الخميس 25-04-2024 01:43:40 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المعلمون في إب.. أزمات بعضها فوق بعض ومآسٍ لا تنتهي

الخميس 16 يناير-كانون الثاني 2020 الساعة 01 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد الرحمن أمين
 

  حياة مليئة بالأسى، مفعمة بالحرمان، حافلة بالأحزان، وأزمات متعددة الأوجه يعانيها مئات الآلاف من المعلمين اليمنيين في مختلف المناطق التي سيطر عليها الحوثيون منذ 21 سبتمبر 2014 وهو اليوم الأسود في تاريخ اليمن، وبدأت منذ ذلك الحين فصول المعاناة المستمرة للمعلم اليمني، وطوال أكثر من خمس سنوات من الحرب الشاملة على اليمنيين، ركزت مليشيات الحوثي على ضرب القطاع التعليمي، والذي يمثل المعلم عموده الفقري، وصدرت تقارير لمنظمات محلية ودولية عكست حجم المأساة التي لحقت بالمعلمين اليمنيين.

وأبانت هذه التقارير عن أرقام مرعبة للجرائم والانتهاكات التي لحقت بمعلمي اليمن في مناطق سيطرة مليشيات إيران، ومن بينها تقرير نقابة المعلمين اليمنيين في أغسطس من العام 2018، إذ ما زالت الأرقام مرشحة للارتفاع، حيث كشف التقرير عن مقتل أكثر من 1500 معلم ومعلمة على يد مليشيات الحوثي، وتعرض 2400 من العاملين في القطاع التعليمي باليمن لإصابات نارية مختلفة، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة، ووثقت النقابة 32 حالة اختفاء قسري لمعلمين اختطفتهم مليشيات الحوثي من منازلهم ومدارسهم ولا يزالون مخفيين منذ سنوات، وكذا قيام المليشيات الحوثية الانقلابية بهدم 44 منزلا من منازل المعلمين في عدة محافظات.

أما تهجير المعلمين من منازلهم ومدارسهم ومناطقهم فإنه أصبح سمة 4 سنوات من الحقد الحوثي على اليمنيين، حيث فر آلاف المعلمين من بطش واضطهاد المليشيات الحوثية الإيرانية، وأصبحوا بلا مأوى أو عمل، الأمر الذي شكل معاناة أخرى لقطاع واسع من التربويين.

محافظة إب واحدة من المحافظات التي طالها حقد المليشيات الإيرانية لتذيقها مرارات العذاب، وتنتقم من أهم قطاع في المجتمع، مستهدفة العملية التعليمية وروادها من المعلمين، الذين كرسوا جهودهم لخدمة المجتمع، وأسهموا في محاربة الأمية والجهل، في بلد هده الجهل عقودا من الزمان.

لا أحد أقدر على تصوير الحرمان أكثر ممن يعاني الحرمان نفسه، ولا أحد أبلغ في التعبير عن الألم أكثر ممن ذاق مرارة الألم، إذ يتكشف لك حجم المأساة وأنت تتحدث إلى المعلمين أنفسهم لينقلوا لك الصورة كما هي ويسردوا لك تفاصيل المعاناة من قلب يعتصره الألم لما آلت إليه أوضاعهم في ظل حكم الكهنوت الحوثي الإمامي، الذي يمثل العدو التاريخي للتعليم والمعلم.

التربوي "ع.ش.ص" (50 عاما)، بدأ الحديث بتنهيدة عميقة كانت كافية للتعبير عما يقاسيه من مرارة في العيش بعد أن توجهنا إليه بسؤال عن وضعه في ظل انقطاع الرواتب لما يقارب أربعة أعوام، حيث قال: "أشعر أنني معلق بحبل في هاوية سحيقة لا أنا بالذي ارتفع ونجا ولا بالذي وقع ومات واستراح".

وعن الحوافز المقدمة من دولتي السعودية والإمارات والمقدرة بـ70 مليون دولار والتي صرف بعضها عبر منظمة اليونيسف قال "ع.ش.ص": "إن الـ50 دولارا أسهمت في التخفيف من المعاناة لكنها لم تلبِّ ربع احتياجاتنا الضرورية".

أما المدرس "ص.م.ر" (49 عاما) فيصف الوضع بـ"الكارثي"، ويؤكد أن ما يحصل عليه المعلم من مبالغ زهيدة من المدارس لا تشبع له جوعا ولا تستر له عورة ولا تحفظ له كرامة.

ويضيف: "لا يوجد معلم واحد إلا وهو مديون لزوجته، فمن غير المعقول أن يسلم حليها والوضع كما ترى".

"ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه فجأة في وضع لم يعتد عليه، ومهنة لا يتقنها ولم يزاولها من قبل"، هذا ما قاله "أ.ع.ع" (40 عاما)، وهو مدرس ترك التدريس في قريته باحثا عن عمل يلبي احتياجاته، ويقيه وأسرته من وطأة الفقر الذي فتك بالكثير من زملائه.

إنها حالة من الفقر والبؤس تدور رحاها فوق عشرات الآلاف من معلمي محافظة إب منذ أن مدت مليشيات الحوثي أذرعها على مناطق واسعة من البلاد متسببة بقطع رواتبهم لتجعلهم أكثر شرائح المجتمع تضررا، إذ أدى توقف الرواتب عنهم إلى تدهور حاد في الوضع المعيشي وخلق أوجاعا حقيقية لديهم ولأسرهم الفقيرة، ووسع ذلك من رقعة المأساة المعيشية لدى الكثيرين، خصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، التي تمثل الكثافة السكانية العالية في البلاد.

فقد عمدت مليشيات الحوثي إلى حرمان المعلمين من رواتبهم الشهرية والذين يصل عددهم إلى ما يقارب (28000) معلم ومعلمة وما يوازي هذا الرقم من الأسر المنكوبة، فقد استمر انقطاع الرواتب منذ العام 2016 أي ما يقدر بأكثر من أربعين شهرا، تم مصادرة ما يقدر بأكثر من مليونين وستمئة ألف ريال، ورغم هذا ظل المدرسون والعاملون في قطاع التعليم مجبرون على أداء عملهم بسبب تهديدهم بالفصل والاستبدال، فقد طالت تعسفات هذه الجماعة المئات من التربويين من أبناء المحافظة، إذ كشفت مصادر رسمية أنه تم تصفير (800) موظف في قطاع التعليم.

إهانات متعمدة وإذلال ممنهج تمارسه هذه المليشيات ومرجعياتها العدو التاريخي للعلم والعلماء بحق المعلمين وتجعل منهم قضية إنسانية، ليجد المعلم نفسه مدرجا ضمن كشوفات "المنظمات الخيرية" في انتظار فتات لم يعتد عليه.

مرارة العيش وقساوة الظروف اضطرت المئات إن لم يكن الآلاف من المعلمين إلى التسرب من سلك التعليم وترك المدارس ومزوالة العديد من المهن والأعمال الشاقة، حيث بحثنا عن طبيعة بعض هذه الأعمال ورأينا البعض الآخر لنكتشف أن الحاجة ألجأتهم إلى أكثر الأعمال مشقة كحمل الأحجار والأسمنت وبيع القات ونقل الركاب على الدراجات النارية والعمل لدى بعض المطاعم والمحال التجارية ونقل الخضار، وغيرها من الأعمال التي حولتهم من تربويين ذي مكانة مرموقة إلى أشخاص عاديين يزاحمون عامة الناس في حراج العمال.

واقع مرير يصعب تقبله إذن، وظروف مأساوية يصعب التسليم بها، فتلك هي الأزمة الأشد إنهاكاً لمئات الآلاف من الموظفين كأكبر كارثة إنسانيّة في اليمن تركت تأثيراتها السلبيّة على حياة ملايين اليمنيين، وبات كل بيت من بيوت هؤلاء يعاني المزيد من اللأواء ومرارات الألم.

غير أن هؤلاء المعلمين قد يكونون أحسن حالا من كثير من زملائهم ممن فتكت بهم الظروف، ليصل الحال ببعضهم إلى الانتحار أو حالة من الهستيريا أو الجنون.

ففي يوليو من العام الماضي، أقدم معلم في مديرية بعدان بمحافظة إب على شنق نفسه نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها منذ انقطاع الرواتب قبل حوالي 3 أعوام.

وفي أبريل من نفس العام، أصيب معلم في مديرية السياني بجلطة دماغية مفاجئة نتيجة تردي أوضاعه الاقتصادية والمعيشية فارق على إثرها الحياة.

وفي أكتوبر من العام نفسه، أقدم المعلم أحمد ملهي من أهالي مديرية ذي السفال على الانتحار بسبب تفاقم وضعه المعيشي وباع جل ممتلكاته من أجل إعالة أسرته المكونة من ثمانية أطفال، أكبرهم فتاة لا تتجاوز 13 عاما.

لم تتحمل كثير من الأسر تبعات انقطاع الرواتب، ولم تصمد كثير من المنازل أمام هذا المد العاصف للحاجة والعوز والعجز، وسرعان ما آلت الظروف الاقتصادية القاهرة بالكثير من العائلات إلى التفكك والانفصال، عشرات من السنوات يقضيها الإنسان ليؤسس عائلته وفي ظل أزمة قاهرة يجد نفسه غير قادر على حمايتها أو الإبقاء عليها وهو يقف عاجزاً عن الإيفاء بمتطلباتها ومسؤولياته.

محاولة الجماعة الانقلابية التنصل من التزاماتها تجاه الموظفين، وهلعها لجمع المال وتكديسه وحرمان الناس من حقوقهم بما فيها رواتبهم، واكتفائها بدفع راتب واحد في العام مقسوماً إلى نصفين كل ستة أشهر، فأقم من اوضاع الناس المعيشية ودفع بعضهم للهاوية نتيجة تخلي هذه الجماعة الاجرامية عن التزاماتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، فلم تعد ترى فيهم إلا موردًا للجبايات أو وقودًا لحروبها العبثية.

كلمات دالّة

#اليمن