الجمعة 19-04-2024 01:26:07 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

كي لا ننسى.. حفريات في الذاكرة الشعبية بمناسبة الذكرى الـ58 لثورة الـ26 من سبتمبر

السبت 26 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي
 


الانحطاط الثقافي لدى السلطة الحاكمة تعمل على فرضه بالقوة على الشعب بدعوى أنه دين ومذهب وشرع.. والذي يتساءل فالجواب هو ممارسة أنواعا من الانحطاط بصورة أكثر خساسة ازدراء بالشعب.

وفي السطور التالية لقطات قليلة من ذاكرة الشعب تترجم الانحطاط الثقافي.. والهدف هو تنبيه الوعي الشعبي بما تخبئه السلالية الجديدة وستفرض ما هو أسوأ وأمر إن سكت الشعب إزاءها.

1- عنصرية العمامة:

- أحمد آغا قنصل يمني سابق في هولندا قدم لمؤسسة السعيد مجموعة صور فوتوغرافية لخلفيات عمائم من سموا أنفسهم سادة ولكنهم لا يمارسون الحكم والسلطة.. تعكس الصورة ذؤابة العمائم (جزء من العمامة يُسدل على الظهر).. فالسيد الحاكم هو الذي يسدل الذؤابة حتى أسفل الظهر.. وغير الحاكم يسدل أربع أصابع من العمامة فقط ولا يجوز الزيادة.. والصور من مطلع الخمسينيات من القرن الماضي.

- الشيخ محمد أحمد العسالي، رحمه الله، قال: قابلت الإمام أحمد وأنا لابس كوفية فحبسني ثلاثة أيام لأنني بدون عمامة وألزمني بالعمامة وبدون ذؤابة لأني قبيلي.

- وحدثني قائد سعيد، طاعن في السن يمتلك مخزونا عن تلك العقود، قائلا: أطل أحمد يا جناه من النافذة ورأى مواطنا من شرعب الرونة وذؤابة عمامته متدلية إلى عند إليته فصرخ الإمام من باب المقام: أيش هذا يا شرعبي ؟ فانتبه الشرعبي وقال: يا مولاي هي سبلة القبيلي.. وأطلق أقدامه للريح لأن العكفة يلاحقونه.

2- التوزة- غمد الجنبية:

صديق قدم من منطقة منبه- صعدة حيث كان مشرفا في لجنة الانتخابات الرئاسية عام 2006 وله اهتمام في مجال الأمثال والتراث الشعبي.. قال: سلالة بيت حميد الدين اتخذت لها غمدا خاصا للجنبية - مستطيل غير معقوف كما هو الملاحظ حاليا.. غير أن سادة بيت أبو طالب في منطقة مُنبّه- صعدة نافسوا بيت حميد الدين نفس التوزة من الفضة ولكن أطول وتراها ناتئة في الجانب الأيمن تحت الجوخة بصورة لافتة.. فامتعض أحمد يا جناه وأوعز لفقهاء منطقة منبه بتقليد بيت أبو طالب.. وفي ذات الوقت أوعز لقطاع الطرق من خلال فتوى دينية مفادها أن من سيقتل سيدا من بيت أبو طالب سيدخل الجنة.. أما الذي سيقتل السيد ويدفنه ويبني قبة على قبره ويتبرك به سيرتقي أعلى درجات الجنة.. وبدأت أعمال القتل طلبا للثواب.. غير أن الأمر اختلط على القتلة فقتلوا الفقهاء والسادة وكان الحل: على القاتل أن يسأل صاحب التوزة: فقيه أم سيد؟ فإذا كان فقيها فليبادر بالجواب "فقيه يا بطل".. فسارت مثلا حتى الآن.. وللقصة صيغ أخرى لا تقل تفاهة وعارا.

3- السلالية في البيت:

قال صاحب "رياح التغيير" إن أحمد يا جناه عندما أطاح بثورة 1955 بقيادة أخيه عبد الله.. أخذ أحمد عمامة عبد الله وأوثق يديه للخلف وساقه إلى غرفة ثم ركله من الخلف إلى وسط الغرفة، ثم دلع لسانه ساخرا وقال له: تريد تكون ملكا وأخوالك من خبان؟.. التعليق للقارئ.

4- إخضاع الشعب للسلالية والجهوية

بعد مقتل الإمام يحيى عام 1948 اتجه أحمد يا جناه إلى حجة كونها حامية المذهب واستنفر قبائلها.. ووجهها على اليمن الأسفل مستثنيا بيوت السادة فقط.. فهرع المواطنون بوثائقهم وممتلكاتهم بحثا عن الأمن لدى سلالات السادة.. وهنا كرّس حقده ضد الشعب وتكريس السلالية (في كسب ولاء سلالة السادة) علما بأنه لا يعترف بأنسابهم.

5- مؤهلات دخول الثانوية العامة:

الصحفي اللبناني أمين الريحاني صاحب كتاب "ملوك العرب".. ذكر فيه أنه زار "يا جناه" فوجده يختبر الطلاب بنفسه بصورة فردية.. لكي يدخلوا الثانوية.. فيقف الطفل بثياب ممزقة وهو يرتعش رعبا فيأتيه السؤال المتكرر لجميع الطلاب: اذكر النسب الشريف؟ فيسرده الطفل بدءاً من أحمد يحيى إلى "أبو الزهراء محمد رسول الله"، فيختم له ورقة صغيرة "ناجح".

6- من هواليهودي؟ سمعتها من جيل الآباء عن بخل الإمام يحيى.. وأعتقد أني قرأتها تعليقا للمؤرخ الأكوع في هامش كتابه "حياة عالم وأمير".. خلاصة القصة أن مواطنا من مدينة صنعاء عائل جدا تقدم بشكوى للإمام يحيى شرح جوع العائلة وبرد الشتاء وأن زوجته ستضع حملها قريبا.. كرر شكواه قرابة نصف الشهر وآخر يوم أضاف أن زوجته وضعت.. فصدر الأمر العالي بصرف ريال فرانصي.. أجهش المسكين باكيا.. فسأله يهودي لماذا يبكي؟ فانفعل ورمى الشكوى بما فيها الحوالة لليهودي.. نظر اليهودي إليه وقال له: اتبعني، فتبعه فأعطاه خروفين أحدهما للسابع.. وأعطاه 4 شوالات بر وشعير وذرة وعدس وفاصوليا وبهارات.. وأعطاه 70 ريالا وأجرة الحمالين.. فرفع الرجل يديه للسماء وصاح عاليا: "أنت أخبر من هو اليهودي".

7- كلهم معاريد:

بخل بلغ حد الحقارة تجاه المواطن الفقير.. يقابله عربدة أولاد الإمام.

تقول القصة وشى البعض بيهودي في صنعاء لديه مخمارة.. وأن أشخاصا من القصر يحضرون المخمارة.. فطلب اليهودي وهدده ثم سأله من الذي يحضر؟ فطلب اليهودي الأمان فأعطاه أمانا.. ثم ناول اليهودي ورقة يكتب فيها المعاقرين للخمر.. ظل اليهودي ساعة أطول يحرك القلم محاولا الكتابة ثم يتردد فنهره الإمام: مالك يا يهودي؟ صبرا يا مولاي باقي القليل صبرا.. ثم ناوله الورقة وفيها اسمان فقط.. فصرخ الإمام: أيش هذا؟ أجاب هؤلاء الذين لم يحضروا المخمارة.. فانتفض الإمام: أيش يا يهودي.. قصدك البقية كلهم معاريد؟ أجاب: نعم يا مولاي كلهم معاريد.. هدأ الإمام ولم يتخوف على الخزينة من عربدة أولاده.

8- ابن الإمام بين المطر.. ظلم وحقد وخسة واستعلاء

في سبتمبر 2017 التقيته في دار النظارات فتعارفنا.. فقال أنا من منطقة الضباب وتاريخ ميلادي 1920 بخط أبي.. فأدهشني كونه حاضر العقل مستوعب أحداثا رافقت حياته.. نشيط البدن.. عمره 97 عاما.. قال: أنا شاركت في إصلاح طريق السيارة القادم من الراهدة إلى قصر ولي العهد أحمد ابن الإمام - صالة.. أمرنا ابن الإمام وتجزأت المسافة بين مواطني تعز.. وكنا نأخذ الخبز الجاف من بيوتنا والماء والتوقف ممنوع إلا للصلاة السريعة.. ويخرح ابن الإمام بين الواحدة والنصف والثانية ظهرا إشرافا هل نحن نشتغل؟ وينطلق مسافة على ظهر الخيل ثم يعود.

ذات يوم جاء كعادته وعند العودة حصلت زخات مطر والشمس لافحة جدا فارتحنا.. غير أن شخصا قال: المطر يسبب لي صداعا.. وانزوى برأسه تحت صخرة.. فحضر ابن الإمام وصرخ هااا ابن الإمام بين المطر وأنتم في كنان.. فقام أحد العاملين وقال: يا مولاي هذا صاحب صداع وليس له ثوب يغطي رأسه وأنت لديك عدة ثياب يا ابن الإمام؟

فبهرر ابن الإمام وقال: ما اسمك يا خبيث واسم المختبئ؟ فقال فلان وفلان.. فانطلق ابن الإمام صوب القصر.. فقلنا للرجلين: الفرار قبل وصول العكفة.. فأعطيا أرجلهم للريح ولم يمر سوى نصف ساعة ووصل عكفة باحثين عن الذين انتقصوا ابن الإمام.. فقلنا: هربوا.. تلك خلاصة فحوى قصة الرجل لديه مخزون فيه غرائب.. وقد أكمل حديثه قائلا: نصلح له الطريق والطعام والماء منا ولا نرتاح.. ومع ذلك انتقصناه.

9- ذرية بعضها من بعض:

هذا صديقي.. نحن الآن في عام 1996 وصاحبي يختبر في جامعة صنعاء شريعة وقانون.. أكمل المواد كلها بتقدير جيد جدا إلا مادة واحدة يجدها صفرا.. أعاد اختبارها مرتين.. أخيرا قال له المختص: خذها دكتور المادة من بيت حميد الدين وأنت كمالي يعني تركي.. ادخل اختبر واحذف اللقب كمالي.. وكان التصحيح والنجاح.

10- دكتوراه في الفيزياء حُرم التوظيف..

هذا الدكتور جاري أعرفه جيدا ولاحظته يتردد على الجامعات الخاصة يحمل دكتوراه في الفيزياء الفضائية من معهد ياباني روسي وحاصل على شهادة تقدير عالية لجودة عمله.. سألته: لم لا تلتحق بجامعة تعز؟ فأطلق تنهيدة من الأعماق ثم قال هامسا: شهادتي في مكتب رئيس الجمهورية تم اعتمادها والتوصية بالتوظيف من أ. د. عراقي.. و.د. مصطفى بهران.. لكن دكتورا من بيت حميد الدين رفضها وقال كلاما فارغا وأعاقني سنتين.

لكن صاحبي بعد عنائه قطع بطاقة مؤتمر شعبي فتم توظيفه..

أخي القارئ.. تلك أحقاد لم ولن يتطهر منها السلاليون وإن حملوا أعلى الشهادات من أعلى الجامعات.. إن لم ننهض نحن اليمنيين لدفن هذه العفونات.. فإن ما ينتظرنا سيكون أسوأ مما حصل.

وليس أخيرا.. المؤرخ حسين أحمد شرف الدين في كتابه "اليمن عبر التاريخ" بتقديم رئيس الجمهورية القاضي الإرياني رحمه الله.. هذا المؤرخ وضع عنوان صور من حكم الإمام قبيل ثورة سبتمبر بسنوات قليلة.. من ذلك:
- زيادة الضرائب والأبدال على المحاصيل بصورة جنونية..
ترك أيدي العمال والعكفة يبتزوا الفلاحين والتجار.. كاتب هذه السطور يحضره الكثير سماعا من جيل الآباء.. هذه إحداها.. لقد أرسل الإمام عاملا إلى العدين اسمه حسين مطهر- سيد.. وكان ظالما غشوما تسبب في تحويل أخصب منطقة زراعية إلى بيئة طاردة فلجأ بعض الفلاحين لبيع أرضهم لتغطية مطالب الدولة.. وبعضهم تركها وهرب.. ومن الذين تركوا الأرض والبلد قال:

لا أشتي البلاد ولا عاد أشتي الدر.. لك البلاد يا حسين مطهر

الدر هو اللبن والسمن البلدي.

ومن صور الحقد حسب رواية الآباء.. تحديد المستوى العلمي لأبناء مشايخ الريف وذلك في حدود جزء واحد من القرآن ومعرفة الحساب إلى حد رقم 100 فقط لكي يتمكنوا من كتابة واجبات الدولة.

شيخي الذي علمني القرآن وأوليات العلوم الشرعية قال لي: في إحدى السنين اشتد الجوع جدا وارتفعت أسعار الطعام بصورة جنونية.. وسمعنا أن إيطاليا قدمت مساعدة من نوع طابونة وقيل لنا اتجهوا تعز لاستلام حصصكم.. فانطلقنا.. ووصلنا منهكين جوعا يحدونا أمل المساعدة وانتظرنا يومين.. وثالث يوم صاح واحد من بين الجموع قائلا: رضي الله عن إيطاليا.. فخرج الإمام مهددا أتترضوا عن الكفار؟ وأمر بقذف المساعدة في البحر.. طبعا شيخي هذا كان مرتاحا لغيرة الإمام على دين الإسلام..

أمامي صور كثيرة للحقد والتفاهات السلالية.. ومنها شاعرنا الثائر مُغبّش رحمه الله وكان نظيف القلب حقا.. قال بعد ما أقسم اليمين أن هذا حصل أمامه: تم توزيع الكدم أمام المقام للعكفة وبقي فتات منثور داخل الشوالات فهرع الجياع وتهاتروا بها فوصل يا جناه ورأى المشهد فصرخ: ما هذا؟ فقيل له: فتات الكدم يتناولها الجوعى.. فأمر الإمام فورا بشراء دجاج وأرانب ووضعها خلف المقام وفي اليوم الثاني تم نقل الفتات للأرانب والدجاج.. وحضر الجوعي طيلة ثلاثة أيام وعادوا خائبين.

للعلم عنوان هذا الموضوع من شاعرنا رحمه الله.. فقد وضع الأمانة على عاتقي عام 1996 أن أكتب أعماله الشعرية تحت عنوان "كي لا ننسى".. للأسف لم تصلني أعماله الشعرية فلقد سرقها أحد حيتان المؤتمر الشعبي وهو الآن متحوث.. فكان هذا الموضوع براءة للذمة.. وإن شاء الله سنواصل إذا أمد الله في العمر.. نلتقي بعونه سبحانه.

كلمات دالّة

#اليمن