الجمعة 26-04-2024 00:32:40 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مزايدات جوفاء.. لماذا يُتهم الإصلاح بعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلاب؟

السبت 20 يوليو-تموز 2019 الساعة 07 مساءً / الاصلاح نت- خاص- عبد السلام قائد

 

تتهم بعض القوى الانتهازية والبدائية التجمع اليمني للإصلاح بعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلابيين الحوثيين، كما تتهمه بتسليم العديد من المحافظات لهم منذ بدء الانقلاب وتدخل التحالف العربي لمساندة السلطة الشرعية، وغيرها من الاتهامات التي تصب في نفس السياق، ويتم إبرازها إعلاميا وتعمد تكرارها أملا في أن تتحول إلى حقيقة يصدقها أبناء الشعب، بصرف النظر عن علم من يتبنونها ويروجون لها بأنها اتهامات باطلة، لكنهم يفعلون ذلك بدافع الحقد من دور الإصلاح في عرقلة الانقلاب والحرب ضده، وبهدف طمس دوره في الحرب وسجله الوطني في هذه المرحلة، ومحاولة تجريده من شعبيته وقوته الاجتماعية.

لقد كشفت الحرب على الانقلاب في اليمن، وتداعياتها المختلفة، عن الوجوه الحقيقية لدى العديد من القوى والنخب السياسية التي ظلت تتشدق بالوطنية لسنوات عديدة، وعندما حانت ساعة الجد لم يجد الشعب منها سوى الكذب كبضاعة وحيدة تقدمها له، لدرجة أنها لم تتورع عن محاولة تزوير الواقع الذي يراه المواطن أمام عينيه ويعايشه بنفسه، وتقدم قوى الكذب والافتراء نفسها للجمهور في أبشع صور الابتذال السياسي.

 

حقائق واضحة

هناك العديد من الحقائق الواضحة المرتبطة بالحرب على الانقلاب، وإذا صح التعبير فهي تعد من ثوابت الحياة السياسية ومن الثوابت العسكرية التي لا جدال فيها، وجميعها تفند مزاعم عرقلة تجمع الإصلاح للحرب على الانقلاب وتسليمه بعض المحافظات والمواقع للحوثيين، وهذه الحقائق/الثوابت هي:

- أن الإصلاح ليس بيده قرار الحسم العسكري أو غيره، فهذا القرار هو قرار السلطة الشرعية والتحالف العربي، والإصلاح ليس من حقه أن يتصرف عسكريا بعيدا عن قرارات السلطة الشرعية والتحالف العربي حتى ولو في جبهة صغيرة وهامشية.

- الإصلاح مجرد حزب سياسي وقوة اجتماعية، وألقى بثقله السياسي والاجتماعي للتحالف مع السلطة الشرعية والتحالف العربي في الحرب على الانقلاب، وبصفته أيضا أحد مكونات السلطة الشرعية، ولذا فهو ليس دولة بقدر ماهو احد مكوناتها كسائر المكونات الاخرى.

- الإصلاح كحزب سياسي مدني، فإنه لا يمتلك جيوشا وأسلحة دولة، ولا يوجد تحت تصرفه إمكانيات مادية بحجم إمكانيات دولة تخوله لشراء أسلحة حديثة ونوعية والحشد للتجنيد، ومشاركته في الحرب تقتصر على منتسبيه من المدنيين الذين شكلوا اللبنات الأولى للمقاومة الشعبية، ثم التحق بعضهم بصفوف الجيش الوطني وانخرطوا في الحرب على الانقلاب، وفي هذه الحالة فهم يتلقون الأوامر العسكرية من قيادات الجيش ووزارة الدفاع وليس من قبل قيادات الإصلاح.

- لم يثبت بالدليل القاطع، منذ بدء الحرب على الانقلاب وحتى الآن، أن الإصلاح عرقل الحسم العسكري أو سلم مواقع ومحافظات للانقلابيين، بل فالحقيقة الساطعة هي أن الإصلاح أول من شكل مقاومة شعبية في مختلف المحافظات التي وصلها الحوثيون، بعد أن أصدر بيانا شديدة اللهجة ضد الحوثيين حذرهم فيه من تبعات خطواتهم الانقلابية عندما سيطروا على العاصمة صنعاء بتواطؤ وتسهيل من قبل الرئيس الراحل علي صالح، الذي سلم لهم إمكانيات الدولة بأكملها، وسلم لهم نفوذه السياسي والعسكري الذي راكمه طوال 33 سنة في لحظة نزق سياسي وحقد ضد خصومه السياسيين.

 

من يتبنى الاتهامات؟

إذا تأملنا في طبيعة القوى والجماعات والأحزاب التي تتهم الإصلاح بعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلابيين الحوثيين وتسليم بعض المحافظات والمواقع لهم، سنجد أنها إما من القوى وأجنحة بعض الأحزاب التي كانت مساندة للحوثيين في بدء الانقلاب، وتصفهم بـ"الجماعة الفتية"، أو ممن تحالفوا مع الحوثيين سياسيا وعسكريا وكانوا شركاء معهم في السلطة قبل أن يختلفوا على المغانم، أو ممن لم يكن لهم أي دور في الحرب على الانقلاب منذ خمس سنوات وحتى الآن.

وهذا يعني أن من يتهمون الإصلاح بعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلاب مجرد قوى وتيارات انتهازية اعتادت على الابتذال السياسي والمزايدات الجوفاء المستندة إلى أكاذيب واتهامات عارية عن الصحة، وتنتمي هذه القوى والتيارات إلى جهات كانت متواطئة مع الانقلاب أو مساندة له، وهي:

1- أتباع علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، الذين تحالفوا سياسيا وعسكريا مع الحوثيين، وسلموا لهم كل إمكانيات الدولة، قبل أن يختلفوا وتندلع مواجهات محدودة بينهم انتهت سريعا بقتل الحوثيين لحليفهم السابق علي صالح.

2- بعض الإعلاميين والناشطين المنتمين لبعض التيارات النفعية الذين كانوا من أبرز المبشرين بالحوثيين منذ بدء خطواتهم الانقلابية وحتى اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، ثم تواروا عن المشهد السياسي والإعلامي حتى بدأت الاتهامات المختلفة توجه نحو حزب الإصلاح، ليظهروا مجددا وينخرطوا في نفس الزفة.

3- بعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، التي تشكل منها فيما بعد ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، وكانت تربطها قبل وأثناء الانقلاب علاقة وثيقة بإيران، وكانت تصف الحرب التي كانت تدور في عدن بأنها حرب بين قوى شمالية نقلت معركتها إلى عدن وأنه لا دخل لها بها، وكانت تعمل على تثبيط المواطنين عن المشاركة في الحرب.

وبعد أن تحررت عدن وغيرها من مدن الجنوب، وامتلكت هذه الفصائل سلاحا نوعيا وأصبح لديها مليشيات مسلحة، فإنها لم تستخدم ذلك في الحسم العسكري ضد الحوثيين، وإنما وجهت سلاحها نحو المواطنين العزل في عدن وبعض مدن الجنوب، فقتلت عشرات المدنيين وسجنت المئات في معتقلات وسجون سرية، ولم تتحرك حتى لتحرير ما بقي من مناطق جنوبية تحت سيطرة الحوثيين، ومنعت قوات الحماية الرئاسية من المشاركة في الحرب الأخيرة ضد الحوثيين التي شهدتها بعض مديريات محافظة الضالع.

 

دور الإصلاح

من المصادفات الظريفة أن الأطراف التي تتهم الإصلاح اليوم بعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلاب وبالتحالف مع الحوثيين، أنها هي نفس الأطراف التي كانت قبل الانقلاب تصف الحرب الدائرة في محافظة عمران، وقبلها في محافظة حجة، عبر وسائل إعلامها، بأنها حرب بين الإصلاح والحوثيين، واستمر هذا التوصيف للمعارك حتى دخول الحوثيين العاصمة صنعاء والتسريع بخطواتهم الانقلابية.

ورغم أن الحرب التي شهدتها محافظتا حجة وعمران، قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، شارك فيها الكثير من الشرفاء الأحرار من أبناء تلك المحافظتين إلى جانب إخوانهم الإصلاحيين، إلا أن تلك القوى الانتهازية كانت تصر على حصر المعركة بأنها بين الإصلاح والحوثيين فقط، بهدف تحييد بقية التيارات الوطنية والمواطنين الأحرار عن المشاركة فيها إلى جانب الإصلاح، بل فقد كان يتم التحريض ضد الإصلاح بشكل مكشوف، من خلال الادعاء بأن تحركات جماعة الحوثيين كـ"قوة فتية" -كما يصفونها- الهدف منها محاربة الفساد والقضاء على القوى التقليدية، ويقصدون بذلك حزب الإصلاح وبعض الشخصيات الاجتماعية والقبلية المتحالفة معه.

وعندما كانت القوى الانتهازية تهلل لسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء واقتحام مؤسسات الدولة واقتحام ونهب منازل قيادات حزب الإصلاح، وأيضا اقتحام ونهب مقراته ومؤسساته والسيطرة عليها، اتجه الإصلاح لتشكيل مقاومة شعبية في مختلف المحافظات التي وصلتها مليشيات الحوثيين، وتصَدّر الصفوف بعض كبار قادة الإصلاح، مثل علي بدير في محافظة إب، والحسن أبكر في محافظة الجوف، وحمود المخلافي في محافظة تعز، ونايف البكري في محافظة عدن، وغيرهم من قيادات الصف الثاني والثالث في الحزب، الذين حشدوا أعضاء ومنتسبي الحزب، ليشكلوا مقاومة شعبية ضد الانقلاب، وانضم إليها العديد من المستقلين والوطنين الأحرار من مختلف فئات الشعب.

وبعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية بقيادة السعودية، كان حزب الإصلاح أول تيار سياسي يعلن تأييده للتحالف العربي، رغم الترغيب والترهيب الذي مورس ضده من قبل طرفي الانقلاب (علي صالح والحوثيين)، وحشد الحزب أعضاءه من مختلف المحافظات لينخرطوا ضمن صفوف المقاومة الشعبية والجيش الوطني في الحرب ضد الحوثيين، بينما القوى الانتهازية التي تتهمه بعرقلة الحسم العسكري، تجاهلت الحرب على الانقلاب وراحت تطعن الإصلاح في الظهر، من خلال عمليات الاغتيال التي طالت العشرات من قياداته في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها، واختطاف وسجن بعض منتسبيه، واختطاف بعض منتسبيه من الجنود وإعدامهم ودفنهم في مقابر سرية، كما حصل في مدينة تعز.

 

عرقلة الانقلاب

وفي الحقيقة، لقد كان الإصلاح القوة الوحيدة التي عرقلت الانقلاب في بدايته، ولعل هذا ما يفسر هستيريا الانقلابيين العدائية تجاه الحزب، ذلك أن مساهمة الحزب في تشكيل المقاومة الشعبية ضد الانقلاب في بدايته، كسر حاجز الخوف لدى المواطنين، ولفت أنظار الداخل والخارج لخطورة الانقلاب ووحشيته، ولولا عرقلته للانقلاب في بدايته، لنجح الانقلابيون بشكل سريع في السيطرة على كافة أنحاء البلاد، وجعل الداخل والخارج يقبلون بالانقلاب كأمر واقع.

وإذا كان قادة ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي والإعلام التابع لهم أبرز من يتهمون تجمع الإصلاح بعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلاب، فإنهم -في الواقع- يدركون أكثر من غيرهم أن الإصلاح هو من عرقل نجاح الانقلاب منذ بدايته، وأن المقاومة الشعبية التي شكلها الإصلاح في بداية الانقلاب هي من أعاق الوصول السهل لمليشيات الحوثيين إلى مدينة عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية، بفعل معارك إب (يريم والرضمة) ومعارك تعز والبيضاء، وقبلها معارك حجة وعمران والجوف، ويدركون أن الإصلاح كان له الدور الأكبر في تحرير العاصمة المؤقتة عدن، ويدركون أن من يعيق تقدم الحوثيين اليوم نحو الجنوب هو الجيش الوطني والمقاومة الشعبية المرابطون في محافظتي مأرب وتعز وأطراف محافظتي الضالع وإب، ولولا ذلك لكانت المعارك الآن تدور في عدة محافظات جنوبية.

وأخيرا، رغم المساوئ الكبيرة للحرب وتداعياتها الكارثية على النسيج الاجتماعي والاقتصاد الوطني والأوضاع المعيشية للمواطنين، لكن لا شك أن لها بعض المحاسن، لعل من أهمها أنها أعادت فرز مختلف القوى، وأبانت كل جماعة وتيار وحزب على حقيقته، وهذا الأمر سيسهل على المواطنين تصنيف مختلف القوى اليمنية وفقا للولاء للوطن والتضحية لأجله والوفاء للمكتسبات الوطنية التي جاءت كنتيجة لنضال الآباء والأجداد ضد الحكم الإمامي الكهنوتي الفاسد والاحتلال الأجنبي.