الخميس 28-03-2024 17:15:13 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

قراءة في كتاب.. الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية

الثلاثاء 03 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبدالعزيز العسالي

  

الكتاب من تأليف: د. محمد بن مختار الشنقيطي

الطبعة الأولى 2018
منتدى العلاقات العربية والعربية - قطر

** نبذة تعريفية بالمؤلف:

هو د. محمد بن مختار الشنقيطي الموريتاني الفقيه المفكر الغزير في ثقافته واطلاعه يحمل درجة الدكتوراه من جامعة مانشيستر الأمريكية حول
مواطن التعاون والافتراق بين الشيعة والسنة.

كعادة علماء شنقيط فهو يمتلك أكبر مخزون في ذهنه من الشعر الجاهلي والإسلامي وحتى اللحظة.

له جلسات فكرية عبر قناة الجزيرة حول الفكر والتاريخ والفلسفة والهوية ودراسات شائقة في الفكر الاسلامي.

وأهم دراسة قدمها للفكر الإسلامي هو هذا الكتاب الذي سيكون موضوع هذه الحلقة.

والكتاب غزير المادة كثيف العبارة وقد أخذ ست سنوات في تأليفه..

والمؤلف مدرب في الفكر وله مشاركات وندوات فكرية، وهو مدرس بجامعة قطر وباحث في منتدى العلاقات الدوليه بقطر، وله قناة على اليوتيوب يقدم فيها أفكارا إبداعية.

وهذا الكتاب خير دليل على عقلية الرجل المتحررة فإلى الكتاب.

يقع الكتاب في609 صفحات بما في ذلك الخاتمة.. الكتاب سد فجوة كبيرة في المكتبة الثقافية السياسية العربية والإسلامية ذلك أنه الكتاب الأول الذي شخص الأزمة الدستورية عبر تاريخ الحضارة الإسلامية، بتحليل دقيق للظروف والملابسات الفكرية والحضارية والتي انعكست سلبا في المجال الدستوري وطال أمدها حتى اللحظة.

الكتاب مليء بالمعلومات الدالة على سعة أفق المؤلف وإحاطته، غير أن هذا لا يعني التسليم بكل ما قاله - استشهادا.. أو استنتاجا.. أو تبويبا وانتقادا للأفكار أو للأشخاص.

وقد قسم الكتاب في ثلاثة أقسام وتحت كل قسم فصلين.. فإلى القسم الأول والذي هو بعنوان "التأمّر في الأمير".. أمهات القيم السياسية.

وقد تضمن فصلين: الفصل الأول، قيم البناء السياسي. وقد تضمن هذا الفصل فروعا كثيرة سنستعرض أهمها مع الاستخلاصات التي وصل إليها المؤلف ولكن بإيجاز بالغ.

استخدم المؤلف المصطلح السياسي الإسلامي.. ولم يلجأ إلى المصطلحات الوافدة إلا قليلا، معللا اختياره للمصطلح الإسلامي كونه ذو بعدٍ أخلاقي مقدس.
العناوين الفرعية.. الأسئلة السياسية الأبدية وهي: هل قيام الدولة فريضة؟ من الذي يختارها؟ وكيف يتم الاختيار؟ انتقل إلى تكريم الله للإنسان واستخلافه، وأن الإسلام هدم الوثنية السياسية ورسخ المساواة فلم يجعل الحكم في فئة محدة أبدا.. وإنما قلب الهرمية الفرعونية جاعلا ذؤابة الهرم أسفل وقاعدته العريضة أعلى، مشيرا أن الأمة هي الحاكمة ومصدر الشرعية السياسية، وأن الإسلام جاء بالعدل والفضل أي الإحسان.. وأن العدل غاية جميع الرسالات السماوية.. مستنتجا أن وجود السلطة السياسية واجب، كضرورة دنيوية اجتماعية.. تقوم على الشورى والتي ترتكز على أساس ديني تشريعي وأساس عقلي يلتمس مصالح الأمة الدنيوية بدءا من وضع قواعد تحول دون تغول السلطات وظلمها للشعب وتقليم أظافر المتسلطين.. وأن الحرية هي الذراع الحامل لكل حقوق الأمة وصولا إلى النهوض الحضاري والاستقرار والرفاه؛ كون الحرية مناط التكليف للمسلم وغيره؛ مستدركا بما يعني أن الحرية السياسية سلاح ذو حدين.. انطلاقا للأمة وقيودا عليها أي في حماية مصالح الأمة.

والعدل حامٍ للحريات والعدل قيمة شاملة لكافة مناحي الحياة وأبرزها العدل والمساواة في توزيع الثروات التي هي مال الله، وهي حق لعباد الله ليس لشخص الحاكم أو ثلة أو أسرة..الخ. كما أن العدل مع العدو والصديق، مؤكدا أن الإسلام أهدر التراتبية الاجتماعية، مؤكدا مساواة المرأة في التكاليف ومنها السياسة واستعرض الأدلة.. ولم يلتفت إلى حديث (لن يفلح قوم...) إلخ. وهو يمتلك منهجا أصوليا تجاه الحديث، فاكتفى بعموم تكاليف القرآن، وانتقل إلى أن الشورى لها وجهان: الأول، إنتاج الشرعية السياسية. والثاني، الشورى التنفيذية في القرارات الإستراتيجية واستعرض مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كان يشاور دائما..

وأثبت وجوب التمثيل السياسي للأمة بالصورة التي تضمن تحقيق وحماية مصالح الأمة وفقا للزمان والمكان، وأن عقد البيعة واجب التنفيذ من قبل الحاكم والمحكوم على السواء، وهذا يجعل الأمة تنقاد طاعة بوعي وتحافظ على لزوم الجماعة بل وتنسجم مع القوانين، وتراقب الحاكم وتحاسبه وتتمكن من محاصرة الظلم والفساد والانحراف حتى يستقيم البناء.

وتحت الفصل الثاني، تحدث عن "قيم الأداء السياسي"، وأهمها الرد الكلي إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واحترام الأمة والولاء لها، واحترام الأغلب كون الأغلب أقرب إلى العصمة ولا يعني مصادرة رأي الأقل.. فالتجارب قدمت حلولا كالإدارة المحلية والقائمة النسبية.. ومن قيم الأداء الأخذ على يد الظالم ومدافعة الظلم ومقاومته قبل استفحاله وتهلك الأمة كون عقوبته عاجلة دنيويا.. رافضا ثقافة سينتقم الله من الظالم يوم القيامة لأن الله أعطانا سُننا..

ومن الأداء وضع قدسية المال العام.. وإهدار هذه القدسية انعكس على الأمة عبر التاريخ حروبا وانقلابات ومنع الغلول والرشوة ونهب الثروات، فكل هذا داخل في أعظم قيم الأداء وهي الأمانة..

وشدد على غياب هذا الخلق عند الأمة والحاكم فإن الدمار وشيك، ويتجلى هذا الخلق في أداء قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الأداء التوازن بين المصالح والمفاسد، فهذه حكمة وحُنْكةٌ سياسية، والنصيحة للحاكم وللشعب والصمت عنها غش للجميع، وأن الرفق مبدأ إسلامي رفيع مستشهدا بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم والراشدين بعده، وأن حرب الردة لم تكن لأجل الردة وإنما لاعتبارات عدة، وقد عزا عقوبة قتل المرتد أنها دخيلة على التشريع الإسلامي من كتاب (تُنْسُرْ) وهو تشريع فعله أردشير.. حيث عثر على حديث (من بدل دينه فاقتلوه) في هذا الكتاب.

لقد أطال وأجاد حول العدل والمساواة وانعكاساتهما على الوحدة إيجابا.

الفصل الثالث فرّق فيه بين الإمارة والتأمّرْ.. وأن الإمارة بيعة شرعية والتأمر هو إنقاذ للموقف - موقف خالد في مؤتة معللا أن الإسلام شرع لحالة السلم والاستقرار وحالة الاستثناء.. لقد أطال الكلام حول الشخصية العربية التي لم تتشبع بالثقافة السياسية الإسلامية وأنها جلبت ثقافة الإمبراطوريات بعد فترة الراشدين.. وأن الثقافة الفارسية روضت الثقافة الإسلامية حتى طغت عليها، معللا أن هذا حدث للديمقراطية في اليونان والتي سقطت تحت الإمبراطورية الرومانية قرابة 1300 عام.

لقد غمز معاوية أنه مؤسس الملك، واستشهد بكلام لابن تيمية أن الملك في الإسلام حرام.. وأن الأمة قبلت به من باب الضرورات التي تبيح المحضورات.. لكن المؤلف تناقضت عبارته.. كما أنه قال انتصرت القوة على الحق يوم صفين.. واستشهد بروايات صُنعت لاحقا وما كان ينبغي اعتماده عليها، واصفا موقف أهل الشام أنه ردة سياسية وذلك تحت كلام إنشائي بلا برهان قوي.

فاته وهو الباحث الذكي أن أول من سن الملك المطلق وبيع الأمة كالخرفان دون أي مشاورة وفي قرار إستراتيجي خطير هو تنازل الحسن لمعاوية، ومع تقديرنا لحساسية الظرف إلا أن تصرف الحسن قدم صورة للملك المطلق بل وأصبح تشريعا حتى اللحظة.

الفصل الرابع بعنوان "كتاب الله وعهد أردشير"، مشيدا بالانفتاح الإسلامي العباسي على ثقافة الفرس، وبعد كلام قرر أن الثقافة الفارسية التهمت الثقافة الإسلامية، وأطال الكلام حول الحياة البدوية قبل الإسلام، والمؤسف أنه اعتمد روايات لا أصل لها أو أييات شعر وهو يعلم أن كتب الأدب ليست مصادر تاريخ.

نعى على د. الجابري أنه أساء تجاه الثقافة الإسلامية التي تأثرت بالثقافة الفارسية التي تقدس الحاكم، ولعله نسي عجائب التصوف السني ومن يسميهم عباد الروايات أي السلفيين.

ربما أراد تقديم أضحية بحجم الجابري ليجد كتابه جواز عبور لدى جهات.. في حين أنه وعن علم قد فتح خطا خطيرا جدا وهرب من نتائجه.. وهو أن حملة العلم الشرعي كانوا فرسا وكانوا أرقاء.. ثم غطى على موقفه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو تعلق العلم في أكتاف السحاب لناله رجال من فارس، وهنا تميعت تحليلاته.

الفصل الخامس بعنوان "ضريبة السكوت".. أطال الكلام والنقل عن عرب وغير عرب ليصل إلى فرع مواريث الفتنة وأننا لا زلنا نعيشها اليوم، وأن الفقه السياسي الإسلامي الموروث وقع بين جدلية الواجب أي الشرعية السياسية والواقع الذي هو الملك الوراثي المولود يوم الجمل وصفين.. فسلم الفقهاء بسلطة الأمر الواقع عبر التاريخ.. وحولوا الرخصة عزيمة وفقه الضرورة استمر.. مشيرا أن التلفيق الشيعي لم يخرج عن الموقف السني فكانت ولاية الفقيه نيابة عن الغائب.. وانتهى إلى أن فقه الضرورة تحول إلى صلابة مؤسسية يصعب تفكيكها وأصبحت قوة الدولة باطشة بالمجتمع وأصبح أمرهم فوضى بينهم انقلابات ودماء وصولا إلى الربيع العربي المعيش.

الفصل السادس، من القيم إلى الإجراءات.. لقد أعاد الكلام من الفصل السابق وأن الربيع العربي كان سيكتب له النجاح لولا الثورات المضادة، مقارنا بين ثورات بريطانيا وأمريكا وفرنسا وأن الأولى التقت مع الشعب في منتصف الطريق.. وأمريكا طردت الاحتلال وأسست لدولة لكن ملك فرنسا استبد به الصلف ودخل في ثورة مضادة فرفض المملكة الدستورية وكانت النتيجة حربا قرابة 89 سنة.

واستعرض كلاما لعلمانيين متطرفين كـ"صبحي حلاق" حول الدولة الإسلامية المستحيلة، ووصل إلى قرار أن الخيار السلفي الإسلامي والسلفي العلماني الليبرالي لا مكان لهما اليوم فكلاهما حرفيان متماهيان في تقليد للغير وعبادة للألفاظ، مقررا أن الواحب هو التسليم بالدولة في الإسلام وأنها ليست كما يتصور فريقا العلمنة والليبرالية.

عاد إلى أسس ومعايير الدولة في الإسلام وهي تكريم الإنسان وحريته واستخلافه ونبذ الوثنية السياسية والطبقية وغاية (العدل) والعقل والشورى السياسية والتنفيذية ورفض الظلم... إلخ القيم التي أوردناها أعلاه.

وفي الخاتمه قرر أن الإسلام ذو حيوية ثقافية والواجب غرس البذور الثقافية السياسية وتكوين العقلية السننية ولا داعي لاستحضار الموروث الفقهي السياسي المرير.. ملفتا النظر إلى الاستفادة من تجارب الغير وأن الديمقراطية كفيلة بأن تأتي بالإسلام، ناعيا العقل السلفي الرافض لمصطلح الديمقراطية، واصفا هذا بالتزمت بل هو فضيحة لا صلة له لا بالإسلام ولا بالعقل، داعيا إلى التخلي عن العقلية الفقهية الإمبراطورية وإننا نعيش في عصر الدولة العقارية ذات الحيز الجغرافي، موضحا أن وحدة الأمة هي وحدة الهدف والصف وليس وحدة القيادة السياسية.

وانتهى عنوان تحت الخاتمة هو "إغماد سيف الإمامة"، فهذه الثقافة طوحت بأمة الإسلام 14 قرنا.. إغماد سيف الإمامة إذا أردنا استئناف حضارة إسلامية فاعلة.

كلمات دالّة

#اليمن