوسياسي في اليمن الناجم عن فشل الدولة اليمنية وإعاقة الثورة الشعبية تالياً في نقل السلطة على اختراق الحالة اليمنية بشكل غير مسبوق في مسعى لاحتواء اليمن واستكمال تطويق الإقليم من الجنوب بعدما طوقته من الشمال.


وكان رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري أعلن في نوفمبر الماضي أن بلاده تتجه نحو بناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن لحاجة الأساطيل الإيرانية لقواعد بعيدة، لكن وإن كان التصريح نوعاً من الحرب الإعلامية، ويتجاوز قدرات إيران في الوقت الراهن، إلا انه يعكس السياسة التوسعية الإيرانية في المشرق العربي التي جعلت من سوريا واليمن مدخلاً لها. في الوقت نفسه تجد إيران نفسها في سباق وتنافس مع تركيا حول الإقليم، حيث أعلنت تركيا في ديسمبر 2015 عن نيتها إنشاء قاعدة عسكرية في قطر، في حين يحتدم التنافس حالياً بين الدولتين في العراق وسوريا، إلى جانب أن تركيا سارعت في توثيق علاقتها بحكومة الشرعية في اليمن وهو ما يزيد من توجس طهران تجاه أنقرة. الأهم من ذلك، أن إيران بحاجة للحوثيين في حرب استنزاف طويلة الأمد مع المملكة السعودية، وتأمل من ذلك أن مشاغل الحرب على الحدود الجنوبية للمملكة ستؤثر على دعمها للمعارضة السورية، وستقيد تحركاتها في المنطقة الأمر الذي يمنح طهران دوراً أكبر في الإقليم. وإذا أخذنا بالاعتبار التهديدات التي تطلقها إيران بين الحين والآخر باحتلال مكة والمدينة ومطالبتها علناً بوضعهما تحت قيادة إسلامية جماعية، وإطلاق الحوثيين صاروخاً باليستياً قبل بضعة أشهر صوب مكة، نعرف حينها حجم الدور الحوثي في المشروع الإيراني الذي يعتمد بدرجة كبيرة على أذرعه في اليمن والمنطقة عموماً، فطهران لا تمارس السياسة والنفوذ بشكل مباشر في المنطقة بل تفعل ذلك عبر أذرعها التي تنفق عليها مئات الملايين من الدولارات.


في منتصف الثمانينيات رسمت إيران استراتيجية احتواء الجماعات الشيعية وتصفير العداء بينها وعقدت مؤتمراً في طهران نجم عنه ميثاق بين المشاركين فيه يتبلور في توحيد فرق الشيعة سياسياً مع احتفاظ كل فرقة بعقيدتها، وحقق المؤتمر تقارباً بين الشيعة في اليمن ونظرائهم في المنطقة.


وإبان الثورة الشعبية نجحت طهران في تفريخ أحزاب سياسية يمنية لتقوم بدور الظهير لجماعة الحوثي، وتمكنت من شراء ولاءات واختراق أحزاب أخرى في محاولة لخلق بيئة سياسية حاضنة ومتوائمة مع جماعة الحوثي لتذليل مهمة صعودها السياسي الذي بلغ أوجه بإسقاط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 لتعلن طهران سقوط العاصمة العربية الرابعة في قبضتها.


وانطلاقا من كل تلك الاعتبارات يبدو من شبه المستحيل أن تفك إيران ارتباطها بحلفائها الحوثيين، فيما يظل هؤلاء ينظرون إليها كحليف استراتيجي لا غنى عنه.