الخميس 25-04-2024 07:55:02 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تعز.. المدينة التي أشعلت ثورة 11 فبراير وما تزال تحمل لواءها

الأحد 16 فبراير-شباط 2020 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عامر دعكم

 

حظيت تعز بشرف السبق في إشعال فتيل ثورة الحادي عشر من فبراير، فأسس ثوارها ساحة الحرية، أولى ساحات النضال والاعتصام في اليمن، وواحدة من أشهر ميادين ثورات الربيع العربي.

مثلت ساحة الحرية ملتقى لأبناء تعز الحالمين بوطنٍ ديمقراطي ودولة مدنية يسودها العدل والقانون، تدفقوا إليها من كل مناطق تعز وبمختلف أطيافهم وانتماءاتهم ومشاربهم، فكان التغيير هدفهم جميعًا، وكان هتافهم الموحّد "ارحل".

ولم يقتصر دور تعز على إشعال فتيل الثورة في وجه النظام البائد وتأسيس أولى ساحات النضال فحسب، بل أنها عملت، وبمنتهى الشعور بالمسؤولية والوعي، على تغذية كل ساحات اليمن -البالغة أكثر من 20 ساحة- بالثائرين، طمعًا في اختصار الجهد والوقت في تغيير نظام علي صالح.

أول شهداء الثورة

ورغم سلمية الثورة، واجه النظام العصبوي الثوار بالعنف والرصاص الحيّ والقذائف والغازات المسيلة للدموع، في محاولة يائسة لإخماد الثورة العصية على الانطفاء.

في الثامن عشر من فبراير 2011، في "جمعة البداية"، ارتقى الشاب مازن البذيجي شهيدًا على أيدي عصابة أطلق عليها من تلك اللحظة "بلاطجة علي صالح".

استشهد البذيجي وسط ساحة الحرية بقنبلة يدوية ألقاها البلاطجة إلى أوساط الثائرين، فكان فاتحة لتضحيات الثورة وأول شهيد في سبيل الإطاحة بالنظام العصبوي المثخن بالفساد.

واصل الثوار مشوار النضال وأخذت الساحة تعجّ بالمعتصمين بشكلٍ أزعج نظام صالح وقضّ مضجعه، وبدلًا من النزول عند مطالب الجماهير ازداد صالح عُنفًا وإجرامًا، ظنٍّا منه أن بإمكانه إطفاء شعلة الثورة.

في 29 مايو 2011، استجمع نظام صالح جامّ حقده وإجرامه وأقدم على إحراق ساحة الحرية وجرف المخيمات، وهو حدث ما يزال عالقًا في أذهان أبناء تعز واليمن، نظرا لهول الجريمة وفداحتها ومدى الإجرام الذي كان يسكن نظام صالح.

خلّفت محرقة ساحة الحرية، التي استمرت أكثر من 100 ساعة، 13 شهيدا، وقرابة 200 جريح، بالإضافة إلى إحراق مئات المخيمات، وتعرض عشرات المساكن للإحراق، وتعرض مستشفى الصفوة للقصف والنهب، كما اختطف بلاطجة صالح المئات من المعتصمين.

بعد ثمانية أيام من إحراق الساحة، في السابع من يونيو، استعاد ثوار تعز ساحة الحرية ونصبوا الخيام من جديد، وحوّلوا كل تعز إلى ساحات ثورية، ومضوا في الفعل الثوري غضبًا في وجه نظام صالح، الذي استمر بدوره في الإجرام يواجه الصدور العارية بالرصاص الحي.

في 11 نوفمبر 2011، في جمعة "لا حصانة للقتلة"، أطلق بلاطجة صالح قذيفة على مصلى النساء فاستشهدت ثلاث نساء، هن تفاحة العنتري، ياسمين الأصبحي، وزينب العديني، كما شهدت بعض أحياء تعز في ذلك اليوم قصفًا عنيفًا شنه بلاطجة صالح بمختلف أنواع الأسلحة، لتصبح حصيلة الضحايا 15 شهيدا، بينهم ثلاث نساء وثلاثة أطفال.

واصل المخلوع صالح صبّ أحقاده على تعز، فأطلق الرصاص والقذائف واستخدم مختلف الأسلحة الثقيلة ضد مدنيين عُزل وصدور عارية سعيًا منه لكسر عزائم الثوار وثنيهم عن أهدافهم.

بلغ عدد شهداء ثورة 11 فبراير في تعز 223 شهيدا، بينهم 35 طفلا و15 امرأة، قضوا جميعًا على أيدي بلاطجة نظام صالح، وكانت دماؤهم غيثًا سقى الثورة فنمّاها وقوّاها، وسيلًا غاشمًا سحق النظام البائد وخلع صالح.

مسيرة الحياة.. الحدث التأريخي

في صباح الثلاثاء 20 ديسمبر 2011، انطلقت مسيرة الحياة الراجلة من ساحة الحرية بتعز مولية وجهها شطر صنعاء، فوصلت العاصمة بعد خمسة أيام وقد تعرضت لاعتداءات عديدة من بلاطجة النظام، وبعد أن قطع فيها الثوار مسافة تتجاوز 260 كيلومترا، وعبروا فيها محافظتي إب وذمار، مشيًا على الأقدام، في حدثٍ منقطع النظير.

من رموز ساحة الحرية

وككل ساحات النضال والثورة، كان لساحة الحرية في تعز رموزا زادوها شعلة، وأكسبوها وميضًا، منهم ضياء الحق الأهدل، خطيب جمعة البداية، أول جمعة في الثورة الشبابية السلمية، د.طالب غشام، عبده عماد، مطلق الأكحلي، مجيب المقطري، غازي السامعي، عبد الرحيم السامعي، محمد حميد القدسي، مطهر الصبري، جميل العبسي، والشهيد صادق منصور الحيدري والعشرات من الرموز.

وفي ثائرات تعز رموز أيضًا، لعبن أدوارًا ريادية في الثورة وكان لهن حضورا ثريًا، منهن الدكتورة خديجة عبد الملك الحدابي، أروى وابل، حورية وابل، نظيرة النقيب، أسماء الراعي، بشرى المقطري، هدى الغليسي، كفى وازع، رفيقة الكهالي، ياسمين الصبري، صباح عبد المجيد الشرعبي، جميلة جغمان، وفاء الوليدي، هدى عبده قائد، حورية عز الدين، وغيرهن الكثير.

الدكتورة خديجة عبد الملك الحدابي، من أوائل المشاركين في الثورة الشبابية، وقدمت ابنها شهيدا دفاعا عن تعز، ترى أن "جذوة ثورة 11 فبراير لم تنطفئ في نفوس الأحرار".

وتقول الحدابي: "يكفي أنها عرت الطاغية عفاش وزمرته وأنهت مشروع التوريث"، مضيفةً: "وإن كان من خفوت لضوئها فسببه بعض الثوار الذين أساؤوا إليها الآن بعدم تمثلهم لأهداف ثورة 11 فبراير".

"لقد أزحنا طاغية، نعم، ولكن أفرزت تركته الثقيلة ألف طاغية، وما نزال نعيش عهد المستبدين الصغار الذين يحتاجون لثورات وليس ثورة واحدة"، تؤكد الحدابي.

سقاء الثوار.. قصة نضال متفرِّدة

مطهر الصبري، الملقب بـ"سقاء الثوار"، واحد من رموز ساحة الحرية بتعز وقصة نضال لا نظير لها، عمل في سقي الثوار في الساحة منذ انطلاق الثورة الشبابية السلمية.

ما يزال "سقاء الثوار" مستمر في نضاله، وللسنة التاسعة على التوالي يحمل "عبوة الماء" المطلية بألوان العلم الجمهوري، يسقي المصلين في الساحة كل جمعة، ويشارك في كل الفعاليات الوطنية ليروي عطش الثائرين.

يقول مطهر الصبري: "أشعر بالارتياح وأنا أروي عطش الثائرين، وإنني من خلال عملي أزيدهم نشاطا وثورة ". ويضيف: "الوطن في قلبي وهؤلاء الثوار ضيوفي، لذا أقوم بإسقائهم".

ويؤكد الصبري للإصلاح نت أنه يعمل سقاء للثوار بلا مقابل، منذ انطلاق الثورة قبل تسع سنوات.

ورغم الشرّ الذي صبّه المخلوع صالح في وجه اليمن بتحالفه مع بقايا الإمامة، الحوثيين، انتقامًا من ثورة 11 فبراير، إلا أن ساحة الحرية بتعز ما تزال صامدة وملتقى للثوار، وبلغت عدد الجُمع الثورية فيها أكثر من 470 جمعة للسنة التاسعة على التوالي.

ثورة مضادة

تمكن الثوار من خلع صالح، لكنه كان متجذرا في السلطة سياسيا وعسكريا، ورغم أن القوى السياسية قفزت على مطالب شباب الثورة ومنحت صالح "حصانة" في المبادرة الخليجية (23 نوفمبر 2011)، إلا أن صالح كان يضمر شرًا للثوار وكل اليمن، فانفجر ما تبقى من شرّ في صالح دفعة واحدة بتحالفه مع بقايا الإمامة (الحوثيين).

تحالف صالح مع الحوثيين، فقادوا انقلابًا ضد السلطة الشرعية في 21 سبتمبر 2014، للنيل من ثورة الحادي عشر من فبراير النبيلة، وعملوا على إسقاط الدولة وكل المحافظات إلا قليلا، وضمن القليل تعز.

رفض ثوّار تعز الانقلاب مبكرًا، ومضوا في فعالياتهم الثورية والنضالية في ساحة الحرية رفضا لملشنة الدولة والانقلاب على إرادة اليمنيين وأهداف ثورتهم.

المقاومون ثوّار

في حين كانت المدن تتهاوى، كان الانقلابيون يظنون أن اقتحام تعز والسيطرة عليها لن يكلفهم أكثر من ساعات معدودة، لكنهم وجدوا واقعا مختلفًا كُليًا.

أدرك ثوار تعز أن السلمية لا تنفع مع مليشيات الموت، فحملوا أسلحتهم الشخصية وهبّوا دفاعًا عن تعز.

تحوّل ثوار 11 فبراير في تعز إلى أبطال مقاومة، تسلّحوا بالكلاشينكوف فقهروا الدبابات والمدرعات وشتى أنواع الأسلحة الثقيلة التي نهبها الانقلابيون، وحقق أبطال المقاومة انتصارات كبيرة، فحرروا مديريات ومناطق شاسعة من تعز، وأذاقوا الجائحة الانقلابية الهزائم والويلات، وما زالوا يفعلون.

كلمات دالّة

#اليمن #تعز