الخميس 28-03-2024 18:01:05 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأزمة اليمنية بعد اتفاق ستوكهولم.. تقاسم للسيادة أو الفوضى الشاملة

السبت 18 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت - خاص - عبد السلام قائد

 

عاد اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة إلى واجهة الأحداث مجددا، بعد مسرحية جماعة الحوثيين الأخيرة المتمثلة في إعلانها الانسحاب من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى وتسليمها إلى ما أسمتها قوات خفر سواحل تابعة لها، ومباركة الأمم المتحدة لتلك الخطوة التي رفضتها السلطة اليمنية الشرعية، ثم اتضح أن مسرحية الانسحاب وإعادة الانتشار كان الهدف منها لفت الأنظار عن التعزيزات العسكرية الكبيرة للحوثيين إلى جنوب الحديدة التي تزامنت معها.

والغريب في الأمر هو الترحيب الأممي بتلك الخطوة، رغم علم الجميع بأنها ليست سوى مسرحية سبق أن قام بها الحوثيون سابقا ولم يقبل بها الطرف الآخر (السلطة الشرعية)، ويكشف الترحيب الأممي بخطوة الحوثيين وما تنطوي عليه من مغالطات مكشوفة، عن الهدف الحقيقي للأمم المتحدة من اتفاق ستوكهولم الذي كان بمثابة فخ للسلطة اليمنية الشرعية، ويهدف إلى تجزئة الأزمة اليمنية والشرعنة للانقلاب الحوثي عليها وتقاسم السيادة مع السلطة الشرعية، فكيف حدث ما حدث؟

- إنقاذ للحوثي وفخ للشرعية

كان اتفاق ستوكهولم، الذي تم في السويد في 13 ديسمبر الماضي، هو الاتفاق الوحيد الذي توصل إليه طرفا الصراع في اليمن، السلطة الشرعية وجماعة الحوثيين الانقلابية، بعد أن تعمد الحوثيون إفشال مختلف محطات الحوار السابقة (جنيف 1، جنيف 2، الكويت، جنيف 3)، وكانت موافقة الحوثيين على اتفاق ستوكهولم تحت ضغط عسكري بعد أن أوشكت القوات الحكومية، وبإسناد من التحالف العربي، على تحرير مدينة الحديدة.

تم اتفاق ستوكهولم تحت ضغط عسكري على الحوثيين وتحت ضغوط أممية على السلطة الشرعية لإيقاف معركة تحرير الحديدة والانخراط في مفاوضات الحل السلمي للأزمة، ثم حدث أن نقاط الاتفاق لم تكن جراء مفاوضات مباشرة بين ممثلي طرفي الصراع، وإنما كانت عبارة عن إملاءات من الأمم المتحدة تم التحاور حولها ومن ثم التوافق عليها.

هذا التوافق، الذي بدا حينها سريعا، كان نتيجة ثغرات في الاتفاق فسرها كل طرف لصالحه، ليتضح بعد ذلك أن الاتفاق لم يكن سوى إنقاذ للحوثيين من الهزيمة في الحديدة وطردهم منها، وفي نفس الوقت كان فخا للسلطة الشرعية، كونه يهدف إلى تجزئة الأزمة اليمنية وتفكيكها، والشرعنة للانقلاب الحوثي وتقاسمه للسيادة مع الشرعية، وتحويل مسار الأزمة من أزمة بين شرعية وانقلاب إلى أزمة بين طرفين متصارعين على السلطة والسيطرة على الأرض.

لقد كانت الثغرات في الاتفاق، التي تعمدتها الأمم المتحدة، كلمة السر التي جعلت طرفي الصراع يوافقان على بنوده، خاصة فيما يتعلق بالنقطة الجوهرية في الصراع، المتمثلة في الانسحاب من الحديدة وإعادة الانتشار فيها، ويتضح ذلك من خلال التصريحات المتناقضة لبعض ممثلي طرفي الصراع بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة والعودة من ستوكهولم.

كان الاتفاق قد تضمن أن تنسحب مليشيات الحوثيين من مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة، وكذلك أن تنسحب القوات الحكومية من المدينة، على أن يتم تسليم مهمة الحفاظ على الأمن في المدينة والموانئ إلى قوات خفر السواحل وقوات الأمن المحلية التي كانت منتشرة هناك عام 2014، أي قبل الانقلاب، وقد فسرت السلطة الشرعية ذلك بأنه لصالحها، كون تلك القوات تتبعها.

أما جماعة الحوثيين فقد فسرت الاتفاق بأنه يضمن تقاسم الأدوار السياسية والأمنية، وأن ذلك لصالحها، وهو ما اتضح من خلال ممارساتها لاحقا، فهي أولا استبدلت أزياء أفراد مليشياتها بأزياء قوات خفر السواحل وقوات الأمن المحلية باعتبارهم القوات التي ستسلم لها المدينة والموانئ الثلاثة، واعتبرت أن المطلوب تنفيذه هو عملية إعادة الانتشار في الحديدة وليس انسحاب مليشياتها من المدينة والموانئ الثلاثة.

هذا التناقض في تفسير طرفي الصراع للاتفاق، الذي بدأ فور التوقيع عليه، تزامن مع تصريحات مرحبة بالاتفاق من قبل مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الأمم المتحدة والسعودية ودولة الإمارات وإيران وغيرها. ومن ريمبو في السويد، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الاتفاق بشأن مدينة الحديدة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين يتضمن وقفا كاملا لإطلاق النار وانسحابا عسكريا.

وقال غوتيريش في مؤتمر صحفي: "هناك وقف لإطلاق النار أعلن عنه في محافظة الحديدة بأكملها، وسيكون هناك انسحاب لكافة القوات من المدينة والميناء". وأوضح أن الأمم المتحدة ستتولى دور "مراقبة الميناء، بينما ستشرف قوى محلية على النظام في المدينة".

أما وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، فقد أشار إلى أن "اتفاق الحديدة إنجاز، لأنه يتضمن انسحاب الحوثيين للمرة الأولى منذ الانقلاب على الحكومة الشرعية قبل أكثر من 4 سنوات".

وأضاف: "للمرة الأولى في تاريخ الانقلاب الذي قادته مليشيات الحوثي، تقبل الأخيرة بالانسحاب من مدينة الحديدة ومينائها. ستعود المدينة إلى السلطات الشرعية وهذا يعتبر إنجازا، وستبقى الحديدة ممرا آمنا للمساعدات الإنسانية".

- الموقف الإيراني

ورغم المواقف الدولية المرحبة بالاتفاق، بما في ذلك الموقف الإيراني، لكن إيران لم تستطع إخفاء دعمها اللامحدود للحوثيين، وفسرت الاتفاق كما فسره الحوثيون، وأبدت تعصبا في ذلك، وهو ما يتضح في تعقيبها على زيارة وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت إلى اليمن في مارس الماضي، حيث أبدت الخارجية الإيرانية انزعاجها من الزيارة والتصريحات التي تضمنتها، وقال وزير خارجية إيران: "اليمن ليس بحاجة إلى مثل هذه الزيارات، وإن كانت الدول راغبة في خفض وقف هذه الكارثة الإنسانية والمساعدة في حل الأزمة، فعليها أن تستخدم أساليب أخرى وتساعد في كف الهجمات على اليمن".

هذا الهجوم الإيراني على الزيارة جاء بسبب تصريح هنت الخاص بضرورة التزام المليشيات الحوثية باتفاق السويد، خاصة أنه كان ضمن الشهود على تفاصيل الاتفاق، وأوضح أن عملية إعادة الانتشار وفق خطة الأمم المتحدة تتضمن فقط خفر السواحل التابعة لقوات الأمن المسجلة قبل 2014، أي التابعة للسلطة الشرعية، وبالتالي لا يحق للمليشيات الحوثية تشكيل قوات تابعة لها لكي تشارك في عملية إعادة الانتشار، وهو ما كانت تسعى إليه المليشيات الحوثية، حيث قامت بعد الاتفاق بتغيير أزياء مليشياتها في الحديدة لتظهر بمظهر قوات خفر السواحل وقوات الأمن.

- استهلاك الوقت

ظلت مليشيات الحوثيين تعمل على عرقلة اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة منذ التوقيع عليه وحتى الوقت الحالي، بغرض استهلاك الوقت، وشجعها على ذلك صمت الأمم المتحدة وتواطؤها معها، وبدأت بالتصعيد عسكريا ضد الجيش الوطني خارج محافظة الحديدة، وكان أول هدف هو العرض العسكري للجيش الوطني في قاعدة العند العسكرية، في يناير الماضي، أي بعد نحو أسبوعين من اتفاق ستوكهولم، وباستخدام طائرات بدون طيار إيرانية الصنع، وأسفر عن ذلك استشهاد وإصابة قيادات بارزة في الجيش الوطني.

كما أنها كثفت من إطلاق الصواريخ البالستية إيرانية الصنع باتجاه الأراضي السعودية، وظلت تعمل على تعزيز حشودها العسكرية إلى مدينة الحديدة، وفتحت جبهات حرب جديدة في منطقة حجور بمحافظة حجة وفي بعض مديريات محافظتي إب والضالع، وقصفت مطاحن البحر الأحمر في الحديدة مما أسفر عن احتراقها وإتلاف أطنان من الغذاء، وزادت من التجنيد الإجباري في صفوفها خاصة في أوساط الأطفال، واعتقلت عددا كبيرا من المدنيين بدون أي تهمة، لاتخاذهم وسيلة للمساومة والابتزاز، وهاجمت بعض الأحياء السكنية، ووصل بها الأمر أن هاجمت حتى بعثة الأمم المتحدة والفريق الحكومي أكثر من مرة، ورغم كل تلك الانتهاكات، إلا أن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا.

- المسرحية الأخيرة

بعد حوالي خمسة أشهر من عرقلة مليشيات الحوثيين لاتفاق ستوكهولم، أعلنت المليشيات، يوم 11 من مايو الجاري، انسحابها من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى. وأبدت بعثة الأمم المتحدة في الحديدة ترحيبها بتحركات الحوثيين التي قالت إنها تراقبها عبر الجنرال مايكل لوليسجارد، رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار التابعة للأمم المتحدة في اليمن، الذي عبر عن تفاؤله بانسحاب الحوثيين المزعوم، وقال إن اليوم الأول لانسحاب الحوثيين من ثلاثة موانئ على البحر الأحمر في اليمن "سار وفق الخطط الموضوعة"، بينما جماعة الحوثيين اعترفت صراحة أنها سلمت الموانئ لقوات خفر السواحل التابعة لها، أي أنها سلمتها لنفسها.

أما المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث فقد دعا، خلال جلسة لمجلس الأمن حول اليمن، الطرفين في اليمن "للعمل على تنفيذ المرحلة الثانية بالحديدة"، مشيرا إلى أنه "يجب إتباع عملية الانتشار بالحديدة بخطوات لاحقة من الطرفين". وتحدث عن تحقيق "تقدم في تنفيذ اتفاق الحديدة"، قائلا إن "الحوثيين امتثلوا للانسحاب من الحديدة"، رغم إدراكه بأن الحوثيين سلموا الحديدة لقوات تابعة لهم باعترافهم هم، أي أنهم سلموها لأنفسهم.

كما رحب بانسحاب الحوثيين المزعوم مندوبة بريطانيا في مجلس الأمن، ورحب به في وقت لاحق الاتحاد الأوروبي، حيث جاء في بيان مقتضب نشر على الموقع الإلكتروني للاتحاد الأوروبي أن الإجراءات الأخيرة في موانئ الحديدة والانسحاب الأحادي للحوثيين، تعد خطوة حاسمة لدفع العملية إلى الأمام نحو مفاوضات سياسية شاملة. وهذا الترحيب لا يعني أن خدعة الانسحاب وإعادة الانتشار قد انطلت على الجميع، ولكنه يعكس تواطؤ المجتمع الدولي مع مليشيات الحوثيين.

من جانبه، أكد مندوب اليمن إلى الأمم المتحدة عبد الله السعدي، خلال جلسة لمجلس الأمن حول اليمن، أنه "من غير الممكن الوثوق في الحوثيين أذرع إيران الإرهابية"، وقال إن "الحكومة الشرعية تتمسك بحقها في مراقبة الانسحاب من موانئ الحديدة"، مجدداً رفضها "لأي إجراء أحادي من المليشيات لا يتفق مع اتفاق ستوكهولم". وأوضح أن "المليشيات تحاول كسب الوقت لإطالة أمد الحرب في البلاد"، داعياً مجلس الأمن "للضغط على المليشيات لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمختطفين".

أما وزير الخارجية خالد اليماني فقد قال إن خطاب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي أدلى به أمام مجلس الأمن "لم يأتِ بجديد ولم يكن فيه شيء يُذكر أو لافت عن الوضع الحالي".

وأضاف -في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط"- أن "الدول الغربية هي التي تسير المبعوث الخاص في الملف اليمني كيفما ترى، لذلك فإن ما قاله كان بعيداً عن أرض الواقع وتطرق إلى مواضيع وقضايا جانبية ليست لها صلة بصلب الموضوع".

وأكد أن ذلك "يوضح حالة عدم التركيز من المبعوث الخاص في القضية الرئيسية"، مشيرا إلى أن الحكومة "تعودت مثل هذه الخطابات من المبعوث الخاص، وهكذا كانت طريقته في التعاطي مع الأحداث"، مشدداً على أن "الخطاب خلا من التوضيح والإفصاح عن كثير من الملفات التي كان يجب الإشارة إليها".

وهكذا يتضح من خلال ما سبق أن اتفاق ستوكهولم لم يكن سوى فخ للسلطة الشرعية تم استدراجها إليه، وإلى الآن فالحوثيون هم المستفيدون منه، كونه أنقذهم من هزيمة وشيكة بعد أن بدأت معركة تحرير الحديدة، وفي نفس الوقت منحهم الوقت الكافي لتعزيز حضورهم العسكري داخل مدينة الحديدة، وسلكوا سياسة استهلاك الوقت لتعزيز مكاسبهم، واستحدثوا جبهات جديدة في منطقة حجور بمحافظة حجة وفي بعض مديريات محافظتي إب والضالع، بهدف صرف الأنظار عن ملف الحديدة واتفاق ستوكهولم، وأيضا صرف الأنظار عن استمرار تعزيزاتهم العسكرية إلى هناك.

واللافت هو أن تعزيزات الحوثيين العسكرية إلى مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة كانت تتم على مرأى ومسمع الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكنا أو تدين الحوثيين أو على الأقل تسميتهم كطرف معرقل لاتفاق ستوكهولم، وهذا التواطؤ الأممي مع الحوثيين صار يبدو وكأنه مبدأ ثابت لدى المنظمة في تعاملها مع الأزمة اليمنية، ويتضح ذلك من خلال أداء المبعوثين الأمميين إلى اليمن منذ بدء الأزمة، الذين تماهوا مع مليشيات الحوثيين في مراوغاتها ونقضها للاتفاقيات وانتهاجها سياسة استهلاك الوقت، وكانت النتيجة دخول الحوثيين العاصمة صنعاء، ثم سيطرتهم على عدة محافظات، ثم تعزيز سيطرتهم تلك، وصولا إلى مرحلة محاولة فرض تقاسم السيادة بينهم وبين السلطة الشرعية.

كلمات دالّة

#اليمن #الحديدة