الجمعة 26-04-2024 02:41:14 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مأزق الحوثيين.. والثورات الشعبية العربية المناهضة للطائفية

الخميس 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني

 

في الوقت الذي بدا فيه لإيران أن نفوذها قد ترسخ في العديد من البلدان العربية، خاصة أن هذا النفوذ شمل كل المناطق التي وصلها نفوذ الإمبراطورية الفارسية قديما، وإذا بالاحتجاجات الشعبية تندلع في لبنان والعراق ضد نظام الحكم الطائفي الموالي لإيران في كلٍّ منهما، كما اندلعت احتجاجات في إيران ذاتها أحرق خلالها المحتجون صور أبرز قادة البلاد وعلى رأسهم ما يسمى المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، وقد ألقت هذه الاحتجاجات بظلالها على ملفات الصراع الرئيسية في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية.

فقد جعلت تلك الاحتجاجات الحوثيين يشددون من إجراءاتهم الأمنية خاصة في العاصمة صنعاء التي يسيطرون عليها، ويكثفون من حديثهم عبر وسائل إعلامهم عن محاربة الفساد، خشية من امتداد تلك الاحتجاجات إلى مناطق سيطرتهم، كونها تأتي رفضا لإيران ووكلائها في المنطقة وفساد الحكم السلالي. وبنفس الوقت، جعلتهم تلك الاحتجاجات يتخبطون في أكثر من مسار، فهم من ناحية يتعمدون التصعيد العسكري في محافظة الحديدة، ومن ناحية ثانية يسعون لإجراء محادثات سرية مع التحالف لإنهاء الحرب في البلاد، بما يضمن لهم بعض المكاسب خشية من خسارة كل شيء دفعة واحدة.

 

- تأثيرات مباشرة

لا شك أن للاحتجاجات الشعبية ضد أنظمة الحكم الطائفية في المشرق العربي تأثيرات مباشرة على إيران وحلفائها، ولذلك فهي بحاجة للدعم والمساندة من قبل مختلف الحكومات والشعوب العربية. فبالرغم من كونها تطالب برحيل الطبقة السياسية الفاسدة (الطائفية)، لكنها ستحقق العديد من الأهداف الأخرى، من أهمها تحجيم النفوذ الإيراني في البلاد العربية ومحاصرته، وتجريد إيران من أذرعها التخريبية في بلدان المشرق العربي.

كما أن الاحتجاجات في إيران ذاتها بحاجة أيضا إلى دعم ومساندة الحكومات العربية، بصرف النظر عن صعوبات قيام ثورة شعبية تنجح في إسقاط نظام الحكم الطائفي في إيران، لكن تلك الاحتجاجات ستجبر النظام الحاكم على تغيير سياسته العدوانية تجاه جيرانه العرب، والتوقف عن إنفاق الأموال على المليشيات الموالية له في عدة بلدان عربية لزعزعة استقرارها، بينما الشعب الإيراني يتضور جوعا.

من الصعب حاليا التكهن بالنتائج التي ستفضي إليها تلك الاحتجاجات، لكن يكفي أنها عرت إيران وحلفائها، وفضحت فسادهم وسوء إدارتهم، ومدى ارتهان الجماعات والمليشيات الطائفية لإيران وخدمة أهدافها، كما ستضع هذه الاحتجاجات والثورات حدا لمساعي إيران لتصدير ثورتها الخمينية الطائفية إلى العالم العربي، بعد أن كانت تعتقد أنها البلد الثوري الوحيد في المنطقة، إلا أن ثورات الربيع العربي وامتداداتها الحالية المتمثلة في ثورات شعبية ضد الطائفية ستضع حدا لمساعي إيران في تصدير الثورة الخمينية.

 

- مخاوف الحوثيين

تبدو مليشيات الحوثيين الأكثر تخوفا من الاحتجاجات في إيران وأيضا الثورات الشعبية في لبنان والعراق ضد نظام الحكم الطائفي، لأن تأثيراتها عليها ستكون متعددة الأوجه، خاصة أنها تأتي في وقت لم تتمكن فيه المليشيات الحوثية من فرض مشروعها السلالي والطائفي كأمر واقع، كما أنها تعد أسوأ حلفاء إيران من حيث الحكم والإدارة، كونها تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية تماما، ونهبت أموال الدولة ورواتب الموظفين والقطاع الخاص ثم اتجهت لنهب المواطنين مباشرة.

كما أن الرهان على القبضة الأمنية واستخدام العنف ضد المواطنين لم يعد مجديا في حال اندلعت الاحتجاجات أو الثورات الشعبية ضد الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة، وهو ما تتخوف منه المليشيات الحوثية، خاصة أن معاناة المواطنين في مناطق سيطرتها لا مجال للمقارنة بينها وبين معاناة المواطنين في إيران والعراق ولبنان، فهناك لا توجد سوق سوداء للسلع الأساسية، ولا إتاوات باهظة يتم فرضها على الجميع، من تجار ومزارعين ومواطنين، باسم المجهود الحربي، ولا ضرائب وجمارك باهظة تفرض على مختلف الواردات ويدفعها المواطنون، كما أن الموظفين في تلك البلدان ما زالوا يتسلمون رواتبهم.

لكن ما يميز اليمن عن تلك البلدان هو أن البلاد تشهد حربا ضد المليشيات الحوثية، وبالتالي فالمواطنون في مناطق سيطرتها يراهنون على السلطة الشرعية والتحالف بقيادة السعودية لتخليصهم من الحكم السلالي الفاسد للمليشيات الحوثية وخطره على اليمن ودول الجوار، وهذا لا يعني بأن صبرهم سيطول أكثر من اللازم، وربما في حال حدث تحرك جاد من السلطة الشرعية والتحالف العربي للقضاء على المليشيات الحوثية، سيحدث تحرك كبير ضد المليشيات من قبل المواطنين في مناطق سيطرتها، وهو ما يزيد من مخاوف المليشيات الحوثية العميلة لإيران، نظرا لتنامي حدة السخط الشعبي ضدها.

 

- ضرورة أمنية وقومية

يقتضي الأمن القومي العربي ضرورة القضاء على النفوذ الإيراني في البلاد العربية أو على الأقل تحجيمه ومنع توسعه، لما يشكله من خطر مزمن يهدد أمن الدول العربية واستقرارها، كونه يرتكز إلى عوامل تزيد من تغذيته وعدوانيته، يستحيل معها تجاهل خطره أو تحمل تبعات إمكانية التعايش معه، ويزيد من خطورة ذلك أن المنطقة العربية أكثر منطقة في العالم خاضعة للنفوذ الأجنبي، ما يعني أن وجود مليشيات طائفية وسلالية عدوانية في عدة بلدان يجعل من السهل على الدول الأجنبية اختراق هذه البلدان واستنزاف إمكانياتها في صراعات وحروب أهلية مدمرة.

وتتمثل أبرز العوامل المغذية لخطر إيران ومليشياتها على الأمن القومي العربي في أن إيران تعتقد أنها متفوقة حضاريا وثقافيا على العالم العربي، وهذا الاعتقاد يجعلها تسعى إلى أن تكون هي المهيمنة في المنطقة، مدفوعة بأحقاد تاريخية إزاء العرب الذين أنهوا الامبراطورية الساسانية، التي كانت آخر مراحل الإمبراطورية الفارسية قبل الإسلام، بينما الجماعات والمليشيات الطائفية الموالية لها، والمنتشرة في عدة بلدان عربية، فهي تعتقد بالتفوق السلالي الذي ترى بأنه يمنحها الحق الإلهي في حكم الآخرين والتسلط عليهم.

ونظرا لأن هذه العوامل ستظل قائمة، أي اعتقاد إيران بالتفوق الحضاري والثقافي، واعتقاد المليشيات الموالية لها بالتفوق العرقي، بالإضافة إلى استناد السياسة الخارجية الإيرانية على مبدأ تصدير ثورتها الخمينية إلى العالم العربي، فإن كل ذلك يعني استمرار الخطر الذي تشكله إيران ومليشياتها على الأمن القومي العربي، مما يستدعي وقفة جادة من مختلف الدول العربية إزاء هذا الخطر والدخول معه في معركة إرادة حتى القضاء عليه تماما، واستغلال الاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان وإيران ذاتها لتحقيق هذا الهدف.

كلمات دالّة

#اليمن