الجمعة 03-05-2024 08:30:17 ص : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بناء الإرادة.. المعوقات، المهددات (الحلقة 3-3)

الإثنين 21 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

 

تمهيد:
الإرادة، غيّرت شعوبا، وخلقت دولا عملاقة، وصنعت اقتصادا، وأقامت حضارات عبر التاريخ قديما وحديثا.

سنن التدافع:
اقتضت حكمة الله وأمره وقضاؤه الكوني أن تقوم الحياة الدنيا على التدافع. قال تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع ومساجد".. إلخ الآية.

إذن، فبرامج التغيير سنة، والمعوقات والمهددات سنة كونية.

ركن العزيمة:
معلوم أن الإصرار هو الوجه الآخر للعزيمة، ذلك أن الإصرار هو القوة الدافعة في خط الصعود المستمر.

ركن الاستبصار: الاستبصار هو التفكير العلمي القائم على معرفة سنن الله في الكون والنفس والحياة.. هذا التفكير العلمي المنهجي السنني كفيل بخلق ثقافة واعية بالمعوقات وخلق أساليب مواجهة المعوقات فكانت النتائج مذهلة.. فما هي المعوقات؟ وما هي المهددات؟

الإجابة على السؤالين هي موضوع السطور التالية.

أولا: المعوقات

العوائق الذاتية أنواع مختلفة.. أبرزها وأخطرها:
1- غياب السلطة الأخلاقية المتمثلة في غياب الإحساس بالمسؤولية تجاه الذات والمجتمع.. فالسلطة الأخلاقية بحسب ثقافة العصر لا يمتلكها إلا المثقف الاستثنائي، فهي في المفهوم الإسلامي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهي الرقابة الذاتية، وهي الرقابة المجتمعية، وهي الضمير الحي، وهي صمّام أمان المجتمع.

2- الجهل والجهل المركب:

لا شك أن الجهل عدو المجتمعات وأكبر عائق أمام العيش الكريم، ولكن أثبتت الأيام أن الأمية الفكرية والثقافية أخطر من الجهل، ذلك أن الجاهل يعترف بجهله، بخلاف حامل الشهادة الذي يرتضي بتحسين ظروف العبودية، وهنا شاهد مزعج جدا جدا من أيام النظام السابق والذي سعى للسيطرة على قانون جامعتي صنعاء وعدن واستضاف قرابة 30 أكاديميا وقدم لهم "طعما" لم يصل 30 مليون ريال ووقعوا له أن يصدر قانونا يعطي صلاحية لرأس النظام بتعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، والوحيد الذي رفض وتمرد هو د. عبد الغني قاسم فقط.. انفض الاجتماع فقال الزعيم: هل هذه هي الأكاديمية؟ أنا أفعل أصحابها "جزمات"!!

لقد كان الأكاديميون أجهل بالمصير ضدهم أولا، فضلا عن النظر في مآلات المجتمع. والحقيقة أن الوسط الأكاديمي يحتاج تنظيفا بكلوركس.. من يصلح الملح إذا الملح فسد؟

3- عدم وضوح الهدف:
قيل إن جحا ركب حمارا جموحا فشرد به في طريق أخرى.. فسأله الرعاة والحُطاب: إلى أين يا جحا؟
أجاب: إلى الجهة الذاهب إليها البغل.. فلا هدف ولا رؤية ولا رسالة.

وكم المؤسسات المدنية والأحزاب والشخصيات والقبائل التي ذهبت مع عفاش وها هي على حائط المبكى ببركة إهاناته لها ولو عاد عفاش لعادت لتكون "جز..ات" كما قال هو.. مؤسسات ونقابات هدفها استمراء العيش هناك.

4- التنازع:
"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".. الحقيقة أن التنازع وليد لأكثر من أب.. أحدهم غياب السلطة الأخلاقية.. وثانٍ هو الجهل المركب.. وثالث هو الدوران في سبيل اللهاث وراء الذات عند الزعامات، ورابع أب عبادة الكسل، وخامس الآباء وليس آخرهم الكسل العقلي.

5- الخلاص الفردي والعيش في الهامش: وهذا المعوّق كان له بالغ الأثر في تدمير الحضارة الإسلامية.

6- القرار الفردي:
هذا المعوق هو وليد طبيعي بامتياز للمعوقات السابقة.. ولسنا بحاجة للأمثلة فالواقع المأساوي خير مثال.. تلكم هي أبرز المعوقات.

ثانيا: المهددات:

1- المفسدون في الأرض:
المقصود عباد الملذات في السلطة، ولكنهم يصبحون معوقات خطيرة، لكن يمكن أن الشعب يتغلب عليهم.. بخلاف المفسدين داخل المجتمع.. وهؤلاء إما فاشلون وإما يصنعهم الاستبداد والطغيان.

هذا النوع يجب التنبه إليه وحصر دائرته.. صحيح أنهم الأكثر مالا لكن تأثيرهم المجتمعي محدود.. غير أن الصوت القيمي والسلطة الأخلاقية حاضران بقوة عند المثقف والمجتمع فهذا كفيل بأن يعصف بالمفسدين في الأرض.

2- ثقل الموروث الفكري:
هذا المهدد قد يرتقي إلى عائق خطير.. والراويات كثيرة وقصص تحصين الطغيان في موروثنا كثيرة جدا.

3- غياب الشورى التنفيذية:
هذا مهدد خطير وإذا استمر المستبد منفردا بالقرار فإنه يتجاوز المعوقات ويهوي بالأمة إلى الدمار- إفساد وإهلاك الحرث والنسل.

4- اختلال مدخلات بناء الإرادة:
المقصود باختلال مكونات بناء الإرادة ثلاثة أمور: الأول هو ضعف المدخلات كالانشغال بالجزئيات على حساب القيم الكونية.

والثاني هو اختزال بناء الإرادة في زاوية خاصة أولا.. ووضعها في غير موضعها ثانيا.. القاعدة.. داعش.. الدولة الإسلامية.. أنصار اللات.. نماذج صارخة.

والثالث هو تقديم دائرة الاهتمام والعناية بها وإهمال دائرة التأثير.. التجييش والتعبويّة نموذجا ولا سيما عند البدء في وضع اللبنات الأولى للتغيير.

- نماذج للبناء الحيوي*

1- عبد القادر الجيلاني:
بنى مجتمع القواسم المشتركة وأذاب المذهبية والجهوية والطائفية فخرج جيل طامح قاده صلاح الدين وحرر القدس.

2- العز بن عبد السلام:
عمل على لحمة المجتمع مع القيادة المملوكية القوية القادرة على حماية المجتمع.. غير أن المفسدين المنحلّين دخلوا من زاوية فقهية حمقا تحرم قيادة المماليك للأحرار.. أحرار ينبطحون بينما يحتل الفرنجة مصر.. أي أحرار؟ فسعى بذكاء حفاظا على القوة الحامية وحل الإشكالية وسحب فتيل الدعوات الخانعة وعمل مع التجار المخلصين على تحرير القيادات المملوكية.

3- الشيخ محمد الكوراني:
هو باني إرادة السلطان محمد الفاتح..
وانظر أخي القارئ إلى ثقافة وحكمة الشيخ رحمه الله.. فقد كان يجمع وزاء السلطان ويكسر عنجهيتهم بوعظ قاسي.

وإذا حاول السلطان يدخل الحلقة.. فالشيخ يقطع حديثه ويفض الجلسة.. فيتساءل السلطان الفاتح: لماذا يحرمني الشيخ؟ وفي آخر الأيام اشتدت محنة التقدم صوب آيا صوفيا المحصّنة جدا.. فانفرد السلطان بالشيخ وسأله عن سبب حرمانه الجلوس في الحلقة؟

أجابه: الحلقة لكسر عنجهية الوزاء والقضاة والتجار وقيادات الجيش والفضل بعد الله يعود إليك.. فأنت من أمرتهم بالجلوس إليّ.. أنت لا يصلح لك الجلوس وأكررها لك أنت من ذكرك الرسول صلى الله عليه وسلم أنك ستفتح القسطنطنية فهذا ميدانك فانطلق فالفتح آت.

وطلب منه الخروج من خيمة الشيخ ليصلي الشيخ ركعتي الضحى، فخرج السلطان وأمر بمواصلة الزحف.. وعاد صوب الخيمة فوجدها مغلقة فأخرج سكينته وقطع الخيمة فرأى الشيخ ساجدا فقال: حان وقت النصر وربي.. وانطلق في مقدمة الجيش، وبعد ساعتين كان الفتح وكانت صلاة الجمعة في آيا صوفيا.

-------------
* عندما نضرب مثلا من التاريخ لا يعني أن الشخص أو الطرف أو تصرفات الأمراء كانت كلها صحيحة 100%.. وإنما نأخذ المثال من زاويته المذكورة فقط.. ذلك أن سلطات تلك العصور كان فيها مفاسد.. فصلاح الدين مثلا حرر القدس لكنه قبل وفاته وزع الأقاليم بين أولاده فتقاتلوا.

كلمات دالّة

#اليمن