الجمعة 19-04-2024 01:39:53 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من معارك تحرير عدن.. سطور عن الشهيد

الخميس 23 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت- عدن - صفوة السيد

 

في مثل هذه الأيام الرمضانية قبل أربع سنوات كان منتسبو الإصلاح في عدن في الصفوف الأولى مع كل أولئك الأبطال من مختلف المناطق والانتماءات يواجهون مليشيات الحوثي، تاركين كل الخلافات والتباينات، منتظمين تحت مظلة المقاومة، سائرين نحو هدف التحرير، حتى كتب لهم النصر المبين..


قدموا أروع صور البطولة والتضحية، وجادوا بالغالي والرخيص، وقدموا في سبيل تحرير عدن دماءهم وسقط العديد منهم جرحى، وآخرون قدموا أرواحهم رخيصة ونالوا الشهادة، ومضوا راضين وقد تركوا لعدن والوطن وشعبه الحرية والنصر..


رئيس فرع التجمع الإصلاح للإصلاح في مديرية دار سعد "جلال مقبل سعيد الرعدي" كان أحد هؤلاء الشهداء الأبطال الذين تفخر بهم عدن ويفخر بهم الوطن، ويفخر بهم الإصلاح والأجيال.


كان يداوم يوميا بمقر الإصلاح في"دار سعد" الذي تحول في تلك الأيام مقرا لقيادة جبهة "الفيروز" لكل الأطياف والفئات، وكان نائبا للشهيد "حسن جرب" في قيادة الجبهة آنذاك، ومسؤولا عن التموين والذخيرة.


وكما كان له حضور بارز في المعارك، فقد كان لا يهمل دوره الكبير في توحيد صفوف المقاومين من مختلف الانتماءات وتوجيههم للاصطفاف نحو الهدف المحدد والمتمثل بالنصر وتحرير عدن ولا شيء غير النصر والتحرير.


في الخامس من مايو 2015م، كان كعادته في مقر قيادة الجبهة وبرفقته ابنه الأكبر محمد، وبينما هم وبعض زملائهم من أفراد المقاومة عند بوابة المقر "مقر الإصلاح في دار سعد"، وفي ساعة متأخرة من الليل، إذا بالحوثيين يباغتونهم بقذيفة صاروخية من نوع "R.B.G"، ليصاب بشظية تصيب قلبه، ويصاب ابنه محمد بعدة شضايا في أماكن متفرقة من جسده.


بادروا إلى إسعافهم إلى مستشفى 22 مايو، وبينما هم يحملونه كان يمسك جرحه بيده وينادي فيهم: "أسعفوا الشباب"، وكانت تلك عادته في تأخير نفسه وعدم الاهتمام بذاته وتقديم الآخرين والاهتمام بالشباب المنتظمين في صفوف المقاومة حتى آخر لحظة.


كان المستشفى في تلك اللحظات يكتض بالجرحى والمصابين من مختلف الجبهات، فلم يتمكنوا من إجراء العملية الجراحية له بالسرعة المطلوبة، أو في الوقت المناسب، أدخل غرفة العمليات إلا أن الأمر كان قد استعصى على التدارك، وارتقى فجر ذلك اليوم شهيدا "6 مايو 2015م".
ترك الشهيد جلال فراغا كبيرا، ليس فقط في ميدان المقاومة، بل وفي مجال الإصلاح الاجتماعي والعمل السياسي، فقد كان رئيسا للإصلاح بالمديرية، وممثلا للإصلاح في تكتل اللقاء المشترك هناك، وكان معروفا لدى مختلف التيارات والانتماءات بشخصيته المعتدلة الحريصة دائما على ما يجمع ويقرب وجهات النظر، وترك فراغا كبيرا قبل ذلك وبعده في نفوس أفراد أسرته الذين يعتبر كل منهم أنه الأقرب إليه.

 


الشهيد جلال مقبل.. عاش حياة متسامحة وصاحب وجه مقبول وكلمة مسموعة

ولد "جلال مقبل الرعدي" عام 1967م في دار سعد بعدن.. درس التعليم الأساسي في مدرسة الشوكاني وكان من المتفوقين في دراسته، ثم درس في قسم الكهرباء والتسليك الكهربائي بالمعهد التقني..
تزوج عام 1990م، واستشهد في السادس من مايو، مخلفا ثلاث بنات وثلاثة بنين.
كان هادئ الطبع بارا بوالديه حسن التعامل مع إخوته واصلا للرحم، قريبا جدا من أولاده ويذهب بهم إلى المدرسة ويلاعب الأولاد في المدرسة، وشخصا معروفا بسعة الصدر والأخلاق العالية والبشاشة والبسمة التي لا تفارق شفتيه.
أحد الوجاهات الاجتماعية في دار سعد، وصاحب وجه مقبول وكلمة مسموعة، عرف بالمبادرة إلى إصلاح ذات البين، ويلجأ إليه الناس في حل مشكلاتهم.. كان يعتمد في إصلاحه بين الناس على ثقته بمبدأ التسامح وأنه لا تخلو منه نفس إذا تمكن المصلح من معرفة استظهاره..


"محمد جلال" ووالدته.. أشياء خفية خلف الحوار

بعد استشهاد "جلال" رحمه الله، خلفه في أسرته ابنه محمد، متحملا المسؤولية مع أنه ما زال متأثرا بالشظايا التي أصابته وكونه غير معتاد على هكذا مسؤولية، ونذر نفسه لإخوته، وجعلهم مشروعه الحالي..
تحاول والدته إقناعه بالزواج، وتظهر أن هذه هي رغبتها الاعتيادية، شأنها شأن أي أم تريد تزويج ابنها، إلا أن ما يمكن ملاحظته هنا أنها تخفي شيئا إضافيا، وذلك هو دافعها الخفي لتزويج محمد، والمتمثل في تأثرها برحيل أبيه.
بالمقابل، ما يزال محمد يمتنع عن الزواج، معتذرا لوالدته، ويقدم لذلك المبررات الكثيرة، وكأنه يخفي من جانبه مانعا آخر بالمقابل، وذلك هو حرصه على تأمين مستقبله ومستقبل إخوته، وأنه يخشى أن يكون في الزواج ما يحول بينه وبين تحقيق المستوى المطلوب مما يطمح إليه.


زوجة الشهيد: جلال كان جنة ولا أحد يستطيع أن يصف الجنة!!

طلبت من أم محمد أن تصف لنا زوجها الشهيد جلال، فأطرقت مليا ثم رفعت رأسها ببطؤ وقالت جملة واحدة: "جلال جنة، ولا أحد يستطيع أن يصف الجنة"!!
لم أيأس من أن أخرج منها بكلمة أخرى، ذهبت بالحديث يمنة ويسرة وعدت إلى ذات السؤال، وبالكاد خرجت بجملتين اثنتين: جلال كان طيب وحنون وفيه كل الخصال الطيبة.. لم يعاتبني أبدا في يوم من الأيام على شي لم أعمله.
هي جملتان نعم، لكنها تستغرق كل المعاني والأخلاق وكل الكلام الذي يمكن أن تقوله امرأة مثل أم محمد في زوج مثل الشهيد أبو محمد.


بنت الشهيد "بشرى": مافيش مثل أبي.. تروح الدنيا كلها إلا أبي

تتحدث بشرى بنت الشهيد جلال مقبل.. تخرج الكلمات من فمها متباعدة وكأن كل كلمة هي آخر كلمة تقولها: ما فيش رجال بطيبته وحنيته مثل أبي.. تروح الدنيا كلها إلا أبي!!
بنته أميمة، وبنته الأصغر زينب، ختمن القرآن في رمضان قبل أن ينتصف الشهر، ربما لم يدفعهن لهذا إلا أنهن قد نذرن أجر هذه الختمة لوالدهن الشهيد..!!
ليس من السهل أن تلتقي بزوجة وبنات شهيد مثل جلال مقبل ولا يكون اللقاء دراميا يكسوه الحزن والألم مهما حاولن إكرامك كضيف بالتظاهر أنهن يقاومن هذه المشاعر..
ما يزال الألم ضاربا في أعماق الأرواح هنا، وما تزال الأنفاس والتنهيدات حارة وحَرّاء، وما يزال الصمت هو الكلام، وما يزال الشرود هو الجواب الأوفى لكل سؤال يخطر على البال..


"عارف عوض" صديق الشهيد: من أين لنا بمثل جلال!؟

"عارف عوض"، أحد أصدقاء الشهيد جلال مقبل رحمه الله.. يصف خبر استشهاد جلال بأنه "كان بالنسبة لي صدمة غير متوقعة وفاجعة عظيمة".
ويضيف: كان للشهيد أثر كبير في العمل المجتمعي والدعوي والعمل السياسي.. كان رحمه الله الأب الروحي للإصلاح في دارسعد، وكان هو من يحل المشاكل المتعصبة بين الناس وخاصة الشباب.. أيام المقاومة كان هو الموجه والداعم والمسؤول الأول في جبهة الفيروز "دار سعد".
وقبل أن يحبس الحزن الكلمات في فمه، يترحم على صاحبه ويقول: لم نجد إلى الآن من يسد الثغرة التي كان يسدها جلال.


"السلامي" صديق الشهيد: الطيبون كثر لكن ليس هناك مثل جلال

"خالد السلامي"، صديق قديم للشهيد جلال مقبل، كان ملازما له منذ شبابه إلى استشهاده.. قبل أن يتحدث عنه، ينظر بعينيه إلى بعيد وكأنه يستحضر ويستدعي عقودا من السنوات، ليقول: يقول: كان رحمه الله بشوشا لا تفارق الابتسامة شفتيه.
ويتابع: كان جلال صاحب أخلاق فاضلة وصدر واسع.. رغم كثرة الطيبين والفاعلين في المجتمع إلا أن فراق جلال ترك فراغا نعاني منه إلى الآن.

كلمات دالّة

#عدن