الجمعة 19-04-2024 08:19:34 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون في اليمن المشروع السياسي والديني

الأحد 23 يوليو-تموز 2017 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ أحمد ماهر

   

في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ظهرت حركة "الشباب المؤمن" في إيران بعد تبنيها العديد من الأعمال العدائية والعسكرية للآخرين التي بدأت باكراً، وخاصة الهجوم على السفارة الأمريكية في طهران واقتحامها عام 1983 باسم الطلبة الإيرانيين. وبالتزامن مع ظهور حركة "الشباب المؤمن" في إيران، أسس بدر الدين الحوثي حركة "اتحاد الشباب" من الطائفة الزيدية لإحياء الفكر الجارودي، قبل أن تتحول عام 1991 إلى حزب الحق.

عمل التيار الحوثي على استنساخ تجربة "الشباب المؤمن" في اليمن بعد ظهورها بأقل من عشر سنوات، حينما ذهبت مجموعة من شخصيات الحركة الحوثية السرية إلى إيران بحجة تلقي العلم، لكن كان التواصل للدعم المالي والثقافي والتدريب أكثر منه للعلم، ولذلك استنسخوا منه شعار الصرخة، والشباب المؤمن، وحجة العداء للأمريكان واليهود، وكان على رأسهم حسين بدر الدين الحوثي ورفيقه محمد سالم عزان.

 

الحوثية الأولى

تأتي الحركة الحوثية امتداداً للمشروع الإمامي الطائفي العام الذي نشأ في اليمن منذ القرن الثالث الهجري، لكنه ظهر بشكل "رافضي" منذ الحركة الحوثية الأولى في القرن الثاني عشر الهجري، أيام الإمام المنصور علي.

فقد وصل أمر الرفض إلى الحوثيين الأوائل أيام الإمام المنصور علي، وسبق للأسرة الحوثية أن قامت بتأسيس حركة استفزازية للحكام ومنهم الأئمة، وتطلعهم إلى الحكم، ومما عملوه الإيغال في سب الصحابة - رضوان الله عليهم.

ومن ذلك ما جاء في كتاب "البدر الطالع" للإمام الشوكاني في عصره أن "يحيى بن محمد الحوثي، كان يصرخ باللعن وسب الصحابة (في الجامع الكبير بصنعاء). ولما بلغ الأمر الإمام المنصور علي، أمر بنقل الحوثي من الجامع الكبير، فقام بعض أنصار الحوثي برفع أصواتهم باللعن والسب في الجامع الكبير بصنعاء، ومنعوا إقامة صلاة العشاء، وخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء، ورجموا البيوت، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيراً من الطاقات".

"ونتيجة لذلك، قام الإمام المنصور علي بحبس الحوثي والمشاركين معه باللعن والرجم، وتم البحث عن بقية المشاغبين والمباشرين للرجم. وكان بينهم من ثبت تلبسهم بالسرقة من بعض البيوت، فضربوا وعزروا بضرب المرافع* على ظهور جماعة منهم. وبعد أيام أرسل جماعة منهم مقيدين بالسلاسل إلى حبس جزيرة "زيلع"، وآخرين إلى حبس "كمران" وكان من بينهم إسماعيل النعمي؛ لتجاوزه الحد في تعصبه".

 

مشروع الإمامة

ونشأت الحركة الحوثية كمشروع سياسي بغلاف ديني طائفي معتمداً خليطاً من الفكر الجارودي والاثنى عشري؛ فالفكر الثقافي الطائفي العام والتاريخي لهذه الحركة كان الفكر الجارودي نتيجة للخلفية اليمنية التاريخية، لكنه لقح مؤخراً بالفكر الاثنا عشري المستورد من إيران نتيجة لتحكم الداعم واشتراطاته، وتصديراً للثورة الإيرانية إلى المنطقة وتحوله من مجرد فكر إلى مشروع سياسي عام.

في حقيقة الأمر لم يكن المشروع السياسي الحوثي خفياً أو متحولاً عن الجانب الفكري؛ فهو امتداد وتطلع إلى حكم الإمامة التاريخي في اليمن طيلة القرون الماضية، وظل تنظيماً إمامياً يعمل في الخفاء استطاع أن يخترق كل قلاع الدولة ومفاصلها بلافتات وأغطية متعددة.

حينما قامت ثورة 26 سبتمبر عام 62، أرادت الثورة اقتلاع جذور المشروع الإمامي برمته، وكان على رأس هذا التيار المشير عبدالله السلال أول رئيس للجمهورية بعد الثورة، ودارت المعارك المتعددة في أكثر من صعيد؛ عسكري وسياسي وفكري وثقافي أيضاً، وظلت الحرب المفتوحة طيلة ثماني سنوات حتى تم الصلح عام 1970 بين الملكيين والجمهوريين بعد تنحية الرئيس السلال عام 1967 ، وكان على رأس هذا التيار القاضي عبدالرحمن الإرياني وأحمد النعمان.

 

التمكين للتيار الإمامي في الجمهورية

كانت أول ضربة للجمهورية بغلاف المصالحة أن تم تقاسم الحكم - وإن كانت بنسب متفاوتة بين الطرفين- بعد توقيع المصالحة عام 1970، أوجد للتيار الإمامي المظلة السياسية التي تعمل من خلالها، ناهيك عن عناصر الدولة التي أمسكت مفاصلها بحكم الدولة العميقة الإمامية، وظلت تسرب العناصر الإمامية المؤدلجة من خلال الوظيفة العامة للدولة حتى وجد الناس أن معظم كوادر الدولة هم من التيار الإمامي الخفي ومن مناطق بعينها، حتى تم اختراق كافة الأحزاب اليمنية.

بل إن هناك من الوزارات المحسوبة على التيار الإمام ظلت مغلقة عليهم لا يقبلون أن يشاركهم فيها أحد؛ كوزارتي العدل والأوقاف مثلاً حتى إعادة الوحدة اليمنية، ومن ثم طعمت ببعض الكوادر من شركاء الوحدة بحكم الشراكة، ولكن بنسب بسيطة أيضاً، وهذا ما نراه اليوم من محاكمات مفتعلة وظالمة بحق المختطفين الأبرياء المعارضين لانقلابهم.

كان أكثر الرؤساء تمكيناً لهذا التيار واستعانة به هما الرئيسان الغشمي وصالح اللذان عززا من حضور التيار الإمامي في مؤسسات الدولة المختلفة، وكان الرئيس المخلوع صالح أكثرهم استعانة بهم على الإطلاق.

انخرط التيار الإمامي كثيراً في حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي ظل هو الحزب الحاكم حتى اليوم، وظل هذا التيار يقصي التيارات الأخرى من المؤتمر وفي المقابل يعزز حضوره أكثر فأكثر، وزاد من تشجيعه وتمكينه على ذلك الرئيس المخلوع الذي وضع بيضه كلها في سلتهم، على الرغم من أنهم عملوا بلافتات وأحزاب متعددة كحزبي الحق واتحاد القوى الشعبية.

 

الحوثيون يجدون بغيتهم في إيران

مع تمكين التيار الإمامي في الدولة والجمهورية، ونظراً لتمدد جسمهم في الجمهورية، تاقت أنفسهم إلى التمكين أكثر فأكثر، وعلموا أنهم في ظل الرئيس المخلوع صالح الطامح لتوريث الجمهورية، لن يتمكنوا من الحكم، فكان تطلعهم نحو دولة ومشروع تستطيع دعمهم وتبنيهم، فكانت وجهتهم إيران التي في حقيقة الأمر لم تنقطع صلتهم بهم منذ قرون.

وكانت أوضح صورة لهذا التطلع ومد الجسور بينهم وبين إيران في العهد الجمهوري بعد المصالحة عام 1970، وهو ما عبر عنه صراحة وزير خارجية الإمامة أحمد الشامي، بعد الصلح الذي رعته المملكة العربية السعودية، بقوله:

قل لـ(فيصل) والقصور العوالي    إننا نخبة أباة أشاوس

سنعيد الإمامةَ للحكم يوماً       بثياب النبي أو بثوب ماركس

فإذا ما خابت الحجاز ونجد     فلنا إخوة كرام بـ(فارس) 

 

وعلى الرغم من كل هذا التغلغل والحضور في الدولة، إلا أنهم لم يكونوا ليرضوا بأقل من الاستفراد بالحكم، وإعادة الإمامة مجدداً.

 

الصبغة الإيرانية في الحوثية

ظلت الأسر الإمامية المختلفة في إطار التيار العام الجامع للإمامة متطلعة للحكم، وعلى الرغم من أن الهدف واحد للجميع، إلا أن بعض الأسر وكان على رأسها الحوثية، تريد الإسراع في الخطى والوصول بأقصر الطرق، وأحدثت انقلاباً وتسلطاً في التيار الإمامي جعلت الجميع يركض خلفها.

في عام 1991 طفا صراع فكري في إطار هذه الأسر العتيقة، وخاصة بين بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي، الذي أفتى هذا الأخير أن الهاشمية لم تعد شرطاً في الإمامة وإنما كانت قديماً فرضتها ظروف الزمن والصراع الفكري القديم، وأن الشعب يمكن له أن يختار من هو جدير لحكمه دون شرط أن يكون من آل البيت. وظل هذا الصراع حتى الانقلاب الأخير وظهور الحوثية على المؤيدية.

اعترض بدر الدين الحوثي على هذه الفتوى بشدّة، وتطوَّر الأمر أكثر مع بدر الدين الحوثي، حيث بدأ يدافع بصراحة عن المذهب الإثني عشري، بل إنه أصدر كتابا بعنوان “الزيدية في اليمن”، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والإثني عشرية؛ ونظراً إلى المقاومة الشديدة لفكره المنحرف عن الزيدية هاجر إلى طهران، حيث عاش هناك عدة سنوات وتأثر بثورة الخميني واعتقد في إمكانية تطبيق النموذج الإيراني على اليمن، الذي عاد إليه بعد أن توسَّط عدد من علماء اليمن عند الرئيس السابق علي عبدالله صالح لإعادته.

مهد بدر الدين الحوثي من خلال هذه الأفكار لولده حسين وألحقه بإيران لدراسة الفكر الاثناعشري، ومن ثم تأسيس "الشباب المؤمن" وتبنيه الفكر الاثناعشري والثورة الإيرانية والعمل العسكري، بعد استقالته من حزب الحق، وتحامل على الشخصيات التاريخية الزيدية والفكر الزيدي بأنها شخصيات خانعة وفكر خانع، ونصب نفسه حامي حمى الشيعية في اليمن ومجدد الفكر الشيعي فيها.

كانت الحوثية ترى أن أقصر الطرق للاستيلاء على الحكم هو بالاستعانة بإيران واستيراد مشروعها الثوري الخاص المتمثل في الفكر الاثنا عشري وأداته السلاح والحركة المسلحة العسكرية.

هذا الأمر ما يسميه زيد الذاري –أحد مفكريهم- "الإحيائية الزيدية".

بدأت إيران تمد حسين الحوثي بالأموال اللازمة وكذلك السلاح، وبدأ حسين الحوثي بابتعاث الطلبة من صعدة ومن صنعاء وعمران إلى إيران لأخذ الدورات التدريبية اللازمة فكرياً عقائدياً وكذلك عسكرياً، وتم استيراد الصرخة باللعن، بصيغتها الإيرانية، على الرغم من أن صيغة اللعن الحوثية القديمة لم تندثر على ما يبدو.

 

المشروع السياسي

من خلال ما مر بنا، ومن خلال الوقائع على الأرض، يمكننا القول: إن المشروع السياسي الحوثي لم يكن مشروعاً متكاملاً كما يمكن أن يتخيله البعض من إيجاد مشروع سياسي جامع في اليمن يمكن أن يلتف حوله اليمنيون، بل هو مشروع طائفي عنصري يقوم على الأسرية والفكر الطائفي بمساندة جغرافيا محددة، لتمرير مشروع خارجي والعمل عنه بالوكالة، وهو المشروع الإيراني، ظهر المشروع الحوثي فيه كحاجة إيرانية في المنطقة وذراع عسكري يقود عنه الصراع لتهديد الجارة السعودية التي تتنافس مشروعياً مع إيران في المنطقة.

ولذلك أول ما انقلب الحوثيون على الدولة في اليمن وأمسكوا بزمام الحكم فيها لم يكترثوا لحاجة الناس ومشاريع التنمية والبناء بقدر ما هو استرداد الحكم الإمامي الذي لم يقدم أي شيء لليمن عبر تاريخه الطويل، ولم يخلف لا نهضة علمية ولا ثقافية ولا فكرية ولا حتى تنموية بل عمل على العودة باليمن إلى عصور الظلام.

وفور وصولهم إلى الحكم كانت السمة الأبرز لهذا المشروع هو النكسة والتردي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فقام على نهب المواطنين، واختلاق الأسواق السوداء، والإثراء السريع القائم على النهب في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها ونهب المواطنين، وقمع الحريات العامة والخاصة، وفتح المعتقلات وقيامه بالحملات المختلفة لتكميم الأفواه...

 

الوثيقة الفكرية للحوثيين

في 13 فبراير 2012 صدر عن الحوثيين، وما يقال عن الزيدية عموماً، ما أسموها "الوثيقة الفكرية" لمشروعهم، والتي حددوا فيها ملامح مشروعهم العام وخاصة الفكرية العقدية. واللافت في أمر الوثيقة ثلاثة أعمدة رئيسة كمدخل أيديولوجي للمشروع السياسي، وهي:

  • ربط أنفسهم بالعقيدة كتابا وسنة يكونون بوابة العلم والأخذ عنهم وكل ما جاء عن سواهم مرفوض، وأنهم المصطفين من دون العالمين، وهذا يفتح آفاقاً كثيرة للصراعات والتحكم بالناس.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بوابة أخرى من أعظم البوابات التي تفتح الصراعات التي لا تنتهي يستحلون بها دماء مخالفيهم تحت ذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو ما طبقوه في مسيرتهم من مران إلى عدن.
  • جهاد الظالمين، وهو الوسيلة التي من خلالها يطبقون رؤيتهم ويفرضون بها أفكارهم بقوة الحديد والنار. وهذه الثلاث الركائز أول من نادى بها الهادي الرسي واتخذت منهجاً لمن جاء بعده، والمتأمل في سيرة الهادي ومن بعده أنهم أقاموا المجازر المروعة بحق المخالفين، وهدموا البيوت على ساكنيها، واستحلوا الحرمات والأموال تحت هذا البند؛ فالجهاد عندهم والمخالف ليس المخالف للكتاب والسنة، وليس جهاد الكافرين أو جهاد الدفع، وإنما جهاد كل من خالف فكرهم من الآخرين الذين يسمونهم "العوام".

الملاحظ في وثيقتهم الفكرية أنهم تغافلوا عن أئمة كبار كان لهم صولات وجولات في تاريخ وأحداث اليمن في التاريخ الحديث، وذكروا القاسم بن محمد الذي كان على عكس سابقيه يميل إلى الرفض وسب الصحابة، بعكس مثلاً الإمام شرف الدين الذي يعتبر مؤسس دولة الأئمة الحديثة، ولذلك حادوا عنه. أي أنهم اختاروا لأنفسهم تياراً خاصاً انتقوه انتقاءً ممن وافق عقيدتهم وأهواءهم في الرفض. وجاء في وثيقتهم "وأن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين".

 

حروب صعدة

بات من نافلة القول أن حروب صعدة الستة لم تكن سوى نماذج تدريبية للحوثيين لخوض معاركهم الكبرى في اليمن، لضرب الجيش الوطني الذي لم يذعن لمشروع التوريث للرئيس المخلوع صالح، واستنزاف المنطقة الشمالية الغربية، وإزاحة الفريق محسن كعقبة كأداء أمام مشروع التوريث، بدليل أن الرئيس المخلوع كما جرت العادة في الحروب الست يشعل الحرب باتصال ويوقفها باتصال، وكذلك عدم اشتراك قواته التي جهزها كسند لهذا المشروع وهو ما كان يسمى بـ"الحرس الجمهوري"، والذي كان يؤدي دوراً مزدوجاً في تلك الحروب، وكان يغذي المليشيات الحوثية بالسلاح والمؤن ويعيد لهم المواقع التي يخسرونها أمام الجيش الوطني بعد أن يستولوا عليها بحجة تأمينها بأوامر عليا من قبل المخلوع.

وليس أدل على ذلك من مواصلة تحالف صالح بالحوثيين وتجنيد مالا يقل عن 30 ألفاً من المليشيات الحوثية والقبائل الموالية لهم في الحرس منذ بداية ثورة 11 فبراير وحتى بعد الانقلاب 21 سبتمبر 2014، وباعتراف لجنة التهدئة التي شكلت بعد خلع صالح من السلطة اعترفت أن الحرس جند ما لا يقل عن 20 ألفاً من الحوثيين والموالين لهم، والذين صاروا اليوم في مقدمات مقاتلي الانقلاب، في الوقت الذي يحتفظ فيه صالح والحوثي بجنودهم الخلص شديدي الولاء والتدريب لهما؛ لأن كليهما لا يثقان ببعضهما ويعدان جيشيهما للحظة الحاسمة بين الطرفين كونهما يدركان تمام الإدراك أن التصفيات النهائية ستكون بينهما فقط، لكن وحدهما اليوم الخصم المشترك (الشرعية).