الخميس 25-04-2024 10:15:09 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الوجع اليمني.. فساد الانتماء الوطني .. مقاتل الانتماء الوطني (2-3)

الثلاثاء 16 يوليو-تموز 2019 الساعة 04 مساءً / الاصلاح نت- خاص- عبدالعزيز العسالي

 

توصلنا نهاية الحلقة الأولى إلى استعراض سريع لجذور الوجع اليمني. باختصار، تمخضت الفوضى الخلاقة وكان المولود "قوة جاهلة"، تفردت بدفة إدارة البلد. أما حقيقة القوة الجاهلة فهي مصنع للفساد السياسي أولا، والمصدر الوحيد لإفساد الانتماء الوطني.

بواكير الفساد السياسي التي مورست من اللحظة الأولى، جسدها بيت شعري للبردوني، رحمه الله، بشكل موجز وكثيف، بل وفلسفة عميقة هتكت الأستار وكشفت نوايا القوة الجاهلة فقال:

رأى الثورات غلطة كل شعبٍ
فنصّب كل قتّال يصحح

البيت من قصيدة توابيت الهزيع الثالث. هل القارئ بحاجة لتذكيره ببيت الشعر لشاعرنا في الحلقة السابقة:

بأيديها توابيت
وخلف قذا لها فانوس؟

لا شك أن مرآة الشاعر عكست حقيقة الواقع المنحوس بجلاء. إذن، القتل الحقيقي والقتل المعنوي كلاهما تجسد وفُرِض بقوة القرار، وقد رسمت خارطة مقاتل الانتماء الوطني بعناية، وفق أولويات إفسادية واضحة الخُطى، سنشير إليها بشكل حُزمٍ وكل حزمة تتضمن عدداً من وسائل قتل الانتماء الوطني على النحو التالي:

المقتل الأول: إفساد العقيدة العسكرية في مؤسستي الجيش والأمن

كانت هذه الخطوة الأولى في إفساد عقيدة المؤسستين العسكرية والأمنية، وهذا لا يعني تحويل مسار هدف هاتين المؤسستين فحسب، وإنما تحولت المؤسستان إلى معمل إنتاج لوسائل إفساد الانتماء الوطني، وهذا سيتضح جليا في الحلقة الثالثة بعونه سبحانه.

لقد كان الفساد المالي أخطر الوسائل التي جذبت الكثير من لاعقي الأحذية وملمعيها، فتحولت مؤسستا الجيش والأمن إلى مستنقع كريه ومعمل خسيس استهدف إفساد الانتماء الوطني.

تعددت مصادر الإفساد المالي بين تزوير أعداد هائلة من أسماء المنتسبين إلى المؤسستين، وممارسة التجارة، وحماية تهريب البضائع، وتخليص بضائع التجار من الرسوم الجمركية، وكذا السطو على قطاع أراضي الدولة والمواطنين، ناهيك عن التجنيد بالانتساب وحصول الجندي على التافه بحيث يبحث عن عمل آخر.

والحصاد هو أن عائدات الحصاد بين 80 الى90% تتجه مركزيا إلى ولي النعمة، والنتيجة هي: تشتيت انتماء منتسبي المؤسستين بين القائد المباشر والشيخ والواسطة ومسؤول الصندوق.

اتسعت خطط القائمين على المؤسستين في جانب الفساد المالي. وحسب تصريح وزير أمني لوكالة دولية، فإن عشرات الأطنان من المخدرات تعبر من اليمن إلى دول الجوار. وأضاف الوزير أنه تلقى أوامر مذلة غير خطية بمنح عشرات ممن سبق ذكرهم جوازات دبلوماسية وتعيينهم مستشارين في وزارته.

لا يعني هذا أننا نعمم ما سبق على كل منتسبي الموسستين، حاشا، ما نريد قوله في أقل الأحوال هو خذلان الانتماء وخلخلته إن لم يكن إفساده بالكلية.

أعداد غير قليلة من المجندين يأخذهم الشيخ مرافقين ويعودون للقرى يسرقون ممتلكات المواطنين ولم يستطع أحد الاعتراض.

الشيخ وقيادة حزب الحاكم يقومون بتنسيب الأشرار ذوي السوابق في مؤسستي الجيش والأمن دون إعلان، والبحث الجنائي والنيابة تتابعهم أمنيا، فإذا تم اعتقالهم تأتي أوامر عليا بإطلاقهم ويفاجأ المواطن يوم الانتخابات بغرمائه أنهم لجنة أمنية تحمي الديمقراطية.

هناك مشايخ لديهم جنود يسجلونهم في أكثر من جهة ويتسلمون مستحقات وعتاد و... إلخ، ويوم اللجان المالية يدفع لهم راتب شهر من جهة واحدة.

سأمسك عنان القلم تاركا خيال القارئ يتصور انعكاسات ما سبق على مبدأ الانتماء الوطني.

تلك هي الحزمة الأولى من حزم مقاتل الانتماء الوطني.

المقتل الثاني: إفساد التعليم

هذه الخطوة الإجرامية الثانية هي الأكثر خطورة من سابقتها لأنها ستثمر جيلا قادما، والحقيقة أن اللغة لم تسعف الكاتب وقبل ذلك المقام لا يتسع ولكن سأكتفي باستبيان علمي عالي الدرجة استهدف قرابة ألف شخصية من كبار السن وحملة شهادات الجامعة حول الوعي الوطني والثقافة الديمقراطية، والنتيجة مفزعة جدا، ذلك أن التحلي بالقيم الوطنية لدى الآباء كانت عالية جدا فاقت 65% من مجموع الآباء، والعكس عند حملة الشهادات فقد جاءت نسبة القيم الوطنية متدنية جدا دون 34%.

طبعا الاستبيان أحيانا يكون مضللا، ولكن إذا افترضنا رفع نسبة المتعلمين وانخفاض العكس، ستبقى النسبة مفزعة لأنها تعكس مخرجات التعليم.

المقتل الثالث: مجال القضاء والنيابة

فوجئ الوسط القضائي بكوتا عسكرية من مؤسسة الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية والمخابرات المركزية ذات الميداليات الذهبية بأنها تحمل شهادات عليا في مجال القضاء والنيابة والجامعات.

ذلك أنه كانت هنالك فكرة من قضاة ذوي انتماء وطني يريدون الابتعاد بالسلك القضائي إلى حد ما وفقا للتوجه المعلن بأننا في ظل دولة المؤسسات، الأمر الذي يعني تكوين نادٍ قضائي يسهم في اختيار القضاة، فكانت المفاجأة كوتا قضائية مخابراتية.. تحت هذا المقتل حزمة من المقاتل.

وكبرهان سريع، الحكم الصادر بالأمس بإعدام ثلاثين إعلاميا وناشطا وحامل درجة دكتوراه.

المقتل الرابع: الجهاز الإداري

في منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، سمع المجتمع بتخرج دفعة علوم شرطة سيتسلمون مدراء عموم مديريات، وتم تعييين البعض منهم، ثم إن القليل جدا منهم باقون في أعمالهم مقابل ولائهم للفساد.

عدد كثير تم تعيينهم، وبعد عام تم استبدالهم بمشايخ قبائل، تكرمة عليا ومنحة للقبيلة. والفريق الثالث لم يتسلموا أي عمل حتى اللحظة. ومنحة أٌخرى كسيحة كانت في قانون الانتخابات المحلية، حيث نص القانون الديمقراطي أن مدراء المديريات وأمناء العموم والمحافظين وأمناء المحافظات يكون تعيينهم ديمقراطيا بأمر عال حفاظا على الوطن، نعم حفاظا على الانتماء الوطني.

المقتل الخامس: قطاع المشاريع الحكومية

إعطاء الموازنة العامة لكل وزارة بما فيها المشاريع التابعة لكل وزارة، لكن بعد إقرار الموازنة يتم الهجوم من أعلى، ونهب الموازنة باستثناء باب الرواتب، ويتم ترحيل المشاريع هكذا سنويا.

عفوا، بل فقد شهد العقد الأخير من الفساد السياسي أنه يتم مصادرة الموازنة كلها بما فيها الرواتب ثم اعتماد موازنة إضافية نهاية العام تتجاوز نصف الموازنة العامة.

المقتل السادس: تمزيق النسيج المجتمعي

تعددت وسائل تدمير النسيج المجتمعي، ولا أريد الإطالة، فقط أقول إن مركز بحوث قام بدراسة ميدانية على مستوى الجمهورية، فوجد أن الفساد السياسي يأمر مؤسستي الجيش والأمن بتموين القبائل وأشعل 483 حربا داخل المجتمع، لماذا؟ الجواب معروف: حفاظا على الوطن من أعداء الثورة وترسيخا للانتماء الوطني.

المقتل السابع: قطاع النفط والغاز والمعادن

الكل يعلم أين ذهب الغاز اليمني، والكل يعلم كم هي الجرعات فوق الغاز والنفط حتى بات المواطن يغني "سراجي جاب لي محنة". فرحة المواطن بأن بلده ينتج الطاقة لكنها انقلبت محنة جرعات كل يوم.

المقتل الثامن: شركة الطيران

ترسيخا للانتماء الوطني، وصل الحال إلى إحراق مبنى شركة الطيران إخفاءً لنهب عائدات 27 عاما. المهم هنا أن الإحراق الآنف جاء حماية لليمن من الإصابة بالعين، حسب تصريح لأحد موظفي مكتب الطيران، قائلا: "كان الحسد محدقا باليمن فتصرف الوطنيون بحنكة عالية".

المقتل التاسع: وزراء ورؤساء مصالح إيرادية بلا مؤهلات

شخصيات ليس لديها أية مؤهلات تسلمت وزارات ذات شأن دولي ومحلي، وأيضا شخصيات أخرى إحداها لديها ثانوية عامة تسلمت رئاسة مصلحة إيرادية من العيار الثقيل، لكن الحقيقة أن هذه الشخصيات امتلكت مؤهلات انتماء وطني متقدم.. انتماء وطني يتجاوز المؤهل إلى درجة 27 مليار ريال يصرفها هذا المؤهل في دقيقة. أليست هذه مؤهلات تشجع حملة الشهادات العليا المتسكعين في الشوارع على...؟!

وحفاظا على الصحة وموارد الدولة، ففي عام 2008 وصلت الشكوى من الحكومة بأن التهرب الجمركي خلال 8 أشهر بلغ 217 مليار ريال فقط.

أجزم أن الكثير يتذكرون حادث إبرتي علاج للحمى مهربتين، الأولى كانت حظ وزير ومستشار أول للفساد، فظل عاما كاملا يتعالج بألمانيا، وبلغت تكلفة علاجه قليل جدا (500 مليون ريال فقط) ومن الخزينة، كان ذلك يوم كان رئيسا للحكومة، وقد حضر ندوة جمعية حماية المستهلك بشأن مكافحة التهريب، فصرح: "نحن عاجزون وأنا ضحية إبرة وها هو جلدي يهترئ".

بوركت ياسامري اليمن، قل لا مساس مسك الله بضر. لماذا عاجزة يا حكومة؟ المهربون أكثر نفوذا جيشا وأمنا.

الإبرة الثانية كانت من حظ رئيس الحكومة التالية لحكومة السامري، فدخل في غيبوبة وما إن أفاق حتى بادرته الاستخبارات بالقرار الناجع لاسئصال فساد الانتماء الوطني المتمثل في إغلاق الجامعات الخاصة فهي سبب التهريب.

الجدير ذكره أن الحرص على الموارد بلغ بعد 2006 الذروة، فقد كانت جمعيتا الصالح وكنعان تفرضان على التجار دفع الزكاة إليهما، وإنهما سترفعان كل من استجاب في كشف إعفاء من الجمارك، كون الجمعيتين هما من طرف ولي الأمر، والدستور الإسلامي نص أن الزكاة تسلم لولي الأمر.

المقتل العاشر: الوقوف المباشر ضد المواطن

قضية تهجير أبناء الجعاشن لم ولن ينساها إلا من أعمى الله بصيرته، وتهجير قبيلة أخرى من محافظة إب أيضا هجرها قادة عسكريون من أبناء عمومة المهجرين إلى مقبرة في الضالع بين الأفاعي.

الفساد السياسي تلذذ جدا بإجرام الشيخ الفاسد تجاه المواطنين الأبرياء ولم يفعل شيئا.

إن وطنا لم تصن فيه كرامة المواطن هكذا بهذا الموقف الفج الذي علمه الداخل والخارج، يا ترى ما هي انعكاسات هذه على الانتماء الوطني؟

المقتل الحادي عشر: إنتاج الإرهاب

في مقابلة صحفية مع صحيفة المصدر، صرح خالد عبد النبي (قاعدة) أن رأس النظام خان العهد وأصبح ينتج قاعدة من داخله، مؤكدا يومها تخرُّج 260 عنصرا من القصر الجمهوري، شباب غير مؤهل لمعرفة القاعدة وأهدافها وإنما طلاب رتب، حسب كلام عبد النبي.

غير أن القوة الجاهلة صرحت مرارا بأنها لا تملك إلا هذا الخط حفاظا على الوطن من التخريب، وأن الأيام ستثبت مصداقية هذا التوجه (الحُزَمُ القاتلة).

أكتفي بهذه الحُزم، وإلى لقاء مع الآثار التدميرية.