الجمعة 19-04-2024 02:17:30 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

محاكمات الحوثيين الهزلية.. توظيف سياسي للقضاء ومبررات لنهب ممتلكات الخصوم

الأحد 29 مارس - آذار 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص- أسماء محمد
 

 

تُصدر مليشيات الحوثي من وقت لآخر أحكاما بالإعدام ومصادرة الأموال في الداخل والخارج، بحق العشرات من مناوئيها مسؤولين وغيرهم، دون وجود أي مبرر لذلك.

غالبا ما تكون التهم جاهزة، وهي ذاتها التي تستخدمها كثيرا لإدانة خصومها والنيل منهم، بشكل تعتقد أنه يقضي على حاضرهم ومستقبلهم، لكن الأمر ليس بدافع انتقامي فقط، بل يتعداه إلى أمور أخرى.

أهداف جديدة

لم تختلف ممارسات الحوثيين إطلاقا خلال فترة الحرب بل زادت انتهاكاتها بشكل كبير، فمطلع شهر مارس أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للحوثيين حكما قضى بإعدام 35 برلمانيا، ومصادرة أموالهم العقارية والمنقولة داخل الجمهورية وخارجها، بتهمة التعاون مع التحالف العربي.

من بين أولئك البرلمانيين عبد الوهاب معوضة، الذي أكد لاحقا قيام المليشيات ومعهم مجموعة من الزينبيات باقتحام منزله، وإخراج من بداخله من نساء وأطفال، مؤكدا أن هذا منزله الثاني الذي استولوا عليه.

كما اقتحمت مليشيات الحوثي منزلين للأكاديمي والبرلماني صالح السنباني وعبثت بمحتوياتهما، وأجبرت أهله وحراسته على تركهما، وقامت بحصر وتصوير كل مقتنياته ومصادرة جهازي "لابتوب"، فضلا عن اقتحام منزل النائب في البرلمان عبد الكريم الأسلمي.

وفي السابع عشر من الشهر الجاري، أصدرت كذلك حكما غيابيا بإعدام 19 قائدا عسكريا في الحكومة الشرعية (تعزيرا)، بينهم نائب الرئيس علي محسن الأحمر، ووزير الدفاع محمد علي المقدشي.

وخلال أقل من شهر من ذلك الحكم، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للمليشيات، حكما بالإعدام على 40 شخصا من أعضاء البرلمان، وقادة عسكريين مناوئين لها، بينهم ثابت جواس، هاشم الأحمر، ويوسف الشراجي.

وبحسب رئس هيئة الدفاع عن المعتقلين والمخفيين قسريا المحامي عبد الباسط غازي، فإن مليشيات الحوثي قامت أيضا في الثالث والعشرين من شهر مارس وخلال جلسة أشبه ما تكون بالسرية وبغير علم أغلب أعضاء هيئة الدفاع، أصدرت المحكمة التابعة للانقلابيين حكما بالإعدام ومصادرة أموال البعض بحق 27 شخصا بينهم قادة عسكريون أبرزهم عدنان الحمادي الذي قتل في ديسمبر الماضي، مستغربا من قبول المحكمة أدلة النيابة ورفضها أدلة الدفاع.

أما تهمة أولئك جميعا فكانت انتحال الصفة، وإعانة العدو، وتحريض دول العدوان السعودي (التحالف العربي) لشن حرب على اليمن، وشمل الحكم مصادرة أموال المحكوم عليهم الثابتة والمنقولة وتوريدها إلى خزينة الدولة.

مثل تلك التهم والأحكام، تم إصدارها –سابقا- بحق الرئيس عبد ربه منصور هادي وعدد من الوزراء والمسؤولين، ومختطفين مشمولين باتفاق تبادل الأسرى.

محاكمات غير شرعية

أصدرت المليشيات طوال سنوات انقلابها عشرات الأحكام، التي يصفها حقوقيون بأنها غير شرعية، وكانت أغلبها صادرة عن المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أٌقر مجلس القضاء الأعلى في العاصمة المؤقتة عدن، في أبريل 2018، بنقلها من صنعاء إلى مأرب.

في حين يعتقد آخرون أن تلك المحاكمات تفتقر للشرعية، ليس فقط لأنها صادرة من محكمة تم نقلها، بل لأن مليشيات الحوثي انقلابية ولا يحق لها إصدار مثل تلك الأحكام.

التبرير للنهب

ويقول عبد الرحمن برمان، رئيس المركز الأمريكي للعدالة ACJ، إن الحوثيين يهدفون من خلال المحاكمات إلى إيجاد مبررات قانونية مهما كانت باطلة، وذلك من أجل مصادرة ممتلكات الأشخاص الذين يحكمون عليهم.

وبيَّن في تصريحات صحفية أن الحوثيين يعتبرون تلك مبررات تعطيهم الحق في الاستيلاء على أموال من يصدرون أحكاما بحقهم، مؤكدا أن "تلك الأحكام قانونيا لا قيمة لها وباطلة، باعتبارها صادرة من محكمة غير قانونية وغير دستورية، قد صدر قرار بإلغائها".

وبالفعل قامت المليشيات بمصادرة أموال وممتلكات كثير من مناوئيها في مناطق سيطرتها، وزاد ثراء قادتها وأنصارها بشكل كبير.

رسائل موجهة

وفي قراءته لممارسات الحوثيين تلك، اعتبر برمان بأن الجميع يتعامل مع الحوثيين كمليشيات ومسلحين انقلبوا على الدولة، وهم من خلال محاكماتهم تلك يريدون إرسال رسالة للعالم تفيد بأنهم دولة، ولديهم قضاء، ويصدروا الأحكام، ويحاكمون حتى رئيس الجمهورية.

وأشار للتدليل على ذلك إلى عقدهم جلسات البرلمان برغم عدم اكتمال النِصاب القانوني، واحتجازهم ما يقارب 100 برلماني لاستمرار عمل مجلس النواب.

تصفية حسابات

في سياق متصل، أدانت منظمة "سام" للحقوق والحريات أحكام الإعدام تلك، وأكدت أنها تُعد سابقة خطيرة ووصمة عار في جبين القضاء، الذي تحول إلى أداة من أدوات تصفية الحسابات السياسية بين جماعة الحوثي ومعارضيها السياسيين.

وذكر توفيق الحميدي رئيس المنظمة في بيان صادر عنها، أن المعلومات والشواهد التي لدى المنظمة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القضاء في المحاكم المتخصصة لم يعد سوى ناطق بإرادة اللجان الثورية التي تدير وتسيطر فعليا على كافة المؤسسات والدوائر التنفيذية في العاصمة صنعاء بما فيها القضاء.

وبرهن على كلامه بالإشارة إلى أن جماعة الحوثي حركت الدعوى السياسية ضد البرلمانيين بعد انعقاد مجلس النواب في مدينة سيئون بتاريخ 13 أبريل 2019، وهو ما يؤكد أن هدفها الأساسي كان الانتقام السياسي ومصادرة ممتلكات المعارضين العقارية وإضفاء مشروعية زائفة على هذه الممارسات، رغم أن جزءاً من هذه الممتلكات كان فعليا تحت تصرف أفراد جماعة الحوثي.

مطالبة بحماية المدنيين

ومع استغلال مليشيات الحوثي لانفرادها بالمشهد في مناطق سيطرتها وبالقوة، وقيامها بممارسات غير قانونية، طالبت منظمة "سام" منظمات المجتمع الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة بالتدخل لحماية المدنيين في اليمن، والضغط على الحوثيين للإفراج عن المختطفين فوراً وكشف مصير المخفيين قسريا، ووقف المحاكمات الصورية العبثية، التي لا تخدم السلام في اليمن، وضمان حماية الممتلكات الشخصية للمدنيين وفقا لمقتضيات الدستور اليمني والقانون الدولي الإنساني، ووقف عمليات الانتقام السياسي التي تمارَس باسم القضاء.

من جانبه، دعا مكتب حقوق الإنسان على لسان ليز ثورسيل "سلطات الأمر الواقع إلى الإبطال الفوري للأحكام الصادرة بحق النواب، وضمان عدم مضايقة أسرهم"، مؤكدا أنها ذات دوافع سياسية.

تعنت المليشيات

وبرغم الإدانات المختلفة للمحاكمات التي تقوم بها المليشيات، إلا أنها جددت تمسكها بتنفيذ الأحكام الصادرة عنها، وتزعم أنها حق سيادي ودستوري.

ورفضت المليشيات الاستجابة لدعوة مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المطالب بوقف تلك الأحكام، واستغربت كذلك وصف المحاكمة بأنها ذات دوافع سياسية.

وبذلك باتت فرص إمكانية الحل السياسي في اليمن بعيدة المنال حسب محللين سياسيين، بسبب قطع المليشيات مختلف الطرق أمامها عبر ممارساتها تلك، خاصة مع تزامنها مع معارك عديدة تشهدها بعض جبهات القتال.

كما أن من المتوقع استمرار مثل تلك الممارسات التي تتوسع دائرتها يوما بعد آخر، لعدم وجود رقيب يمنع تلك المليشيات من القيام بذلك أو يحاسبها، وبذلك تسطو على أموال المواطنين وممتلكاتهم دون وجه حق.