الجمعة 29-03-2024 14:44:15 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مناهضة الإصلاح.. الظاهرة السياسية المحيّرة

الجمعة 14 يونيو-حزيران 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص - محمد المياحي

 

 

يمكن لأي ناقد متجرد أن يدرك بسهولة وجود حالة تشبه الظاهرة السياسية الملغزة فيما يخص موضوع "مناهضة الإصلاح"، وهي ظاهرة قديمة ومتجددة لها جذورها التأريخية ودوافعها النفسية، للدرجة التي تجعل منها ظاهرة لافتة وتختلف كثيرًا عن كل مظاهر النقد السياسي الذي تتعرض له أي قوة سياسية أخرى في سياق التعدد والاختلاف الطبيعي داخل الفضاء العام.

 

* تجليات الظاهرة

كثيرة هي الأحزاب والقوى والحركات السياسية والاجتماعية المنخرطة في العمل العام، ومن الطبيعي أن تتعرض أي جهة من هذه الجهات للتناول الإعلامي بشكل دائم وحول قضايا كثيرة، بحكم عملها، إلا أن ما هو ملاحظ في الحياة السياسية اليمنية أن طبيعة التناول الإعلامي ليست ذات طابع موحد تجاه جميع القوى العاملة في الشأن العام.

فحين يتعلق الأمر بأي سلوك لحزب الإصلاح من قريب أو بعيد، يتحول الفضاء العام لحالة من الهيجان المخيف والخلط المتعمد بين مختلف القضايا، ثم يتحول الأمر لحفلة ممتدة من الجدل المفتوح حتى لو كان الموضوع يتعلق بشائعة فاضحة. وعلى الجهة المقابلة نجد الأمر مختلف، فعادة ما تتخذ التناولات الإعلامية لبقية القوى طابعا اعتياديا ومحصورا في نطاق القضية المثارة دونما تشعيبات مغرّضة أو نقمة متعمدة كما هو حال تناولاتهم لكل ما يخص حزب الإصلاح.

ولعل القضية التي فُجّرت موخرًا بخصوص مأرب وقصة ربط فرع بنكها المركزي بالبنك الرئيسي بعدن خير مؤشر على هذه الظاهرة السياسية المتكررة، حيث لاحظ الجميع كيف أخذت القضية منحى آخر يتمثل في استهداف حزب الإصلاح، في حالة من الخلط المتعمد بين قضايا تخص أمور الدولة وكيف يتم توظيفها بشكل فوري للنيل من حزب، هو منطقيّا لا علاقة له بالقضية، حتى وإن كان أحد مسؤولي الدولة الذين يشكلون طرفًا في القضية ينتمي لحزب الإصلاح، فالأمر طبيعي ولا يستدعي حشر الحزب.

فإحدى بديهيات السياسة، أن أي شخص يحمل صفة رسمية في الدولة فهو في هذه الحالة يمثل شخصية عامة تدير مصلحة عمومية، وعليه يتوجب نقاش أي قضية تثار حول أي شخصية رسمية بمنطق معزول عن حزبه.

إلا أن ما حدث كان خلاف هذا، من هذا المنطلق تكمن تجليات الظاهرة. وفي هذه الوقفة سنحاول تفسير أسباب هذه الظاهرة، وجذورها، وخلفياتها السياسية، والخطورة التي يمثلها استمرار حالة الديماغوجية في الخطاب الإعلامي المناهض لحزب الإصلاح.

 

* خلفية الخصومة

تكمن المشكلة في عدم قدرة مناهضي الإصلاح على التخلص من إرث الخصومة التي تراكمت بفعل سياسات النظام السابق الممنهجة ضدّ الحزب، حيث كان النظام السابق يدرك أن حزب الإصلاح يمثل العائق الأكبر أمام مشروع التوريث الذي كان يخطط له النظام قبل انفجار ثورة الشباب التي أطاحت به.

وبناء على مخاوف النظام من الدور الذي يمثله الحزب في مناهضة خططه، عمد بشكل مكثف لاستثمار أدوات الدولة وجهازها الإعلامي وشبكة تحالفاته ونفوذه العامة لضخ حملة ممتدة بغرض شيطنة الحزب وتصويره على أنه يهدف للسيطرة على الدولة، كما لو أن الوصول للسلطة تهمة وليس حقًا دستوريًا لأي حزب يعمل بالطرق الديمقراطية وأدوات التنافس السياسي الطبيعي.

هكذا إذن كانت بداية الشائعة، وهكذا نشأت جذور الكراهية المفتعلة. ومع كون سلطة النظام السابق تعرضت مبدئيا للتفكك، إلا أن إرثه المعنوي ظل حاضرًا ومترسبًا في الوجدان الجمعي للقوى السياسية والشعبية سواء تلك التي كانت حليفة لحزب المؤتمر أو حتى التي كانت حليفة لحزب الإصلاح وتعارض معه النظام السابق، ففي الحالتين ظلت الصورة الذهنية التي سوّقها النظام عن حزب الإصلاح تشكل هواجس الجميع، وتعاود الانبعاث بين الفترة والأخرى بشكل يؤكد أن مفاعليها ما زالت راسخة وبما يثبت عجز القوى السياسية عن تجاوز إرث النقمة ومنطق الثأرات التي تمكن النظام السابق من ترويجها.

 

* استمرار نهج الخصومة مع تشابه الهدف

يدرك المتربصون بحزب الإصلاح أنه الحزب الأكثر تمسكًا بفكرة الدولة، والقوة الاجتماعية التي تمثل القاعدة التأسيسية لمشروعها الوطني. وكما كان يهدف النظام السابق لشيطنة حزب الإصلاح بهدف إعاقته من لعب دوره النضالي في التصدي لمشروع النظام المتمثل في العبث بالدولة وتدمير أحلام اليمنيين في الوصول إليها، النهج ذاته مستمر اليوم فيما يتعلق بمناهضة حزب الإصلاح.

وفي ذات السياق، تحضر قضية مأرب كنموذج أبرز لنفس اللعبة، حيث يتعمد مناهضو الإصلاح رفع اللافتة ذاتها لتحقيق نفس الأهداف القديمة والمتجددة، ولأنهم لا يستطيعون إعلان العداء المباشر للنموذج الإداري المتميز في مأرب، لذلك يلجؤون للتعريض بحزب الإصلاح وانتهاز أي مناسبة لبث فكرة مغلوطة عن مشاركته في الدولة ومحاولة التشويش عليها عبر تضخيمها وإحاطتها بالشائعات ليتمكنوا من ضرب فكرة الدولة بذات المبرر. بالطبع هم يفعلون ذلك تحت لافتة معارضة سلوكيات الحزب، لكن الأمور غالبا تتخذ بعدًا مباشرًا لاستهداف الدولة ذاتها، وهنا تكمن المشكلة التي يدفع ثمنها جميع المواطنين الحالمين بدولة وليس الإصلاح فحسب.

 

* الخلط المتعمد بين الحزب والدولة

يدرك الجميع أن النظام السياسي في البلاد قائم على التوافق الوطني والشراكة السياسية المتعددة، والواقع العملي يثبت أن الدولة ليست حكرًا على أحد، كما أن مناصبها تخضع لحالة من التوازن الحرج فيما يخص توزيع الوظيفة السياسية العليا، وعليه فكل القوى السياسية تقريبًا ممثلة في المناصب الحكومية. ومع أن هناك قوى أخذت أكبر من حجمها، لكن هذا غالبا لا يثر حفيظة أحد، كما أن الأمر سرعان ما يغدو باعثًا للصخب حين يتعلق بوجود منصب معين يقع على هرمه شخصية تنتمي للإصلاح، فعادة ما يتعرض هذا المقعد لأضواء كثيفة تترقب أدنى منفذ للتشويش عليه واللعب على وتر تضخيم بعبع الإصلاح.

في موضع كهذا، تكمن مشكلة خصوم الإصلاح في عدم قدرتهم على التفريق بين الشخصيات التي تمثل مواقع رسمية في الدولة وتنتمي للإصلاح وبين شخوص الإصلاح ذي المناصب الحزبية، فالأول يمثل الدولة ويتوجب التعامل معه كممثل عام للجمهور والنظر لنجاحه كنجاح يمثل الجميع بدلا من التربص الدائم بهم لأسباب حزبية ضيقة، والآخر يمثل سياسة الحزب وفي هذه الحالة من الطبيعي أن تناقش سياساتهم من منظور حزبي، على عكس الحالة الأولى.

بالطبع هذه القيادات ليست فوق النقد فيما يتعلق بسلوكها السياسي، لكن التعريض بها تحت مسميات حزبية هو الأمر الصادم، فإلى جانب أنه يكرس حالة من الانقسام السياسي داخل المناصب الحكومية، فإنه أيضًا يخلق حالة وهمية في الذهنية العامة تتمثل في صبغ المناصب الرسمية بطابع حزبي مغلوط، الأمر الذي يعيق انسيابية العمل الحكومي، ويخلق حواجز نفسية شعبية تجاه قيادات الدولة.

كما أنه يعمم صورة خاطئة حول هوية الدولة وتصويرها كأنها تابعة لحزب معين، بينما الواقع يقول بأن مشاركة هذا الحزب في إدارة الدولة لا تختلف عن مشاركة كل القوى الأخرى، مع فارق أن القوى الأخرى لا تتعرض لحملات تحريض إعلامي ضدها ولا يوجد متلازمة مرضية تخلق تجاههم مثل هذا الصخب المتعمد الذي تتعرض له قيادات الدولة التي تنتمي لهذا الحزب، حتى وإن قدمت أعظم نموذج إداري يستحق الاحتفاء به والإشادة بالقائمين على هرم سلطته الإدارية، كنموذج مأرب والشائعة التي أثيرت حوله، ثم تكشف زيفها لتظل مأرب صورة نموذجية مصغرة للإدارة التي تجسد حلم اليمنيين بدولة ونظام وقانون وعدالة طال انتظارهم لها.