الجمعة 29-03-2024 17:50:34 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الجمهورية المهدورة.. كيف استفاد الإماميون السلاليون من خلافات وأخطاء الجمهوريين؟

الخميس 30 يناير-كانون الثاني 2020 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

  

لم يكن أحد يتوقع أن النظام الإمامي السلالي العنصري سيتمكن من النهوض مرة أخرى واحتلال عاصمة البلاد ومعظم المحافظات والمدن اليمنية الحيوية، بعد مرور خمسة عقود فقط على اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، التي كان هدفها الرئيسي طي العهد الإمامي السلالي المتخلف إلى الأبد، بعد أن حكم البلاد ما يقارب ألف ومئة عام، هدم خلالها كل معالم الحضارة اليمنية، وتوقف التراكم الحضاري لليمنيين، وها هي الإمامة في نسختها الجديدة تعمل على هدم كل ملامح الدولة، بعد أن هدمت التعليم والطب وكل الخدمات العامة، وتعمل على تطييف المجتمع وهدم معتقداته، وهدم حتى الأخلاق والسلوك.

تمثل عودة الإمامة السلالية العنصرية الهمجية بوجه بشع، نتيجة طبيعية للأخطاء التي التي ارتكبها الجمهوريون والخلافات التي سادت بينهم منذ اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى يومنا هذا، ذلك أنهم لم يحافظوا على النظام الجمهوري ويعملوا على ترسيخه، وتهاونوا بتضحيات الآباء والأجداد التي دامت لعقود ضد النظام الإمامي العنصري حتى القضاء عليه.

كما أنهم لم يحرسوا الجمهورية من تربص الدولة العميقة للإمامة بها، حتى تفاجؤوا بالإمامة تكشر عن أنيابها، وتنقلب على الدولة، ومع ذلك لم يستفد الجمهوريون من الدرس، وما زالوا على خلافاتهم وانقساماتهم، ويكررون نفس الأخطاء التي أدت إلى انهيار الجمهورية الأولى (1962 - 2014)، وستعيق التسريع بقيام الجمهورية الثانية والقضاء على الإمامة بنسختها الجديدة.

- الدولة العميقة للإمامة

اقتضت ما أطلق عليها "المصالحة الوطنية" بين الجمهوريين والملكيين الإماميين، بعد الحرب بين الطرفين التي أعقبت اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، اقتضت أن يقبل الملكيون الإماميون بالنظام الجمهوري، مقابل أن يقبل الجمهوريون بمشاركة الملكيين الإماميين في السلطة، وكانت هذه أولى الثغرات التي مكنت الإماميين من النفاذ إلى النظام الجمهوري ونخره من الداخل.

شكلت الدولة العميقة لنظام الحكم الإمامي القاعدة الرئيسية التي استند عليها الإماميون السلاليون -بعد ثورة 26 سبتمبر 1962- للعمل الدؤوب من أجل العودة إلى السلطة والانفراد بها ومحاولة استعادة السيطرة الكاملة على البلاد، تحركهم في سبيل ذلك مبررات عقائدية خرافية أصّلوا لها ونسبوها زورا وبهتانا إلى الدين، المتمثلة في ادعاء الحق الإلهي بالحكم والسلطة والثروة، واعتبار ذلك واجبا دينيا يجب عليهم الالتزام به.

ونظرا لحداثة النظام الجمهوري، الذي حل ليكون بديلا عن نظام الحكم الإمامي، وغياب الثقافة الجمهورية لدى العديد من المحسوبين على النظام الجمهوري وبعض المنخرطين فيه، فقد ساعد ذلك الدولة العميقة للإمامة على غرس أنيابها في جسد الجمهورية، وتمكنت من التخفي وراء ستار النظام الجمهوري، وشكلت تحالفات خفية ومرحلية مع مراكز قوى قبلية وسياسية وغيرها بما من شأنه خدمة أهدافها.

- العهد الذهبي للإمامة

كانت سنوات حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح بمثابة العهد الذهبي للدولة العميقة للإمامة، حيث استغلت مظاهر الفساد في عهده لتوطيد أركانها داخل الدولة، مثل الوساطة والمحسوبية، واتجهت للتوغل في المفاصل الحساسة للدولة، بدون أن يتنبه أحد لذلك، إذ ساد اعتقاد لدى الجميع بأن عودة الإمامة من الأمور المستحيلة.

في البداية، ركزت الدولة العميقة للإمامة على الانخراط في الجهاز القضائي، ومحاولة احتكار الإعلام الرسمي والإفتاء ومناهج التربية والثقافة الإسلامية، لكن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح المطلوب، واتجهت بعد ذلك لتأسيس جيش خاص بها، ونجحت في إقناع الرئيس علي صالح بتأسيس جيش مناطقي وقبلي حكرا على المحافظات والمناطق التي كانت تمثل العمود الرئيسي لجيش النظام الإمامي، بذريعة أن ذلك الجيش سيكون حاميا للرئيس وعائلته ولمشروع التوريث، وأطلق عليه مسمى "الحرس الجمهوري".

كانت تلك التسمية مختارة بعناية لصرف الأنظار عن الدولة العميقة للإمامة السلالية الملكية التي تقف وراء تأسيسه، حتى يأتي الوقت المناسب لاستخدام هذا الجيش لإعادة النظام الإمامي ولو بثوب جمهوري، وتم تطعيمه بعدد قليل جدا من الجنود والضباط من عدة محافظات بغرض التمويه.

- الاعتراض والأزمة السياسية

رغم اعتراض العديد من رجال الدولة وأحزاب المعارضة على تأسيس نظام حكم علي صالح لجيش مناطقي وقبلي ومذهبي وتقويته على حساب جيش الدولة، إلا أن تلك الاعتراضات لم تجدِ نفعا، وظل الرئيس علي صالح يستخدم ذلك الجيش فزاعة يلوح بها في وجوه خصومه لابتزازهم سياسيا، بهدف التمهيد والتهيئة لمشروع التوريث، وتسبب ذلك الاعتراض الذي قابله الرئيس صالح بالتجاهل واللامبالاة بنشوب أزمة سياسية إلى جانب أزمة اقتصادية كانت قائمة، تسببت بدورها في تنامي السخط الشعبي حتى اندلعت ثورة شعبية سلمية ضد نظام "صالح" ومشروع التوريث.

وما إن بدأت مختلف القوى السياسية الفاعلة تتجه لتصحيح بعض الأخطاء التي سادت خلال العقود الماضية، خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وإذا بالرئيس علي صالح يتحالف مع الإماميين الجدد ويسلمهم الجيش الذي كان أكثر ضباطه ينتمون للسلالة الإمامية، ليتفاجأ الجميع بعودة الإمامة مسنودة بجيش إمامي أطلق عليه "الحرس الجمهوري"، أسسه وموله رئيس كان يفترض أن يكون حارسا أمينا على الجمهورية.

واللافت أن ذلك الجيش انخرط في مليشيات الإماميين الجدد (الحوثيين) وذاب فيها بسرعة، لدرجة أن ذلك الجيش الذي أسسه الرئيس علي صالح لحماية سلطته، كان هو ذاته الجيش الذي قتله في بيته، وبأسلحة اشتراها "علي صالح" ذاته، غير أن ذلك الجيش انحاز إلى انتمائه الأساسي، الذي تشكل لأجله، وظل يتلقى الثقافة والتوجيهات التي تعزز ذلك الانتماء.

- الخلافات العبثية بين الجمهوريين

وعلى الجانب الآخر، كانت خلافات وأخطاء الجمهوريين، بمختلف توجهاتهم، من أبرز العوامل التي مدت الإماميين السلاليين بأسباب البقاء ونخر النظام الجمهوري من داخله، ومن أهم الأخطاء التي ارتكبوها أنهم لم يعملوا على تحصين النظام الجمهوري من الاختلالات منذ وقت مبكر، ولم يعترضوا على بعض الممارسات الخاطئة للنظام الحاكم إلا بعد أن أصبح عصيا على التغيير من داخله، كما أنهم انشغلوا كثيرا بالتنظير الأيديولوجي الذي عزز الخلافات فيما بينهم منذ اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى يومنا هذا، وهذه الخلافات العبثية أهدرت طاقاتهم، وأهدرت تضحيات الآباء والأجداد ضد الإمامة، ثم كان النظام الجمهوري برمته هو الضحية.

وفي نفس الوقت، كان لافتا أن الإماميين وظفوا بعض مميزات العهد الجمهوري لاستغلالها في تعميق الفجوة بين الجمهوريين، حيث أسس بعضهم أحزاب سياسية سلالية صغيرة، لها وسائل إعلام خاصة بها، وكانت تحالفاتها السياسية متقلبة وليس لها مبدأ أو موقف ثابت من مختلف القضايا الوطنية التي هي محل خلاف بين مختلف الأطراف، ذلك أنها تدرك ما هو الهدف الذي تريد الوصول إليه، وبالتالي فهي تمارس العبث ولا تبالي، ما دام وأن بعض الأطراف الأخرى من الجمهوريين تمارس العبث ذاته ولا تبالي.

وبالأصح، تحولت تلك الأحزاب إلى ظواهر صوتية فقط، مهمتها نشر المكيدات والدسائس بين الأحزاب الجمهورية، والتحالف مع هذا الطرف ضد ذاك، بهدف تعميق الفجوة بين الجمهوريين وإضعاف صفوفهم، حتى يسهل الانفراد بهم واحدا تلو الآخر، والادعاء كل مرة بأنهم يستهدفون الحزب الفلاني فقط وليس كل الأحزاب والتيارات، لدرجة أن حليفهم المقرب عشية الانقلاب، حزب المؤتمر، كان أكثر الأحزاب تضررا منهم، رغم أنه كان حليفهم في الانقلاب، ولولا تحالفه معهم لما نجح الانقلاب وعادت الإمامة بأبشع صورها.

والسؤال هنا: هل سيعود الجمهوريون إلى رشدهم ويوحدون صفوفهم ضد الإمامة السلالية، وهل سيتجهون إلى تعزيز النظام الجمهوري، وبناء اليمن الاتحادي الجديد، أم أنهم سيواصلون أخطائهم وخلافاتهم العبثية حتى يبتلع الطوفان الجميع؟!

كلمات دالّة

#اليمن