الخميس 25-04-2024 23:25:18 م : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لماذا سبتمبر؟! (الحلقة الثانية)

الأحد 24 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ عبد العزيز العسالي

    

قلنا في الحلقة الأولى: إن الكتابة تحت هذا العنوان هدفها تزويد وتذكير جيل ما بعد الثورة بحقائق عن (جيفة الحكم السلالي)..نعم حقائق جديدة الكثير من أبناء جيل الثورة لا يعلمها، أوردنا في الحلقة الأولى شواهد مختلفة حول (جرائم السلالية) ضد الفكر والثقافة والعقيدة والتاريخ.

في هذه الحلقة : سننطلق من مقولة المؤرخ الإنجليزي (توينبي) - نظريته في حركة التاريخ، لخصها: التاريخ (مثير واستجابة)

ومن خلال هذه المقولة يمكننا الاقتراب من أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962 م، وسنجد مصداقية نظرية توينبي من خلال تجليات أهداف الثورة؛ كونها جاءت لتسير عكس خط الحكم السلالي.

الهدف الأول:

التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.

 التحرر يعني الإطاحة بالمستبد المحلي والاحتلال الأجنبي، وهذا التحرر أسهل ما يكون مقارنة بصعوبة التحرر من مخلفات الاستبداد والاستعمار. إذن السلالية العنصرية المتسبدة كانت قد غرست المفاهيم الخاطئة المعوجة عقدياً ودينياً وثقافياً وتربوياً واجتماعياً: باسم الدين.

ولنأخذ هذه الخطيئة السلالية، الإمام أحمد في ولاية عهده وبعد تسليمه السلطة: كان يختبر طلاب الصف الرابع حتى السادس يباشرها بنفسه! والسؤال العلمي الذي يوجهه الى الطالب:

(اذكر النسب الشريف) نسب السلالة الحاكمة؟ وقلما يضيف سؤالاً من آي القرآن، ناهيك عن الحديث واللغة، والحساب الخ ...

وعليه: فإننا مطالبون بعملية تقييم لحال المتعلمين في مدينة تعز يومها تقييم حصيلتهم العلمية النسب الشريف! أما في الريف: فإن التعليم خاص بأولاد المشايخ فقط الحساب فقط الى رقم (مئة)، وتعليم الحروف والقرآن الى السماء ذات البروج فقط. والهدف أن أولاد المشايخ سيكونون

جباة للزكاة والإتاوات الضريبية على (العثرب) والحطب وخلية النحل الواحدة والثور والشاة!

السؤال المطروح: أين بقية الشعب وما حصته من التعليم، بل ما هو حظ المتعلم في المدينة؟!

 سمعت الرئيس السلال في مقابلة إذاعية قبل وفاته -رحمه الله- يصف حال الطلاب اليمنيين المبتعثين للدراسة في بغداد، وكان السلال أحدهم فقال: إن عمادة الكلية الحربية ببغداد أعطت كل واحد منا غرفة خاصة ودولاب فرفضنا بكل استماتة وصممنا أن هذا تآمر، فنزلت الكلية عند

رغبتنا وجمعت طالبين اثنين في الغرفة - تصرف خاص باليمنيين فقط. هذا الرفض والتصميم هو جبل الجليد كما يقال انه يشير إلى الهوة السحيقة التي يعيشها شعب بكامله من مخلفات الاستبداد والعنصرية السلالية.

إذاً: مخلفات الاستبداد تركة كبيرة في كل اتجاهات حياة الشعب اليمني.

 

شهادة أخرى على مخلفات السلالية

 كاتب هذه السطور مولود قبل 26 سبتمبر بأسبوع واحد حسب تاريخ والدى -رحمه الله- لي ولسائر إخواني، خلاصة الشهادة: هي أني بلغت ست سنين وكان الراديو في بيتنا أداة اجتماع للناس؛ المشايخ ووجهاء وعوام. كان والدي -رحمه الله- مولعاً بالمداعة؛ الأمر الذي جعله يمنعني

من الخروج الى اللعب مع الأولاد أقراني يلزمني بالبقاء لإصلاح حال (البوري). كانت النشرة تسكت الجميع، غالبا لا يفهمون إلا الهرج لعبد الناصر أو السلال، وقبلهما الزبيري -رحم الله الجميع- ، تنتهي النشرة ويتردد السؤال يومياً: ما هي الجمهورية؟!

 يأتي الجواب غالباً: الجمهورية مليح، لكن الدين سيضيع؟ فهل كانت السلالية تخدم الدين؟ هل الدين هو النسب الشريف؟!

أترك التعليق للقارئ إزاء السؤال الآنف والممل!

شهادة هامة تعطينا دلالة على عمق الهوة التي هوى فيها العقل اليمني.

كان الراديو في حدود علمي بعيداً عن مكافحة مخلفات الاستبداد السلالي. نعم كانت الزمجرة قوية ضد فلول الملكية في شمال الشمال المحاربين للثورة والجمهورية لا لتعرية مخلفات الاستبداد، وإنما سباً مقذعاً للدول الداعمة للملكية. بالمقابل كان التمجيد للسلال، وناصر.

نموذج آخر شاهد على مخلفات السلالية، وغيبوبة وعي القائمين على الاعلام.

 

لاحظت كثيراً

عسكر بطبيعة الحال مأمورين من الجهات الرسمية، وكان العسكري لازال هو هو عكفي إمامي ملبساً وسلوكاً، فقد كان يطلب من المواطن فلوساً لكي ينام (ممسى)، وما لم يعط سيذهب الى الجهة يقول المواطن رفض الأمر! ليس هنا أية غرابة على ما فيها، وانما حسب ما فهمت بعد ذلك ان (الممسى) إبان الملكية نصف ريال او ربع ريال يومها- لكن بعد الثورة لا يقل (الممسى) عن ريالين ونصف؟! والأدهى والأسوأ أن هذا (الممسى) الجمهوري يفصح عنه العسكري بصوت واضح (ممسى) نحن في دولة (قومية)!

 لا أدري هل كان العسكري يعي بخبث ودهاء ام الغباء هو هو؟! وما كنا نسمع رداً من المواطنين على العسكر ماسمعنا من يقول للعسكري: نحن في عهد الجمهورية هيهات فاقد الشيء لا يعطيه!

كان القلة يدركون معنى الجمهورية والثورة، ومع ذلك هرع الكثير من الشباب الى سلك الجندية بحماس عجيب للجمهورية. غير أن المنطقة- شمال الشمال مدت يدها لفلول السلالية في جرف حجة وتآمر الإقليم- بل كل الدول العربية ضد الثورة اليمنيه عدا مصر، والعراق كان موقفها سلبيا.

 

من الآثار السلبية لمخلفات السلالية

 

آثار قاتلة فعلاً: غياب التخطيط عند القائمين على الثورة، التخطيط في أبسط درجاته والذي انعكس ضد الثورة من لحظاتها الأولى.

دخول الثورة في أزمة، وتجلت مظاهر الأزمة في:

حماس الثوار - قتلوا مسؤولين كانوا في صف الثورة سراً خلال فترة الملكية، وللأسف قتل هؤلاء وفي مقدمتهم نائب الإمام أحمد عبدالله عبدالكريم، وهو من الداعمين للثورة بحسب شهادات موثقة – مذكرات محمد عبد الواسع الأصبحي.

هذا الهيجان الغوغائي تسبب في قتل أشخاص دونما ذنب او محاكمة، البعض كان يصفي حسابات شخصية باسم الثورة ومن هؤلاء- الرجل البريء بن عاطف المصلي قتل ظلماً وكشفت بعض المصادر فيما بعد أنها صراعات مشيخ.

 كثيرون قتلوا ولم يسمع لصوت العقل - حسب القاضي الإرياني رحمه الله ومن كان في صفه كالزبيري والنعمان- التيار الجمهوري المدني.

بوادر إيجابية: لكنها وئدت. تذكر بعض المصادر أن أعداداً من الشباب تقدموا بكشوفات الى الرئيس السلال -رحمه الله- تضمنت طلب ترخيص لإقامة أحزاب وتكتلات، فأقرها السلال.. وهنا انطلقت هذه التكتلات للقتال في صف الثورة بحماس منقطع النظير، ولم يمر سوى شهر تقريباً حتى وصل (السادات) من مصر مبدياً استعداد مصر للوقوف مع الثورة اليمنية بالدم والمال ومحاربة الدول الداعمة للملكية مشترطاً على السلال الغاء التكتلات الشبابية والأحزاب، وأن هذا شرط الزعيم ناصر.

- حاول تيار الثورة المدني الحيلولة دون هذا الشرط (إلغاء الأحزاب)، وكذا إقناع السادات بعدم محاربة السعودية، فشل التيار المدني ونجح الضباط المتحمسون، وانتهي السادات مخاطباً الارياني: "يابتوع قاضي: حنكون بعد أسبوع في البطحاء الرياض"!

النتيجة الأولى: انصدم شباب التكتلات - بقرار إلغاء التعددية، الأمر الذي انعكس سلبا فتفرق الشباب معظمهم، وحرمت الثورة من دفاع الشباب، ليتسلم الراية بدلاً عنهم الجيش العربي المصري.

النتيجة الثانية: حرب عدمية مع الجيران.

 

السلالية وجدت بغيتها

 

 لم تترك السلالية أسلوباً الا وطرقته، وكان إعلامها قوياً الى جانب إعلام المملكة التي استفزها ناصر بالحرب المعلنة صراحة.

لقد وظفت السلالية أخطاء الثوار كما أثارت حفيظة قبائل الشمال: ان الفراعنة احتلوا بلدكم.

السلالية وظفت القبيلة والدين وسذاجة المجتمع محذرة من الفكر الشيوعي والقومي، وظفت هذا لصالحها ليس حباً في الدين، كما هو معلوم لدى سياسة الطغيان السلالي.

 

السلالية بجلدها الجديد

 

تحركت السلالية وسط القبيلة ولكن بقميص الباطنية كونها قادرة على التلون والنفاق، وتمت الخطة بذكاء تمكنت الباطنية من الاستيلاء على الدولة العميقة - الاستخبارت وبصمت، حتى استمالت القبلية؛ لأن معظم الشعب لا يفهم اللهم الا الحكم على الظاهر والظاهر فيه طيش وانحراف وممارسات خاطئة لاشك. ممن يدعون الثورية، فتفجر الموقف داخل الدولة والجيش والأمن تفجراً طائفياً، وجهوياً، وكانت الحزبية غلافاً باهتاً يخدم المناطقية والجهوية: يمن أعلا، يمن أسفل، كان رائد هذا الاجرام وزارع فتيله عبدالرحمن البيضاني، يقال و الله اعلم انه ليس يمني لكن قرابته انه متزوج أخت السادات جعلت منه نائبا للسلال بين عشية وضحاها، وبعد أيام قلائل بدأت تنبعث روائحه المنتنة بإعلان المملكة الشافعية، صحيح انه تم طرد المذكور وسحبت الجنسية منه، لكنه كان قد غرس فتيلا خدم السلالية أيما خدمة!

 

انقسام بين رفاق الثورة انتهت بأحداث مأساوية السبب الأبرز يعود إلى مخلفات السلالية الثقافية الضحلة والمخزون في اللاوعى.. ممارسات عقود طويلة من السلالية الطاغية البغيضة والخبيثة في آن.