السبت 20-04-2024 00:28:50 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

حزب الإصلاح في ذكرى تأسيسه.. 29 عاما من الاعتدال الفكري والانفتاح السياسي

الجمعة 13 سبتمبر-أيلول 2019 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ عبد السلام الغضباني

 

 

المتأمل في المسارين الفكري والسياسي للتجمع اليمني للإصلاح، منذ الإعلان عن تأسيسه في 13 سبتمبر 1990 وحتى يومنا هذا، سيجد نفسه أمام تجربة فكرية وسياسية فريدة من نوعها في اليمن وربما في المنطقة العربية بشكل عام، وهي تجربة لم تنل حقها من البحث والدراسة والتقييم وتسليط الضوء على إنجازاتها وإخفاقاتها، وربما يعود ذلك لأسباب تتعلق بالأحكام المسبقة وسطحية معظم ما يُكتب عن بعض التجارب الفكرية والسياسية في العالم العربي، خاصة اليمن.

تمتد الجذور الأولى للتجمع اليمني للإصلاح إلى حركة الإصلاح اليمنية التي ظهرت تقريبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكان من أبرز رموزها الإمام الشوكاني وابن الأمير الصنعاني وابن الوزير وغيرهم، وهي حركة جمعت بين الإحياء الديني والنضال السياسي ضد الإمامة العنصرية المستبدة والفاسدة، وكان ظهور حركة الإصلاح اليمنية قبل ظهور الكثير من الحركات التي وصفت نفسها بالإحيائية والتجديدية، مثل الدعوة الوهابية في بلاد نجد والحجاز (السعودية حاليا)، والحركة المهدية في السودان، وحركة الإخوان في مصر، والحركة السنوسية في ليبيا، وغيرها. وتميزت حركة الإصلاح اليمنية منذ ظهورها بالاعتدال الفكري والانفتاح السياسي، وهو ما سنوضحه في السطور التالية.

 

- الاعتدال الفكري

رغم أن الظروف الزمانية والمكانية التي ظهرت فيها حركة الإصلاح اليمنية اتسمت بالجهل الديني والاستبداد السياسي، مما يستدعي ردة فعل عنيفة حيال ذلك، إلا أن ظهور الحركة الإصلاحية اليمنية كردة فعل على ذلك اتسم بالاعتدال منذ البداية، وبدأت الحركة العمل التدريجي لإحياء الدين والقضاء على الخرافات والبدع التي نشرها الأئمة في الدين والسياسة على حد سواء، وبدأت بنفس الوقت في النضال السلمي ضد نظام الإمامة الفاسد، ونشر الوعي الديني والسياسي في أوساط الشعب، مما تسبب بالصدام المبكر بينها وبين نظام الإمامة، الذي مارس القمع ضد العلماء والدعاة والمصلحين، لكن ذلك لم يمنع الحركة الإصلاحية من الاستمرار في نهجها الفكري والسياسي المعتدل.

ظلت الحركة الإصلاحية اليمنية تؤدي أدوارا فاعلة ومؤثرة في مختلف مراحل النضال الوطني التالية، إلى جانب حركات نضالية أخرى ظهرت فيما بعد. ورغم كثافة الأحداث ومحطات التحول الكبرى التي شهدتها اليمن في تاريخها الحديث والمعاصر، إلا أن ذلك لم يؤثر على النهج الفكري المعتدل للحركة الإصلاحية اليمنية، وظل الاعتدال الفكري سمة ملازمة لتلك الحركة، وترسخ بشكل أكبر بعد أن تحولت تلك الحركة إلى حزب سياسي أطلق عليه التجمع اليمني للإصلاح، عام 1990، بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، والسماح بالتعددية السياسية والحزبية في البلاد.

ومنذ تأسيسه وحتى اليوم، ظل التجمع اليمني للإصلاح يعمل على نشر الوسطية والاعتدال، ويناهض التطرف والغلو والتشدد، ولعل خطابه الفكري المعتدل الذي لاقى قبولا شعبيا هو الذي أكسبه شعبية كبيرة في أوساط مختلف فئات الشعب، خاصة في أوساط الطبقة الوسطى المثقفة والمتعلمة، وفي الوسط الطلابي، وفي النقابات والمنظمات الجماهيرية، ليتحول بذلك الإصلاح إلى لاعب سياسي كبير يعمل من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية، ويقف بقوة واقتدار إلى جانب الدولة ومؤسساتها والنظام الجمهوري الديمقراطي التعدددي، والتصدي للمشاريع الصغيرة التي تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، سواء كانت مشاريع عائلية أو قبلية أو قروية أو مناطقية أو سلالية وعنصرية.

وكان من نتائج الاعتدال الفكري لحزب الإصلاح وخطابه الوسطي، أنه أسهم بشكل كبير في محاصرة الأفكار المتطرفة والمتشددة، والتي تمثل المنبع الرئيسي المغذي للإرهاب، وهو ما يتضح من خلال التأمل في خريطة انتشار الجماعات الإرهابية في اليمن، حيث يلاحظ أن الجماعات الإرهابية والأفكار المتطرفة تكاد تنعدم في المناطق التي يتواجد فيها الإصلاح بقوة، لكنها تنمو وتظهر في المناطق التي يتواجد فيها الإصلاح بشكل محدود جدا أو ليس له فيها حضور يذكر، ذلك أن الجماعات الإرهابية تستغل الفراغ الفكري في المناطق التي لا يوجد فيها أي أثر لفكر وسطي معتدل، وتعمل على استقطاب الشباب إلى صفوفها، وتعبئتهم بخطاب تكفيري متطرف يدفع بهم وبالمجتمع المحيط بهم إلى محارق الموت والهلاك.

كما أن الخطاب الفكري المعتدل للتجمع اليمني للإصلاح جنب اليمن الانزلاق إلى ما يمكن وصفه بـ"الإرهاب الفكري"، ولم تحدث في اليمن معارك فكرية كما حدث في بلدان عربية أخرى، وما يتخللها من تكفير وتفسيق واتهامات بالإرهاب والتشدد، بل فإن الخطاب الفكري المعتدل لحزب الإصلاح جعله في مرمى الخطاب المتشدد لبعض الجماعات والشخصيات التي وصفته بالمتساهل، إلا أن الإصلاح لم يلتفت لذلك ولم يكلف نفسه عناء الرد على مختلف التهم الموجهة له.

 

- الانفتاح السياسي

تشكل ظاهرة الانفتاح السياسي -التي اتسم بها حزب الإصلاح منذ تأسيسه وحتى اليوم- ظاهرة فريدة ونوعية في اليمن وربما في العالم العربي بشكل عام، أي أنها ظاهرة خالفت النمط السائد في العلاقات بين مختلف المكونات والتيارات السياسية والأيديولوجية في العالم العربي، كونها علاقات اتسمت بالعداوة التاريخية بين أبرز تيارين أيديولوجيين في العالم العربي هما التيار الإسلامي والتيار العلماني بمختلف تفرعاته، بصرف النظر عن القضايا التي هي محور خلاف.

لكن حزب الإصلاح لم يبنِ مواقفه من قضايا الوطن والأمة وفقا لتعصب أيديولوجي ضيق أو مساير للعداوة التاريخية بين التيارات الأيديولوجية المختلفة في العالم العربي، وإنما جعل مصلحة الوطن وحماية الدولة والمجتمع الأساس الصلب الذي يبني عليه علاقاته مع الآخرين، وليس الموقف الأيديولوجي أو الحزبي، ولهذا نجد أن التحالفات السياسية لحزب الإصلاح تدور مع مصلحة الوطن حيث دارت، وهو من أجل ذلك قدم تضحيات جسيمة، ولم يحدث أن تاجر بقضايا الوطن بحثا عن مكاسب ومصالح ضيقة.

لقد تحالف حزب الإصلاح مع نظام علي صالح في البداية من أجل الحفاظ على الوحدة وعلى الديمقراطية الوليدة، وعندما بدأ نظام علي صالح يعمل ضد مصلحة الشعب، وانتشر الفساد المالي والإداري في داخله، وينتهج سياسات خاطئة أنتجت مشاريع التقسيم وعودة الإمامة والتوظيف السياسي للإرهاب والفقر والجوع والبطالة، ثم محاولة إفراغ النظام الجمهوري الديمقراطي من مضمونه من أجل مشروع التوريث، كل ذلك جعل الإصلاح ينهي تحالفه مع نظام علي صالح، ويساهم مع أحزاب أخرى، ذات توجهات علمانية وقومية ويسارية ومذهبية وغيرها، في تشكيل تحالف جديد أطلق عليه "اللقاء المشترك"، بهدف وضع حد لعبث نظام علي صالح بالمكتسبات الوطنية وثروات البلاد والنظام الجمهوري الديمقراطي التعددي.

وبعد الانقلاب على الدولة من قبل مليشيات الحوثيين الإرهابية المدعومة من إيران، وبالتحالف مع علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، ألقى الإصلاح بكل ثقله للتحالف مع السلطة الشرعية والتحالف العربي لدعم الشرعية، ورفض كل عروض الانقلابيين وابتزازهم له للتخلي عن دوره الوطني في مرحلة عصيبة وحساسة، إلا أنه فضل الانحياز للدولة رغم ما سيكلفه ذلك من خسائر باهظة، ولم يداهن مشروع الانقلاب من أجل سلامته وسلامة أعضائه الشخصية.

وما زال الإصلاح يدعو مختلف التيارات الوطنية إلى تجاوز المعارك الجانبية الضيقة فيما بينها، والانخراط في تحالف وطني كبير ضد مختلف المشاريع الهدامة التي تعصف بالوطن، ومحاولات تمزيقه وتفتيته، ومحاولات هدم الوحدة وأسس الدولة من أجل مشاريع بدائية سواء كانت عنصرية سلالية أو قروية ومناطقية، وتشترك جميعها في الهمجية والتخلف والانتماء إلى زمن ما قبل الدولة، وتتماهى مع مشاريع أجنبية تسعى إلى تمزيق البلاد ومحاولة الهيمنة عليها من خلال مرتزقة ومليشيات محلية لا تؤمن بالولاء للوطن ولا تعترف بفكرة الدولة، وبضاعتها الوحيدة العمالة والارتزاق.

 

- مفارقات لها دلالات

لقد كان للاعتدال الفكري والانفتاح السياسي لحزب الإصلاح دورهما في إعادة صياغة علاقة مختلفة بين مختلف الأحزاب والتيارات الأيديولوجية في اليمن، وبين السلطة والمعارضة، مما شكل حالة فكرية وسياسية خاصة في اليمن تختلف عن نظيراتها في العديد من البلدان العربية، لكن هذه التجربة لم تنل حقها من الدراسة والنقد وتسليط الضوء عليها، بل فهناك من راح يعمل من أجل استنساخ أزمات سياسية وأيديولوجية ظهرت في بلدان عربية أخرى ويحاول نقلها إلى اليمن، رغم اختلاف الواقع السياسي والاجتماعي بين تلك البلدان واليمن.

ويتجلى الانفتاح السياسي لحزب الإصلاح في محطات تاريخية مفصلية، فهو تحالف مع نظام علي صالح في وقت كانت فيه الأنظمة العربية تناصب الأحزاب والتيارات المحافظة أو الإسلامية العداء بقوة، ثم تحالف الإصلاح مع أحزاب قومية وعلمانية ويسارية تحت مظلة "اللقاء المشترك" في وقت كانت فيه العداوات والمعارك الفكرية بين الإسلاميين والتيارات الأخرى في العالم العربي على أشدها.

وفي الوقت الذي ناصبت فيه حكومات بلدان الربيع العربي بعد الثورات قوى الثورة العداء، فإن الإصلاح أصبح أحد أبرز المدافعين عن الدولة والسلطة الشرعية رغم أنه كان أبرز مساندي ثورة 11 فبراير 2011 ضد نظام علي صالح ومضيه في مشروع التوريث، وهذه مفارقات ما كان لها أن تحدث لولا الاعتدال الفكري والانفتاح السياسي اللذين اتسم بهما التجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه قبل 29 عاما وحتى اليوم.