الجمعة 19-04-2024 02:31:13 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

لماذا سبتمبر؟! (الحلقة الأولى)

السبت 23 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ عبدالعزيز العسالي

    

شهادات وحقائق لمن يريد أن يفهم

تمهيد:

لماذا سبتمبر؟!.. سؤال كبير بحجم وطن شعبنا اليمني بأكمله.

لماذا سبتمبر؟! محاولة في الأسطر التالية إسهاماً في تنوير جيل ما بعد ثورة 26 سبتمبر، حيث إن البعض يكتفي مجملاً بأن 26 سبتمبر يعني الإطاحة بنظام ملكي واستبداله بنظام جمهوري. هذا الكلام المجمل صحيح بحد ذاته، كما أن البعض لديه تفصيل مجمل أيضاً.. يقول: إن ثورة ستة وعشرين سبتمبر قامت ضد ثالوث التخلف؛ الفقر، الجهل، المرض، وهذا صحيح أيضاً.

لماذا سبتمبر؟!

لاشك أن هنالك كتابات حول الوضع الذي عاشه الشعب اليمني خلال فترة حكم السلالة، غير أن كاتب هذه السطور يزعم -في حدود علمه- أن الذين كتبوا عن ثورة 26 سبتمبر –أسبابها وأهدافها- أغفلوا قضايا وصوراً وشهادات مجتمعية ومآسٍ اجتماعية وفكرية وثقافية، تحمل دلالات شاهدة على جيفة تاريخ "السلالية" المنتنة بحيث لو علمها جيل ما بعد الثورة لاشك أن موقفه سيتغير إيجاباً نحو مزيد من الكفاح وصولاً إلى مستقبل أفضل، بل لن تنخدع ولن ينطلي عليه تاريخ الجيفة السلالية.

لماذا سبتمبر؟!

سننطلق من هذه المحاولة تحديداً صوب تقديم شهادات سيرويها كاتب هذه السطور.. نعم هي رواية بكل ما تحمله من معنى، إسناداً وتوثيقاً، وهي شهادات الهدف منها الإسهام في تنوير الجيل بزوايا مظلمة عاشها جيل الآباء والأجداد، كما أن الهدف منها توثيق لما لم يوثق. إنها شهادات

لقد نطق بها شهود عيان بغض النظر عن دوافع بعض الشهود ونواياهم غير أن المهم أنها شهادات صادقة بالفعل.

لماذا سبتمبر؟!

كاتب هذا السطور سمع أكثر من مرة من شباب جامعي كلاماً يشيد بفترة حكم الجيفة السلالية قائلا: هناك مبالغات في وصم وانتقاص عهد ما قبل ثورة سبتمبر!

- آخرون جامعيون أيضاً، بدت مفرداتهم متحاملة على أدباء وشعراء وكتاب ثورة 26 سبتمبر، على سبيل المثال لا الحصر، قال بعضهم ناقماً ومتحاملاً على البيت الشعري البردونية:

فولى زمان كعرض البغي     وأشرق عهد كقلب النبي

وآخرون بدت نقمتهم على أبيات زبيرية أنها من وديان الشعر الغاوي المليء بالكذب:

ما لليمانيين في نظراتهم    بؤس وفي أناتهم آلام؟!

فجهل وأمراض وفقر فادح    ومجاعة ومخافة وإمام

غير أن كاتب هذه السطور حاول تقديم بعض الشهادات المسندة إلى رجالها الإثبات تراجعت تلك النقمة الصادرة عن جهل مركب. ولم يكتف الكاتب بهذا التراجع بل طلب منهم الاستغفار للشعراء والكتاب.

لماذا سبتمبر؟!

هناك في أوساطنا جيل ما بعد الثورة لديه معلومات قريبة أو أكثر أو أقل من هذه الشهادات، لكنه يلتفت إلى الواقع المعيش - عقوداً خمس بعد ثورة سبتمبر مقارناً ببعض الدول ومتمتع به من رفاه وتعليم وبنية تحية الخ... وينتهي إلى القول: لو كانت الملكية "أم" فإن حكام ما بعد ثورة سبتمبر (خالة)!

 قد يكون محقاً – ولا ريب في جانب - لكن عندما يسمع أننا لا نبرر لحكام ما بعد الثورة، وإنما نلفت نظره الى مآسٍ زرعتها الجيفة السلالية وكنا نلاقي صعوبة -ولا زلنا نلاقي صعوبة- في الإقناع حتى اللحظة، غير أن هذا الفريق تقلصت مساحته بعد الانقلاب السلالي الإنقاذ من جرعة سعر الغاز( 21 / 9 / 2014 فأدرك خطورة النتن السلالي والأسرى والجهوي والعشائري، ومع ذلك لازال هناك الكثير بحاجة إلى تنوير.

لماذا سبتمبر؟!

يزعم الكاتب إيراد هكذا شهادات على الكيفية التالية: إنها ذات فاعلية أكثر في إقناع جيل التيه الذي تعمدت سلطات ما بعد الثورة إهماله ولم ترسم له برنامجاً تثقيفياً ليسهم في البناء.

لكن قبل وبعد كل ما سبق نود القول: إن فترة (جيفة الحكم السلالي) مهما قيل عن مساوئها فهو قليل.. نعم قليل، والدليل ماثل - الانقلاب السلالي العفاشي المناطقي الجهوي الطائفي والذي يتجرع الوطن ويلاته حتى اللحظة..

 فإلى الشهادات:

1 - الشاعر الشعبي الثائر الزاهد أحمد قائد مغبش -رحمه الله- ، قال لي: سأعطيك قصائدي أخرجها في ديوان وأناشدك الله لا تكتب اسمي ولا تضع صورتي على الديوان، فقط ضع عنوان الديوان (حتى لا ننسى).. سألته: ولم؟!

 أجاب: أولاً: هذا طلبي منك، ثانياً: عنوان الديوان سيعكس مضمون القصائد لأنها تتحدث عن السلالية وعهدها الإجرامي الظالم ذلك أن الكثير من جيل الثورة لا يعلمون لماذا قامت الثورة؟!

ثم ذكر القصة التالية وعززها بيمين قاطع وكنت لحظتها معه على باب المسجد، قائلاً: إن هذه القصة شاهدها بأم عينيه. قال -رحمه الله: كنت أمام مقام الإمام أحمد بتعز صباحاً، وجاء العكفة لديهم عدد شوالات "كدم" (نوع من الرغيف خاص بالجيش)، ثم نثر الشوالات وهرع العسكر لاستلام حصتهم من تلك "الكدم". الخلاصة: تم التوزيع وانصرف الجميع، وكان في القرب عدد من المواطنين الجوعى هالكين من الجوع، فبادر الجوعى لالتقاط الفتات المتناثر وأحدثوا ضجة بسيطة، لحظتها وصل الإمام وصرخ في العكفة: ما هذا؟ أجابوا: يا سيدي فتات..وجوعى!

فتغير وجه الإمام، ظننت لحظتها أنه سيقدم لهم المساعدة، غير أن الذي حصل أنني في اليوم التالي كنت منتظراً بنفس المكان، وكانت المفاجأة أن الإمام وصل قبل الجميع ومعه عدد من الجند فأمرهم بإدخال

سلال الدجاج إلى خلف المقام ثم جيء بالدجاج ووضعت في السلال، وبعد التوزيع للكدم أمر الإمام برفع الفتات المتناثر إلى حظائر الدجاج حاول بعض الجوعى كالمعتاد أن يلتقط..فصرخ به العكفة: "حق الإمام"!

 فولى الجائع كسيفاً يحمل جبالاً من الرعب ورجلاه تكاد لا تحمله من شدة الخوف والجوع.

2 - أيضاً .. عمي - وهو شيخي الذي درست على يديه قال لي مراراً – طبعاً - يمدح الإمام إنه ذو دين ويغار على الدين!

قال اشتد الجوع في إحدى السنين إلى حد أن الكثير فارقوا الحياة جوعاً، فجاء الخبر أن إيطاليا أو غيرها قدمت مساعدة لليمن طابونة وهرعنا الى مقام الإمام. قال: كان الحاضرون يتداولون الحديث ببراءة الجياع فقال بعضهم: "رضي الله عن إيطاليا او اميريكا" فصرخ الإمام: "هكذا"؟!

وأصدر أمرا برمي المعونة من الميناء إلى البحر، وأتبعها قائلاً: قولوا لأمريكا تنفعكم؟!

وسألت شيخي عن هذا التصرف فقال: الإمام كان يغار على الدين، كيف يسمع الدعاء لليهود والنصارى ويسكت؟!

3 - كاتب هذه السطور تم اعتقاله يوم عيد الأضحى عام 1402هـ تقريباً 1982م، كان الاعتقال من قبل القائد العسكري في شرف العسيلة (قريتي) بحجة أني لم أقم بالحراسة في التلال أسفل الموقع العسكري حيث كانت الحراسة إجبارية على كل مواطن.

الخلاصة: وأنا في الزنزانة جوار المسجد صبيحة عيد الأضحى خرج الشيخ محمد احمد العسالي -رحمه الله- لصلاة العيد في المسجد، فتساءل مستغرباً: "عجيب محابيس يوم العيد؟!"، ثم نادى علينا فجاوبته وعرفته بأسمائنا، وأردفت قائلاً: يا شيخ القائد الآن سيصلي معك بإمكانك تشفع... فقاطعني.. مستحيل!

ولم؟!

أجاب: "يا بني الإمام حبسني 5 أيام لأني قابلته وأنا لابس كوفية (طاقية) بدون عمامة، إمام يا ابني يغار على الدين، وعليه: أتريد أن أتحدث مع قائد عسكري أقرع؟! لا لالا...

 أنا شخصياً لا أفهم معنى هذه الغيرة لكن ربما القارئ يفهمها أفضل منى!

4- قبل خمس سنوات وجدت شيخاً متقدماً في السن لكنه نشيط جاء ليقطع نظارة، وحسب قوله إنه بلغ من العمر 98 عاماً، وأردف قائلاً بأنه شارك بشق الطريق القادم من شرق صبر إلى القصر - صالة، وأن ولى العهد أحمد بن الإمام يحيى زارنا يوم فجأة على ظهر الخيل بعد الظهر وكان فيه مطر قليل، وأحد العمال لديه روماتيزم يتألم من قطرات المطر فانزوى جوار صخرة، وحضر ولي العهد وصرخ في وجه الرجل: "تختبئ وابن الإمام بين المطر"؟!!

وكان هناك عامل فيه خفة عقل فصرخ: يا بن الإمام معك ثياب كثير وصاحبي ليس إلا ذلك الإزار!

فالتفت ولي العهد نحو المتحدث ثم حول نظراته إلينا وكان الشر يتطاير من وجهه، ثم انطلق وما هي الا دقائق حتى وصل العكفة يريدوا ضرب الرجلين الهارب من المطر والذي خاطب ابن الإمام، غير أن الرجلين كانا قد لمحا العكفة فأعطيا أقدامهما للريح هرباً من بطشهم.

ووصلوا ولم يجدوهما فمارسوا ضدنا رقابة شديدة بقية اليوم حتى منعوا شرب الماء لأننا أسأنا إلى ابن ماء السماء الطاهر المطهر من كل رحمة!

 

التعصب المذهبي

1- حدثني شيخي الجليل هو شيخ الشيوخ في نظر مشايخ العلم، قال كنت أدرس الفقه الشافعي والفقه الهادوي للقضاة الذين سيحكمون في المناطق الزيدية، فكان الإمام أحمد يعطيني مقابل تدريس الفقه الشافعي ريالاً واحداً (فرنص)، وأربعة مكاييل حب؛ يعني نصف كيس قمح بالشهر فقط، ومقابل تدريس الفقه الهادوي كان يعطيني ما يقابل كيس قمح في الشهر وخمسة إلى ثمانية ريالات فرنص شهرياً!

 

الدس والتحريف

2 - الدس والتحريف هذه تكاد تكون من الأمور البديهية لدى الشيعة عبر التاريخ، غير أن هذا الدس لم يكن في الحسبان تجاه شخص بحجم الإمام أحمد غير معقول!.. لكنه حصل فعلاً حيث طلب الإمام من أمين مكتبة الجامع الكبير بصنعاء استعارة كتاب السيل الجرار للشوكاني (مخطوط)، وقام بتزوير النسخة، حيث (ح ر ف) كل اجتهادات الشوكاني وإبدالها بالمذهب الهادوي، وتم إعادة النسخة إلى مكانها، وبعد قيام ثورة سبتمبر بشهرين وصل وفد من الأزهر وهو في غايه اللهفة للوقوف على مذهب الشوكاني فكانت الصدمة التي أفقدت الوفد الصواب، غير أن شخصاً من كوكبان كان مع الوفد يمتلك النسخة الأصلية بختم وخط الشوكاني، فأعطى الوفد صورة من النسخة الأصلية.

هذه القصة ذكرها محقق السيل الجرار إبراهيم هلال في مقدمة الطبعة الأولى.

 

الظلم الاجتماعي

1 - حدثني أبي -رحمه الله- وغيره أن الإمام كان يطلب زكاة الثور الواحد، والشاة والشاتين ويطلب زكاة النحل أنتجت أم لم تنتج، ولو كانت سلة (خلية واحدة)، ولا غرابة؛ فالفقه الهادوي يطلب الزكاة فيم سقت السماء ولو كان حشيشاً أو عثرباً بل حطباً!!

2 - قبيل وفاة الإمام بسنتين بعد إصابته بمشفى الحديدة شدد الإمام على المشائخ والمواطنين، واختار أمناء وحلفهم الأيمان المغلظة بشأن منع الرعية من أن يأخذوا سبولة (سنبلة واحدة).

وتعهد الجميع وطلب من الأمناء التجسس على الأطفال ألا يقطعوا سنبلة! وكانت الضحية عمتي طفلة سبع سنوات تعاني الجوع فقطفت سنبلة لتأكلها فسمعت الأمين قادم فولت هاربة، وتعثرت قدماها فسقطت من الحول الأعلى إلى الأسفل قرابة 10 أمتار فكسرت مقدمة جمجمتها

وظلت متقيحة حتى مات الإمام.

3 - تم تكليف مواطني شرعب والمخلاف بإيصال محاصيلهم إلى منطقة الخزجة خارج تعز، ويتم كيلها هناك تحت إشراف نواب الإمام مباشرة ثم يتم أخذ الزكاة وبعد ذلك يحملون الباقي إلى مناطقهم!

هذه شواهد سريعة والجعبة ملأى أحببت تقديمها كمقدمه بين يدى ثور 26 سبتمبر.