الجمعة 19-04-2024 11:55:16 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قراءة في خطاب رئيس الإصلاح في ذكرى تأسيس الحزب (1-2)

الجمعة 13 سبتمبر-أيلول 2019 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت – خاص - محمد عبدالقادر
 

  

منذ اللحظات الأولى التي أعلن فيها عن خطاب مرتقب للأستاذ محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، بدأ الجدل يحتدم حول الظهور المرتقب، لرئيس أحد أكبر الأحزاب الوطنية حضورًا وفاعلية على الساحة السياسية.

هذا الجدل في مجمله، هو حالة صحية تكشف درجة تفاعل الجمهور مع القضايا العامة والشخوص المؤثرة في الرأي العام، حيث استمر الجدل والنقاش يتصاعد حتى بلغ ذروته لحظة خروج اليدومي في خطاب مباشر على قناة سهيل مساء البارحة (الخميس) واستمرت تفاعلات الخطاب أثناء بثه وبعد إنتهاءه وما زالت حتى اللحظة.

في هذه الوقفة سنحاول التوقف عند أبرز ما جاء في الخطاب، وقراءة مضامينه المركزية على نحو يضعنا في صورة كاملة لما ورد فيه.

 

 - اليدومي كشخصية مثيرة للجدل

في البداية لا يمكن فصل طبيعة النقاشات التي أثارها الخطاب عن شخصية اليدومي نفسه، لجانب الصورة الذهية لحزب الإصلاح في الخيال الشعبي، فنحن أمام أكبر حزب سياسي يتمتع بزخم جماهيري واسع وبنية تنظيمية صلبة، وحضور فاعل ومؤثر بقوة على كافة الأصعدة، ومن الطبيعي أن حزب كهذا يستثير تفاعلًا شعبيًا عاليًا في ذكرى تأسيسه بل وفي كل مناسبة وموقف وفعل تتعلق به.

من هذه الزواية، ينسحب النقاش ليعم الشخصية التي تتربع على هرمه القيادي، فهي عادة ما تثير الجدل، وهذه الإثارة لا تنبع بالضرورة من طبيعة الشخصية ذاتها، بقدر ما هي نتاج طبيعي للفاعلية التي يتمتع بها الحزب الذي تقوده، هكذا تداخلت الجدلية الشعبية المتصاعدة حول شخص اليدومي وحزبه، تمامًا كما كل مرة يخرج فيها الرجل بتصريح أو بيان أو خطاب، لكن هذه المرة كان الصدى عاليًا وبشكل أوسع والأمر له علاقة بطبيعة الحدث، لجانب محتوى الخطاب الذي خرج به اليدومي في ذكرى تأسيس الحزب.

 

- شمولية الخطاب: المبادئ والمواقف

كعادة الخطابات التي يتحدث فيها رئيس الحزب في ذكرى تأسيسه، جاء خطاب اليدومي أشبه ببيان تفصيلي يجمع بين السردية التأريخية المختصرة لمسيرة الحزب ثم التذكير بمنطلقات التنظيم ومبادئه التأسيسية الثابتة، لجانب تسجيل مواقفه من مختلف القضايا المركزية المفتوحة على الساحة، سواء تلك القضايا الرئيسية أو الأحداث الطارئة في مسار التطورات السياسية في البلاد.

في البداية لاحظنا في خطاب اليدومي مقدمة تمهيدية مركزة، حاول الرجل فيها تقديم تعريفًا مختصرًا للحزب، بكونه حزبًا سياسيًا وطنيًا خالصًا، وإمتدادًا طبيعيًا لحركة الإصلاح السياسي والإجتماعي التي شكلت الجذور التأسيسية الأولى لحزب الإصلاح قبل نشأته. ليأتي بعدها ويسرد جملة تواريخ هامة في الحياة السياسية اليمنية، مؤكدًا أن الحزب كان وما يزال أحد أعمدة الحياة الديمقراطية في البلاد وشارك بفاعلية في كافة المحطات الإنتخابية التي حدثت منذ ما قبل نشأته، عن طريق رموزه الإجتماعية وحاضنتها الشعبية قبل أن يتم تأطيرها في كيان سياسي بعد إقرار التعددية السياسية في البلاد عام 90، وصولا ليومنا هذا.

بعدها تسلسل الخطاب ليسرد التطورات التي حدثت منذ قيام الثورة الشبابية وما تلاها من إنتخابات توافقية ومرحلة إنتقالية، أجهضت بالإنقلاب الحوثي وما استدعاه من تدخل عسكري للتحالف ثم تفاعلات ما حدث بعدها وصولا لتمرد مليشيا الإنتقالي جنوبا، والإنحراف الذي حدث نتاج قصف الجيش الوطني من قبل أحد أطراف التحالف المتمثل في دولة الإمارات، ومحاولة خلط الموضوع بالإرهاب. وإزاء كل هذه الأحداث سجل الخطاب موقف الحزب منها بلغة واضحة وشاملة، وسنتطرق لتفاصيل بعض القضايا المهمة وطبيعة موقف الحزب منها في المحاور اللاحقة.

 

- الحضور المكثف لفكرة الدولة في الخطاب

قبل أن نتناول القضايا التفصيلية العابرة التي سجل خطاب اليدومي مواقف حزبه منها، من المهم التوقف عند المنطلقات المركزية التي وردت في الخطاب ومنها "فكرة الدولة" حيث لاحظنا تكثيفًا كبيرا في الخطاب لهذه الفكرة وتأكيدا مستمرا عليها. ففي أول نقطة تلاها الخطاب أكد اليدومي ألا بديل لفكرة الدولة الوطنية بكامل بنيتها المؤسسية وبكامل مضمونها القيمي ومسؤولياتها المتمثلة في صيانة الحقوق والحريات والمصالح العامة للمواطنين والتوزيع العادل للثروة والسلطة وإنفاذ القانون.

هذه المفاهيم الأساسية التي أكد عليها الخطاب، تؤكد أننا أمام حزب حسم موقفه باكرا من فكرة الدولة وكان وما يزال متمسكًا بها في كل مراحل نضاله، سواء تلك التي كان فيها جزء من السلطة أو خارجها، ظل الحزب يدور مع فكرة الدولة حيث دارت ويعمل في ظلالها ووفقًا لمبادئها السياسية ولوائح العمل التي تنظم نشاط الحزب ككيان ديمقراطي يشتغل بالطرق السلمية ويلتزم بمقتضيات العمل المدني بصرف النظر عن قربه أو بعده من السلطة. حيث تؤكد سردية الخطاب الذي قدمه اليدومي كيف أن الحزب ظل يشتغل في إطار فكرة الدولة طيلة مسيرته وألا بديل عنها مهما كانت الظروف، ما يؤكد أن الرهان على الدولة تمثل سياسة استراتيجية مبدئية وثابتة ينتهجها الحزب ولا يمكنه التخلي عنها بأي حال من الأحول، كونها أخر خيط للترابط الوطني بحسب التعبير الذي أكد عليه الرجل في خطابه.

 

- مرافعة اليدومي عن المواقف الوطنية لحزبه

إحدى المزاعم الجدلية التي تثير ضجيجًا مستمرا، هي فكرة مكاسب الإصلاح الخاصة من الشرعية وهي فكرة يحاول البعض تضخيمها بصورة كبيرة، لأغراض تتمثل في محاولة تقليص حضور الحزب والخصم من حقوقه السياسية ومنها حقه في الشراكة الوطنية في السلطة، حيث ينظر البعض لمشاركة الإصلاح كما لو أنها تهمة، مع كونها مشاركة تأتي في سياقها الطبيعي مثل بقية الأحزاب؛ لكن حين يتعلق الأمر بالإصلاح فالموضوع يغدو مثيرا للحساسية وهو ما يعكس وجود نزعة إقصائية ممنهجة ترغب في إزاحة الإصلاح ولهذا تعمل على نفخ موضوع حضوره في الشرعية، تمهيدا لتجريده من حقوقه في المشاركة، ولتحقيق هذا الغرض تنسج شائعات كثيرة، منها موضوع سيطرته على الشرعية، ولتفنيد هذا الموضوع قدم اليدومي مرافعة ذكية في محور خطابه حول حملات الشيطنة التي يتعرض لها حزبة.

مرافعة اليدومي بقدر ما جاءت ذكية، تجلت متهكمة على المتربصين بالحزب، أولئك الذين يفسرون كل موقف وطني للتنظيم يدافع فيه عن الشرعية كما لو أنه دفاع عن مكسب خاص..! وكان مما قاله الرجل في هذا الموضوع:

" نرفض حملات الإستهداف والشيطنة التي يتعرض لها الإصلاح في أكثر نقاطه قوةً، وقد رأينا كيف يتم تحويل مواقفه الوطنية الأكثرِ إخلاصًا وتضحيةً، لموضوع ابتزاز، ومنها موضوع دعمه للشرعية، فعادةً ما يحاولُ البعضُ قلب الحقائق، والنظرَ لموقفه الوطني الثابت ودعمه القوي للشرعية، كما لو أنه تمسكٌ بمكاسب خاصة، وهنا تكمن مشكلة من يُقيّمون المواقف بمنظار المصالح الحزبية الضيقة ويسارعون للربط بين المواقف الوطنية والمكاسب الحزبية، بحيث يرون أن أي موقف وطني صلب لا بد أن خلفه مصلحةٌ خاصة.

إن مبدأ دعم الإصلاح للشرعية هو دعم لفكرة الدولة، وأن دعمَ الشرعيةِ وتقوية موقفها هو أحدُ أهم المكاسب الجماعية التي لا تخص الإصلاح، بل كل الأطراف وعموم الناس، وهو بالطبع مكسب مقدم على المكاسب الخاصة كما أن موقف الإصلاح المنحاز للشرعية والدولة، هو إلتزام تفرضه المسؤوليةُ الوطنيةُ أولاً وأخيراً.

 

- الشراكة الوطنية : مرتكز أساسي في الخطاب

من المواقف المهمة التي وردت في خطاب اليدومي، هو دعوته لتشكيل حكومةٍ مصغرةٍ يتم اختيارُ أعضاءِها على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني وفق الاختصاص والكفاءة والنزاهة لإدارة المرحلة التي نصت عليها المبادرةُ الخليجيةُ وآليتُها التنفيذيةُ وبذل المزيد من الجهود لإصلاح الإختلالات في مؤسسات الدولة مدنيةً وعسكرية .

هذا الموقف يكشف تمسك الحزب المبدئي والثابت بفكرة الشراكة وينسف كل دعاوى الرغبة بالإستفراد بالسلطة التي يطلقها خصومه، حيث لا يمكن لحزب يرغب بالاستفراد بالسلطة أن يدعو لتقليص مقاعد الحكومة وتشكل حكومة مصغرة، الأمر الذي يعني تقليص مقاعده هو في الحكومة المقبلة، فإذا كان الآن يملك خمسة مقاعد بحسب تصريح اليدومي نفسه في الخطاب، فإنه في حال تشكل حكومة مصغرة ستتقلص حصته لمقعدين أو ثلاثة بالكثير، ما يؤكد مصداقية دعاوى الحزب حول حرصه على الشراكة أولا ثم رغبته الصميمية بتجاوز منطق العداوات والثأر السياسي والتركيز على الهدف المتمثل في تحقيق الخلاص الوطني، كغاية أسمى ومقدمة على المكاسب الخاصة في فترة مضطربة كهذه.

حيث ورد في الخطاب وفي سياق تأكيده على هذه الفكرة فقرات مهمة تؤكد منهجية الحزب في تعاطيه مع موضوع الشراكة والعمل الجماعي كمبدأ ثابت وضروري لتجاوز الأزمة، ومن هذه الفقرات:

إننا اليوم أمام ظرف استثنائي الجميع فيه بحاجة للتخلص من إرث العداوات وتجاوز الخصومات الثانوية، حيث الكل فيه بحاجة للكل ولا قيمة للواحد دون المجموع، فالعملُ السياسي الحزبي شبه معطل أو ربما متوقفٍ كليًا جراء الوضع الناتج عن سقوط الدولة، ولا قيمة لأي تمترسات فردية خارج الصف الجمهوري أو بدونه.

إن البلدان التي تعيش حالةً من الإضطرابات السياسية، وتعاني من تمزق في وحدتها الوطنية، لا يكون للعمل السياسي الفردي والتنافسي أيّ معنى ولا يمكن لقوة سياسيةٍ أحاديةٍ مهما بلغت قدرتها أن تستطيع تجاوز الوضع عن طريق العمل بمفردها.

ومن هذا المنطلق يدرك الإصلاح بأنه لا مخرج من حالة التشظي المجتمعي والإنقسامِ السياسي الحاد، سوى عن طريق العمل الجماعي على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني دونما إقصاء ولا هيمنة لأحد على حساب أحد.

 

- أهم وأخطر موقف في الخطاب

كان الكثير يترقب موقف الحزب من القصف الذي تعرض له الجيش الوطني في مداخل مدينة عدن وأبين في 29 أغسطس من قبل الطيران الإماراتي، ومع كون الإصلاح قد عبر عن موقفه سابقًا ضمن تحالف أحزاب دعم الشرعية الذي أدان القصف، إلا أن موقف الحزب الفردي ظل مهمًا للكثير، وفي حين توقع الغالبية أن يتغاضى الإصلاح عن إعادة تكرار موقفه، ويواصل سياسة المهادنة أو المداراة مع الإمارات بهدف تجنب التصعيد معها.

إلا أن الحزب فاجئ الجميع بموقف وطني شجاع وحاسم، الأمر الذي فوت الفرصة على الكثيرين من الذين كانوا يترقبون تغاضيه كي يمعنوا في مزايدتهم، على الرغم من كونهم يكادون يتماهون مع الطرف المنتهك للسيادة؛ لكن كعادة المزايدين يحاولون الطعن في وطنية الأخر ولو كان هذا الأخر يقف عمليا بكل قوته جوار الدولة ولا يكفون عن إلقاء التهم عليه، في الحالتين، حين يقف جوار الدولة ويدافع عن سيادتها وحين يصمت نظريا لسبب أو لأخر، ينتهزون ذات الفرصة للطعن فيه.

لكن ما حدث هذه المرة كان مربكًا ومفاجئًا للجميع، حيث قطع التنظيم كل قول وأعلن موقفه بوضوح، فالأمر لم يعد يحتمل المواربة، خصوصًا أن ما حدث يمس أخطر القيم السيادية للشعب والدولة والسكوت عنه خيانة وطنية، وهو ما تمكن الحزب من إستجماع شجاعته لحسم موقفه من هذا الإعتداء، ورفضه للتوظيف السياسي للإرهاب وإقحامه في موضوع إستهداف الجيش. لجانب دعوته لفتح تحقيق شامل حول كل حوادث الإستهداف التي تعرض لها الجيش طيلة الفترات الماضية.

وفي كل الأحوال، يظل هذا موقف وطني يشكل نقلة فارقة في طبيعة السياسة التي ظل الحزب يتعامل بها مع الإمارات طيلة الفترة الماضية. وهي إنتقالة مترافقة مع الموقف الحكومي نفسه الذي وقف منذ بداية الأحداث الأخيرة لإنقلاب عدن بشكل واضح ضد الدعم الإماراتي للإنقلابيين، الأمر الذي دفع الإصلاح لإنتهاج ذات الموقف وهو موقف متجانس مع منهجية الحزب في إسناد الدولة في حربها ضد المليشيات والوقوف جوارها بكل ما تتخذه لاسترداد شرعيتها وبسط نفوذها على كامل أراضي البلاد وممارسة حقها السيادي في إحتكار القوة ورفض أي مساس بها.

وخلاصة القول يعيدنا لنقطة البداية المركزية، حيث يتحرك الحزب دوما متوازيا مع حركة الدولة وداعمًا لها وهذه هي إحدى نقاط القوة التي تمتاز بها سياسة التنظيم طيلة مراحل الفترة الماضية وصولا ليومنا هذا.