الثلاثاء 23-04-2024 17:56:36 م : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مولد الرسول صلى الله عليه وسلم.. تحرير للإنسانية لا تكريس للسلالية

الأحد 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ عبد العزيز العسالى

 

يتفق الفلاسفة والمفكرون مسلمون وغير مسلمين أن:

- خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم جاءت رسالته في عصر كان العقل البشري في الجزيرة العربية وغيرها قد وصل إلى مرحلة من النضج والاستيعاب والفهم، والدليل هو أن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المتمثلة في القرآن هي معجزة عقلية خاطبت العقل، الأمر الذي يعني أنه لا وصاية على العقل بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

- أن النضوج العقلي كان حاضرا في مكة ويثرب والحجاز وغيرها.. القرآن نص حرفا ودلالة ومفهوما على هذا النضج.. قال سبحانه:

- "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ".. أي فارس والروم، فقد كانتا يومها أشبه بالأقطاب الحضارية الغربية والشرقية المعاصرتين.

- وقال سبحانه: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة".

فالأُمٍية هنا تعني الأمّية الفكرية والثقافية والمنهجية المعرفية، وليست الأمية الحرفية، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لديه كُتّاب للوحي وكان في الجزيرة عدد غير قليل يجيدون القراءة والكتابة والأمثلة كثيرة.

- قال سبحانه: "لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون".. أي لم يسبق أن جاءتهم رسالة سماوية.. إذن، فالأمية فكرية منهجية حضارية.

- يعلمهم الكتاب والحكمة.. فالحكمة هنا عقلية.. وليست معجزة حسية.. فتعليم الحكمة يعني أن العقل قد بلغ درجة من النضج.. وباعتناق الرسالة الخاتمة سيكون قد اقترب من أدوات الإنتاج الحضاري.. وعليه، فإن العقل المتلقي للرسالة الخاتمة عليه التعامل مع الرسالة الخاتمة المستندة إلى مركزية التوحيد بأبعاده الحضارية الشاملة لحياة المسلم دنيا وأخرى وغير المسلم في حياته الدنيا.

قيمة المساواة:

لقد تجسدت الأبعاد الحضارية المنبثقة عن مركزية التوحيد فطالت الحياة المجتمعية وذلك من خلال "دستور المدينة" والذي نص بوضوح على أن الحقوق التي كفلها الدستور المدني للمسلم وغيره، نعم.. الوحدانية لله دون سواه.. وكل الناس متساوون في الكرامة والحرية والحقوق والمواطنة المتساوية.. بل وعدالة الإنفاق من دولة الإسلام عند الدفاع المشترك ضد المساس بجغرافية المدينة.. أو الاعتداء على أيٍّ كان ممن شملهم الدستور.

استعصاء قريش:

قريش باستعصائها الرافض للرسالة الخاتمة.. أسدت إلينا خدمة جليلة.. وهي أن شريعة الرسالة الخاتمة إنسانية أساسها توحيد الله.. والمساواة بين الناس.. هذا دليل غير قابل للجدل.. دليل يقول بفحوى العبارة.. قريش كانت قد أدركت "الأبعاد الإنسانية والحضارية" الملازمة لعقيدة التوحيد.

بل إن استعصاء قريش يعطينا أكثر مما سبق.. وهو لو أن قريشا وجدت أن في عقيدة التوحيد ما يجسد السلالية والعنصرية والطبقية.. لما تأخر كبراء قريش لحظة واحدة.. ولكان أبو لهب من السابقين الأولين.

لو أدرك عتاولة قريش أن هناك "خمسًا" وأن هناك حقا إلهيا يمنحهم الاستعلاء على البشر كان سيقول التاريخ إن قريشا اعتنقت الإسلام عن بكرة أبيها خلال أيام محدودة بل ساعات.

بالمقابل.. ما كنا سنقرأ أن بلالا ولا خبابا ولا عمار بن ياسر ولا والديه ولا غيرهم وغيرهم من ضعفاء مكة أول المبادرين إلى اعتناق الإسلام.

بل لا نبالغ إذا قلنا إن أغلب المجتمعات ما كانت لتعتنق الإسلام.. بل نحن في تاريخنا الحالي لم نكن مسلمين .. لأننا سنقرأ أن قبيلة ما اسمها قريش في زمن ما ومكان ما ادعت لنفسها حقا سماويا في استعلائها على سائر الناس.

العثور على الذات:

هذا برهان ساطع يعزز
"الأبعاد الإنسانية" التي جاءت بها الرسالة الخاتمة، حيث يتمثل هذا البرهان في موقف أولئك الضعفاء بعضهم من خارج مكة.. لا قبيلة تحميه ولا قدرات قتالية.. ومع ذلك ثبتوا أمام جبروت قريش.. والسؤال المنطقي: ما سر ذلك الثبات؟

سيقال إنه الإيمان.. نعم لا خلاف.. لكن هذا الإيمان أضاء الطريق الإنساني أمامهم فعثروا على ذواتهم.. اكتشفوا ذواتهم كونهم متساوون مع سادة قريش.. فإذا التفتنا نحو القرآن المنزل في السنين الأولى وأنه لم يتضمن تفاصيل الصلاة والزكاة والمعاملات... إلخ.. نعم سنجد القرآن قدم كلاما مجملا عن الشعائر.. لكنه تحدث عن المساواة الإنسانية في كل جوانب الحياة بما في ذلك صناعة القرار.. فقد نزلت سورة الشورى.. إنه تجسيد للأبعاد الإنسانية والحضارية فتشبع الرعيل الأول منذ فجر الدعوة بهذه الأبعاد ذات الصلة بالثقافة الإنسانية الحضارية.

باختصار، استعصاء قريش أولا.. وذلكم الثبات الذي تحلى به عشاق الحرية في فجر الدعوة بمكة.. جسدا لنا حقيقة لا زالت غائبة عند الكثير وهي أن رسالة التوحيد ليست ضد الأصنام البشرية فقط، وإنما هي رسالة ضد الظلم.. ضد الطبقية.. ضد السلالية.. ضد كل ما يمس إنسانية الإنسان تحت أي مسمى كان.. فالله هو الواحد المعبود وكل من تحت عرشه متساوون.

أدوات الإنتاج الحضاري:

تتمثل أدوات الإنتاج الحضاري في ستة أشياء هي:
- وجود شعب.
- وجود حيز جغرافي.
- وجود قانون ينظم العلاقات.
- وجود دولة.
- وجود رسالة إنسانية.
- وجود لسان مستوعب للغة الرسالة.

هذه الأدوات المنتجة للحضارة في كل زمان ومكان وإن اختلفت بعض التفاصيل.

كما أن هذه الأدوات كلها وجدت في العهد المدني بعد الهجرة.. وتفرع عن هذه الأدوات قضايا ومفاهيم عقدية وتشريعية عملية نظمت جوانب الحياة.

عودة القطرنة:

الدعاوى التي يتقيأها البعض ممن أظلمت عقولهم وتقوست نفوسهم حد التيبس.. يكرسون من خلالها السلالية والعنصرية ونهب ممتلكات الناس تحت ذرائج فجة.. مغلفة باحتفائية عودة القطران.. إنما هي فقاقيع وزيف.. مع علمنا أن السيل لا يجرف إلا ما خف وجف من القراطيس والأتربة والقش.. ولكن هيهات تغطية الشمس.. ورحم الله البردوني إذ قال:

أطلت من الأفق بنت السماء
مغلفة بالشعاع الندي
وأدت رسالتها حرةً
إلى أبعد الكون والفدفد
لقد ضرب الله أمثاله
ومن يضلل الله لا يهتدي

نلتقي مع هيبة الدولة (دراسة مقاصدية).

كلمات دالّة

#اليمن