الجمعة 29-03-2024 15:07:28 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

إرادة التغيير وإدارة التغيير بين سنن الاجتماع والمهددات.. الحلقة(1): إرادة التغيير وحاكمية سنن الاجتماع

الأربعاء 07 أغسطس-آب 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ أ. عبد العزيز العسالي

  

لا شك ولا ريب أن الربيع العربي قد أحدث هِزةً سياسية اجتماعية ثقافية فكرية دينية على المستويين الداخلي والخارجي.. الربيع العربي أحدث حركة وعي مجتمعي رغم التكالب الذي أحدثته الثورة المضادة.

يكفي الربيع العربي أنه أوجد انقلابا في أهم قضية وهي قضية نقل الخوف من مربع الشعب إلى مربع السلطات. 

هذه النقلة النوعية الهائلة تمثل في نظر المراقبين إحدى السنن الحاكمة في مجال الاجتماع السياسي داخل وجدان ومشاعر الحكومات. هذا الانتقال لا زال يمتلك زخما غير عادي إذا أحسن الشباب توظيفه في سبيل إرادة التغيير وإدارته.

سيقال الربيع العربي أخفق، والجواب: الربيع العربي لم يخفق وإنما تعثر، والتعثر أمر طبيعي في طريق التغيير، بغض النظر عن وجود ثورة مضادة من عدمها.

ولا نريد في هذا المقام إطالة الكلام، وإنما نكتفي بإيراد برهان ساطع كالشمس من بين عشرات البراهين وهو نابليون، الذي انحرف بمسار الثورة الفرنسية من نظام جمهوري إلى إمبراطورية، ولكن نابليون انتهى، والشعب الفرنسي انطلق.

 إذَنْ، الحياة ماضية دون التفات، والذي سيتعامل مع السنن هو الذي سيقود الحياة وإن تعثرت قدماه فإنه سينهض حتما طالما وهو يمتلك رؤية.

 

حاكمية سنن الاجتماع: 

ــ اقتضت حكمة الخلاق العليم الذي خلق وقدر سنن الاجتماع أن تلك السنن تكون في بداياتها خاضعة للمغالبة والتوجيه السليم، والعكس، وبالتالي ستأتي ثمارها جبرية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا... إلخ. ـ سلبا وإيجابا، أي أن النتائج تكون حاكمة جبريا يصعب التغلب عليها إلا بعناء.

نموذج إيجابي: الديمقراطية في أوروبا جاءت بعد كفاح فلاسفة ومفكري المجتمع الأوروبي في سبيلها وقد رافقتها تعثرات ونهوض وها هو المجتع الأوروبي اليوم يمضي في طريق الديمقراطية دون أي تردد، بل لا يمكن للمجتمع الأوروبي أن يترك الديمقراطية كونها أصبحت سنة اجتماع وقيم ثقافية وسياسية حاكمة لا يحوز مخالفتها.

نموذج سلبي: حصل إهمال لسنن الاجتماع في اليمن قبل أربعة عقود في ظروف ساعدت باستمرار إهمال السنن، فأصبحت مقاليد الأمور في يد فردية متسلطة، وها هي النتائج الجبرية المدمرة لم تستثنِ أحدا.

 

إرادة التغيير:

الربيع العربي ـ اليمني قدم ترجمة لما كان يغتلي من احتقان وحنق لدى الوعاة في الشعب اليمني تجاه أوضاعه المتردية بحثا عن إيجاد "إرادة التغيير" لدى عامة الشعب. 

لقد تبلورت إرادة التغيير لدى غالبية الشعب الذي قدم أعظم البراهين على إرادة التغيير متمثلة في:

ــ الصمود الشعبي في الساحات طيلة 313 أسبوعا.

 ــ ها هي تعز لا زالت ساحتها الأبية مستمرة حتى اللحظة.

ــ تقديم التضحيات بسخاء في سبيل إرادة التغيير ولا زال.

ــ وعندما تعرضت إرادة التغيير الشعبي للانقلاب العفاشحوثي على الشرعية السياسية، انطلق الشعب مقاوما حيث انخرط الآلاف مقاومين ثم الالتحاق في صف الجيش الوطني دفاعا عن إرادة الجماهير، مثبتا انتماءه الوطني وولاءه لأمته، متمسكا في إرادته للتغيير ـ رغم العواصف الصفراء أو الغبراء.

ــ هذا الزخم الشعبي يتزايد يوما بعد آخر، الأمر الذي يقول لشباب ثورة 11 فبرائر السلمية: اطمئنوا.. إرادة التغيير كانت ولا زالت وستظل حاضرة في وجدان الشعب وعقله وسلوكه راسخة رسوخ جبل صبر وعيبان ونقم وشمسان.

 

المطلوب من الشباب إدارة التغيير وفق سنن الاجتماع الحاكمة.

إذن، المطلوب من شباب ثورة 11 فبراير السلمية وجوبا وضرورة، أن يضعوا نصب أعينهم المفهوم التالي الذي قاله إنشتاين وهو: "من الجنون تكرار ذات الفعل وانتظار نتيجة مختلفة".

 

نعم ياشباب، تكرار ذات الفعل مثلا قد يكون استمرار الخروج الشعبي السلمي في سبيل التغيير السلمي سواء بنفس زخم 11 فبراير أو أقل، فقد يكون مجديا في بعض القضايا، ولكن إلى متى سيستمر الخروج الشعبي؟

وانطلاقا من مقولة إنشتاين نقول إن الأمر يستدعي وقفة تفكير جاد وفعال في البحث عن وسائل أكثر فاعلية وخفيفة ـ عملا بالآية التي رسمت لنا التعامل مع السنن الاجتماعية الحاكمة:

(يريد الله أن يخفف عنكم ويتوب عليكم...).

(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا).

إذن، ليس هناك وسائل أكثر فاعلية من سنن الاجتماع التي أرشدنا الله إليها بأنها حاكمة ومضطردة، ولا تحابي أحدا، فهي قدر كوني ينقاد لمن تعاطى معه بعقل وحكمة، وانطلاقا من أفق ثقافة العصر ومتطلباته.

إدراة سنن التغيير في ضوء السنن الحاكمة:

الانطلاق إلى امتلاك ناصية

(إدارة التغيير) تتمثل في العودة إلى الشعب.

فالشعب هو الأرضية الصلبة وهو مخزن كل سنن الاجتماع، وهذا يتطلب من شباب 11 فبراير السعي إلى تكوين (كتلة حرجة).

هذه الكتلة يمكن الوصول إليها من خلال وسائل عدة، وسيكون تفعيل مجلس شباب الثورة إحدى الوسائل.

المطلوب كتلة شعبية قوية ينضوي فيها كافة الأطياف والفئات ومنظمات المجتمع المدني، وفق نظام داخلي ورئاسة دورية بين المكونات، وفق انتخابات حرة مباشرة أو اتفاق بين المكونات.

 

مفهوم الكتلة الحرجة:

دول العالم المتقدم توصلت إلى هذه الكتلة الحرجة تحت مسميات مختلفة ـ لوبي، جماعة ضغط، دولة عميقة، جماعة مصالح، ولكل مسمى دلالات تلتقي وتختلف في بعض أهدافها ووسائلها مع المسميات الأخرى.

 باختصار، الكتلة الحرجة لا بد أن تمتلك أقوى أوراق الضغط في سبيل خدمة الشعب اليمني المطحون.

ــ يمكن لهذه الكتلة أن تستفيد من كل المسميات الآنفة الذكر في كل الدول، نظاما ووظائف وأهداف وغايات مع اختيار أفضل الأساليب والوسائل الأكثر فاعلية في واقعنا، ذلك أن لكل مجتمع طموحاته وثقافته.

 

ــ بكلمة، هذه الكتلة لا تخضع لجهة محددة بعينها أبدا، وإنما تنحاز لكل ما هو في مصلحة الشعب فقط.

 ــ يجب على الكتلة الحرجة الاتصال والانفتاح على مكونات المجتمع المدني والبرلمان وكل المكونات الفاعلة والمؤثرة في إدارة التغيير.

 

إقامة معهد:

لا أعتقد أن هنالك صعوبة في طريق إقامة المعهد للدراسات والتدريب وتكوين الشباب، كوننا في عصر اليوتيوب وكل وسائل الاتصال.

 

التركيز على المدخلات الثقافية:

هذا هو الهدف من إقامة معهد للتدريب والدراسات.

تتجه هذه الوسيلة إلى تنفيذ برنامج تثقيفي وتدريبي يستوعب أكبر عدد من الشباب ـ الجنسين، برنامج مدروس ومطور ومركز ومتجدد مواكب للواقع، يرسخ مفاهيم بناء الدولة الحديثة، والقيم الإنسانية الوطنية والحضارية، في ضوء سنن الاجتماع، يستهدف تنمية الوعي بين الجنسين وفق برنامج زمني محدد، على أن يظل المعهد قائما طيلة عقدين يستهدف أعدادا من الرواد الجدد.

 

أهم مدخلات البرنامج:

 

1ــ إعادة الاعتبار للعقل:

إذا أردنا استمرار العطاء الثوري السلمي وخلق حراك ثقافي نهضوي، يجب علينا ضرورة إعادة الاعتبار للعقل من منظور القرآن المقدس، ذلك أن العقل تلقى ضرباتٍ موجعةً جدا، بل ومدمرة أحيانا تحت شعار "التزكية الروحية"، فلا الروح زكى ولا العقل بقى.

بل لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الإنسان هو أقوى من الجن ومن الملائكة بفضل هذه النفخة الربانية التي أرادت للإنسان عمارة الأرض من خلال التفكير العاقل من منظور سنن الله، هكذا أراد الله للإنسان ليكون خليفة في الأرض عامرا لها وصدق الله القائل: (أني أعلم ما لا تعلمون).

 

2ــ إطلاق الحريات:

 الحرية معراج الارتقاء الحضاري، ونحن بما نمتلك من قيم معصومة ذات بعدٍ مقدس، أجزم أننا سنتفوق على الحضارات التي ولدت من رؤية وضعية مادية جعلت الإنسان يعُبُّ من ملذاته ويعيش لها فقط.

صحيح إن الحضارة المعاصرة ارتقت، ولكن لأن قيمها نشأت من الرؤية المادية، فقد اتخذت شعارها السلم داخل حدود بلدي، والدمار خارج حدودي. هذه الثقافة هي عكس القيم الإسلامية التي هي كالمطر أينما وقع نفع، ويجب أن يصل نفعها إلى كبد حراء.. أينما كانت، كما في الحديث النبوي.

 

3ــ تكثيف مفهوم الأنسنة:

نستطيع القول جازمين إن كل ما هو إنساني هو إسلام، وكل ما هو إسلام هو إنساني.

إنه لمن المؤسف حقا أن يقف الليبرالي العربي في حضن المستبد ويدعي أنه مع كرامة الإنسان، والمؤسف أكثر هو أن العقل الإسلامي الذي تنكر للقيم الإنسانية، بحجة أنها قيم مزيفة، حيث حكم عليها من خلال سلوكيات الليبرالي المزيفة تجاه القيم الإنسانية.

فالليبرالي صادر الحريات ليفرض ثقافته الغثة التقليدية، التي تسولها من وراء الحدود دون وعي، فجاءت مصادمة لهوية المجتمع. بالمقابل نجد العقل الإسلامي يرفض الحرية، وهنا سقطت النخبة بشقيها كونها منشطرةٌ ثقافيا وقيميا فكانت خادمة بامتياز للاستبداد والظلم وانتهاك إنسانية الإنسان.

وعليه، فإننا نؤكد أنه لن ينفع تدين بدون الاحترام الواجب دينا وشرعا وقانونا لقيم الحرية والمساواة والعدالة وكرامة الإنسان وحقوقه، وقيم حب النظام وحب الوطن، والتعاون والوحدة، ورفض الفوضى والاستبداد والظلم.

هذه قيم مقدسة المصدر، كما أن وسائل حمايتها وحفظها مقدسة أيضا، ذلك أن هذه 

القيم متصلة بمعين لا ينضب، إنه معين الإيمان المرتكز على التقوى، وكل وسيلة تحمي هذا المعين تأخذ حكم المقدس أيضا.

 ــ كذلك يقال عن التعاطي مع بقية سنن الاجتماع. فهذه القيم كفيلة في ترسيخ حب النظام واحترام الحقوق، والحيلولة دون المساس بممتلكات الدولة والمجتمع، إضافة إلى جانب سنِّ القوانين الرادعة أيضا.

 

4ــ صناعة قيادات:

 مراكز التدريب والبحوث والدراسات:

يجب أن تكون ذات فاعلية معرفية تسعى لإيجاد ثلاثة أنواع من القيادات:

أ / قيادات جماهيرية.

ب / قيادات فكرية، كون الأمة بحاجة إلى عشرة مفكرين وفلاسفة حياة، خير من آلاف الوعاظ. والمتأمل للثورات العالمية الكبرى سيجد أن الذين قادوا الثورات هم معدودون بالأصابع، لكن المجتمع كان أغلبه متعاطفا مع قادة تلكم الثورات.

ج/ الفيلسوف الفقيه:

لقد حان ميلاد الفيلسوف الفقيه حتى يتمكن الفقيه من فهم ما يدور حوله.

 

5ـ القرب من اهتمام المجتمع:

الكتلة الشبابية الصلبة مطلوب منها وجوبا الاطلاع على التجارب الناجحة في الدول، وبالذات التجارب التي لامست هم المواطن بصورة مباشرة، فعلى سبيل المثال في الدول الأوروبية التي ليس لها ثروات نفطية ومنها تركيا.

هذه الدول لم تفعل سوى شيء بسيط وفق دراسات اقتصادية وتخطيط دقيق لإقامة تأمين صحي شامل، وتأمين اجتماعي للمواطن، فكانت النتيجة نهضة اقتصادية جبارة.

الملفت للنظر والأكثر إيجابية هو أن التامين لم يكن جميعا من خزينة الدولة، وإنما هناك شركات وطنية مساهمة، فحصل نمو اقتصادي في تلك الدول في زمن قياسي لم يتعدى 15 عاما.

 

6ــ إسناد التعليم:

نحن أمام جرح متقيح موغل في أعماق اللاوعي، هنا يأتي السؤال الحيوي: ما العمل؟ من أين نبدأ في مجال التعليم؟

الجواب: رغم الدمار الممنهج الذي لحق بالتعليم قرابة 30 عاما ومن ضمنها سنوات الحرب الانقلابية الإجرامية.

أقول رغم هذا الدمار التعليمي القاتل، هناك شيء ممكن عمله وهو أسلوب يتم الأخذ به في كل الدول المتقدمة، هذا الأسلوب هو إسناد التعليم، وبإمكان الكتلة الحصول على أفضل البحوث المتخصصة في هذا الصدد من الداخل والخارج، بل أجزم أن الكتلة ستجد عشرات المتحمسين للعطاء تدريبا للمدرسين والمعلمين على كل جديد.

 

7ــ العناية بالمرأة الريفية:

سكان المجتمع اليمني في الريف يتجاوزون نسبة 67% والمرأة في الريف تمثل نسبة تقريبية تقدر بين 37 ـ 38%.

وهذا يستدعي فقط وضع خطط لمعاهد مهنية متنقلة بين مديريات الريف، وتقديمها إلى الجهات الرسمية والقطاع الخاص، والصندوق الاجتماعي للتنمية.

 

8ــ التنسيق مع الجهات الآنفة الذكر لإقامة سكن جامعي خاص ببنات الريف المتفوقات دراسيا والراغبات في الدراسة الجامعية، وأكثر من هذا وأقل تكلفة هو فتح فروع للكليات متنقلة بين عزل المديريات، وفتح قنوات تلفاز ويوتيوب للجامعات، هذه سنن ذات فاعلية، وهناك تجارب عالمية في هذا المجال ـ نموذج فرنسا ـ كما قرأتها والعهدة على المجلة أن 24 كلية مختلفة تشتغل عبر القنوات، والطالب الذي فاتته محاضرة يمكنه الحصول عليها بسهولة.

 

9ــ لا تفريط بالديمقراطية:

فالديمقراطية هي صورة من صور الحرية التي كرم الله بها الإنسان. فالحرية والديمقراطية هما الذراع الأقوى في حمل كافة الحقوق الإنسانية، والتفريط بهذه الوسيلة السننية يعني إضاعة لكل الحقوق والقيم وسنن الاجتماع الحاكمة.

 

نلتقي إن شاء الله مع الحلقة الثانية بعنوان: مهددات التغيير.