الخميس 02-05-2024 19:47:56 م : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اتفاق ستوكهولم.. لماذا أصبحت الجهود الأممية "محل شك اليمنيين"؟

الإثنين 27 إبريل-نيسان 2020 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

 

تكرر تذمر الحكومة اليمنية، خلال الأسابيع الأخيرة، من الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية سلميا، بسبب تغاضيها عن خروقات المليشيات الحوثية لاتفاق ستوكهولم وتنصلها من تنفيذ بنوده، والذي تم التوقيع عليه من قبل الحكومة الشرعية والمليشيات الحوثية في ستوكهولم بالسويد في 13 ديسمبر 2019 الماضي.

وتواصل المليشيات الحوثية خروقاتها لاتفاق ستوكهولم بشكل علني، متنصلة من الالتزامات التي وقعت عليها أمام مرأى ومسمع العالم، وكان آخر تلك الخروقات استهدافها ضابط الارتباط عن الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار الأممية بالحديدة، العقيد محمد الصليحي، والتسبب بوفاته، مما دفع الحكومة اليمنية للتشكيك في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، بعد أن لوحت في وقت سابق بتجميد الاتفاق.

- لماذا اتفاق ستوكهولم؟

كان اتفاق ستوكهولم الاتفاق الوحيد الذي وافقت المليشيات الحوثية على بنوده ووقعت عليه، بعد سلسلة محاولات أممية لإجراء مشاورات بهدف التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة سلميا، لكن المليشيات الحوثية تعمدت عرقلتها قبل موعدها المحدد أو المماطلة ورفض التوقيع عليها بعد البدء فيها بمدة قصيرة، بينما كان رضوخها للتوقيع على اتفاق ستوكهولم، وذهاب وفدها المفاوض إلى السويد بدون شروط مسبقة، كما كان يحدث من قبل، كان ذلك تحت ضغط عسكري لم تستطع المليشيات مواجهته عندما بدأت معركة تحرير الحديدة، وتراجعت المليشيات الحوثية هناك بعد تكبدها خسائر بشرية ومادية فادحة، والحقيقة هي أن اتفاق ستوكهولم كان بمثابة إنقاذ للمليشيات الحوثية من هزيمة وشيكة بالحديدة.

كان الجميع يدركون أن رضوخ المليشيات الحوثية للتوقيع على اتفاق ستوكهولم لا يعدو كونه مناورة سياسية لتجنب هزيمة عسكرية مؤكدة في الحديدة، ويدرك الجميع أن الأمم المتحدة استخدمت شعار الحل السياسي للأزمة اليمنية كورقة لإنقاذ الحوثيين كلما تكبدوا خسائر فادحة وهزائم عسكرية في بعض الجبهات، بدليل أن الجهود الأممية لا تنشط في هذا السياق إلا في حال تعرض الحوثيون لضغوط عسكرية وهزائم ميدانية، وهو مسعى مناف للقانون الدولي ولدستور الجمهورية اليمنية ولكل الدساتير والقوانين في العالم التي تجرم الانقلابات العسكرية وترفض تشكيل مليشيات إرهابية منغلقة تسعى لتكريس نظام حكم سلالي عنصري طائفي استبدادي، يتنافى مع التعددية السياسية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة.

- الموقف الحكومي

تدرك الحكومة الشرعية أكثر من غيرها أن مليشيات الحوثيين تتسم بنقض العهود والمواثيق، وأن كل اتفاق يبرم معها لا تتجاوز قيمته قيمة الحبر الذي كتب به، غير أنها تضطر للقبول بالدعوات الأممية للحوار والتوقيع على أي اتفاقية في هذا الصدد، ليس أملا في الحل السلمي للأزمة، ولكن كون ذلك سيعري المليشيات الحوثية ويجعلها مكشوفة أمام الآخرين ليدركوا مدى بشاعتها وقبحها وأنه لا عهد لها ولا ميثاق، وأنها مجرد مليشيات تجردت من الأخلاق ومن كل مسؤولية اجتماعية، ولا تتورع عن الاستهتار بالمجتمع الدولي من خلال نقضها لكل العهود والمواثيق التي تبرم معها، حتى وإن كانت بإشراف أممي.

ومع استمرار صمت الأمم المتحدة عن خروقات المليشيات الحوثية لاتفاق ستوكهولم، والتي بدأت من اليوم التالي لتوقيع الاتفاق، فقد لوحت الحكومة اليمنية بتجميد اتفاق ستوكهولم، في 24 يناير الماضي، بعد تصعيد مليشيات الحوثيين في جبهات مأرب ونهم والجوف.

وقال وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، في بيان، إن "استمرار التصعيد العسكري الأخير من قبل الحوثيين، وفي ظل وجود المبعوث الأممي مارتن غريفيث في صنعاء، يعد استغلالا سيئا لاتفاق السويد والتهدئة في الحديدة ولكل جهود السلام، وذلك عبر التحضير للحرب وتعزيز جبهاتهم الأخرى"، وإنه "لم يعد ممكناً أن يستمر هذا الوضع المختل".

وأضاف: "تتحمل المليشيات الحوثية وحدها مسؤولية انهيار جهود السلام ودعوة المبعوث الأممي لوقف التصعيد وإفشال اتفاق ستوكهولم، ونحن في ظل هذا التصعيد لم نعد نرى جدوى حقيقية من اتفاق الحديدة".

وأشار وزير الخارجية اليمني إلى أن التصعيد العسكري للحوثيين يهدد بنسف كل جهود السلام. وقال: "لن نسمح بأن يتم استغلال اتفاق الحديدة لتغذية معارك الحوثي العبثية في الجبهات التي يختارها".

وبعد تلويح الحكومة الشرعية بتجميد اتفاق ستوكهولم، في 24 يناير الماضي، أكد المتحدث باسم الحكومة، راجح بادي، أن اتفاق ستوكهولم الذي توصلت إليه الحكومة مع المليشيات الحوثية برعاية أممية في ديسمبر 2018 في السويد بات مشكلة وليس حلاً، مبينا أن الاتفاق وفر مظلة وغطاء للحوثيين في عملياتهم العسكرية، ولم تكن له أي آثار إيجابية.

وقال بادي -في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط"- إن اتفاق ستوكهولم أصبح مشكلة وليس حلاً، مضيفاً: "بعد سنة ونصف السنة وفر هذا الاتفاق مظلة للحوثيين وغطاء لعملياتهم العسكرية في أكثر من جبهة، إلى جانب عمليات التحشيد في الجبهات العسكرية الأخرى، ولم نجد له أي أثر إيجابي طيلة الفترة الماضية".

كما تحدث بادي عن استغلال المليشيات الحوثية لاتفاق ستوكهولم، وقال: "كان من الواضح أن هناك استغلالا من المليشيات الحوثية لهذا الاتفاق في ظل صمت مخجل من قبل المبعوث الأممي والأمم المتحدة، وعليه فإن التصعيد العسكري الذي حصل في نِهم هو ما أنهى هذا الاتفاق وعمل على إعلان وفاته بشكل نهائي ورسمي".

وفي 19 أبريل الجاري، دعت الحكومة الشرعية مجلس الأمن الدولي إلى معاقبة مليشيات الحوثيين لاستهدافها ضابط الارتباط عن الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار الأممية بالحديدة، العقيد محمد الصليحي، والتسبب بوفاته.

وطالب وزير حقوق الإنسان محمد عسكر، في تغريدات على تويتر، مجلس الأمن والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث باتخاذ إجراءات عقابية تجاه حادثة استهداف العقيد الصليحي خلال تأدية مهامه ضمن لجنة إعادة الانتشار الأممية في الحديدة من قبل مليشيات الحوثيين.

وقال عسكر إن صمت الأمم المتحدة عن الجريمة وموقف غريفيث المهادن وعدم إدانة جريمة استهداف الصليحي من قبل مليشيات الحوثي واستمرار عمل فرق الرقابة التابعة للأمم المتحدة في الحديدة أمر غير مبرر، موضحا أن صمت الأمم المتحدة تجاه الحادثة يضر بمصداقيتها لدى اليمنيين، مشيرا إلى أنها باتت على المحك.

- ماذا تحقق من الاتفاق؟

رغم أن تصريحات المسؤولين الأممين تشيد باتفاق ستوكهولم وما تحقق منه، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما، فإلى الآن لم يتحقق شيء من البنود الرئيسية في الاتفاق، خصوصا ما يتعلق بانسحاب المليشيات الحوثية من موانئ الحديدة الثلاثة وإطلاق شامل للأسرى والمحتجزين لدى الطرفين، بسبب عرقلة المليشيات لذلك.

ويمكن القول إن اتفاق ستوكهولم قد تجاوزه الزمن والأحداث والخروقات الحوثية، ذلك لأن الاتفاق كان يفترض إنجازه في أيام محددة، وبما أن ذلك تعثر، فإن لجنة تنسيق إعادة الانتشار بالحديدة، المكونة من الأمم المتحدة والحكومة اليمنية والحوثيين، تحاول إعادة الحياة له من خلال اجتماعات متواصلة تعقدها في سفينة أممية متواجدة في المياه الدولية في عرض البحر الأحمر، ولكن دون جدوى، في ظل تعنت المليشيات الحوثية.

وكل ما حققه الاتفاق حتى الآن، فإنه يتمثل في وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، وبتعبير أدق، أنه أوقف معركة تحرير الحديدة التي كادت تحقق هدفها، كما أنه -أي الاتفاق- جمد العمل العسكري تماما، أي أنه ثبت الوضع القائم لصالح المليشيات الحوثية، التي استغلت ذلك في حشد المزيد من السلاح والمقاتلين إلى محافظة الحديدة، وذهبت للتصعيد في جبهات أخرى، والسيطرة على مناطق جديدة، مثل منطقة حجور في حجة، ومناطق أخرى في محافظات إب والضالع والجوف.

كما أن الاتفاق أتاح المجال للمليشيات الحوثية للتفرغ لحشد المزيد من المقاتلين وتدريبهم، بالإضافة إلى منحها الفرصة لتطوير قدراتها العسكرية لتصل صواريخها البالستية وطائراتها المسيرة إلى عمق الأراضي السعودية.

- الإضرار بالقضية اليمنية

وفي المحصلة، نستطيع القول إن اتفاق ستوكهولم أضر ضررا كبيرا بالقضية اليمنية، فهو من ناحية جزأها وفككها، من خلال التركيز على محافظة الحديدة وتجاهل وضع البلاد والانقلاب الحوثي بشكل عام، ومن ناحية ثانية، فالاتفاق جعل من المليشيات الحوثية الانقلابية طرفا موازيا للحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، وهو بذلك سلبها حقها القانوني والدستوري في القضاء على الانقلاب واستعادة سلطاتها وسلاحها المنهوب، ويشرعن للانقلاب الحوثي الكهنوتي الإرهابي، وهذا يعد تلاعبا خطيرا بالقضية اليمنية.

كلمات دالّة

#اليمن