السبت 20-04-2024 15:32:40 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قيامة شعب.. كيف أعادت ثورة 11 فبراير تشكيل الوعي الوطني؟

الثلاثاء 18 فبراير-شباط 2020 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص- أسامه الليث

 

الثورات لا تستأذن أحدا ولا ترهن مصيرها لما يقرره الخارج، هي بالمجمل مصلحة وطنية صرفة، ولا شأن لها باستقامة أو خلل موازين القوى الإقليمية والدولية، أو أي مصالح تتعارض مع أهدافها مهما تكن أهميتها.

وثورة الـ11 من فبراير لم تكن عادية، بل كانت بمثابة بركان ثوري انبثق من أعماق شعب ذاق مرارة ثلاثية الجوع والجهل والمرض، شعب محاصر سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ومطحون بفساد السلطة الحاكمة والمحسوبية وعدم النهوض.

خرج الشباب في فبراير 2011م إلى الشوارع والساحات والميادين من أقصى الوطن إلى أقصاه، ولم يكن هذا الخروج بإيعاز من طرف سياسي معين، بل كان الدافع وراءه المطالبة بالتغيير والخلاص من نظام عاث في الأرض فساداً وتخريباً، وحوّل حياة اليمنيين إلى جحيم.

هتافاتهم التي وصلت كلماتها لكل المسامع، وترددت أصداؤها في كل ربوع الوطن، سهوله وجباله ووديانه ومدنه وريفه، وتضحياتهم في مواجهة الرصاص بصدورهم العارية، وصلابة وعزيمة بأسهم، وإصرارهم على استكمال تحقيق أهداف ثورتهم، كل ذلك شاهد على شموخ هؤلاء الشباب وأحقية مشروعهم الوطني الذي بدأوه ليستمر وصولاً إلى الهدف المنشود، مهما كانت التضحيات، فالثورة لا تنتهي بعدد السنين التي مرت، فكلما اشتدت مواجهتها كلما زادها إصرارًا على تحقيق غاياتها.

ثورة 11 فبراير فريدة في إرادتها:

إنَّ الثوّرةَ ليستْ أمانيّ مختزنة، أو أحلام طوباوية، بل عمليّة اجتماعيّة تاريخيّة تَجْترحُ النضالَ وتمتلكُ البديلَ الثوّريّ لسعادة الشعب وحريّة الوطن.

لقد انتهجت ثورة 11 فبراير أسلوبَ التظاهر السلميّ، وقدّمت تضحيات كبيرة وجسيمة، حيث سالتْ دماء الشهداء والجرحى في معظم شوارع ومدن اليمن.

في 11 فبراير، بدأت الاحتجاجات من جامعة صنعاء بمظاهرات طلابية وأخرى لنشطاء حقوقيين نادت جميعها برحيل صالح، رافقها اعتقال عدد من الشباب والناشطين المتظاهرين، وهناك بدأت مرحلة الاعتصامات أمام ساحة جامعة صنعاء.

وبدأت الموجة الثورية تكبر، وبدأت فئات الشعب تعبر عن نفسها في تلك الساحة، الباعة المتجولون والناس البسطاء، وبائعو الأراك، وتلك العفوية الشعبية في شجاعة التعبير عن إرادتها.

انتقلت الثورة إلى مرحلة توجيه الإنذارات تلو الإنذارات لرئيس النظام بالرحيل.

في تلك المرحلة بدأت أيضا كل فئات الشعب ومختلف المكونات في إقامة خيم لتعبر عن إرادتها في الساحة.

ﻛﺒﺮﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ أﻛﺜﺮ ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺠﻤﻮﻉ ﺗﺤﺘﺸﺪ أﻛﺜﺮ ﻭﺳﻘﻒ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﻳﺮﺗﻔﻊ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺴﺎﺣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺗﺴﺘﻨﺴﺦ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﺔ ﻭﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻗﺎﺕ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻘﻄﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺗﺘﻮﺍﻟﯽ ﻭتنضم ﻟﺴﺎﺣﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ.

في 18 مارس كانت ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺟﻤﻌﺔ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ أﺷﺮﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ صالح من الجو ﻟﻴﺘﻢ ﻗﺘﻞ 65 متظاهرا برصاص القناصة، ﺑﻌﺪ أﻥ أﻃﻠﻖ إﺷﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﺪء ﻣﻦ ﻣﺮﻭحيته ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ "هيلوﻛﺒﺘﺮ" ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻠﻖ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﻟﻴﺸﺎﻫﺪ ﺟﻤﻮﻉ ﺍﻟﺤﺸﻮﺩ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺮحيله.

بعدها توالت ﺟﺮﺍﺋﻢ القتل الجماعي ﺑﺤﻖ الشباب ﺍﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﻳﻦ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﻴﻦ في ﺣﻲ ﺍﻟﻘﺎﻉ ﻭﺟﻮﻟﺔ ﻛﻨﺘﺎﻛﻲ ﻭﺷﺎﺭﻉ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ ﻭﺍﻟﺰﺑﻴﺮﻱ.

ورغم أن اليمن من أكثر بلدان العالم تسلحا، إلا أن الثوار حافظوا على سلمية ثورتهم قدر المستطاع، ولم يشكل الطلبة والشباب الذين كانوا لب الاحتجاجات أي مليشيات مسلحة للتصدي لقوات صالح.

وهكذا تبقى ثورة 11 فبراير فريدة في إرادتها، فبرغم تنوع حملة رايتها إلا أن كل الشعب اليمني حمل الهدف الواحد.

"صالح" المخرج والمعد لمعركة إسقاط الجمهورية والثورة:

تحدث الناشط منير الوجيه عن الأسباب التي دفعت الشباب للقيام بثورة 11 فبراير قائلا: ثورة فبراير هي ثورة الكرامة والحرية واستعادت الذات اليمنية التي غيبها صالح تحت عباءة أسرته.

لقد قامت هذه الثورة على يد نخبة شباب اليمن، ففيها الطالب الجامعي وفيها المهندس والطيار والطبيب والمعلم، وفيها الفنان والمنشد وخلاصة ما أنجبت اليمن من جيل طموح، انصدم بنظام مستبد وفاسد، همش المكانة الكبيرة لليمن في محيطها العربي والعالمي، وجعل أكبر ما يمكن أن يطمح إليه اليمني هو الغربة والرحيل عن الوطن، متنقلا بين
دول العالم باحثا عن أمن معيشي وحقوق وحريات بعيدا عن وطنه الأم.

اندلعت ثورة الشباب نتيجة تراكم أخطاء خلال 30 سنة، وانحراف واضح بمسار الجمهورية التي بدأت تتحول إلى إقطاعية خاصة بأسرة صالح، يبني فيها إمبراطورتيه على حساب تاريخ وشعب بلد عريق.

في عهد صالح صارت الحياة تحديا منذ الطفولة التي حرمنا من أن نعيشها كأطفال العالم، إلى أن تخرجنا من الجامعات إلى سوق العاطلين عن العمل، في حين أن طبقة معينة تتمتع بكل المزايا والوظائف والمنح.

انطلقت ثورة 11 فبراير رغم تأخرها لتعيد الألق لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، لترفض الإمامة بشكلها الحديث، لذلك توعد صالح بالانتقام وسلمها للإمامة الكهنوتية التي نعاني منها إلى الآن.

لم يكتمل حلمنا بعد، فأعداء تلك الثورة أبوا إلا أن يقضوا على هذه المنجزات، بتدمير كل جميل وهدم المعبد كما قال صالح على رؤوس الجميع، ذهب بعيدا وسلم البلد للقادمين من خلف الكهوف، وأعلنوا عن نكبتهم في21 سبتمبر التي حولت اليمن إلى ساحة للحرب، دمرت كل المكتسبات بدافع الانتقام، ليظهر "صالح" المخرج والمعد لمعركة إسقاط الجمهورية والثورة، ليقول: "دفنَّا ثورتهم ومعها مخرجات الحوار الوطني"، ويحدد مسارا واحدا للهرب كما كان يقول.


المرأة حاضرة في صناعة ملامح ثورة فبراير بكل تفاصيلها:

لعبت المرأة في محافظة صنعاء دورا بطوليا خلال ثورة 11 فبراير، وسجلت حضورها وبقوة في هذه الانتفاضة، فكان لها دور لافت في التحشيد لهذه الثورة، إضافة إلى مشاركتها جنبا إلى جنب مع الثوار في المظاهرات والاحتجاجات السلمية التي شهدها ميدان التغيير.

استطاعت المرأة أن تتجاوز مربعات التأثير والحضور المحدود، لتغدو حاضرة في صناعة ملامح فبراير بكل تفاصيله، وفي مشاهد لا تجد فيها أي تمايز بين دور المرأة والرجل، فقد كانت الشهيدة والثائرة والفيلسوفة والأديبة المناضلة والجريحة.

أدى وجود المرأة ومشاركتها في الثورة إلى تحفيز شباب الثورة وهم يشاهدون شجاعتها وعدم خوفها من آلة قمع النظام، فكانت سببا لالتحاق العديد بركب الثورة.

الدكتورة نورية الأصبحي، أحد النساء اليمنيات المناضلات في ثورة 11 فبراير، تحدثت قائلة: يوم خرج الشعب اليمني في ثورة 11 فبراير خرج بتنوعاته المختلفة العمرية، الأطفال، الشباب، النساء والشيوخ، فكانوا هم عناصر الثورة وطاقتها الحقيقية وعشاق الحرية والكرامة.

المرأة حاولت الصعود في ثورة فبراير، وعملت لها منعطفًا جديدًا وتاريخًا جديدًا حوّل المرأة إلى شريك حقيقي للرجل في معظم الأمور الحياتية، إلا أن مصيرها كان التوقف في ظل الحاجة والحرب والفقر الذي أزهق وليدها من حضنها والتهم طفلها من حارته وزوجها من مكان عمله وأخيها من بين محبيه وأباها من منبر عمله.

المرأة الثائرة شاركت الرجال في كل مجال في السلم والحرب وفي كل الظروف قامت بدورها على أكمل وجه، وتسد فراغات عدة تركها الرجل بسبب الحرب، وتفرغت للدفاع عن قضايا الوطن وحمايته، أو بترك البيت لمهام إضافية.

واعتبرت الأصبحي أن المرأة باتت هي حجاب لعائلتها من يد الشر القابضة على جمر الحياة، الصامدة في وجه الحاجة والضرورة والموت، زادت المرأة بسالة في حاضرها عن ماضي كفاحها الاجتماعي المدمر، إلا باستثناءات صغيرة لبعض النسوة، لم يقتصر دورها على مرحلة عمرية، فهي الأنثى في أي عمر كانت وفي أي مستوى تعليمي وصلت، كفاح مستمر وزادتها الحرب وجعاً.

ثورة فبراير الحدث الثوري الأرقى والأبرز:

الأستاذ عبد الخالق عطشان كتب في ذكرى الثورة قائلا: ثورة 11 فبراير ليست إلا ثورة مثلها مثل سابقاتها من الثورات اليمنية، والتي تعرضت لإعاقات ومعرقلات داخلية وخارجية، إلا أن ثورة 11 فبراير لم تتعرض لإعاقات فحسب، وإنما لكمائن وأفخاخ ومكائد عظيمة ومكر تزول منه الجبال، ومع ذلك ما زالت ثورة فبراير صامدة وثابتة ومستمرة تمضي نحو تحقيق أهدافها، وعبور للمستحيل بتضحيات كبيرة مثلها مثل بقية الثورات، إلا أنها الحدث الثوري اليمني المعاصر الأرقى والأبرز، وستكون الحدث التاريخي الأقوى في وضوح الأهداف وتنوع الوسائل وحجم التضحيات وتعدد النتائج وتحملها لتبعات الأخطاء التراكمية التي كانت نتاجا للسياسات المتعاقبة بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر، تلك الأخطاء التي أوجدت أعداء وخصوما لثورة فبراير من داخلها وخارجها، وفي الداخل اليمني وخارجه، وإعاقات كبيرة وضغوطات أكبر وقفت حواجز لتحقيق كامل أهدافها في وقتها المحدد.

ثورة حق في وجه الباطل والظلم:

لقد ظلَّ الشباب اليمني محور الاحتجاج الشعبي، وأدت التحولات اللاحقة لثورة فبراير إلى ولادة كيانات شبابية، وبفعل ذلك اتسع نطاق العمل السياسي وارتفع منسوب الوعي الاجتماعي تجاه القضايا العامة، وكُسِرَ طوق الاحتكار الذي لازم المشهد السياسي اليمني طوال سنوات عديدة، حيث ظلَّ رهناً بيد السلطة ونخب سياسية واجتماعية، الأحداث كشفت عن عجزها وفضحت عمق أزمتها.

الناشطة بلقيس الحسني تحدثت للإصلاح نت قائلة: ثوار 11 فبراير ما زالوا هم اليوم الكتلة اليمنية الحية في الداخل والخارج، ولا يمكن تجاهلهم، فبالأمس كانوا يجوبون الشوارع واليوم خلف المتارس في الجبهات يستعيدون الدولة.

من يظن أن ثورة 11 فبراير انتهت أو ستنتهي فهو واهم، هذه الثورة غيرت قدر أمتنا اليمنية، وهي مستمرة حتى استعادة الدولة وبناء مؤسساتها.

وأضافت قائلة: وحده شعبنا من خرج بحثاً عن دولة في 2011، بينما الشعوب الأخرى خرجت تبحث تحسينات في شروط المواطنة، لذا قدم في سبيل ذلك شبابه ورجاله وكل شرائحه تضحيات كبيرة من الشهداء والجرحى والمختطفين في سبيل تحقيق أهدافها السامية، التي أزعجت رموز الاستبداد العائلي والسلالي، وعملت مجدداً على إنهاء الكهنوت والظلم، أكان بلبوس الجمهورية أم بعمائم الإمامة.

واختتمت حديثها قائلة: الثورة مستمرة حتى تحقيق كامل أهدافها النبيلة، وهي ثورة حق في وجه باطل وظالم، وإحياء ذكرى فبراير يعبر عن تمسك الشعب اليمني بثورته ومكتسباته الوطنية.

شباب الثورة لا زالوا يقودون معركة وطنية كبرى:

لا تقاس الثورات بالزمن لنجاحها، كما لا تحد منها التحديات التي ترافق عملية الانتقال إلى الوضع الجديد، ولا الإخفاقات التي تخلقها الثورة المضادة، ولا محاولة مشاريع الماضي الاستفادة من مرحلة الانتقال، لفرض أجندتها بقوة السلاح أو القضاء على الثورة وقيمها، ولا محاولة قوى الثورة المضادة خلق حالة من السخط من الحاضر والحنين إلى الماضي الذي ثار عليه المجتمع، وربط الإخفاقات بالثورة وعملية التغيير، بل ذلك وغيره يزيدنا يقينا بضرورة الثورة التي كشفت عن هذا الكم الهائل من المشكلات التي تغلغلت في جسد الدولة والمجتمع، ليتم اليوم وغدًا معالجة كل هذه العلل والتخلص منها.

الصحفي نبيل البكيري تحدث حول هذا الموضوع قائلا: يتساءل البعض عن ثورة فبراير أين هي مما يجري على الأرض، ويتناسى الجميع أن هذا الجاري هو استكمال نضالي مسلح لمسار هذه الثورة، وأن شبابها اليوم هم الذين في الميدان جيل فبراير الذي توزّع بين المنافي والميادين والسجون، ويقود اليوم معركة استعادة الوطن وشرعيته، ويقود معركة وطنية كبرى بكل تفاصيلها العسكرية والسياسة والإعلامية والحقوقية، كل هؤلاء هم المؤمنون بثورة فبراير.

وأضاف: ليس هناك اليوم من يمني يؤمن بثورتي سبتمبر وأكتوبر لا يرى في ثورة فبراير سوى مسار جديد لاستكمال أهدافهما العظيمة وسرديتيهما الوطنية الواضحة، التي انقذت الجمهورية من توريث محقّق، وكشفت ما تبقى من كهنوتية نخرت ثورة سبتمبر، وعطلت ثورة أكتوبر من الداخل، وحولتهما إلى مجرد شعارات ترفع في المناسبات الاحتفالية مفرغة المضمون.

في ميدان التغير تؤدى شعيرة الوقت وفريضته:

لا نستطيع بحالٍ من الأحوال الحديث عن ثورة 11 فبراير بمعزل عن الدور الذي لعبه ميدان التغيير في صنعاء، من إلهاب حماس الجماهير بالأغاني الثورية والفعاليات والسهرات والأمسيات الفنية، التي كانت تمثل بوصلة الحركة الثورية ونشاطاتها المختلفة.

الكاتبة هناء ذيبان تحدثت عن ميدان التغيير قائلة: في ميدان التغيير الكل يعرف الكل، فلا أحد يستغرب أحدا.
تآلفت الوجوه، تعارفت النفوس، تلامست القلوب، تعانقت الأرواح، تشابكت الأيدي، تراصّت الأجساد صفا واحدا، فأنشأت صرحا منيعا فى مواجهة رياح القوى الظالمة المستبدة،
الهتافات لا تتوقف برغم بحة الصوت، إذ لا تكاد تضعف نبرة الصوت، حتى ينضم من يكمل الهتافات بجديد مغاير، يبعث على المواصلة في دأب ودون كلل.

وبرغم الزخم الثوري والدماء التي أُريقت، ومشاهد القمع والبطش والاستخفاف بالإنسان التي لا تكاد تفارق مخيلتك، لكنك هنا في الميدان تحس بمشاعر مغايرة، إذ هنا ينتابك الشعور بالأمن والاطمئنان، وسكينة النفس والروح، وإحساس بمزيد صفح وغفران.

في ميدان التغيير تهب النسمات، فتحسها رحمات، كتلك التي تتنزل عليك في روضات المسجد، ومجالس الذكر، ولحظات التأمل والفكر.

في ميدان التغيير شيئ آخر يتمايز عن ذلك الذي أتيت منه، إنه مختلف في كل سماته وقسماته ودلالاته، فتبدو سماء الميدان وجوانبه وكأنه قد تنزلت عليه الملائكة وحفته البركة، فغشي الجميع السكينة واليقين.

في ميدان التغيير أرواح شفافة ترقُ في سلوكها اليومي مع بعضها البعض، حتى لتصافح الملائكة، وتسامت النفوس في استعلاء على كل ألوان الخلاف لتكون مطالبها واحدة، لا تخفت نبرة دون أخرى عن المطالبة بها في إصرار وتحد، حتى لتبدو وكأنها تملك ما يفوق النظام من أدوات القوة، إنها تملك الثقة بوعد الله، الثقة بسنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول، وقد آن لها أن تفعل فعلها في نظام استحل سفك الدماء، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

تغادر الميدان، فما تلبث أن ينتابك إحساس بالندم، وما تكاد تستقر في منزلك حتى يتجدد الشوق إلى هناك، ويعصف بك الحنين فلا تجد مفرا من التأهب للعودة ثانية، ولا تسكن نفسك حتى تستقر هناك تؤدي شعيرة الوقت وفريضته، لتستمر الثورة متقدة مشتعلة حتى يرحل النظام مهما يكن الثمن.

كلمات دالّة

#اليمن