الأحد 05-05-2024 14:11:39 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من الحصار إلى الجزية.. مليشيات الحوثي والنهب المنظم لأموال اليمنيين

الأحد 23 أغسطس-آب 2020 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت-خاص- اسماء محمد

 

تصدر من مليشيات الحوثي يوميا ممارسات جديدة تقوم بها تجاه اليمنيين، تكشف حقيقة أهدافها، والوجه البشع لها الذي حاولت إخفاءه كثيرا حين بدأت بالتوسع وتنفيذ انقلابها الدامي الذي تعيش اليمن تبعاته السيئة حتى اليوم، والتي طالت كل شيء في حياة المواطنين.

بدأت المليشيات مسيرتها بالقتل بمختلف الطرق، والاعتقال لكل معارضيها وحتى لأغراض أخرى، والتعذيب في السجون، ونهب الممتلكات، وزراعة الألغام وانتهاكات أخرى كثيرة من بينها ما يمكن أن يطلق عليه "الجزية".

 

الجزية. انتهاك غريب

تحدث مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان (HRTC) في يونيو الماضي، عن فرض مليشيات الحوثي على سكان وأهالي قرى تعز الخاضعة لسيطرتها دفع مبلغ 500 ريال يمني عن كل فرد شهريا، ويشمل ذلك الإجراء حتى النساء والأطفال.

ولأجل تحصيل تلك المبالغ، خصصت المليشيات مندوبين يتبعونها يعيشون في تلك المناطق وهم على دراية بالسكان، وبذلك يمكنهم متابعة السكان هناك والحصول على الأموال منهم بشكل منتظم.

ما يجعل الأمر مريبا وغريبا بشدة، أن الجزية كانت موجودة حتى قبل الإسلام، وبعد الإسلام كان أهل الذمة (النصارى واليهود ومن يؤمنون بديانات أخرى)، يدفعون بعض المال للمسلمين، ويتم استثناء الأطفال والنساء وكبار السن، وتسقط كذلك عن من هو غير قادر على القتال.

بعد ظهور الإسلام، كان هناك كثير من الأعداء الذين حاربوا المسلمين، وكان على من ينتمون لهذه الديانة القتال دفاعا عن أنفسهم، ونظرا لوجود آخرين من ديانات أخرى غالبا لا يؤمنون بما يؤمن به المسلمون، فكان عليهم بدلا من القتال أن يدفعوا بعض المبالغ اليسيرة من المال، ويحصلوا على كامل حقوقهم ويتمكنوا من العيش جنبا إلى جنب مع المسلمين.

مع مرور الوقت تلاشت هذه الأفكار وتم إلغاء فكرة الجزية على أهل الذمة، وكانت مصر أول دولة في الشرق تلغيها وذلك عام 1855، إلا أن مليشيات الحوثي تحاول إعادتها برغم أن الجزية تسقط عن المسلمين في الأساس، وعن الأطفال والنساء، وهي بذلك جاءت بممارسات لم يسبق أن عُرفت.

تكشف تلك الممارسات عن عقيدة المليشيات الباطنية التي لا يكشفون عنها، والتي تؤكد أنهم ينظرون لأهل تعز -تحديدا- على أنهم ذميون، وهم يفرضون عليهم حصارا منذ 2015، تم كسره بشكل جزئي لكن معاناة أبناء المحافظة لم تنتهِ بعد بسبب تبعاته.

ويبدو أن الأمر لا يشمل تعز فقط، فهناك مناطق مختلفة في باقي المحافظات، تجبر المليشيات الأهالي فيها إما على مشاركة أبنائهم في ما تسميه "الجهاد"، أو يدفعون مبالغ مالية مختلفة بشكل دوري وتعسفي وإجباري.

 

مخاوف

وتثير تلك الممارسات الكثير من مخاوف اليمنيين، ففرض تلك المبالغ على المواطنين في بعض المناطق بتعز، يعني أنها ستطالبهم بما تُسميه "الخُمس" الذي حولته إلى قانون تنهب من خلاله أموال الدولة والمواطنين.

ومن المتوقع أن تزيد أوضاع المدنيين سوءا بسبب مثل تلك الممارسات، خاصة في ظل الفقر الذي يعانيه الأغلبية بسبب استمرار الحرب، وانقطاع الرواتب، والانهيار الاقتصادي وفقدان الريال الكثير من قيمته أمام سلة العملات الأخرى، الأمر الذي تزداد معه كارثة الغلاء الفاحش الذي يهدد ملايين اليمنيين بالمجاعة.

 

انتهاكات مستمرة حتى اليوم

تعد تعز واحدة من أكثر المحافظات اليمنية التي عانت كثيرا بسبب مليشيات الحوثي، فخلال العام الأول من الحرب فرضت الجماعة حصارا خانقا على المدنيين، جعل أسواقهم خالية من أغلب المواد الغذائية، حتى أن كثيرا من السكان كانوا يشربون مياها غير صالحة للشرب.

استمر الأمر كذلك لفترة، وبدأ السكان يبحثون عن طرق فرعية تساعدهم على العيش، وتمكنوا من كسر الحصار جزئيا، برغم صعوبة الطرق تلك ووعورتها وطول مسافتها، الأمر الذي جعل أسعار المواد الغذائية في تعز مرتفعة.

وتقوم المليشيات بفرض إتاوات على المواطنين في مختلف النقاط التابعة لها، إضافة إلى مبالغ تأخذها من السكان ومختلف المؤسسات والشركات والمشاريع الصغيرة في مناطق سيطرتها في مناسبات الجماعة المختلفة.

يوجد الكثير من التقارير الحقوقية التي رصدت جرائم مليشيات الحوثي بحق اليمنيين وتحديدا في تعز، بينها تقرير مركز المعلومات والتأهيل، الذي وثق 909 حالات انتهاك بحق المواطنين في المحافظة خلال العام 2019.

وقال التقرير إن المليشيات قتلت 255 مدنيا بينهم 70 طفلا و19 امرأة، من بينهم نحو 53 تم قتلهم بالقنص المباشر والقصف العشوائي الذي يستهدف المنازل. إضافة إلى ذلك، وثق المركز مقتل 28 مدنيا بالعبوات الناسفة التي زرعتها المليشيات، وإصابة 376 مدنيًّا بينهم 85 طفلًا و40 امرأة. بينما طالت الاعتداءات 28 مواطنا، فضلا عن تهجير 19 أسرة، إضافة إلى تضرر 217 ملكية عامة وخاصة بالقصف، وتفجير منزلين.

في تقرير آخر صادر عن مكتب وزارة حقوق الإنسان في محافظة تعز، ذكر أن عدد وقائع الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيات الحوثي ضد المدنيين في مدينة تعز وبعض مديريات المحافظة خلال الفترة من مارس/ آذار 2015 حتى 15 يونيو/ حزيران 2019، بلغت 30 ألفا و494.

وبحسب المركز، فقد تم رصد مقتل 2720 شخصا، وأكثر من 13 ألف مصاب، و705 مختطفين، وتهجير 5595 مواطنا، مؤكدا أن هناك كثيرا من الانتهاكات التي لم يتم التبليغ عنها.

ومن أبرز الانتهاكات التي يعاني منها أبناء تعز اليوم إضافة إلى القصف العشوائي، هو القنص الذي يحرم كثيرا من المواطنين من العيش بشكل طبيعي في أحيائهم، ويجعلهم معرضين للموت في أية لحظة، كما أن الألغام تهدد حياة الكثير منهم بسبب زراعتها بشكل عشوائي وعدم وجود خرائط لها، وهو ما يجعل الكثير منهم في خطر دائم.

تكشف ممارسات الحوثي تجاه تعز، حجم الحقد الذي تحمله لأبناء تلك المحافظة الذين لم يرضخوا لها، وظلوا متمسكين بالجمهورية حتى اليوم، برغم كل الانتهاكات التي تمارس ضدهم.

تستمر مليشيات الحوثي الإرهابية بالقيام بممارسات لا أخلاقية وغير قانونية توسع حجم الفجوة بينها واليمنيين، الذين يتعاملون بشكل طبيعي مع بعضهم بمعزل عن البعد الطائفي أو المناطقي، وهو أمر يجعل التعايش مع المليشيات الحوثية مستحيلا.