الجمعة 19-04-2024 12:52:10 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

السعار المناطقي وخطاب الكراهية في الجنوب

الأربعاء 07 أغسطس-آب 2019 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

كعادة الجماعات الشعبوية الفاقدة لمشروع حقيقي ذي هوية وخطاب واقعي، يلجأ التيار الانفصالي في الجنوب لأسلوب نضال عبثي يسد به غياب الرؤية ويعالج أزمة الهوية التي يعيشها على مستوى الخطاب والسلوك معًا. وكدليل متواتر على هذا العبث؛ لجوءه لتفعيل النغمة المناطقية ومواصلة شن خطابات كراهية والتحشيد الشعبوي ضد أبناء الشمال بشكل مستمر، اعتقادًا منه أن تلك الشعارات الكارثية يمكنها أن تكون بديلًا لفقدان المشروع وشتات الرؤية التي يعيشها.

وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب -الذي شهدناه في الأيام الأخيرة- ليس بجديد بل هو منهج ثابت في خطاب التيار الانفصالي المتطرف، طيلة سنوات اشتغاله، مع تصاعد لهجته أكثر في الأعوام الأخيرة، إلا أن رائحته ترتفع أكثر بعد كل إخفاق أمني أو استخباراتي يحدث في الجنوب، حيث يتخذ أنصار التيار الانفصالي من أي حدث مناسبة لتصعيد لهجة العداء المنفلت ضد أبناء الشمال، وتكثيف لغة الشحن المناطقي والاستهداف العملي المباشر لكل ما يتعلق بالمواطنين الشماليين في الجنوب.

في هذه الوقفة سنحاول الحديث عن طبيعة الخطاب الكارثي الذي يتخذه أنصار التيار الانفصالي، في سبيل نضالهم من أجل القضية التي يدعون تمثيلها، لجانب ارتدادات ذلك الخطاب ونتائجه الضارة بالقضية الجنوبية، وفي نفس الوقت يعد خدمة مجانية يقدمها التيار الانفصالي لمليشيا الحوثي في الشمال.

 

خطاب "الكراهية" وأزمة الهوية

على طريقة الجماعات الفاشية، وكما أسلفنا، ينتهج أنصار التيار الانفصالي في الجنوب خطابًا مفخخًا بكل صيغ العداوة ومشحونًا بدوافع الثأر والنقمة تجاه "الآخر"، والآخر هنا يتجلى غالبًا في كل ما هو شمالي وله علاقة بالشمال، مصورًا المواطنين الشماليين بأنهم أصل البلاء الذي حل بالجنوب وأن كل مصائب الجنوب بسبب هؤلاء القادمين من الشمال، وهكذا يتم تسطيح المسألة بلغة شعبوية كارثية تترك آثارًا مدمرة في النسيج الاجتماعي وينتج عنها شرعنة لكل أنواع السلب والاعتداء على ممتلكات المواطنين وجعلهم عرضة للقتل، فقط لمجرد أنهم شماليون، وبناء عليه يغدو كل ما يتعلق بهم مستباحًا، بل يعتبرونه عملًا نضاليًا لاسترداد الأرض كما يصوره الخطاب التحريضي الذي يتبناه أنصار التيار الانفصالي كل يوم.

المتابع لطبيعة خطاب ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" يدرك أننا أمام كيان يعاني من أزمة حقيقية تتمثل في تشوّه الرؤية فيما يخص تصوره للقضية الجنوبية وانتهاجه لطريقة عمل عدوانية لا تقتصر على استعداء المواطن الشمالي بل تتعداه لقمع كل مواطن جنوبي لا يتقبل الانخراط في مشروعهم.

وبناء على ذلك التصور الشعبوي، ينتج لنا خطابًا ملغمًا يتخذ من البلطجة أسلوبًا في الدفاع عن قضية الجنوب، لكن الحقيقة أن أكبر ما يضر بقضية الجنوب هم هؤلاء الذين يدعون احتكار تمثيل قضيته وينتهجون أسلوبًا هزليًا صادمًا في طريقة نضالهم، حيث حروب الكراهية هي كل ما يملكون تقديمه للناس، مضللين بذلك على فشلهم في تقديم نموذج نضالي يقنعون به الجماهير ويكسبون ولاءهم دون الحاجة للمتاجرة بالقضية واللجوء للحلقة الأضعف المتمثلة في تحشيد الناس عاطفيًا وتهييج بواعث الثأر والنقمة كما هو ديدن هؤلاء دائمًا.

 

المناطقية كمبرر وجود

بداية، لم تكن القضية الجنوبية يومًا ما إشكالية جغرافية في جوهرها، بقدر ما هي أزمة سياسية نتاج فشل النظام السابق في إدارته للدولة بشكل عام، وهو فشل ترك آثاره شمالا وجنوبًا، وحتى مع كون الجنوب ظل له خصوصيته فيما يتعلق بالآثار السلبية لإدارة الدولة، فإن الأمر في كل الحالات، يظل مشكلة سياسية وحلها يكمن في مشروع سياسي يتبنى قضايا الناس ويقدم حلولا لمشكلاتهم، بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي المناسب لذلك أو الجهة الحاملة للمشروع.

من هذا المنطلق، فإن أي جهة سياسية تحاول اللعب على المسألة المناطقية كجوهر خطاب، أو اتخاذ الإشكالية الجغرافية كمبرر وجودي لها، لن تستطيع إخفاء عورتها المتمثلة في انكشافها أمام الناس، حين يجدونها تستثمر شعارات عامة وبلا أي مضمون حقيقي سوى دغدغة عواطفهم وتعزيز حالة الاستقطاب بينهم، وفي النهاية لن يحصدوا منها سوى المزيد من التيه والشتات، فلا المناطقية حلًا لمشاكلهم ولا إشكالية الجغرافيا تكفي لتكون مبررا وجوديا يعلقون عليها كل فشلهم.

 

تماثل المليشيا شمالًا وجنوبًا وتخادمها

تتشابه المليشيا في طريقة عملها، لدرجة التماثل أحيانًا، والناظر لما قامت به جماعة الحوثي طيلة السنوات الأخيرة ومقارنته بسلوكيات المليشيا الانفصالية في الجنوب، يجد أن الجماعتين تنتهجان أسلوبا متقاربا، ففي حين عمدت جماعة الحوثي لبعث النغمة الطائفية واستخدمتها لتمزيق المجتمع وشن الحروب داخله، بالمقابل نجد المليشيا جنوبًا تستخدم نغمة مماثلة في نتيجتها وإن اختلفت في طبيعتها، ونعني الطبيعة المناطقية بالطبع، والتي تؤدي نفس النتيجة الكارثية للنغمة الطائفية التي تنتهجها المليشيا الانقلابية شمالا.

وأما بخصوص تخادم المليشيا، فقد لاحظنا أن مليشيا المجلس الانتقالي استثمرت القصف الحوثي الأخير لعدن، لتنفيذ أعمال انتقامية ضد أبناء الشمال، وهذا السلوك يصب في صالح مليشيا الحوثي شمالا، حيث إن جزءًا من المواطنين الذين يتعرضون لمظالم في الجنوب، يمكن أن يندفعوا -تحت وقع شعورهم بالظلم- وقودًا محتملة للحوثي في الشمال، وهنا تكمن الخطورة الإضافية للسلوكيات المناطقية المنفلتة التي ترتكبها المليشيا في الجنوب، لتصب في مصلحة نظيرتها في الشمال.

 

الخلاصة

نحن أمام سلوك كارثي تنتهجه جماعات بلا مسؤولية، وفي سبيل تبرير وجودها لا تمانع من العبث بالمجتمع، شمالا وجنوبًا، عن طريق السلوكيات العنصرية المدمرة، وتلك السياسات الشعبوية التي تترك جروحًا عميقة في المجتمع، وهي بالطبع سياسات لن تفض إلى نتيجة سوى مراكمة العدوات وتعميق الشروخ المجتمعية، وقبل هذا وبعده الإضرار بالقضية الجنوبية وإعاقة خلاص أبناء الجنوب والشمال معًا.