الخميس 28-03-2024 20:23:20 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحاجة اليمنية لحزب الإصلاح

الخميس 14 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت-خاص/ محمد الغابري

  

قوة سياسية ضابطة

 

يشكل التجمع اليمني للإصلاح حضوراً واسعاً في الحياة السياسية اليمنية، وأثبتت الأحداث أنه العنصر الأكثر وزناً في المعادلات اليمنية المختلفة وفي المحطات التي تتعرض فيها البلاد لأزمات خطرة وتشكل تهديداً للدولة اليمنية ووجودها.

 

إعلان الميلاد 13 سبتمبر (أيلول ) 1990

إعلان ميلاد التجمع اليمني للإصلاح بعد ثلاثة أشهر ونيف من إعلان ميلاد الجمهورية اليمنية ليكون إحدى تجلياتها. وفي شهر سبتمبر الذي له مكانة خاصة في أفئدة اليمنيين، كان إعلان عن كيان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحدثين العظيمين معاً وليغدو لاحقاً القوة السياسية في البلاد الأكثر تعبيراً عنهما الدولة اليمنية الواحدة والنظام الجمهوري.. ذلكم هو التجمع اليمني للإصلاح.

ولا ريب أن الإصلاح بما أنه حزب سياسي فاعل في الشأن العام يكون أداؤه تحت المجهر ومحلاً للانتقادات بصرف النظر عن موضوعيتها وإنصافها أو تحيزها أو تحاملها، تلك طبيعة الأحزاب السياسية خاصة الفاعلة، وكما هو شأن أي عمل ونشاط بشري يكون فيه محطات نجاح وإخفاق وعثرات ونهوض، وكلما كان فاعلاً أكثر كانت التحديات أعمق والتوقعات منه أكبر من تقديره لها ، كما تزداد الانتقادات.

 وبصرف النظر عن ذلك كله فإن الأحداث والتحولات المختلفة تؤكد أن حزب الإصلاح صار حاجة يمنية لا غنى للبلد عنها على الأقل في الوقت الراهن وعلى المدى القريب والمتوسط.

 

الحاجة اليمنية لـ "الإصلاح"

 عمل نظام صالح على توفير البيئة الملائمة ليمن متنافرة ومشتتة القوى وهو منهمك في صناعة القنبلة الموقوتة – في حديثه للعربية 28 مارس 2011 وصف اليمن بأنها قنبلة موقوتة -وجاءت ثورة فبراير2011، وكان الأغلبية من الثوار يتطلعون إلى إعادة الاعتبار لليمن أرضاً وإنساناً بإعادة الاعتبار للدولة اليمنية.

وخرجت الدولة اليمنية بعد ثورة فبراير2011 ليجد اليمنيون أنفسهم أمام حالة شتات وهشاشة أوسع والمستفيد منها جماعات العنف المعادية للأرض والإنسان الساعية لتقويض الدولة وإعادة الإمامة والتشطير.

إذاً فقد غدت البلاد منهكة وضعيفة والسلطة الانتقالية ليست متمكنة من الإمساك بزمام الأمور وفي ظل هذه الحالة تزيد الأحزاب السياسية من تفاقم الأزمة مع ثورة مضادة تعمل عل استعادة السلطة بأي ثمن. والثورة المضادة هنا ليست كأية ثورة مضادة لها بل ثورة مركبة مضادة لثورتين معا ثورة 26 سبتمبر 1962 وثورة 11 فبراير 2011، وتلعب الأحزاب والقوى السياسية أدواراً مختلفة. لكن من مجمل التجارب البشرية فإن الأحزاب السياسية عقب الثورات غالباً ما تتسم بمجموعة من السمات السلبية.

 - تتسم بالفساد والطبقية والانغلاق، وهي تبحث عن مصالح خاصة في ظل حالة تكون فيها الدولة على درجة من الضعف.

-  تقسم المجتمع على نفسه وتثير الصراعات. لقد قسمت النخب السياسية المجتمع بما تحمل معها من أمراض تغدو عبئاً على الشعب ومن أدوات الانقسام بدلاً من واجبها في إسناد وحدة الشعب والمحافظة على الوحدة الوطنية.

-  تشجع على عدم الاستقرار السياسي والضعف السياسي. إن الأحزاب السياسية في هذه المرحلة ضعيفة ومنقسمة وتضعف الحالة السياسية في البلاد بخوض معارك إعلامية ضد بعضها تكون نتائجها لصالح الجماعات المسلحة واللا سياسية. لقد نجحت جماعة الحوثي في استقطاب الكثير من المؤتمر الشعبي، بل أن يغدو جناح صالح جسراً للمليشيات ومن الحزب الاشتراكي وحتى من الناصريين، ويغدو بعض من الحزبيين في تعز مع شخص مثل أبو العباس ومليشياته التي لا تتردد في الاستعانة بالقاعدة والدواعش -حسب تقارير دولية- فسلوك مثل هذا يظهر الأحزاب السياسية من مصادر الضعف السياسي للدولة ولصالح جماعات مسلحة غير سياسية وعنفية، وما تبقى من حزب البعث تماهى مع الحوثية، ومن ثم تزيد من الأخطار ومن إشاعة الفوضى.

وتلك من عجائب ما يحدث أن تساعد أحزاب ونخب سياسية صنع أسلافها ثورة 26 سبتمبر 1962 في الثورة المضادة لتلك الثورة والنظام الجمهوري يصل بها الحالة إلى إسناد جماعة مسلحة معادية للنظام الجمهوري والدولة اليمنية.

-  تفتح الباب للتأثير والاختراق من القوى الخارجية. وهي تبحث عن مساندين خارجيين لهم أهدافهم ومصالحهم التي تتعارض بالضرورة مع المصالح العامة للدولة.

 

الحاجة إلى حزب قوي كقوة ضابطة

 شاركت في ثورة فبراير قوى سياسية واجتماعية وجماعات مختلفة لكنها خرجت ضعيفة وأسفرت عن تباعد القوى وشتاتها وكان المؤتمر الشعبي تعرض للانقسام الذي استمر وصار معظمه ورقة بيد صالح لم يتردد في إعارته للحوثي. المؤتمر مثل تنظيم الفساد الأكبر وكانت قوته مستمدة من السلطة لم يغادر السلطة لكنه ضعف وانقسم ولم يعد بإمكانه ادعاء الوصاية على الوطن ومصالحه. أحزاب "المشترك" تباعدت واختلفت وصارت منقسمة وضعيفة أكثر فزادت من انقسام المجتمع وإثارة الصراع.

 

الإصلاح بين القوة والفاعلية

"وفي مواجهة مثل هذه الحالة يحتاج المجتمع إلى تنظيمات سياسية قوية؛ فوجود حزب قوي هو الذي يضع الأساس لمصلحة عامة في إطار مؤسسي بدلاً من المصالح الخاصة المشتتة"، كما يذهب الكاتب أحمد صالح الفقيه.

 

عناصر القوة

 1- يتمتع الإصلاح بتنظيم قوي متجانس والتنظيم القوي يكون الآلية التي تجعل الحزب قادراً على اتخاذ القرار وعلى تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف كما يمكنه من حشد الجماهير غير أن هذا العنصر لا يقع توظيف فاعليته المفترضة إلا جزئياً وذلك بسبب غياب الرؤية وعدم وجود أهداف واضحة ومحددة قابلة للقياس وضعف المؤسسة المعنية بالتخطيط وصنع القرار.

 2- من عناصر القوة الانتشار على المستوى الجغرافي في البلاد يمكنه من معرفة جميع المناطق وطبيعة مشكلاتها غير أن هذا العنصر لم يوظف في السابق في مساعدة المواطنين على انتزاع حقوقهم أوفي القيام بزيارات ميدانية من القيادة للاتصال المباشر بالجماهير وملامسة هموم الناس، ومن المعروف أن أهداف أي حزب سياسي لا تتحقق بجلوس قياداته خلف المكاتب في العاصمة، بل بالسفر في أنحاء البلاد والالتحام بالجماهير. الجلوس خلف المكاتب شكل صورة عن الإصلاح يبدو منغلقاً على ذاته ويصنع حواجز بينه وبين الأغلبية الصامتة ويسهل صناعة الإشاعات ضده.

 3- حضور في النسيج الاجتماعي اليمني بمختلف فئاته؛ أي أنه عامل وحدة وتماسك للمجتمع ولديه كوادر بشرية في التخصصات المختلفة لكنها غير موظفة أو موظفة جزئياً وطاقات معطلة كثيرة خاصة في التخطيط وصنع الرؤية وصنع القرار.  

 4- ويتمتع بمرونة سياسية مكنته مع القوى السياسية الأُخرى من الانتقال من حالة الإقصاء والسعي لاستئصال الآخر (كل القوى كانت إقصائية استئصالية  قبل قيام الجمهورية اليمنية) إلى التعايش والتعاون والشراكة (اللقاء المشترك) وهو ما يحسب للقوى المنضوية فيه ومرونة مكنته من التعامل مع القوى الغربية غير أنه يتعرض للإضعاف والتفكيك.

وتدر ك القوى السياسية المختلفة أن الإصلاح هو عامل رئيس في الثورة اليمنية 2011 وإسقاط مشروع صالح لتوريث البلاد للأولاد كأنها متاع وتركة شخصية وفي الحيلولة دون سقوط النظام الجمهوري ودون تفكيك الدولة اليمنية وذلك لا يتم بدون شراكة حقيقية بين قوى الثورة والجمهورية.

التناسب بين القوة والفاعلية يعني أن الإصلاح قوة حاسمة ضابطة مقنعة من غير وصاية ولا استبداد.

تحتاج البلدان في لحظات تاريخية إلى وجود طرف قوي وفاعل لحسم قضايا لا تحتمل الجدل أو الخلاف بشأنها ولا تكون محل تفاوض ومساومات. وبالنظر إلى هشاشة الحالة اليمنية ووجود شتات وضعف الأحزاب السياسية وظهور الجماعات المسلحة، ولما كان الإصلاح هو الحزب القوي والمتماسك فقد فرض عليه أن يعمل بكل الوسائل للاقتراب من جميع القوى ويفتح نقاشاً عاماً وواسعاً.

"وقد تبدو الأحزاب في مراحل نموها الأولى ككتل أو أجنحة منفصلة، مؤدية إلى الصراعات والتشتت، ولكنها عندما تبلغ درجة معينة من النمو والقوة توفر رباطاً بين القوى الاجتماعية بعضها البعض، وتخلق أساساً للولاء والهوية التي تتجاوز الجماعات المحدودة.

 

حالة مارب

مثلت الحالة في مارب نموذجاً إيجابياً لنجاح الإصلاح كقوة ضابطة من دون استبداد أو إقصاء ويحسب النجاح في مارب للسلطة الشرعية كما يحسب للقوى السياسية المختلفة.

مثلت محافظة مارب ملاذاً داخلياً آمناً للدولة اليمنية ممثلة في السلطة الشرعية وكافحت لتبقى خارج سيطرة المليشيات التي استولت على العاصمة واجتاحت المحافظات فكان صمود مارب ثم تحرير معظمها لتغدو مدينة مارب عاصمة فعلية وملاذاً لأنصار الدولة والنظام الجمهوري والنازحين من مناطق مختلفة.

 

حالة عدن ومحيطها

لقد كان دور الإصلاح فاعلاً في محافظة عدن ومحيطها لكنه ربما كما هو حال السلطة الشرعية لم يكن هناك تحليل لفعل القوى الخارجية والمحلية وتوقع سلوكها عقب تحرير عدن ومحيطها مما يعني غياب الرؤية في وقت كانت تلك المناطق بأمس الحاجة إلى إعادة توطين الدولة وسلطتها وإقناع المواطنين بأنها الأفضل. ما حدث هو إظهار التلازم بين استهداف السلطة الشرعية واستهداف الإصلاح كقوة مساندة له وزنه هذا التلازم يحسب للإصلاح كقوة لصالح البلاد وليس ضدها.

بالمقابل كشفت الأحداث عن تكرار الأخطاء من قبل الإصلاح كما هي من قبل السلطة، وهي أخطا جوهرية تتمثل في غياب الرؤية والدراسة الميدانية للمناطق المختلفة ومن ثم العمل بكل الإمكانات المتاحة لاحتواء المؤامرات والتقليل من الخسائر. 

 

حالة تعز

على الرغم من أن وقوف تعز في وجه قوة هائلة من المليشيات ومن قوات مسلحة مدربة كانت قوات دولة يعد استثنائياً، ويحسب لتعز واسطة العقد والمعروفة بالثورية والثقافة والمدنية، وعلى الرغم من الشعور بالإحباط الشديد لدى تحالف التمرد من مقاومة تعز وعلى الرغم من القوة الضاربة المعادية، وعلى الرغم من حشد طاقات التمرد لإسقاطها والنظر إليها بصفتها المقياس للنصر وللهزيمة والاستماتة في السيطرة عليها ومعاقبة سكانها على الرغم من ذلك كله فإن هناك إخفاقات.

إن الإصلاح هو القوة السياسية الأولى لكن بالنظر لوجود فصائل متعددة فقد تعذر ضبط الحالة في تعز مع أنه من المفترض العمل بكل الوسائل لضبط الحالة وتوحيد العمل السياسي والعسكري والأمني، صحيح أن هناك مؤامرات متعددة الأطراف، وأنه لولا الإصلاح لكانت الحالة أسوأ بأكثر مما نتصور، لكن ذلك لا ينفي وجود قدر من القصور الذاتي لدى الإصلاح ولدى القوى السياسية الأخرى. ولدى السلطة ذاتها.

 

المستقبل

الاستعداد لما بعد الحرب ينبغي للإصلاح التفكير الجدي في ما بعد التحرير والمشكلات التي ستكون حاضرة وكيفية التعامل معها والعمل على جبهات مختلفة للتقليل من الخسائر المتوقعة، وإرساء أسس إعادة بناء الدولة وترسيخ وجودها لتكون نموذجاً لنظام رشيد يكون فيه الإنسان هو الغاية وهو الوسيلة معاً للنهوض بالبلاد، وذلك يتطلب منه القيام بأعمال شاقة في الدراسة لشاملة والتفصيلية للمحافظات والمناطق المختلفة، والأصل أن السلطة معنية بهذه الأعمال وإعداد برنامج انتقالي آخر أكثر عمقاً وشمولاً حتى تتمكن من العبور بالبلاد إلى بر آمن تستطيع فيه الدولة اليمنية من استعادة عافيتها والشروع في إعادة بناء الدولة ومؤسسات قادرة على توفير حياة كريمة ومستقبل يكون عنوانه النهوض والتقدم على المستويات المختلفة. ذلك يتطلب ظهور شخصيات جديدة من الأجيال اللاحقة للقيادة الحالية الجيل الذي صنع ثورة 11 فبراير 2011.