الخميس 25-04-2024 05:23:26 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

في ذكراها الـ9.. هل كانت ثورة 11 فبراير 2011 ضرورة وطنية؟

الثلاثاء 11 فبراير-شباط 2020 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت – خاص /عبد السلام الغضباني

  

يعود الجدل مجددا، كلما حلت ذكرى اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، حول جدوى الثورة وما النتائج التي حققتها والأزمات التي ترتبت عليها. وبصرف النظر عن تباين الآراء، فإن نظرة سريعة إلى ما كانت عليه أوضاع البلاد عشية اندلاع الثورة، وما سبقها من تراكمات سلبية ممثلة بأخطاء النظام الحاكم وفشله في إدارة البلاد، كل ذلك كفيل بالإجابة على السؤال الملح: لماذا اندلعت الثورة؟ وهل كانت تلك الثورة ضرورة وطنية أم أنها كانت فعلا ترفيا؟

في الحقيقة، تعد الثورات عبر التاريخ من أهم ظواهر التطور الاجتماعي والحضاري. وبرغم ما يترتب عليها من حروب وأزمات سياسية واقتصادية، إلا أن الخسائر المختلفة الناجمة عنها تظل أهون وأقل من الخسائر المماثلة في حال ظلت الأوضاع كما هي عليه، وما الثورات إلا وسائل لتصحيح مسار التاريخ ووضع حد للفساد والاستبداد والديكتاتورية وغيرها من مساوئ الأنظمة المستبدة.

وبالتالي، فثورة 11 فبراير 2011 كانت تجسيدا لأرقى القيم الحضارية بسلميتها ونبل أهدافها، ثم إن تصرف النظام الحاكم إزاءها يعد أبرز دليل على عدالة الثورة، كما أن تعمد ذاك النظام تسليم البلاد للمليشيات الإمامية الكهنوتية المتخلفة وجر البلاد إلى أسوأ حرب أهلية كانتقام من الثورة، يؤكد صوابية الثوار الذين أدركوا خطر ذلك النظام، بعد فشل كل محاولات إصلاحه من داخله.

- تراكم الفشل

إذا بحثنا عن أسباب مختلف الثورات في العالم عبر التاريخ، سنجد أنه لم يسبق أن اندلعت أي ثورة شعبية بدون أسباب منطقية تقتضي ذلك، أي أن الثورات لم تكن ترفا، نظرا لما يترتب عليها من خسائر بشرية ومادية في أوساط الثوار أكثر من الخسائر التي قد يخسرها النظام الحاكم. كما أن القاسم المشترك بين الأنظمة الحاكمة التي تندلع ضدها ثورات شعبية يتمثل في أن تلك الأنظمة فاسدة وفاشلة ومستبدة ولا تؤتمن على السلطة والثروة وإدارة البلاد، وفشلها في تلبية الحد الأدنى من مطالب مواطنيها.

وبما أن اليمن تعد من أكثر البلدان في العالم من حيث عدد الثورات التي اندلعت ضد المحتلين الأجانب وضد الأنظمة الحاكمة المستبدة، فهذا يعني أن هناك ضرورات ملحة اقتضت اندلاع تلك الثورات، وهي الضرورات ذاتها التي اقتضت اندلاع ثورة 11 فبراير 2011.

لقد كان الفشل في مختلف الجوانب سمة ملازمة لنظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، الذي كان بنفسه لا يتورع عن الترويج للعالم كله بأن اليمن قنبلة موقوتة تهدد أمن المنطقة، وأنها بلاد القبائل والسلاح والإرهاب والعنف، وظل يتلاعب بالملف الأمني، ويستخدم ملف الإرهاب لابتزاز الدول الشقيقة والصديقة، كما وظف التدهور المعيشي والاقتصادي الذي تسبب به في استجلاب المساعدات الأجنبية ونهبها، وحوّل اليمن إلى ممر دولي لتهريب السلاح والمخدرات إلى مناطق الصراع في القارة الإفريقية، وحوّل الهامش الديمقراطي في البلاد إلى ديكور يغطي به مشروع التوريث والحكم العائلي المنافي لأبسط أبجديات النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي.

كما شمل فشل نظام الرئيس السابق علي صالح مختلف الجوانب، وفي مقدمة ذلك الاقتصاد والطب والتعليم ومختلف الخدمات العامة، حتى بدا العهد الجمهوري وكأنه نسخة مشوهة من عهد الحكم الإمامي الكهنوتي الذي كان من أبرز سماته الفقر والمرض والجهل، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة، وانعدام فرص العمل، وتدني الدخل السنوي للمواطن اليمني، وضآلة رواتب موظفي القطاعين العام والخاص، مما تسبب بظهور وتنامي ظواهر اجتماعية خطيرة، مثل: الانتحار، والسرقة، والقتل، والجنون، والاضطرابات النفسية، والهجرة غير القانونية إلى دول الجوار بحثا عن العمل، وغير ذلك.

- انسداد الأفق

كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رحمه الله، أول من نبه إلى أن اليمن تسير في نفق مظلم، في خطاب له في فبراير 2005، مما أثار عليه حفيظة النظام الحاكم، الذي رد عليه بقسوة. وقال الشيخ الأحمر في خطابه حينها: "إن الحالة الاقتصادية والمعيشية تنذر بكارثة خطيرة، وإن إضافة المزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين ستؤدي إلى المزيد من الاحتقان، وستزيد من رقعة الفقر في البلاد، وعلى العقلاء جميعا أن يسعوا لتلافي الكارثة قبل وقوعها".

تضمن خطاب الشيخ عبد الله الأحمر توصيفا دقيقا للحالة اليمنية، خاصة أنه تزامن مع ازدياد حدة الغضب الشعبي ضد النظام الحاكم، وتجلى هذا الغضب في أوضح صوره في انتخابات سبتمبر 2006 الرئاسية، وكانت المهرجانات الانتخابية لمرشح المعارضة، الدكتور فيصل بن شملان رحمه الله، وما تحققه من حضور جماهيري كبير، بمثابة ثورة شعبية ناعمة تدين نظام علي صالح، الذي سعى بكل ما أوتي من قوة مستغلا إمكانيات البلاد للتأثير على نتيجة الانتخابات وتزويرها.

غير أن ذلك لم يغير من واقع الحال شيئا، واتضح للجماهير بعد الانتخابات بأن الحال من سيئ إلى أسوأ، فبدأت مهرجانات "صيفنا نضال" الاحتجاجية منذ العام 2007، كما ظهر حينها الحراك الجنوبي الذي بدأ بمطالب حقوقية، ثم تحولت إلى مطالب سياسية تطالب بانفصال جنوب البلاد، كما بدأت تتكشف العديد من أسرار حرب صعدة التي بدأت منذ منتصف العام 2004.

كل ذلك حدث كنتيجة طبيعية لفشل النظام الحاكم في إدارة البلاد، وبدا لدى جماهير الشعب وأحزاب المعارضة أن الأوضاع وصلت إلى نفق مسدود، خاصة بعد أن واجه نظام علي صالح مختلف تلك الأزمات بحوارات عبثية مع أحزاب المعارضة، وبدأ باتهامها بالمسؤولية عن تلك الأزمات، أي تحميلها أسباب فشله وعجزه.

- تنامي السخط الشعبي

وفي المقابل، كانت حدة السخط الشعبي في تزايد مستمر، ووصل السخط ذروته عندما بدأ نظام علي صالح يتحدث عن عزمه إجراء تعديلات دستورية بهدف ما أطلق عليه "تصفير العداد"، أي إلغاء الفترات الرئاسية السابقة للرئيس علي صالح والبدء في فترات رئاسية جديدة، وبالتالي المضي في مشروعي التأبيد والتوريث، حينها، تحول السخط الشعبي إلى ثورة شعبية سلمية نجحت في الإطاحة بنظام علي صالح وتفكيكه من داخله.

وبما أنه بدا بعد ذلك أن البلاد على أعتاب عهد جديد، كان سيمثل إدانة كبرى للعهد السابق، وسيحرم الأسرة الحاكمة من امتيازات السيطرة على السلطة والثروة، وإذا بالنظام السابق والمليشيات الحوثية التي تحالف معها ينقلبون على السلطة الشرعية، ويجاهرون بالتحالف مع إيران، ويهددون دول الجوار، ويتسببون في إشعال أسوأ حرب أهلية في تاريخ البلاد، وما ترتب عليها من خراب ودمار، كل ذلك خوفا من دخول البلاد عهد جديد يدين العهد السابق، ويضع حدا لأطماع سلالة الأئمة في إعادة الحكم السلالي الإمامي العنصري والكهنوتي المستبد، وأطماع علي صالح وعائلته في توارث الحكم والتعامل مع البلاد وثرواتها كمزرعة خاصة.

- الثورة كضرورة وطنية

يتضح من خلال ما سبق ذكره، أن ثورة 11 فبراير 2011 كانت ضرورة وطنية اقتضتها ضرورة التخلص من نظام حكم لا يؤتمن على وحدة البلاد وعلى أمنها واستقرارها، ولا يؤتمن على العمل لصالح المواطنين، والقيام بالدور الطبيعي للدولة تجاه مواطنيها، ويسخر كل إمكانيات البلاد ومقدراتها لصالح مجموعة من المنتفعين، بينما الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني يعانون الفقر والجوع والمرض.

ورغم اندلاع ثورة مضادة عنيفة ضد ثورة 11 فبراير 2011، إلا أن ذلك ليس نهاية المسار، ذلك أنه من الطبيعي أن أي ثورة شعبية لا بد أن تواجه بثورة مضادة، والثورات المضادة -كالعادة- دائما مصيرها الفشل والهزيمة، وكل ما تنجح فيه الثورات المضادة هو أنها تؤخر عملية التغيير فقط وليس إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، كما أن الثورات المضادة تجعل الجماهير يحصنون ثوراتهم وتنقيتها من الشوائب ومخلفات النظام السابق، وبالتالي الانطلاق إلى المستقبل المنشود.

كلمات دالّة

#اليمن