الأحد 05-05-2024 13:12:14 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تعز.. وضريبة الموقف (4-4) تعز مشروع دولة

الإثنين 27 يوليو-تموز 2020 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد العزيز العسالي

لا يختلف اثنان أن معاناة محافظة تعز والمتمثلة في الحرمان.. والحصار.. وعدم التحرير.. والخلايا النائمة.. وتمزيق نسيجها المجتمعي.. وتقطيع خارطتها الجغرافية.. وهنا يبرز السؤال: لماذا تعز؟

ومن خلال الحلقات السابقة يمكننا تحديد أسباب معاناة تعز في سببين رئسيين: الأول، معاناة تعز هي عقوبة لها.. بسبب مواقفها الوطنية المستمرة. والثاني، أن محافظة تعز تمتلك مشروع دولة، وهذا يعني أن تضحيات تعز ليست مغامرات لا وجهة لها.. وإنما هي تضحيات في سبيل "مشروع دولة".. فما هي معالم ومقومات مشروع الدولة؟

معالم المشروع:

1- مشروع الدولة حاضر في ذهنية أبناء تعز.

2- مشروع الدولة لم يولد فجأة.. أعني أنه ليس وليد ثورة11 فبراير الشبابية السلمية، وإنما هو مشروع ظل يختمر في الذهنية التعزية منذ عقود.

3- نضجت فكرة مشروع الدولة واتسقت معالمه وتحددت مقوماته كلما برزت صورة من صور الحرمان خلال العقود الماضية.

4- ترسخ مشروع الدولة وأصبح يتمتع بزخم ضارب فكريا وثقافيا في أعماق الذهنية التعزية من جهة.

5- تجسد عمليا في صورته الأولية من خلال الواقع المعيش من جهة ثانية.

مقومات المشروع:

1- الموقع الجغرافي..

غير خاف على المهتمين أن تعز تتميز بموقعها الجغرافي بحريا.. كما أنها تتمتع بحيز جغرافي متوسط بين المحافظات الجنوبية والشمالية.

2- انتشار التعليم مبكرا في تعز.. وعلى الرغم من الانتكاسات القاتلة التي مني بها التعليم في اليمن عموما.. لكن أبناء محافظة تعز لهم الحضور القوى على مستوى محافظات الجمهوية.. وفي مجالات ومرافق شتى، الأمر الذي دفع كثيرا من المراقبين إلى القول إن تعز هي "الرافعة الوطنية" أو هي رافعة الوطن.

3- تعز.. انطلقت منها الشرارة الأولى لثورة 11 فبراير الشبابية السلمية.

4- زخم الموارد المالية:

تمتاز محافظة تعز لوحدها بموارد مالية كافية.. سيما في ظل الإدارة التكنولوجية، فالضرائب والجمارك.. واللتان تمثلان العمود الفقري للموارد سيتم إيرادها مؤسسيا وبأحدث الوسائل التكنولوجية.. إلى جانب نزاهة اليد.. والرقابة الإدارية.

5- إقليم الجند:

متاخمة تعز لمحافظة إب.. يعني إضافة موارد مالية، ذلك أن كلتا المحافظتين تتمتعان بموارد سياحية متعددة، بدءا من وادي بناء مرورا بجماليات مدينة إب.. وصولا إلى العدين وإلى تخوم زبيد.. وفي تعز.. السكون.. وبلابل وادي حنا والضباب والمخا وجبل صبر.. وورزان.. وغيرها.. كما تتمتع المحافظتان بزخم سكاني غير عادي قياسا بنظيراتها.

6- البنية التحتية اقتصاديا..
هذه إحدى الموارد المالية والتي تعتبر أبرز مقومات مشروع الدولة.

7- مثال صغير.. ولافت:
اختصم اللصان..

قبل أسبوعين فقط من هذا التاريخ اختصم فريق تحصيل ضريبة القات.. رغم ضآلة الكمية الواصلة رسميا.. وقد كان القائمون يسددون للخزينة مبلغ 400 ألف ريال يوميا.. ولما طرح موضوع التحصيل للتنافس بلغ الرقم 4 ملايين ريال ونصف المليون يوميا.

باختصار، الموارد كثيرة وكفيلة بدعم مشروع الدولة.

وتفاديا للإطالة سأقدّم للقارئ دليلا عمليا موجزا نلخص فيه مدى الحضور الناضج لمشروع الدولة في تعز من زاوية قوة الإرادة.. والإيمان بنجاح المشروع من خطواته الأولى.. رغم قساوة الظرف وانهيار غالبية المحافظات.

مشروع الدولة.. ياسين.. وباليد حَجَرٌ:

1- انهيار الجيش والأمن وإذعان غالبية المحافظات إذعانا تاما أمام مليشيا الانقلاب.. ولأن الكل يعلم سقوط القيم الوطنية.. وما نجم عنه من آثار كارثية.. أبرزها الهلع والذعر في وجدان المجتمع بكافة أطيافه.. عدا حملة "مشروع الدولة".. فماذا حصل؟

2- إشادة منير شفيق:
الأستاذ السياسي المخضرم الفلسطيني صاحب الدراسات الفائقة قدم قراءة عام 2017 في جامعة مغارب في المملكة المغربية.. وهي دراسة جديرة بالاستماع لها.. ومما قاله باختصار حول انطلاق المؤتمر القومي الإسلامي طيلة عقد ونصف.. فقد كانت التجليات مشجعة جدا لكن الثورات المضادة للربيع العربي أفشلت الخطوات التالية.. لكن إخواننا في اليمن التقطوا الفكرة وانطلقوا.. انتهى فحوى كلامه.

فقلت: هذا العملاق يدرك تماما ما يدور باليمن وأن تجربة اللقاء المشترك التي أشاد بها ليس لها وجود إلا في تعز.. فماذا في تعز؟

3- حوار جاد ومتفانٍ:

انضوى الوعي التعزي التواق إلى قيام دولة تحت راية اللقاء المشترك منذ وصول المليشيات إلى تعز.. وتبلور الوعي التعزي على السير في ثلاثة خطوط متوازية:

أ- الانعقاد الدائم للمشترك ومنظمات المجتمع المدني.

ب- انطلاقة جادّة نحو الحوار مع مليشيا الانقلاب.. مستحضرا المثل الشعبي "اقرأ ياسين وبيدك حجر"،
فتجسدت قراءة ياسين في فرز مجموعة للحوار بقيادة بطل السلام الشهيد صادق منصور الحيدري رحمه الله.

استمر الحوار من مطلع أكتوبر 2014 حتى 29 مارس 2015 تقريبا.. تحريك مسيرات بقيادة شباب اسمها "مد" الميم ترمز إلى "مواطن"..
الدال يرمز إلى "الدولة".. وأقوى مسيرة غير مسبوقة على الإطلاق شهدتها تعز كانت يوم 11 أكتوبر 2014.. للأسف لم تنل حقها في التوثيق الإعلامي.

ج- وباليد حجرٌ:

كان هذا هو المسار الثالث الذي سلكه حملة مشروع الدولة، فقد عمل فريق المشروع على تشكيل (غير معلن) اسمه مجلس تنسيق المقاومة من أعضاء اللقاء المشترك ومعهم صحفيون ووجهاء قبائل.. ظل المجلس يرتب أوراقه.. مستحضرا الآية "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين..".. أعني كان الأمل حاضرا بقوة في نجاح الحوار.. أو المقاومة.

4- قلق.. إرباك.. خنق:

اشتد الضيق لدى المواطنين.. إزاء الاستلاب المشهود والمسموع والتحليلات المتناقضة إعلاميا.. حول المحافظات الأخرى.. وفي ذات الوقت ازدادت أعداد المليشيات واستعراضاتها وسخرية قادتها في مجالس قيادات ومشايخ النظام.. تكررت السخريات ببنطلونات عيال تعز.

توالت اتفاقيات الحوار.. وفشلها بعد دقائق من التوقيع.. فردد المواطن تاليا للنص القرآني: "أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم..".. لأن قادة المليشيا توزعوا الأدوار.. فلان يوقع.. وفلان يرفض.

تزايدت أعداد المليشيات داخل وخارج مدينة تعز فاشتد حنق الشباب من الجنسين أولا.. وكبار السن ثانيا..
حملة مشروع الدولة تميزوا بالهدوء وعدم الإدلاء بأي تصريحات.

5- رأس جبل الجليد:

قصة شاهدتها بنفسي في الحي المجاور لسكني.. حيث كنت ماشيا فرأيت شابين متجاورين في سكنهما..
الأول: ما رأيك؟ هل تنصحني أترك المدينة.. وإلى أين نتجه؟
الثاني: مافيش هروب.. نموت هنا؟ وافترقا.. وبكل هدوء.. دخلا سكنهما.

6- مرونة واعية:

وفق إستراتيجية ذكية ومرنة.. تم إيكال المواجهة المرنة إلى قيادة مجلس المقاومة.. فوجدت المليشيا أنها تصارع أشباحا.. تلقت الضربات الموجعة من اللحظة الأولى في جبل جرة والزنوج والحجرية وصبر.. تم تطهير المدينة شيئا فشيئا وكم كانت المعارك مرعبة..

7- شباب جبل جرة:

تعز هي الرافعة الوطنية.. فالشباب الذين كانوا الذراع الحديدي في كل جبهات تعز.. وجبل جرة.. نقلتهم قيادة المقاومة إلى مأرب والجوف وميدي.. فأبلوا بلاء حسنا وارتقي منهم شهداء عن قناعة بمشروع الدولة.

8- ميري الشرعية طاغوت:

بدأ المواطن يتنفس من شاقوص ضيق.. فسمع بقدوم أنصار الشريعة إلى مدينة تعز لقتال الطاغوت المتمثل في لباس "ميري الشرعية".. اتجه ثيران راية أنصار الشريعة والرايات السوداء وأكثرهم من الخلايا النائمة نحو ما سموه بالطاغوت فقتلوا وذبحوا 282 جنديا ومقاوما.

9- القبض على الدفّة:

حملة مشروع الدولة، وسط الأعاصير والأدخنة اللافحة والمنتنة استطاعوا وضع اليد على دفة الموقف بحنكة واقتدار.. من اللحظات الأولى.

10- قيام الجيش الوطني.. ترقيما وإعدادا وقيادة..ثم أعقبه قيام الشرطة العسكرية والأمن والنجدة.

وأخيرا.. قيادات الأحزاب جلها من تعز.. فهل مشروع الدولة التعزي كان السبب في حصار تعز؟ وهل اقتربنا معك أخي القارئ من الجواب المنطقي؟

كلمات دالّة

#اليمن