السبت 04-05-2024 19:00:53 م : 25 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

أزمة الولاء للدولة.. شرعيون في خدمة المليشيا !

الثلاثاء 09 يوليو-تموز 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت- خاص

 

الكل يتشدق بولائه لفكرة الدولة، ولا يوجد فصيل أو تيار أو جهة يصرح برفضه لمشروع الدولة أو مناهضته لها على المستوى النظري؛ لكن المشكلة تكمن دومًا حين ننتقل من فكرة الولاء النظري إلى واقع التطبيق العملي والسلوك السياسي الواقعي تجاه مشروع الدولة، عند هذه النقطة يكمن الامتحان العملي الذي يسقط أمامه الكثير.

فما بين نظرية الولاء للدولة والتطبيق الحقيقي لها، ثمة فجوة تتحكم بها عوامل كثيرة، وبالطبع، ليس من بينها صدق الولاء للفكرة، وهنا تتكشف لنا هشاشة إيمان هذه الأطراف أو تلك بما تقول وتناقضها بين الشعارات المرفوعة والسلوك المعكوس.

في هذه الوقفة سنحاول الحديث عن طبيعة الزيف الذي يعتري بعض النخب والتيارات تجاه فكرة الدولة وأزمة الولاء الفاضحة إزاء مشروعها، مستشهدين بنماذج لمواقفهم تجاه أحداث معينة، وقعت مؤخرًا، أو حتى نماذج سابقة تصب في نفس الاتجاه.

_إشكالية الولاء المزيف لفكرة الدولة

لعل أكبر مشكلة تعاني منها بعض النخب اليمنية تتعلق بزيف ولائهم لمفهوم الدولة، أو ربما تشوه فكرة الدولة من جذورها، لدرجة عدم وجود ملامح حقيقية ضابطة لهذا المفهوم في ذهنية تلك النخب، وطغيان المفهوم البدائي المتوارث عن الدولة وليس المفهوم المستند لأساس معرفي مجرد، ومن هنا،كما نعتقد، يأتي جذر المشاكل جميعها.

ففكرة الدولة بالمفهوم السياسي والقانوني الحديث لها، وبما يستتبعه المفهوم من لوازم ثابتة تتعلق بالمؤسساتية كشرط أساسي لتجسيد مفهوم الدولة، هي الفكرة الغائبة أو المغيبة عن سلوك هذه النخب، وبناء على هذا نلاحظ مواقف سياسية يتبناها البعض بخفة وتصب في اتجاه طاعن لفكرة الدولة. ولعل مواقف البعض من أحداث مأرب الأخيرة أقرب شاهد على زيف ولائهم لمفهوم الدولة.

_كارثة مساواة الدولة بالمليشيا

من الطبيعي جدا لدى أي تيار يعاني من خراب في مفهومه السياسي للدولة، أو عطل في ضميره الوطني، أن تكون مواقفه ضبابية حين يتعلق الأمر بأحداث معينة تشتبك فيها الدولة مع جهات مخلة بالقانون، فعند أحداث كهذه، تطل علينا تيارات وشخصيات محسوبة على الشرعية، وتصنف كتيارات مدنية تناضل لأجل فكرة الدولة؛ لكنها تتخذ مواقف صادمة تجاه ما تدعي أنها تناضل من أجله.

والصدمة هنا ليس في خذلان موقفها لمشروع الدولة، بل أكثر من ذلك تواطؤها مع المليشيا أو الخارجين عن القانون، وذلك بتحريف طابع المعركة لدرجة مساواة الدولة بهم وتصوير المعركة على أنها بين طرفين غير قانونيين، وهنا تكمن النتيجة الكارثية التي تمثلها مواقف هذه التيارات، ولكم في أحداث مأرب والزوبعة التي أثيرت حولها مثال حيّ على ذلك.

وأما النتيجة المتوخاة فليست نتيجة عارضة بل رغبة مقصودة من هذه الجهات، بتعويم المعركة وتشويش طابعها الحقيقي، وذلك لأغراض سياسية لئيمة لا تجد مانعًا من تدمير الحاضن الوطني العام للمجتمع متمثلًا في فكرة الدولة كإطار ناظم للجميع. سلوك كهذا هو ذروة الحمق السياسي ومنتهى العبث، تمارسه جهات معروفة بكل خفة وطيش ودونما اكتراث لمصالح الناس ومستقبلهم الحالم بدولة.

_العداوات المنفلتة وخطرها على مشروع الدولة

قد يكون لديك حساسية ما تجاه سلطة بعينها، وبصرف النظر عن منطقية هذه الحساسية أو انتفاء دوافعها، ففي الحالتين لا يجوز أن تكون حساسيتك هذه مبررا لتواطؤك ضد الدولة، موقف كهذا يعد جريمة تجردك من صفتك القانونية كونك أصبحت تمثل خطرًا على الدولة ولم يعد موقفك محصورا في معارضتك للسلطة وانتقادك لسياساتها، بل تعدى ذلك لاستهداف مؤسسات الدولة، وهنا تكمن خطورة الصراع المنفلت دونما محددات ضابطة له.

هذا الأمر ينطبق على واقعنا المعاش اليوم، إذ لم تعد مواقف بعض التيارات والجهات تتمثل في معارضتهم السياسية لجهة معينة، بل اختلط عليهم الأمر لدرجة اتخاذ مواقف عدائية تجاه الدولة.

وكي يزول التشويش الذي يحاولون تصديره، فإن سلطة الدولة التي يعارضونها في مأرب وغيرها، بذرائع اوهى من بيت العنكبوت، هي سلطة عامة(شرعية) تمثل كافة شرائح المجتمع، ولا يمكن احتسابها على طرف دون الآخر، كما أن أي تهديد يمكن أن تتعرض له هذه السلطة الشرعية هو تهديد لمجتمع كامل يضم في داخله كل فئات الشعب، وبالتالي فلا أحد له مصلحة في إضعاف قبضة هذه السلطة إلا اعداؤها، وبالمقابل لا أحد مستفيد من دعم الخارجين على القانون إلا أولئك المتضررين من بسط الشرعية وسلطة الدولة على ترابها الوطني.

من هذا المنطلق يتوجب علينا التفريق بين حدود الصراع السياسي والصراع المتجاوز لهذه الحدود لدرجة النيل من الثوابت الوطنية، كالجيش والأمن والسلطات الإدارية القائمة عليهما، وصولا لنخر هذه المؤسسات وبتر الساق التي يقف عليها الوطن ويتوكأ عليها الشعب، وعندها لن يكون أحد بمنأى عن الضرر، كما لن تكون الخسارة من نصيب طرف واحد، بل سنهوي جميعًا، وتلك هي نتيجة الصراعات المنفلتة دونما سقف ولا أرضية ثابتة، وهو ما نعانيه اليوم في بلادنا ويضاعف من تيهنا وشتاتنا الطويل داخل سقف الوطن الواحد.

كلمات دالّة

#اليمن