الجمعة 19-04-2024 09:19:37 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تجار الحروب.. كيف حقق الحوثيون الثراء الفاحش مقابل إفقار وتجويع ملايين اليمنيين؟

الثلاثاء 30 يونيو-حزيران 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت-خاص/ زهور اليمني

 

إن أبشع أنواع المتاجرة هي المتاجرة بأرواح البشر، والثراء على حساب حياتهم وإهدار دمهم، وهذا ما انتهجته المليشيات الحوثية منذ اليوم الأول لانقلابها، حيث غدت صنعاء منذ سيطرة المليشيات عليها محكومة بالقمع والتنكيل والفقر.

تشهد صنعاء متناقضات تكشف عن اختلال كبير في منظومة الحياة، حيث لم يعد يوجد فيها سوى طبقة فاحشة الثراء، كانت تعيش حياة بسيطة، وطبقة أخرى مسحوقة، تعيش على بقايا طعام مشرفي المليشيات، بينما الطبقة الوسطى انتهت.

من يخالف من العقال يتم عزله من عمله:

 انتشار ظاهرة "السوق السوداء" للوقود والغاز المنزلي، وحصر توزيعه على عقال الحارات في بعض أحياء العاصمة إنما يقف وراءه قيادات حوثية تسعى إلى الثراء الفاحش، جراء استثمارها لذلك وبيعها في السوق السوداء بأسعار خيالية، والذي تملك فيه نصيبا كبيرا.

أحد عقال الحارات يحدثنا قائلا: "تسعى المليشيات بين الحين والآخر إلى اختلاق أزمات في مادة الغاز المنزلي، لتسهيل رفع أسعارها في السوق السوداء إلى أعلى مستوى ممكن، فرغم علمنا بتوفر الغاز إلا أنهم يمتنعون من توزيع الكميات المطلوبة، ويصدرون لنا أوامر باختلاق أزمة ونشر هذه الأخبار بين الناس حتى يتوجهون إلى السوق السوداء، ومن يخالف ذلك من العقال يتم عزله من عمله".

وأضاف: "أحد أصدقائي، وهو مقرب من الحوثيين، أخبرني أنهم يفرضون مبالغ مالية باهضة على التجار المستوردين، وأن السوق السوداء تدر على الحوثيين مبالغ تقدر بأكثر من 120 مليار ريال، تستثمر جزءا من هذه المبالغ في تغطية نفقات المجهود الحربي كما يزعمون، في حين تصادر البقية لحساباتها البنكية الخاصة".

منع دخول النفط خسارة للمليشيا:

تعصف أزمة المشتقات النفطية بالعاصمة صنعاء، حتى وصلت عبوة البترول (20 لترا) في السوق السوداء إلى 23 ألف ريال.

هذه الأزمة استغلتها قيادات حوثية لتحقيق الثراء على حساب المواطن البسيط، فقد كشفت حادثة الحريق التي اندلعت في منزل القيادي الحوثي ناجي الحاكم، والمقرب من أبو علي الحاكم الذي يشغل رئيسا للاستخبارات العسكرية للمليشيا، أن الحريق نتج بسبب التخزين العشوائي للمشتقات النفطية في بيت ناجي الحاكم الذي يملك محطة وقود في منطقة مذبح، والذي كغيره من القيادات الحوثية قام بإخراج المشتقات النفطية من المحطة وتخزينها في منزله وفي دكان بجوار منزله، تمهيدا لبيعها في السوق السوداء، وهو ما تسبب في اندلاع حريق نتيجة ماس كهربائي انتشر ليطال 7 من منازل المواطنين.

ويأتي منع المليشيات للمقطورات المحملة بصهاريج النفط من الدخول إلى مناطق سيطرتها في إطار مصلحتها، والتي تعتمد بشكل كبير على مورد النفط الذي تشتريه بأسعار رخيصة وتقوم ببيعه بأسعار مرتفعة جدا.

 كما أن المليشيات تحصل على منح تغطية يتم شراؤها بأسعار زهيدة من دول حليفة لها أغلبها من إيران، لذا يمثل منع دخول النفط من مناطق الشرعية خسارة للمليشيا، والتي تحقق أرباحا طائلة من النفط وخاصة خلال بيعه في السوق السوداء.

توقف محطات الكهرباء أحد أسباب ثراء الحوثيين:

ما هو واضح ومؤكد للجميع أنّ من يسيطر على جميع المرافق والقطاعات والمؤسسات الحكومية في صنعاء هم الحوثيون، وهم الذين سلموا أغلب القطاعات العامة للقطاع الخاص، وبالأصح تم تسليمها لأتباعهم، للاستثمار فيها لصالحهم وتمويل خزينتهم.

أحد العاملين في محطة حزيز الكهربائية يحدثنا قائلا: "توقُّف محطات حزيز وذهبان والقاع الكهربائية عن الخدمة كان مقصوداً من قبل وزارة الكهرباء ممثلة بوزيرها، وبعض القائمين على محطات الكهرباء التابعين للحوثيين، مبررين سبب ذلك إلى توقف محطة مأرب الغازية، رغم أن تبريرهم هذا غير مقنع أبدا، فهم قادرون على تشغيل محطة حزيز وإعادتها للعمل لأنها تعمل بالمازوت الذي يمكن توفيره، تماما كما تصل المشتقات النفطية إلى مختلف محطات العاصمة صنعاء".

وأضاف: "أما بخصوص قولهم إن المحطة توقفت بسبب خلل أصابها، فقد سبق أن القائمين على محطة حزيز بالذات قاموا بصيانة المحطة وإعادة تشغيلها قبل ثلاثة أعوام، لكنهم تعمدوا إيقافها مرة أخرى إلى يومنا هذا، وهذا يكشف كذبهم وأنه لا يوجد أي خلل أو مشكلة حسب ادعاءاتهم، ويثبت أنّ هناك اتفاقاً على إيقافها، لأجل الاستمرار في الاستثمار في المولدات التجارية التابعة لهم".

وتابع: "فمحطة حزيز تمتلك القدرة على توليد التيار الكهربائي لعموم صنعاء لفترة لا تقلّ عن سبع ساعات يومياً، إلا أن تشغيلها سوف يضر مالكي المولدات التجارية الخاصة، الذين تربطهم علاقة استثمار مشبوه مع وزير الكهرباء وبعض القيادات الحوثية، فالوزارة تحصل على نسبة معينة من مالكي المولدات التجارية بعد كل كيلووات يستهلكه المواطن، بالإضافة إلى الضرائب التي تحصل عليها الوزارة، والأهم من كل ذلك أنه في حال تم إعادة الكهرباء العمومية، سوف تضطر الوزارة إلى دفع رواتب موظفيها، وستتحول إلى جهة إيرادية، وذلك ما يتهرب منه القائمون عليها منذ ثلاث سنوات".

استغل الحوثيون الحرب لإثراء أنفسهم:

كشف تقرير "تقييم تأثير الحرب في اليمن على تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، الذي أعده مركز باردي للعقود الدولية في جامعة دنفر، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أنه في الوقت الذي تنمو فيه فجوة الفقر وتعاني العديد من الأسر في قاع التوزيع، استغل الحوثيون الحرب لإثراء أنفسهم، مما أدى إلى تزايد عدم المساواة.

وأوضح التقرير أن إجمالي الناتج المحلي للفرد انخفض من 3577 دولاراً إلى 1950 دولاراً، وهو مستوى لم يشهده اليمن منذ ما قبل عام 1960، ويعد اليمن الآن ثاني أكبر بلد غير متكافئ في العالم من حيث الدخل، حيث تجاوز 100 بلد آخر في مستويات عدم المساواة في السنوات الخمس الماضية.

حول هذا التقرير تحدث أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء (ع. ص) قائلا: "أثرت الحرب التي أشعلها الحوثيون على النمو الاقتصادي الفعلي والمحتمل، وقضت على المكاسب المحققة بسبب الخسائر في رأس المال المادي والبشري والتشرد الداخلي، وتشرذم المؤسسات المالية، وهروب رأس المال الوطني وهجرة الكفاءات، وبالتالي تمثلت الخسائر المفقودة في الاقتصاد اليمني، في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، والإيرادات العامة، والفرصة الضائعة التراكمية في إجمالي الاحتياطيات الخارجية، وتكلفة الفرصة الضائعة على موظفي الدولة والرعاية الاجتماعية بسبب توقف الرواتب منذ نهاية 2016، والاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة".

وأضاف: "منذ عام 2015 خسر الاقتصاد اليمني 89 مليار دولار، في النشاط الاقتصادي المفقود، وتعطيل الأسواق والمؤسسات، وتدمير البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، والتقرير الدولي الأخير يؤكد أن ثراء الحوثيين إنما هو جراء تسخير مؤسسات وأجهزة الدولة الواقعة تحت سيطرتهم لمساندة عناصرهم في الهيمنة على الأنشطة الاقتصادية والتجارية الداخلية والخارجية".

المليشيات المستفيد الوحيد من أموال الزكاة:

أفاد تجار بأن المليشيات بدأت مع مطلع شهر رمضان في تدابيرها التعسفية في العاصمة وبقية المناطق الخاضعة لها، لجباية أموال الزكاة لهذا العام وتوريدها إلى حسابها، وبموجب هذه التدابير حرمت المليشيات آلاف الأسر الفقيرة من الحصول على سلال غذائية ومساعدات يقدمها التجار سنويا، حيث باتت المليشيات هي المستفيد الوحيد من أموال الزكاة النقدية والعينية، كما حدثنا أحد التجار، حيث قال: "للأسف بموجب هذا القرار والتعميم الذي يلزم منتسبي القطاع الخاص بالامتناع عن صرف الزكاة للفئات المستحقة من الفقراء، والاكتفاء بدفعها للهيئة الحوثية ذاتها، تكون الفئة المتضررة هي طبقة الفقراء الذين يعيشون على مساعدة التجار بإخراج الزكاة والصدقات".

وأضاف: "نشرت المليشيات هذا العام فرقا ميدانية للنزول إلى شركات القطاع الخاص والتجار وملاك العقارات والأراضي الزراعية لتحصيل أموال الزكاة، وهددت بمعاقبة من يتأخر عن الدفع، وهذا ما حصل فعلا، فقد أغلقت كثيرا من المحال وتم معاقبة من امتنع عن دفع الزكاة لهم، وأنا أحد التجار الذين تم إغلاق محالهم بسبب امتناعي عن دفع الزكاة لهم".

وتابع: "للأسف تعتبر الأزمة الإنسانية هي المأساة الأشد بشاعة التي شهدناها منذ انقلاب الحوثيين، فقد حاربوا الناس في قوتهم وفي مصدر رزقهم وضيقوا على التجار ورجال الأعمال، مما أدى إلى ظهور كثير من المآسي الإنسانية شديدة البشاعة، بفعل تفشي حالة الفقر وتزايد أعداد المتسولين، مقابل ثرائهم الفاحش الذي بتنا نرى مظاهره على قياداتهم".

وأكد مسؤول سابق في مصلحة الواجبات الزكوية، أن قيادات المليشيات الحوثية لا تدفع أي زكاة عن استثماراتها أو ممتلكاتها التجارية، بحجة أن تلك القيادات تعمل لصالح الحوثيين ولا يتوجب عليها دفع الزكاة.

وأشار إلى أن اللجان الميدانية التابعة لمصلحة الوجبات الغذائية تمنع دخول الكثير من المؤسسات التجارية الحوثية، وتقابل بالشتم وأحيانًا بالاعتداء، وباتت معفاة من أي رسوم أو ضرائب أو زكاة.

شركات تعلن إفلاسها:

منذ انقلاب الحوثيين على السلطة، دخل الاقتصاد اليمني في أتون أزمات متعددة، وشهد خلالها تدهوراً حاداً نتيجة حملات التعسف والنهب والابتزاز والمصادرة بحق التجار والشركات، التي أجبرت عددا كبيرا من رؤوس الأموال على مغادرة مناطق الحوثيين، في حين دفع الإفلاس آخرين إلى إغلاق شركاتهم ومتاجرهم. 

وكان خبراء اقتصاديون حذروا في وقت سابق من خطورة الإجراءات الحوثية على رجال الأعمال اليمنيين والمتمثلة في فرض رسوم جمركية وضريبية مرتفعة وجبايات وإتاوات أخرى غير قانونية، قد تؤدي إلى إفلاس شركات القطاع الخاص، وانكماش الاقتصاد الوطني مما ينعكس سلبا على الحياة المعيشية للمواطنين.

شركة "واي" للاتصالات كرابع مشغل للهاتف النقال في اليمن، إحدى الشركات التي أعلنت إفلاسها في منتصف مارس الماضي، حيث أعلن الحوثيون وعبر محكمة تابعة لهم بصنعاء إفلاس الشركة، في خطوة وصفها اقتصاديون بأنها تهدف إلى تمكين نافذين حوثيين من استكمال الاستحواذ والسيطرة عليها.

وزعمت حينها المحكمة أن إعلان إفلاس هذه الشركة جاء بناءً على عجزها عن سداد ديونها التجارية لـ"شركة لينك إن تايم المحدودة" و"شركة مينا فاز المحدودة" في ضوء رفع الشركتين دعوى ضد "واي" أمام المحكمة.

وتباعا لمخططات المليشيات التي نجحت تدريجيا على مدى خمسة أعوام في تفكيك القطاع الخاص والقضاء عليه، أعلنت شركة "راحة" للنقل البري المحلي والدولي هي الأخرى عن إفلاسها، وإغلاق نشاطها نهائياً وتسريح جميع موظفيها.

وأرجعت مصادر في الشركة إنهاء خدماتها إلى الأوضاع بشكل عام التي تمر بها البلاد والتي تسبب بوقوعها انقلاب المليشيات على السلطة، وكذا تفشي فيروس "كورونا" المستجد.

أحد خبراء الاقتصاد تحدث إلينا قائلا: "انتهج الحوثيون في تدميرهم الاقتصاد اليمني وإدارة الأسواق السوداء البديلة، خطة تشبه في كثير من تفصيلاتها منهج الحرس الثوري الإيراني، في إدارته للمؤسسات الموازية في إيران، فهذه الأسواق ليست سوى نموذج بسيط لهذا التدمير الممنهج، فمنذ انقلابهم والاقتصاد اليمني في حالة تدهور مخيف، مواصلين تكبيد القطاع الخاص تكاليف إضافية باهظة فوق طاقته، عبر فرض المزيد من الضرائب والإتاوات بصورة يومية".

وأضاف: "الإتاوات الحوثية ضيقت الخناق على "الرساميل الصغيرة"، مع تراجع القوى الشرائية من قبل المواطنين بسبب توقف الرواتب، وندرة فرص العمل، وارتفاع تكاليف التشغيل، ووصول أصحاب الشركات إلى العجز عن تسديد أقساط القروض، مما أدى إلى إغلاق أكثر من 30% من مؤسسات الأعمال أبوابها، وخسرت أكثر من 70% من قاعدة عملائها في مناطق سيطرتهم، بالإضافة إلى 95% من المشاريع التي تم إغلاقها تكبدت أضرارا مادية جزئية أو كلية، بينما قرابة 41% من المشاريع التجارية استغنت عما يزيد على نصف قوتها العاملة".

وتابع: "للعلم فقط، تشكل الصناعات الصغيرة أكثر من 90% من حجم الاقتصاد، في حين تعثر نحو 40% منها بسبب توقف في الإنتاج، ما تسبب بتأثير مباشر على الاقتصاد والإنتاج وتوسع شريحة الفقراء وازدياد نسبة البطالة".

أغلب تجار الأسلحة حوثيون:

منذ سيطرتهم عليها شهدت صنعاء انتشاراً كبيراً لمحلات بيع الأسلحة بمختلف أنواعها، وتوسع مستمر لهذه الظاهرة في مناطق متفرقة من صنعاء، من بينها جولة عمران، ومنطقة جحانة، وحي شميلة، والحصبة، وحزيز، والسنينة، ومذبح، وشارع خولان، وصنعاء القديمة.

وبحسب حديث بعض من سكان هذه الأحياء، فإن أغلب تجار الأسلحة هم حوثيون لا يخضعون لأي رقابة أو إجراءات أمنية أو قانونية.

يقول أحد المواطنين: "في المنطقة التي أعيش فيها (حزيز) إنّ فتح أسواق بيع الأسلحة أو شرائها من المحال لا يحتاج إلى وثائق أو تراخيص أو مستندات، بل يتم كل ذلك بطريقة مباشرة بين البائع والعميل، ومن دون فواتير شراء، وبمجرد شراء السلاح تدفع قيمته وتحمله على كتفك وتمضي".

في صنعاء القديمة تحول كثير من التجار من العمل في الحرف التقليدية وتجارة المنتجات اليدوية إلى بيع الأسلحة والذخيرة، حيث إن تجارة السلاح أصبحت مصدر دخل كبير وثراء كثير من بائعيه، ومعظمهم، وفق المراقبين، من قيادات ومشرفين ينتمون لمليشيا الحوثي.

كلمات دالّة

#اليمن