السبت 20-04-2024 12:19:59 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة 14 أكتوبر 1963.. والتجسيد العملي للوحدة الوطنية والمصير المشترك

الأحد 13 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

  

من المفارقات المؤلمة في تاريخ النضال الوطني ضد الإمامة والاحتلال الأجنبي، أن تأتي الذكرى الـ56 لثورة الـ14 أكتوبر 1963، وقبلها الذكرى الـ57 لثورة الـ26 من سبتمبر 1962، وقد حدث انقلابان، الأول في صنعاء والثاني في عدن، وكلاهما يمثلان ارتدادا كبيرا عن أهداف الثورتين، وأهمها إقامة نظام جمهوري عادل وتحقيق الوحدة الوطنية وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، وغير ذلك. فالانقلاب في صنعاء كان ارتدادا عن ثورة 26 سبتمبر بعودة الإمامة، والانقلاب في عدن يمثل ارتدادا عن ثورة 14 أكتوبر التي جسدت الوحدة الوطنية في أهدافها ومسارها، وظهر في السنوات الأخيرة من يريد تحويلها إلى مناسبة انفصالية.

وإذا كانت ثورة 26 سبتمبر قد رسمت الملامح العامة لمستقبل البلاد شمالا وجنوبا، المتمثلة في طرد الإمامة والاحتلال الأجنبي وإقامة نظام جمهوري ديمقراطي، فإن ثورة 14 أكتوبر كانت قد جسدت عمليا الوحدة الوطنية في أبهى وأروع صورها، ذلك أن الأحرار الذين أشعلوا ثورة 14 أكتوبر كانوا قد شاركوا في ثورة 26 سبتمبر في شمال البلاد، بعدها كانت بعض مناطق شمال البلاد، خاصة تعز، منطلقا لتدريب الأحرار من أبناء الجنوب، وإمدادهم بالمال والسلاح، حتى وصفت تعر بأنها كانت تمثل "قلب" ثورة أكتوبر، فضلا عن مشاركة العديد من الثوار السبتمبريين من الشمال في الثورة الأكتوبرية.

- النضال والمصير المشترك

تجسدت الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا قبل اندلاع ثورتي سبتمبر وأكتوبر بعدة سنوات، فمدينة عدن كانت حاضنة للأحرار من أبناء الشمال الذين كانوا قد بدؤوا بتعريف الشعب بخطر الإمامة، ثم فروا من بطش النظام الإمامي ليواصلوا مسيرة النضال بمختلف السبل حتى تتهيأ اللحظة المناسبة لإشعال الثورة، ومدينة تعز كانت القلب النابض لثورة 14 أكتوبر بعد اندلاعها، واختلطت دماء أبناء شمال اليمن وجنوبه في ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر على حد سواء، في مشهد رسم لوحة وطنية تجسدت فيها الوحدة الوطنية والمصير المشترك.

ويحضر اسم البطل "راجح غالب لبوزة" كثائر وطني كلما تطرقنا إلى النضال والمصير المشترك، كون البطل القادم من جبال ردفان الأبية كان أول من أشعل ثورة 14 أكتوبر 1962 ضد الاحتلال البريطاني في جنوب البلاد، وكان أول ثائر من جنوب البلاد يهب للمشاركة في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962 التي اندلعت في شمال البلاد ضد النظام الإمامي الكهنوتي المستبد.

وكان "لبوزة" قد اشترك، في عام 1942، مع مجموعة من الثائرين من أبناء ردفان في انتفاضة ضد قوات الاحتلال البريطاني، ودارت حينها معارك استشهد على إثرها تسعة من أبناء ردفان، وأقدمت القوات البريطانية على هدم منازل عدد من الثوار، وأقامت معسكرا في منطقة الحبيلين لوضع الحكام المحليين تحت حمايتها، ولتأمين طرق التجارة بين شطري اليمن.

وبعد هذه الانتفاضة، برز "لبوزة" ثائرا صلبا، وترك قريته، ثم اتخذ من جبال ردفان مأوى له ولرفاقه المطاردين، وظل يتردد إلى مدن شمال اليمن، طمعا في الحصول على دعم يمكنه من مواصلة هجماته على البريطانيين.

وبعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الإمامة في الشمال، وصل "لبوزة" إلى مدينة إب، ومعه مجموعة من المقاتلين بلغ عددهم 35 مقاتلا، وهناك تلقوا تدريبا سريعا، ثم انتقلوا إلى مدينة الحديدة، ومنها إلى بلدة المحابشة في محافظة حجّة، وشاركوا إلى جانب الجيش الجمهوري في قتال فلول الإماميين.

وعقب تشكيل الجبهة القومية في جنوب اليمن لمقاومة الاحتلال البريطاني عام 1963، عاد "لبوزة" مع رجاله إلى بلده بعد سماح السلطات البريطانية لهم بالعودة، غير أنها طلبت تسليم أسلحتهم، أو دفع غرامة مالية كبيرة، وكتب الضابط السياسي البريطاني المستر "ميلان" بذلك إلى "راجح لبوزة"، وطلب منه عدم مغادرتهم بلدتهم مرة أخرى، فكتب إليه "لبوزة" بالرفض متحديا، ووضع بجانب الرسالة طلقة رصاص، واندلعت بعد ذلك الاشتباكات بين قوات الاحتلال البريطاني و"لبوزة" ورجاله في وادي المصراح بردفان، بعد أن قدم المستر "ميلان" إلى وادي "المصراح" بقوات تعززها المدفعية الثقيلة، فأمر "لبوزة" رجاله بالتجمع في جبل "البدوي" رأس وادي "المصراح"، ووضع خطة للمواجهة.

وفي صباح اليوم التالي، 14 أكتوبر 1963، نزل "لبوزة" ورفاقه لصد القوات البريطانية، فاندلعت معركة ضارية استمرت أربع ساعات، تراجعت على إثرها القوات البريطانية، وأصيب "لبوزة" بشظايا، وظل دمه ينزف متأثرا بها حتى فارق الحياة، فكانت هذه المعركة أول شرارة في ثورة 14 أكتوبر، ويعد "لبوزة" أول شهداء الثورة ضد الاحتلال البريطاني لجنوب البلاد.

- تعز.. قلب ثورة أكتوبر

بعد اندلاع ثورة 14 أكتوبر، كانت تعز بمثابة القلب النابض لتلك الثورة، نظرا لدورها المحوري في مساندة الثورة، وجمع التبرعات لها، وإمدادها بالمال والسلاح، تدريب وإعداد الأبطال، والمشاركة فيها، وبرز قادة من تعز أبلوا فيها بلاء حسنا.

كما كانت تعز قبلة الحركة الوطنية، حيث تأسست فيها عدة أحزاب ومنظمات ثورية وجماهيرية حشدت للثورة أو شاركت فيها، فقد تأسس البعث العربي الاشتراكي في تعز عام 1957، وبدأت حركة القوميين العرب نشاطها في المدينة عام 1959، وافتتح فيها أول معسكر لتدريب وإعداد أبطال ثورة 14 أكتوبر مطلع عام 1964، وكانت هناك معسكرات للأحرار من قبل ذلك، وكانت تدار من قبل قيادة الجبهة القومية، التي افتتحت مكتبها الرئيسي بمدينة تعز، في 3 يونيو 1964، بحضور الرئيسين قحطان الشعبي وسالم ربيع علي ورمز الفداء الأكتوبري الشهيد عبود الشرعبي وقيادات أخرى.

وكان لوجود قيادات الجبهة القومية وقيادة القوات المصرية في مدينة تعز، وبالتعاون مع أبطال 26 ثورة 26 سبتمبر، دور كبير في إمدادات السلاح إلى أبطال ثورة 14 أكتوبر لمواجهة قوات الاحتلال البريطاني. وتذكر المصادر أن أول شحنة أسلحة نقلت من تعز إلى أبطال ردفان كانت في 9 يونيو 1964، وأرسلت شحنة ثانية في نوفمبر من ذات العام، وساعدت هذه الإمدادات في إشعال أقوى بداية لثورة 14 أكتوبر.

كما أن مدينة تعز كانت تشكل حلقة وصل بين قيادة ثورة 14 أكتوبر والعالم، حيث كان أفراد وقيادات الجبهة القومية وجبهة التحرير ينتقلون عبر المدينة من عدن إلى مصر، وكانت إذاعة تعز بمثابة الناطق الرسمي باسم ثورة 14 أكتوبر، منذ بدء معركة التحرير وحتى جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب البلاد.

وشارك أبناء تعز بدور عسكري فاعل في ثورة 14 أكتوبر، أبرزهم البطل مهيوب علي غالب الشرعبي، المعروف بـ"عبود"، الذي كان من أبرز القيادات العسكرية للثورة. ونظرا لدوره العسكري، فقد اختارت قيادة التحرير يوم استشهاده،11 فبراير 1967، يوما للشهيد الجنوبي.

وهكذا يتضح مما سبق كيف أن ثورة 14 أكتوبر 1963 جسدت الوحدة الوطنية في أبهى وأروع صورها، وفيها اختلطت دماء اليمنيين شمالا وجنوبا، كما اختلطت من قبل في ثورة 26 سبتمبر 1962، والجميع يحدوهم الأمل في وطن واحد بنظام جمهوري ديمقراطي، يسوده الإخاء والمحبة، لا مكان فيه للعصبيات السلالية والمناطقية وغيرها.

وكان الخطأ أن تراكمت سلبيات أنظمة الحكم المتعاقبة فيما بعد، وأطولها عهدا وأكثرها أخطاء نظام حكم علي صالح، لتشهد البلاد جراء ذلك انتكاسة تاريخية و"رِدّة وطنية" عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر وأهدافهما العظيمة، ليعود بسبب ذلك الأحرار للنضال من جديد للحفاظ على مبادئ وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر.

كلمات دالّة

#اليمن