الجمعة 19-04-2024 06:08:35 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

السيناريو الأسوأ.. ماذا سيحدث في حال انفصل جنوب اليمن؟

الجمعة 21 يونيو-حزيران 2019 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت-خاص-عبد السلام قائد

  

يرى بعض المطالبين بانفصال جنوب اليمن وعودة الأوضاع إلى ما قبل عام 1990، بأن الانفصال يمثل حلا للتخلص من الأزمات المترتبة على استمرار الوحدة بين شطري اليمن، رغم أن مطالب الانفصال ظهرت في البداية كرد فعل على استغلال الرئيس الراحل علي عبد الله صالح للوحدة وتسخيرها لصالحه، بعد إحالته للكثير من الموظفين الجنوبيين مدنيين وعسكريين إلى التقاعد بعد حرب صيف 1994 الأهلية، ونهبه هو والمقربين منه لبعض أراضي الجنوب التي كانت مؤممة من قِبَل النظام الحاكم في الجنوب قبل الوحدة.

لكن المظالم التي تسبب بها علي صالح ونظامه للجنوبيين بتسخيره الوحدة لصالحه، انتهت بعد تركه للسلطة تحت ضغط ثورة 11 فبراير 2011 والتسوية السياسية التي جاءت بها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو ما يعني زوال كل تلك المظالم، لأن المتغيرات التي جاءت بها ثورة 11 فبراير 2011، كان أولها إزالة المظالم التي لحقت بالجنوبيين من قبل علي صالح ونظامه، وبالتالي زوال كل المبررات التي كانت تشكل دافعا لمطالب الانفصال.

ونظرا للمتغيرات الجديدة التي طرأت على المشهد السياسي اليمني بعد الانقلاب، وطرأت أيضا على أزمات الإقليم، يمكننا الجزم بأن الانفصال في بيئة سياسية مضطربة يمثل مفتاحا لأزمات جديدة وغير متوقعة، ستلقي بظلالها السلبية على شطري البلاد وعلى استقرار المنطقة والأمن القومي الخليجي والعربي بشكل عام، في وقت تناهض فيه معظم دول العالم أي حركات انفصالية في العالم، خشية من تمددها وتأثيرها على استقرار بلدان أو أقاليم توجد فيها نزعات انفصالية، وهو ما ظهر جليا قبل سنوات قليلة من رفض إقليمي ودولي لمحاولات انفصالية تبناها الأكراد في العراق وإقليم كتالونيا في إسبانيا.

- السيناريو الأسوأ

حتى الآن، لا يوجد أي توجه إقليمي أو دولي يدعو لانفصال جنوب اليمن صراحة، فجميع الدول الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي اليمني تؤكد مرارا على دعمها للوحدة اليمنية. فضلا عن ذلك، فإن مطالب انفصال جنوب اليمن لا تحظى بالإجماع من قبل جميع القوى والفئات المؤثرة والفاعلة في المحافظات الجنوبية، والتي يؤيد معظمها فكرة الأقاليم الفيدرالية مع استمرار الوحدة، لضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة، وعدم هيمنة فئة محددة، سياسية أو اجتماعية أو غيرها، على السلطة والثروة، سواء في حال استمرار الوحدة أو العودة للانفصال.

لكن لا يعني ذلك زوال خطر الانفصال تماما عن اليمن والمنطقة، فهناك فئات جنوبية ما زالت ترفع مطالب الانفصال، وهناك قوى لديها مليشيات مسلحة وتهدد بالانقلاب على السلطة الشرعية وإعلان الانفصال، ومن أجل ذلك فهي لا تمانع من تلقي الدعم الخارجي وتنفيذ أجندة الدول الداعمة لها، وهو ما حصل في بداية الحرب على الانقلاب في عدن، عندما تواطأت بعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي مع سيطرة الحوثيين على عدن، وكانت تصف الحرب هناك بأنها بين قوى شمالية نقلت معركتها إلى عدن وأنه لا دخل للجنوبيين بها، علما بأن تلك الفصائل كانت تتلقى حتى ذلك الحين الدعم من إيران، وتتصرف وفقا لما يُملى عليها من ملالي طهران، والانفصال بحد ذاته يمثل خدمة كبيرة لإيران، كونه يأتي في سياق مشروعها التخريبي في المنطقة.

نخلص مما سبق إلى أن الانفصال يظل أضعف السيناريوهات احتمالا وأسوأها في نفس الوقت، فهو أضعفها لأنه لا يحظى بالإجماع المحلي والإقليمي والدولي، وأسوأها نظرا لما سيترتب عليه من أزمات جديدة وثغرات أمنية خطيرة ستظل تنخر في جدار الأمن القومي الخليجي والعربي، وعودة الصراعات البينية داخل كل شطر التي ستحركها الثارات التاريخية، وبالتالي ظهور بؤر توتر مزمنة تنهك اليمن بشطريه ودول الجوار بشكل عام، خاصة أن أزمات الإقليم اعترتها ظواهر سياسية طارئة وغير مألوفة ولا يمكن التقليل من خطرها، مثل الحروب بالوكالة، وظهور تحالفات طائفية وعنصرية عابرة للدول والقوميات، وأيضا ظهور جماعات إرهابية متنقلة ولها قدرة فائقة على التخفي والانتشار والنمو في مناطق الصراعات، بالإضافة إلى اضطراب العلاقات الدولية وتحولاتها، وعدم الثقة بين الحلفاء والتخلي عن مقتضيات التحالف.

مع العلم بأن معظم الأزمات والحروب الأهلية اليمنية، منذ عهد الممالك اليمنية القديمة، مرورا بالدويلات اليمنية التي انفصلت عن الخلافة الأموية والعباسية ثم العثمانية، وحتى عشية الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، كان سببها التمزق والانقسام وعدم قيام دولة مركزية واحدة قوية تضع حدا للانقسام والحروب الأهلية وتحقق الأمن والاستقرار والرفاه المعيشي، ولذا فإن عودة الانفصال في بيئة سياسية محلية وإقليمية مضطربة، يعني عودة صراعات الماضي بأسوأ صورها، بفعل احتمالات التدخل الخارجي، إيران تحديدا، بغية التخريب والتدمير وتحقيق حلمها التاريخي بالثأر من العرب وتدميرهم انتقاما منهم كونهم دمروا الإمبراطورية الفارسية في عصر الفتوحات الإسلامية عندما كانت في أوج قوتها وتوسعها.

- ماذا سيحدث؟

وفي حال انفصل جنوب اليمن، كأمر واقع، سواء كان بتأييد ودعم خارجي أو بدونه، فإن ذلك سيمثل أسوأ كارثة ستلحق باليمن وبالأمن القومي الخليجي والعربي بشكل عام وبأهم منطقة حيوية مهمة بالنسبة للعالم، كونها المصدر الرئيسي للطاقة ومن خلالها تمر أهم طرق التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط، نظرا لما سيترتب على الانفصال من تداعيات، سنوجزها فيما يلي:

- اضطراب سياسي واجتماعي داخل الشطر الجنوبي، بسبب عودة الثارات التاريخية الناجمة عن الصراعات القبلية والمناطقية التي ظهرت كنتيجة لفشل النظام الحاكم في الجنوب قبل الوحدة في إدارة الدولة، وكانت أحداث 13 يناير 1986 ذروة تلك الصراعات، ولم تنجح شعارات التصالح والتسامح، التي بدأت منذ العام 2007، في ردم الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة عليها حتى الآن.

- الانفصال سيجعل من الحوثيين قوة مذهبية واجتماعية كبيرة في الشمال، بعد أن كانوا فئة صغيرة في اليمن الكبير والموحد، وهو ما يعني تعاظم دورهم وهيمنتهم، وتقديم دولة بأكملها لإيران على طبق من ذهب لم تكن تحلم بها ويديرها الحوثيون، وستتحول هذه الدولة مع مرور الزمن إلى أخطر قنبلة تهدد العالم العربي بأكمله وليس دول الخليج فقط.

- الاضطرابات التي ستظهر في الشمال وفي الجنوب بسبب الانفصال، سيترتب عليها ظهور الكثير من الفئات المتصارعة، كنتيجة لتقزيم الصراعات التي كانت تدور في رحاب اليمن الكبير والموحد، وهو ما يعني تعدد الثغرات التي ستُمكن إيران من تحقيق اختراقات خطيرة في الجسد اليمني، واستقطاب عدة قوى ودعمها، وبالأخير توحيدها تحت لافتة المشروع الإيراني الذي يهدد اليمن ودول الجوار بشكل عام، وتحويل المنطقة إلى حمام دم وأزمات معقدة يصعب حلها والسيطرة على الوضع.

- الصراعات البينية التي ستظهر داخل كل شطر، والصراعات التي ستظهر بين الشطرين، ستستنزف كل موارد البلاد بشطريها، وهي موارد محدودة أصلا، لدرجة أنها لن تغطي تكاليف الصراعات، وهو ما يعني إفساح المجال بكثافة للمال السياسي الأجنبي وللسلاح الذي سيكون في خدمة الأطراف الداعمة من جانب، وظهور الفقر والجوع في أوساط المواطنين بنسب كبيرة من جانب آخر، مما سيوفر بيئة خصبة للجماعات الإرهابية للسيطرة والانتشار، خاصة تنظيم "داعش"، الذي يبحث عن أرض بديلة بتضاريس صعبة ودولة غائبة ومجتمع منقسم وفقير وهش غير قادر على مقاومته، بعد هزائمه المتلاحقة في سوريا والعراق.

وهكذا يتضح حجم المخاطر التي يشكلها انفصال جنوب اليمن في حال حدوثه، والأمر هنا ليس فيه تهويل، ولكنه استقراء لأحداث الماضي والحاضر وبناء التوقعات عليها، ولنا في التاريخ القريب عبر، فقبل تحقيق الوحدة الوطنية بسنوات قليلة، حدثت حربان شطريتان، وأزمة خطيرة عرفت بأحداث المناطق الوسطى، وحروب بينية وأزمات داخل كل شطر، واغتيال رؤساء وانقلابات عسكرية. وبتحقيق الوحدة عام 1990، اختفت كل تلك الصراعات، أما الصراعات التي ظهرت بعد ذلك فإن سببها أخطاء النظام الحاكم فقط وآخرها الانقلاب، وبزواله وانتهاء الانقلاب ستعود حالة الاستقرار التي حققتها الوحدة، وبالعودة للانفصال ستعود صراعات ما قبل الوحدة بأسوأ أشكالها، وستمتد آثارها لتشمل دول الإقليم بشكل عام.