الثلاثاء 23-04-2024 12:41:49 م : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ملف الحديدة.. بين مراوغات الحوثي والتواطؤ الأممي

الأربعاء 15 مايو 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ شروق عبد الغني

 

بعد مراوغة استمرت أشهر، أعلنت مليشيات الحوثي الانقلابية، في الحادي عشر من الشهر الجاري، عن بدء انسحابها من موانئ الحديدة الثلاثة الواقعة على الساحل الغربي لليمن، وذلك بعد موافقتها مرارا على تنفيذ اتفاق الحديدة الذي تم التوصل إليه في مشاورات السويد التي انعقدت أواخر العام 2018.

أوضحت عقبها مصادر لوكالة "رويترز" أن فرقا من الأمم المتحدة تراقب تحركات الحوثيين في الموانئ بالحديدة، ثم بدأت الأمم المتحدة بالحديث عن عزمها العمل على تطوير موانئ الحديدة، بعد اكتمال إعادة انتشار القوات.

وأوضح بيان صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أنه "مع مغادرة القوات العسكرية والأمنية لموانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مستعد للمساعدة في تحسين كفاءة وإنتاجية الموانئ".

بينما بدا الجنرال مايكل لوليسجارد، رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار التابعة للأمم المتحدة في اليمن، أكثر تفاؤلا وقال إن اليوم الأول لانسحاب قوات جماعة الحوثي من ثلاثة موانئ على البحر الأحمر في اليمن سار "وفق الخطط الموضوعة".

تكشف النوايا

أثار إعلان الحوثيين الانسحاب الكثير من الجدل في أوساط المتابعين للملف اليمني، فتلك الخطوة كانت أحادية الجانب، وجاءت بعد تنصل الحوثيين من تنفيذ اتفاق الحديدة.

لم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى تكشفت نوايا مليشيات الحوثي، فقد تحدثت الجماعة صراحة عن تسليم موانئ الحديدة إلى "قوات خفر السواحل" التابعة لها، والتي أصبحت هي المعنية بحمايتها.

موقف الحكومة

وكانت الحكومة اليمنية قد شككت بنوايا الحوثيين منذ اللحظات الأولى لإعلان الاتفاق، فقد قال رئيس اللجنة الحكومية في لجنة تنسيق إعادة الانتشار، اللواء صغير بن عزيز، إن أي انتشار أحادي لا يتيح الرقابة والتحقق المشترك من تنفيذ بنود "اتفاق ستوكهولم" هو مراوغة وتحايل، ولا يمكن القبول به.

في حين اعتبر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الإعلان الحوثي بأنه مجرد مسرحية تهدف إلى تضليل المجتمع الدولي، بينما أكد رئيس الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار، صغير بن عزيز، في بيان له، أن إعلان الجنرال مايكل لوليسغارد عن انسحاب أحادي للحوثيين يخالف القرار الأممي 2451 الذي ينص على تشكيل لجنة مراقبة الانتشار من الثلاثة الأطراف (الحكومة، الحوثي، الأمم المتحدة).

وأضاف أن لوليسغارد أبلغ الفريق بشكل مفاجئ عن انسحاب أحادي للحوثيين مخالفا لكل التفاهمات والاتفاقات، ولم يوضح طريقة الانسحاب وآلية المراقبة ولمن ستسلم إدارة موارد الموانئ، واصفا ذلك الانسحاب الحوثي بالمسرحية المكررة التي تمس بسيادة الدولة عبر شرعنة وجود الحوثيين.

ترحيب بريطاني

برغم ذلك الموقف الصادر من الشرعية، إلا أن وسائل الإعلام التابعة لبريطانيا، كوكالة رويترز، اعتبرت انسحاب الحوثيين بأنه يشكل دفعة لاتفاق السلام في اليمن، كونه ينعش الآمال بأن تنتهي الحرب في البلاد المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات.

كما جاء الرد لاذعا وأكثر انحيازا للحوثيين من قبل السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، الذي انتقد اليمنيين الرافضين لانسحاب الحوثيين، واعتبر الذين يصفون الأمم المتحدة بالسذاجة يقولون إن الحل الوحيد هو الحرب الدائمة في اليمن.

وأدت تلك التصريحات إلى ظهور أسئلة كثيرة حول السلام الذي تريده بريطانيا لليمن، بعد أن أصبح مارتن غريفيث هو مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والذي تساهل بشكل واضح مع الحوثيين وبدا أكثر قربا من تلك المليشيات.

أبعاد التحرك الحوثي

يصف الصحفي كمال السلامي خطوة انسحاب الحوثيين بـ"اللعبة" و"المسرحية"، والتي لا تختلف عما قاموا به في فبراير/شباط الماضي حين انسحبوا من جانب واحد دون التنسيق مع الشرعية، فضلا عن سحب مقاتليهم المدنيين ونشرهم آخرين يرتدون زي خفر السواحل وهو الأمر الذي قوبل برفض حكومي.

ووفقا للسلامي الذي صرح لوسائل إعلام محلية، فإن الشيء المختلف اليوم، أن لعبة الانسحاب الأحادي من موانئ الحديدة تمت بالشراكة مع الأمم المتحدة، التي رحبت بإعلان الحوثيين.

أما دلالة الانسحاب فربطه السلامي بتوقيت انعقاد جلسة الأمن لمناقشة ما تم التوصل إليه بخصوص تنفيذ الاتفاق المبرم بين الأطراف اليمنية في ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهذا دفع المبعوث الأممي إلى البحث عن أي إنجاز ولو شكلي، لتسويقه، بهدف التغطية على فشله في مجلس الأمن.

إضافة إلى أنها تأتي في ظل تصاعد التوتر بين أمريكا وإيران، ولم يستبعد أن تستخدم طهران جماعة الحوثي كورقة لتخفيف حدة النقمة الأمريكية ضدها، وأن تكون هي من أمرتهم بالتراجع خطوة إلى الوراء، لإثبات حسن النية تجاه أمريكا وحلفائها، على حد قوله.

وأفاد بأن الحوثيين يمرون بضائقة مالية كبيرة، وهو ما دفعهم للبحث عن مخارج للخروج منها، وبالتالي فإنهم ربما حصلوا على وعود من المبعوث الأممي بإلزام الحكومة بصرف الرواتب وغيرها من الاستحقاقات، مقابل ذلك الانسحاب الشكلي.

وخلص إلى أنه وبرغم كل ذلك، إلا أن جماعة الحوثي ستسعى للالتفاف على أي اتفاق، أو التزام، وهذا ما سيحدث هذه المرة أيضا.

دعم للحوثيين

بدوره رأى الكاتب الصحفي شاكر أحمد خالد أن تلك الخطوة لا تعد كبادرة حسن نية، طالما لا يزال الاتفاق غامضا وتحيطه الشكوك، لافتا إلى أن تلك المرحلة هي ضمن اتفاق أشمل للانسحاب من الحديدة بشكل عام.

وأفاد في تصريحات صحفية بأن التفسيرات المتباينة ما زالت قائمة، وقابلها ردود أفعال مشككة من قِبل مسؤولين بالحكومة، مؤكدا أنه وقبل هذه الخطوة يفترض باﻷمم المتحدة أن تجمع طرفي الصراع، وتخرج باتفاق واضح لعملية الانسحاب من كلا الطرفين.

واستدرك "لكن بهذه الطريقة، من حق الفريق الحكومي التشكيك بهذه الخطوة بسبب الغموض الذي يلف القوات التي ستتولى مهمة الاستلام وملء فراغ الانسحاب".

ويعتقد شاكر أن اﻷمم المتحدة لم تعد طرفا نزيها وموثوقا بتأكيدات التصريحات الحكومية، وأن المبعوث اﻷممي مارس التضليل والتدليل لمليشيا الحوثي طيلة الشهور الماضية، لافتا إلى الترويج للتصريحات الصادرة من قبل المليشيا دون النظر للواقع الذي يؤكد المماطلة والمراوغة في تنفيذ الاتفاق.

واعتبر ما يجري محاولة من الأمم المتحدة للبحث عن نصر سياسي قبيل جلسة الأمن القادمة، مؤكدا أن مليشيا الحوثي تركز على جزئية المراوغات وفي الوقت ذاته يتم تجاهل الملف الإنساني المتعلق بالاتفاق وهو عملية الإفراج عن المعتقلين، الذي ساد الاعتقاد بعد توقيع اتفاق السويد بأن هذا الملف في طريقه للانفراج كأولوية إنسانية وباب مهم من إجراءات بناء الثقة.

لكن وبتواطؤ اﻷمم المتحدة، جرت عملية توجيه اﻷنظار لمعركة الحديدة، والضغط على قوات الجيش بوقف المعركة وتمكين الحوثيين من التموضع، وفق شاكر.

وقلل من أهمية إعلان مليشيا الحوثي بالانسحاب، طالما أن الطرف اﻵخر الشرعي يؤكد مسألة التضليل، وأن ما يجري مجرد تمويه وتسليم واستلام بين المليشيا ذاتها أو قوات موالية.

وموانئ الحديدة، التي من المفترض أن يتم الانسحاب منها في الفترة من 11 إلى 14 الشهر الجاري، هي ميناء الصليف، ورأس عيسى، والحديدة ثاني أكبر موانئ البلاد والرئيسي حاليا في ظل توقف ميناء عدن عن العمل، كما أن مختلف الجهود التي بذلت لاحقا لإحراز تقدم في ملف الأسرى وغيره فشلت بسبب تعنت الحوثيين.