الجمعة 19-04-2024 18:51:20 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

سبتمبر.. ثورة واحدة

السبت 23 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت / خاص
  

خمسة وخمسون عاماً واليمنيون لا يعرفون في سبتمبر إلا ثورة واحدة لا ثاني لها؛ هي ثورة 26 سبتمبر العظيمة، التي استمدت عظمتها من تضحيات الشعب العظيمة ضد أعتا نظام كهنوتي مستبد عرفه العالم في العصر الحديث.

 مثَلت ثورة اليمنيين ضد بيت حميد الدين امتداداً لثوراتهم المستمرة ضد حكم الأئمة في اليمن الذين لم يكونوا أكثر من دخلاء عليه، وكانت ثورة 26 سبتمبر ثورة حقيقية أسقط فيها الشعب اليمني ركام ألف عام من الزيف والتضليل وأكاذيب الاصطفاء الإلهي والحق المقدس لفئة من الناس ادعت زوراً وبهتاناً سمو سلالتها فوق البشر، وأن من حقها احتكار الدين والتحدث باسمه وعرضه بالوجه الذي تريد.

تلك الجماعة السلالية ارتكبت أبشع جُرم بحق الدين الحنيف حينما قزمته وجعلت منه ديناً عائلياً خاصاً بها وسلبت منه عالميته ورحمته لتمنح نفسها -من خلاله- حق الوصاية على الشعب واستعباده وحكمه قهراً عبر تكريس تلك الأباطيل التي ما أنزل الله بها من سلطان.

إن أعظم تزييف وتدليس وأكبر أكذوبة تعرض لها اليمنيون في تاريخهم كانت أكذوبة الوصاية والولاية التي أريد بها استعباد الشعب وقهره وجعله مطية لسلالة من الناس لا تملك مؤهلات الحكم ولا شروطه، تمسحت بالدين وادعت حقاً ليس لها باسم الاصطفاء الإلهي، ولم يُعرف عن أولئك البشر الذين تعالوا على الناس واسترهبوهم خدمتهم للدين أو منافحتهم عنه بأكثر من تلك الفكرة الشيطانية التي استجلبوها معهم من خارج اليمن ومن خارج الإسلام ذاته واستوطنوها فيه وجعلوها ديناً يحاكمون الناس إليها، واختزلوا الدين كله في طاعتهم، وساقوا الناس بتلك العصا، وتمكنوا بذلك من الاستحواذ على سلطة الشعب وثروته.

ولأكثر من ألف عام ظل اليمنيون وقود حرب لا تنقطع لتمكين أولئك المجرمين أدعياء الحق المقدس، بدءاً بالمؤسس الأول وانتهاءً بصاحب كهف مران، وكانت تلك الحروب المدمرة التي أنهكت اليمنيين واستنزفتهم ومزقت وشائجهم وأخرجتهم من سياق الفعل الحضاري هي غاية ما قدمه الأئمة لليمن واليمنيين طيلة حكمهم. وليس غريباً استمرار ذلك النهج الإجرامي من الحروب المدمرة لليمن على أيدي جماعة الحوثي ومن تحالف معها ليعيدوا الحكم السلالي البغيض الذي ركله الشعب في ثورة 26 سبتمبر 1962م.

لم تكن ثورة 26 سبتمبر حدثاً عابراً بقدر ما كانت خلاصة نضال شعب ظل يقاوم – وما يزال- فكرة الاصطفاء الكهنوتي للسلالة والأشخاص. تلك الفكرة الاستعبادية التي شوهت الدين السمح وكرست حكماً مستبداً وأورثت للشعب ثلاثي الجهل والفقر والمرض، وعممت مظاهر الخراب والتخلف السياسي والاجتماعي بأقبح صوره، وجاء الأحفاد على خُطى الأجداد لينتقموا من الشعب الذي لفظهم، فوثبوا على سبتمبر الثورة بنكبتهم الغشوم وانقلابهم الحاقد على خيار الشعب ظناً منهم أن بمقدورهم طمس هويته وإخماد فرحته وتشويه ثورته لتفقد بريقها وتخفت فيه نشوة النصر على حكم الكهنوت البائد، ولكن هيهات.

ثورة 26 سبتمبر أعادت بناء دولة من لا شيء، من تحت أنقاض حكم كهنوتي دمر البلد وجعلها إقطاعية خاصة، فيما نكبة 21 سبتمبر قوضت الدولة وأعادتها عقوداً للوراء، وفي حين نهضت الأولى لإعادة الاعتبار للشعب جاءت النكبة لحرب الشعب وإعادته لحكم الكهنوت السلالي المتلفع بثوب الاصطفاء المزيف، وفيما أوجدت ثورة 26 سبتمبر سلطة ذات مسؤولية قانونية وأخلاقية ذهبت نكبة الحوثيين لتعمق سلطة بلا أية مسؤولية في أغرب حكم انقلابي شهده العصر الحديث!

سعت ثورة 26 سبتمبر لتوحيد وطن مشتت ونجحت في ذلك في الوقت الذي عملت نكبة الحوثيين على تشتيت وطن موحد وأسلمته لقوى معادية ذات أطماع استعمارية، منتقمة من كل اليمنيين الذين ناوؤوها، فعمدت إلى تجويعهم وإذلالهم وقهرهم وشنَ الحروب عليهم ومحاولة طمس هويتهم ومسخ تاريخهم.

لثماني سنوات ظل الإماميون ينازعون الشعب اليمني ثورته وحقه في السيادة على وطنه، وهاهم أحفادهم من الحوثيين وحلفائهم لا زالوا -منذ سبع سنوات- يقومون بالمهمة ذاتها طمعاً بعودة الكهنوت والوصاية على الشعب، وهو أمل بعيد المنال لا يمكنهم تحقيقه مهما حلموا به؛ لأن عجلة التاريخ لا تعود للوراء، وإذا كان تاريخ اليمن قد توقف عند حكم الأئمة ليسجل أسوأ وأقبح صفحات التخلف اليمني والإنساني فإن اليمنيين اليوم الذين انطلقت بهم ثورة 26 سبتمبر ودفعت بهم قُدماً ثورة 11 فبراير قد شرعوا بالفعل في إعادة صوغ تاريخهم المشرف بمعزل عن ضلالات الولاية وزيف الاصطفاء السلالي المناقض لأبسط حقوق الإنسان والمتعارض قطعاً مع كل صور تكريم الخالق -عز وجل- لخلقه، وسيظل سبتمبر المجيد عنواناً لثورة مجيدة واحدة هي ثورة 26 سبتمبر التي حررت الشعب من الكهنوت وأعادت له اعتباره. أما 21 سبتمبر فليست أكثر من جرح دامل ونكبة دامية وسقوط مخزٍ لأعداء الشعب لن يلبث أن يتمكن منهم عما قريب - بحول الله وقوته.