الجمعة 19-04-2024 12:58:56 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قيم حضارية خلدها القرآن.. المواطنة نموذجا

الأربعاء 19 فبراير-شباط 2020 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد العزيز العسالي

 

المواطنة في مقاصد القرآن..
- مكانتها..
- تكييفها الشرعي..
- انتهاك قيمة المواطنة..
- العقوبة المترتبة..

تنويه:
المواطنة مفهوم ثقافي سياسي حديث ووافد.. نشأ في أوروبا.. ذلك أننا إذا عدنا إلى نشأة مفهوم المواطنة وتطوراته.. سنجده مشحونا بمضامين تعكس كل الملابسات الظرفية التى رافقت نشأة المفهوم.. سياسيا، وفكريا، وثقافيا، واقتصاديا، واجتماعيا. ولا شك ولا ريب أن لكل مجتمع ثقافته وهويته وعقائده.

نعم هناك مبادئ مشتركة إنسانيا تسعى إليها المجتمعات عموما.. تتمثل هذه المبادئ في كرامة الإنسان وحريته وحقوقه كمبادئ عامة (مجرّدة)، لكن عند التطبيق على أرض الواقع.. هنا تتغير بعض القضايا ذات الصلة بمفهوم المواطنة حسب عقيدة وهوية وثقافة المجتمع.

وهنا نقول: بما أن مفهوم المواطنة قد أصبح من المفاهيم المتعارف عليها فيق الأوساط الفكرية والسياسية والثقافية.. بل أصبح مفهوم المواطنة ذا صلة بمبدأ الديمقراطية، الأمر الذي اتجهت الدول التي تحتكم إلى الدساتير بأن تزيّن به صفحات دساتيرها ولو كذبا.. مما يعني أن مفهوم المواطنة متصل بمنظومة من الدوائر المتداخلة ذات الصلة بعدد كبير من الحقوق.

هذا الحضور الثقافي والسياسي والاجتماعي لمفهوم المواطنة يجعلنا نلتقي مع القاعدة الأصولية اللغوية وهي "الحقيقة المهجورة"، أي الحقيقة اللغوية المهجورة.. بسبب نشوء مفرد بديل جديد استعمله الناس في واقع حياتهم.. فيتم هجر اللفظ الأصلي والذي يتمثل في لفظ "الديار" حيث أصبح لفظ الديار منحصرا في السكن تحديدا.. وأصبح مفهوم "المواطنة" أكثر دلالة حاضرة.. متسقة مع العرف السياسي والثقافي والفكري.

علما بأن أسامة ابن منقذ له مؤلف ضخم عنوانه "الديار"، أي الوطن، وقد تم تحقيقه في خمسينيات القرن الماضي كدلالة على مفهوم المواطنة في الثقافة العربية الموروثة.

وعليه فإننا نقرر:

1- التعامل مع مفهوم المواطنة من الزاوية المتصله اتصالا مباشرا بحقوق الإنسان - كرامة، وحرية، ومساواة، وعيشا كريما.

2- القيام بتتبع نصوص القرآن المتضمنة للمبادئ والحقوق التي تلتقي بمفهوم المواطنة، فنقول:

أولا- مفهوم المواطنة يلتقي بنص (الدِّيار) في الاستعمال القرآني.

ثانيا- ورد مفهوم (الديار) في القرآن مضافا إلى ضمير الجمع.. دياركم.. ديارهم.. ديارنا.. كما ورد مفردا معرَّفا بـ"ال".. (والذين تبوّءوا الدار) وهو اسم للجنس، مثل: إنسان، أي الجنس الآدمي.. وقد ورد لفظ الديار في القرآن 17 مرة.

ثالثا- هذا العدد الكبير في النسق القرآني يرتفع بمفهوم الديار إلى رتبة تشريعية عالية الشأن تتبوأ مكانتها بين مقاصد القرآن كما هو مقرر في المنهج الأصولي.

رابعا- دلالات السياق القرآني:

الشيء الأهم والأقوى هو دلالات السياق القرآني للفظ الديار.. حيث أورده وسط سياقات تضمنت مبادئ إنسانية عقديا واجتماعيا وفكريا وثقافيا وتشريعيا وحضاريا.

كما أن الاستعمال القرآني للسياق أعطى مبادئ أخرى وهي دلالات ملازمة للدلالة اللفظية.. وهي دلالات لا تقل قوة عن الدلالة اللفظية باتفاق أهل اللسان العربي دلالة متلازمة بصورة لافتة للنظر.

خامسا- أهم النصوص القرآنية:

نظرا لأهمية (مفهوم المواطنة) استسمح القارئ أن يتحمل، علما بأني سأتوخى الإيجاز قدر المستطاع كما يلي:

1- "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون . ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون" (البقرة: 84 و85).

2- "واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل" (البقرة: 191).

3- "يسألونك عن الشهر الحرام قتالٌ فيه قل قتالٍ فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل" (البقرة: 217).

4- "وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا" (البقرة: 246).

5- "فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي" (آل عمران: 195).

6- "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه" (النساء: 66).

7- "أذن للذين يُقَاتَلون بأنهم ظُلِموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله" (الحج: 40).

8- "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا" (الحشر: 8).

9- "والذين تبوّءوا الدار والإيمان يحبون من هاجر إليهم" (الحشر: 0).

10- "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" (الممتحنة: 8).

11- "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم" (الممتحَنة: 9).

سادسا- التعليق التفصيلي حول النصوص العشرة الآنفة سنتركه للقارئ كي يتعامل مع جلال النصوص والدلالات لوضوحها.

غير أننا سنشير إلى بعض الدلالات التي قد تخفى على القارئ فنقول:

- النص الأول.. إخراج الآخر من داره.. هو إخراج للذات.. أي اعلم أيها المفسد أن إخراج فلان من داره هو إخراج لك.. بغض النظر إن كنت أنت الفاعل أو كنت الساكت إزاء هذا المنكر الإنساني.

- الإخراج من الديار - الأوطان.. حرام في كل الشرائع السماوية.. كما هو في النص رقم 1و2.

- النصوص:191 و246 البقرة.. و40 من سورة الحج.. نصوا صراحة على وجوب القتال والدفاع عند القدرة وعدم الخضوع.

دلالة الفتنة:

- النصان 191 و217 من سورة البقرة نصا صراحة أن "الفتنة" هي إخراج الآخرين من ديارهم.. (هو الفتنة) لا غير.. وأن ما يترتب على هذا الإفساد السياسي من قتل و إهلاك للحرث والنسل والتدمير ليس هو الفتنة.. وإنما هو نتيجة (للفتنة).

- أن إخراج الآخر من داره فتنة ينتج عنها تقويض السلام والسلم المجتمعيين.

- تكفل الله بنصر المظلوم الذي تم طرده من داره بدون حق.. وأن الذي انتصر بعد ظلمه لا سبيل عليه.

- دلت النصوص صراحة على وجوب العقوبة بالمثل (واخرجوهم من حيث أخرجوكم)، ليذوق المفسدون وبال أمرهم ويتجرعون مرارة فراق الديار وحرمان العيش بأوطانهم كما فعلوا بغيرهم.

سابعا- مكانة مفهوم الديار - المواطنة:

- مقاصد القرآن ألفاظا ودلالة وسياقا حددت (المكانة) لمفهوم المواطنة بأنه من السنن الحاكمة للاجتماع.. بمعنى أن الانتهاك لهذا المفهوم سواء كان إخراج من الدار أو انتهاك لأي مبدأ متصل بمنظومة المواطنة هو (الفتنة) التي هي أشد من القتل.

- أن انتهاك مبدأ المواطنة يعتبر مصادم لأمر الله وقضائه الكوني.. لأن سنن الاجتماع هي قضاء الله الكوني وأمره التشريعي.. وبالتالي فإن المساس بها هو إفساد في الأرض، والواقع المعيش خير شاهد.

ثامنا- التشريعات

مقاصد القرآن التشريعية نصت على نوعين من التشريع العقابي.. النوع الأول، تكفير منتهك حق المواطنة.

- الآيتان 86، 84.. نصتا بوضوح على تكفير من انتهك حق المواطنة، "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض".

- الخزي في الدنيا بالعقوبة بالمثل.. (واخرجوهم من حيث أخرجوكم).

- العقاب الخالد في جهنم.. "فما جزاءُ من يفعل ذلك.." إلخ الآية (86) من سورة البقرة.

عموم العقاب:

هذا العقاب والخزي شامل لكل من انتهك هذا الحق سواء كان زعيما أو خليفة أو أو.. فهو مفسد مجرم.. ولا استثناء لأحد بنص القرآن الصريح.

تاسعا- بنو النظير وبنو قينقاع:

هذا سؤال في غاية الأهمية وهو: أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج قبيلتي النظير وقينقاع من ديارهم؟

الجواب:

1- البطنان اليهوديان نقضوا العهد.
2- هم الذين اختاروا الجلاء ولم يفرضه الرسول صلى الله عليه وسلم بنص القرآن.

3- الروايات التي تقول إن الرسول صاحب القرار هي روايات مخالفة لصريح القرآن.

4- ربما افتخروا بأنهم الرجال القادرون على قتال النبي.. واعتمدوا مناعة حصونهم.. والعدة والعتاد... إلخ.

فأتاهم الله.. انتبه.. الله هو الذي قذف في قلوبهم الرعب فاختاروا الجلاء.

5- ما يعزز هذا الفهم.. هو أن المنافقين شنوا حملة شعواء ضد الرسول وأصحابه أنهم مفسدون بدليل قطعهم للنخيل.. "ما قطعتم من لينة"... آلخ. فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي حكم عليهم بالجلاء.. لم ولن يسكت المنافقون.. إذ كيف سيتحدثون عن قطع نخلة.. ويسكتون عن انتهاك حق المواطنة والديار؟ هذا دليل تلازمي لا يختلف حوله أحد.

هذا الاستدلال التلازمي ينطبق أيضا على دعوى ذبح بني قريضة وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان للمنافقين أن يسكتوا عن هكذا مجزرة طالما وهم شنعوا على قطع نخلة والله تولى الدفاع عن تصرف قطع النخلة.

الخلاصة:

- مفهوم المواطنة هو أحد مقاصد القرآن.
- مفهوم المواطنة تضمنه القرآن بدلالات اقوى وأوضح.
- مفهوم المواطنة مبدأ مقدس.
- مفهوم المواطنة سنة من السنن الحاكمة للاجتماع.
- مفهوم المواطنة هو قضاء الله الكوني.. وأمره الشرعي.. وانتهاك هذا المفهوم عده القرآن كفرا.. ورتب عليه عذاب وخلود أبدي.

- شرع القرآن عقوبة المعاملة بالمثل ضد كل من انتهك حق المواطنة.

- مفهوم المواطنة مبدأ مقدس في كل الشرائع السماوية.

- الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحكم بجلاء قبيلتي قينقاع والنظير وإنما كان الجلاء هو اختيار القبيلتين.

كلمات دالّة

#اليمن