الحلقة الأولى: اليمن وأطماع الهاشمية

البعد الجغرافي لليمن أولا، وضعف الدولة العباسية ثانيا، عاملان بارزان استغلهما "يحيى الرسِّي" في سبيل تحقيق أطماعه المسعورة في سبيل التسلط والملك، ولو كان الثمن الإبادة الجماعية للأبرياء واسترقاق النساء والأطفال.

هذا السعار الإبليسي اتكأ على افتراءت الكذب على الله والرسول والدين والأخلاق، مبررا جرائمه الشنعاء بأنها إقامة للشرع الإسلامي المقدس.

شواهد التاريخ

يقول المؤرخون إن يحيى الرسي اتجه إلى إقليم طبرستان والذي كان يحكمه الحسن الأطروش المنتسب إلى أولاد الحسن بن علي، وكان زيديا، وكانت الدولة العباسية قد غضت الطرف إزاء استيلاء الحسن الأطروش على طبرستان، وهو إقليم خصب بأنواع الزراعات والفواكه.

تحركت أطماع يحيى الرسي مغلفة بغرور يترفع عنه العقلاء. غرور أفقده التفكير المتزن، كيف لا وهو الذي يرى نفسه أنه وحيد عصره وفريد دهره علما وسلالة، فهاتان ميزتان لا ينافسه فيهما أحد.

اتجه إلى طبرستان فاستقبله الملك الحسن الأطروش، وأكرمه وعائلته طيلة شهر.

بعد ذلك تقدم يحيى الرسي وبكل بجاحة مطالبا الأطروش بالتنازل عن الملك ليحيى الرسي فخرج طريدا مدحورا مع عائلته عائدا إلى الرس.

أليس هذا دليل قاطع أن نفسية الرسي يحدوها طمع شخصية مريضة بجنون العظمة والغرور الأجوف؟

مبررات اختيار صعدة

ــ الأمية الحرفية والثقافية الضاربة الأطناب في مناطق شمال الشمال.

ــ غياب الدولة العباسية عن اليمن عموما بما فيها صعدة، ذلك أنه كلما وصل عامل للعباسيين إلى صنعاء سرعان ما تحتدم الخلافات بين العامل والقبائل وصولا إلى التمرد فالطرد.
هذان العاملان عززا أطماع الرسي في الملك.

صور من الأطماع

نحن الآن في العقد الأخير من القرن الثالث الهجري، الأمر الذي يعني وجود تراكم ثقافي فكري، هذا التراكم كان له دوره الفاعل والمؤثر في خطاب الرسي في منطقة صعدة، مستغلا غلاف الدين بأبشع صور التزوير والافتراء على الله ورسوله، موظفا عواطف العامة التي تحب النبي وذريته.

ــ الرسي وأولاده وأحفاده وذريته من بعده والذين أطلق عليها مؤخرا الهاشمية السياسية طيلة ألف ومئة عام وحتى اللحظة، مارسوا أشنع الجرائم ضد الإنسان اليمني، هادمين مقاصد الشريعة التي جاءت لحماية الإنسان دينا ودما وعرضا ومالا. هدموا الإسلام باسم إسلامهم وتشريعاتهم المفتراة.

ــ دمروا اليمن إنسانا وحضارة مستخدمين في سبيل التسلط كل الأساليب الإجرامية لإرواء سعارهم وعنصريتهم ذات النفس الثقافي القادم من دعوى شعب الله المختار.

ــ أمامنا مئات الصور الإجرامية التي تذرع بها الرسي ومن بعده في سبيل نزواتهم المجنونة والتي تحتاج لمجلد ضخم، لكن سنقتصر على صور من الأطماع على النحو التالي:

1ــ يحيى الرسي وقميص الآل

غلف الرسي طمعه في التسلط بغلاف حب آل النبي، فدغدغ عواطف العامة من خلال منبر الجمعة وحلقة الدرس في مسجده بصعدة، داعيا إلى تحكيم مذهب آل البيت وتسليم الحكم لآل البيت، مؤكدا في الجانب النظري والعملي أن إعادة الحكم لآل البيت هو إقامة شرع الله.

وإمعانا في ذر الرماد في العيون، تجد خطابه يتمسح بالشورى والعدل في الحكم والعدل في توزيع الثروة، وأنتم يا أهل الحكمة والإيمان وأهل المدد ونفس الرحمن خير من سيجاهد باذلا الغالي والنفيس لإقامة شرع الله المرتكز على أصل الأصول وهو خلافة آل البيت الذي نزل به الوحي من لحظاته الأولى بمكة.

والنتيجة، نجح الترويج بامتياز، وجاءت قبيلتا خولان وأرحب المحتربتان منذ سنوات على المرعى اتفقتا على تحكيم يحيى الرسي والذي انتقل إلى صنعاء حاكما أولا ثم ملكا ثانيا.

2ــ الصورة الثانية

وضع الرسي نظرية الحكم وهي شروط الإمامة فبلغت 14 شرطا، وإذا تأمل العاقل في الشروط الثلاثة عشر على ما فيها من تعصب وعنصرية فهي أهون في خطورتها مقارنة بالشرط الأخير الذي هو أخطر وأسوأ شرط على الإطلاق، كونه نص على أن الإمام الحق هو "الذي يحمل السيف ويقتل من لم يبايع".

هذا الشرط عكس النزوة النفسية المسعورة بجنون التسلط والمتشوفة لسفك الدماء ولكن أي دماء؟
هل دماء الحكام الذين سيتغلب عليهم الرسي؟ لو كانت هذه، على مافيها من فوضى، لكانت أهون، ولكن الدماء التي وضع الشرط الرابع عشر لأجلها هي دماء الأبرياء لأنهم لم يبايعوا سليل الهاشمية.

أرأيتم أخلاق الرسي المتعطشة لدماء الأبرياء؟ (سنتحدث لاحقا عن دوافع هذا الشرط بعونه سبحانه).

3ــ الصورةالثالثة.. عدالة التوزيع

ذاع صيت يحيى الرسي في أوساط القبائل، فصاهرته القبائل شخصيا ثم صاهرت أبناءه وأحفاده، وكل قبيلة تعتبر صهرها هو البركة التي حلت لديها، كيف لا وهذا السليل المبارك سيغزو بنا كل القبائل وتصبح فيدا وغنيمة لقبيلتنا.

القبائل الأخرى تفكر بعقلية القبيلة الأخرى وهكذا، وكانت تلك هي الكأس الأولى من عدالة التوزيع.

الكأس الثانية.. مبايعة الأئمة الأطهار

أصبحت كل قبيلة لديها إمام من الآل، وبالتالي لا مجال لبقية القبائل إلا الخضوع لإمام القبيلة أو تلك، والحكم هو السيف والسنان.

التطبيق العملي للشرط الـ14

كانت صنعاء والمنطقة الوسطى وشمال الشمال حنفية المذهب، وبقية المناطق شافعية، حيث تم دخول المذهب الشافعي رسميا مطلع القرن الرابع.

4ــ الصورة العملية1.. أبو الحسن الهمداني شهيدا

شهيد كلمة الحق العلامة المؤرخ النسابة العالم الرياضي الفلكي الفقيه الأديب الشاعر لسان اليمن أبو الحسن الهمداني رحمه الله، كان له موقفا جريئا بكل ما تحمله الكلمة، حيث قام بتأليف كتابه الرائع الذائع الصيت المعروف بـ"الإكليل"، وحسب المؤرخ ابن النديم رحمه الله والذي صرح في كتابه المشهور بـ"الفِهرست"، وهو يترجم للهمداني قائلا: هو العلامة المؤرخ... إلخ، صاحب كتاب صفة جزيرة العرب ومؤلف أعظم كتاب في التاريخ سماه "الإكليل" في عشرة أجزاء كبيرة، لكنه ذكر مثالب بعض القبائل فضاع الكتاب ولم يصلنا منه سوى القليل.

مثالب بعض القبائل

ما هي المثالب؟ ومن هي القبائل يا ترى؟ الإجابة على هذا السوال هي: من الذي سجن هذا العالم النحرير الشجاع حتى مات في سجنه؟ أليس الذين سجنونه هم الحكام من أحفاد الرسي وتوفي عام 358 هجرية؟

ثم من هي القبائل وما مثالبها؟ هل كان الهمداني قد وضع السكين على المفصل كاشفا دعوى الرسية والتصاقها بآل النبي؟ إذا لم يكن قد فعل فلم السجن حتى الموت؟ ولم تم إتلاف الكتاب؟

5ــ الصورةالعملية 2.. مذبحة جماعية

في أواخر القرن الرابع الهجري، وبعد وفاة الهمداني في سجون الهاشمية، فاض سعار الأطماع الرسية الهاشمية، وامتد صوب نجران (مدرسة المذهب الشافعي).

وصل أحفاد الرسي إلى نجران وفرضوا حصارا على فقهاء الشافعيهة الذين هم من ذرية الحسن (أبناء عمومة الرسّيين)، فخرج إليهم 400 فقيه شافعي رافعي المصاحف يهتفون: "بيننا كتاب الله.. لم تقاتلوننا؟".

لا جواب غير السيف، وتم قتل فقهاء الشافعية الحسنيين بنجران، لأنهم شافعية فقط.

فإذا سأل سائل بعد ذلك: لماذا نجران تحولت باطنية؟ فالجواب واضح، وكذلك قيل عن حراز التي تحولت من زيدية إلى قرمطية.

6ــ التطبيق العملي 3.. تقسيم اليمن وفقا لأطماع الرسي

الكاتب المؤرخ المنتسب إلى الهاشمية السياسية، ماركسي الفكر، قال في رسالته الماجستير: إن الرسي كان قد قسم المجتمع اليمني هكذا:

ــ همدان خوارج بما فيها حراز.. صنعاء وذمار كفار تأويل، لأنهم يقدمون الخلفاء الراشدين على الوصي.

ــ ريمة ووصاب وإب والحديدة وتعز... إلخ، هذه أرض خراج، أي مصادر تمويل الخزينة.

ــ مناطق صعدة وعمران والمحويت والجوف هذه معسكرات.

4ــ التطبيق التمويلي

نصت كتب الهادوية أن الزكاة تجب في العشب (الحشيش) الذي في الجبل، والحطب، وزكاة الثور الواحد، ومجموعة الأغنام وإن لم تبلغ النصاب، وزكاة النحل ولو كانت خلية واحدة أنتجت عسلا أم لم تنتج؟

5ــ استحواذ ونهب باسم النبي.. وقفية منطقة حوث

ذكر المؤرخ الجنَدي في كتابه "السلوك" مفتخرا بمكانة الآل، مستشهدا بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كتب وقفية للرسي وأولاده ختمها بختمه (صلى الله عليه وسلم)، ونصت الوقفية أن الأرض الزراعية في منطقة حوث المروية بالغيول هي وقف من النبي لذريته الذين هم الرسي وأحفاده. هل هناك وقاحة واستخفاف بالعقول تضارع هذا السقوط؟

6ــ قتل العقول المستنيرة.. نشوان الحميري

هذه الصورة الثانية بعد قتل العلامة الهمداني. طبعا هناك عشرات المواقف المشابهة لكن نقتصر على المواقف المشهورة ومنها:

ــ نفي العلامة الفيلسوف المؤرخ اللغوي الطبيب الأديب الشاعر الفقيه المفكر الذائع الصيت "نشوان بن سعيد الحميري"، رحمه الله، من رجال القرن السادس، والذي دخل في جدال عنيف مع السفاح الفرعوني المفسد عبد الله بن حمزة، الذي سحق المطرفية في حراز، وكانت مطرفية حراز زيدية أقحاح 100%.

ــ السؤال: ما معنى زيدية؟ الجواب: ليسوا هادوية رسّية، وبالتالي لا يقولون بحصر الحكم في البطنين، فعاقبهم السفاح الهادوي الرسي الهاشمي، فقتل المئات من رجال حراز وصلبهم واسترق الأطفال والنساء، ولما سأله الناس: ما الفرق بينك وبين فرعون؟ أجاب: الفارق هي النية. أي أنه يتقرب بالقتل إلى الله، وفرعون يقتل باسم نفسه.

ــ أجاب السفاح ابن حمزة على سؤال: هل هؤلاء كفار؟ فقال: فساق تأويل ولكن حكمهم القتل. وهذه الفتوى عند الهادوية تعتبر متسامحة جدا، كونه لم يحكم عليهم بالخلود في النار؟

وماذا عن العلامة نشوان؟

استعان السفاح ضد نشوان بأخ لنشوان من أمه، والذي كان يعاني سعارا وعنازا نحو أُبّهة المنصب.

اشتدت المضايقة ضد نشوان وخذله من حوله خوفا من إفساد المجرم ابن حمزة، وفر نشوان إلى حضرموت.

7ــ التطبيق السابع.. تزييف الفقه الزيدي

اشتد ت المواجهة بين حملة الفكر الزيدي من جهة وبين الهادوية الرسية من جهة أخرى، وكان محل النزاع هو أن مذهب زيد بن علي مخالف للهادوية الرسية 100%.

هنا لجأ السفاح ابن حمزة إلى رسال أحد متعصبي الهادوية الرسية إلى طبرستان ليحضر كتب الزيدية من مكتبة طبرستان، وكانت اليد الشيعية قد طالت تلكم المكتبة بعبث التحريف طيلة ثلاثمئة سنة، فزورت وغيرت وبدلت ما يحلو لها، وتلك هي طبيعة الشيعة عبرالتاريخ.

باختصار، وصلت الكتب الملتاثة بالتشيع إلى صنعاء ومناطق حكم الهاشمية الرسية وتم فرضها وتدريسها بالقوة على أنها فكر الزيدية، وهكذا تم تلويث الفكر الزيدي بإفساد الهادوية الرسية.

8 ــ صورة سبقت النازية.. المطهر بن شرف الدين (سفاح القرن العاشر الهجري)

هذا السفاح حمل جبالا من الأطماع في التسلط، والحقد في سفك الدماء في سبيل إشباع نزواته الفاشية فقتل آلاف الأبرياء.

ظهر في القرن العاشر الهجري بعد أن انقلب على أبيه وأخوته واتجه -كما تسميه الرسية الهاشمية السياسية فاتحا- فقتل المئات واقتحم القرى ودمر وأحرق ونهب.

ولما وصل منطقة رداع ساق النساء والأطفال والرجال بين يديه إلى قرب ذمار وتوقف هناك ونادى من على صهوة فرسه آمرا بقتل 50% من الأسرى الأبرياء، ثم أمر بقية الأسرى من أبناء وأقارب المقتولين أن يحملوا رؤوس آبائهم وأقاربهم إلى صعدة ليرضى عنه أبوه كونه قتل من لم يبايعوه.

الشوكاني ضحية التزييف

ما يحز في النفس حقا ويجرح القلب أني وقفت على ترجمة هذا السفاح المجرم في كتاب الشوكاني "البدر الطالع"، حيث تم مدح السفاح بلسان الشوكاني ووصفه بالقائد العسكري اللامع، وتلك طبيعة الهادوية الهاشمية السياسية.

9ــ صورة أخرى.. تزييف في عصر الجمهورية

القصيدة المشهورة للعلامة نشوان الحميري رحمه الله، والتي استعرض فيها نشوان الحميري أنساب حمير من القرون الغابرة من عهد عاد وثمود حتى عهده، كانت قد ألقمت الرسيين حجرا وفي مقدمتهم السفاح ابن حمزة ومن حوله، حيث لم يستطع أحد منهم الرد عليها، لكن في عهد الجمهورية وبعد قرابة 550 عاما وجدنا شخصيتين من ذوات العيار الهاشمي الثقيل، فقها ومكانة ومناصب، هاتان الشخصيتان قامتا بشرح القصيدة والتقديم لها بمقدمة طويلة إلى حد ما، وهو عمل ظاهره خدمة المعرفة وباطنه الحقد الأسود، لكنه حقد مغلف بغلاف اسمه التحقيق العلمي.

لقد استبد بي الذهو ل إزاء التشكيك الهزيل الصادر عن هذين المحقِّـقـَيْن واللذَيْن تعمدا بكل فجاجة المغالطة والتشكيك بطريقة احترافية ماهرة في الخبث.

شكك المحققان بوجود شخص اسمه نشوان الحميري، كما شككا في بلدته ونسبه وزمنه، وشككا في مكان دفنه، متعامين عن كل ما قاله المؤرخون، وصدق الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما قال: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

10ــ نتائج مدمرة.. "من لقي له سيد بايعه إمام"

هذه المقولة للعلامة اليمني الفذ المؤرخ محمد بن علي الأكوع، رحمه الله، قالها ساخرا من عقلية القبيلي والهاشمي في آن: "من لقي له سيد بايعه إمام".

مقولة صادرة عن مؤرخ خبير تتبع تاريخ الرسية الهاشمية السياسية واصطلى هو بنار جرائمها في عهد أحمد يا جناه.

سأكتفي هنا فقط بشاهدين يؤيدان مقولة الأكوع. ففي عام 1267 هـ، بعد وفاة الشوكاني بـ17 عاما تقريبا، بلغ عدد الأئمة في الحيز الجغرافي (شعوب، عصِر، ضلاع، سبطان، زبطان، بئر العزب، ثُلا)، بلغ عدد الأئمة سبعة ظهروا في آن وظلوا سبعة أشهر، كل واحد إمام في قرية، وفي عام آخر ظهر خمسة أئمة في آن، وكل إمام يدعو للجهاد لإقامة شرع الله، فقامت حروب وحصار ونهب ممتلكات وقطع طرق وكوارث وأوبئة وجوع ونزوح جماعي جراء الجوع والحصار.

وقبل هذه الفترة تكرر مشهد تعدد الأئمة وإن بصورة أقل. تكررت هذه الأطماع فانعكست قتلا وتشريدا وتدميرا ونهبا للمساكن والمتاجر وسجنا وقتلا وصلبا وفضائع يشيب لها الوليد.

هذه الفضائع دفعت الفقيه الشوكاني يقرر مذهبه الفقهي في السيل الجرار بأن لا زكاة في عروض التجارة ولا زكاة في البقر و لا في النحل... إلخ. هذه الفتوى جاءت رحمة بالتجار الذين طالتهم يد الرسية الهاشمية السياسية بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

والغريب أن بعض المؤرخين يبكون دماً، ليس على ما حل بالأبرياء من قتل و... إلخ، فهؤلاء الأبرياء أهون من أن تنزل إزاءهم دمعة، لكن البكاء هو على "آل النبي" الذين يقتتلون فيما بينهم وتزهق دماؤهم بأيدي أبناء عمومتهم.

تلك هي الكار ثة العظمى عند عقليات أولئك المؤرخين، إنه إجرام يناطح السماء، أما سحق الأبرياء فليس بشيء.

تلكم هي قطرات من بحر ظلمات الإجرام والعربدة والفساد والإفساد وإهلاك الحرث والنسل باسم الدين والشرع، والشرع براء من هذه الفرعنة.

11ــ صور أخرى.. امتهان العقل اليمني

من الصعوبة بمكان استعراض هذه الصورة، كونها تحتاج مجلدا كبيرا، وقد استعرض كثيرا منها أحد الباحثين اليمنيين في أطروحة دكتوراه، غير أني سأسرد بأقصى سرعة جزءًا ضئيلًا جداً من صور الامتهان الفكري والثقافي وزرع الخرافات... إلخ:

ــ كتيب صغير اسمه "وصايا النبي لسيدنا علي"، فيه خمسون وصية مزعومة في غاية السفالة والسخف الذي يتنزه عنه عيال الشوارع، وإياك أن تقول هذا غير ممكن.

ــ "علي وفتوح اليمن الكبرى"، كتاب يزيد على 300 صفحة، كان يُقرأ في المجالس.

ــ كتاب سيرة علي في فتوح اليمن وقصصه غير السابق.

ــ علي جاهد النساء ولولاه لأفسدت النساء.

ــ القرود إذا أفسدوا المحاصيل وليس لديك سلاحا أصرخ "يا علي" فيهربوا.

ــ الجبال والتي أحجارها ذات مناظر هندسية قطعها علي.

- "السيد"، هذه سمعتها أكثر من مرة وأنا صغير من لسان بعض السادة قائلين: إذا وجدت السيد قد وقع وسط كوم من الأشواك فانتبه تساعده على الخروج، ولم؟ لأنه قد يحصل له أثناء تعاونك بعض من الوجع فيدعو عليك والله يستجيب للسيد على أية حال.

ــ هرب الأسد من صالة وولت العكفة هاربة وارتاع الناس فخرج أحمد يا جناه ولحق به إلى الحوبان وصرخ عليه "عُد يا خبيث"، فعاد الأسد ذليلا إلى الزريبة.

ــ وعند طلب الغيث من الله، الدعاء يعرفه الجميع: يارب بهم وبآلهمُ عجل بالغيث وبالفرجِ.

ــ هناك تُرع ماء في الجبال وبعضها جوار القرى ممتلئة بالأقذار والماء فيها يحمل أطنانا من النجاسات و... إلخ، فيقولون: اشرب. كيف أشرب؟ اشرب لأن أحد السادة مر ذات يوم وبصق في الترعة أو البركة وأصبح الماء أنقى من النقاء.

ــ السيد يكتب حرزا بجوار الميت حتى لا ينتزعه النباش من قبره.

ــ لطمة السيد للمريض شفاء تفوق كل علاجات الدنيا.

ــ بصقة من السيد في كوب ماء فيشربها المريض تطرد عشرات الأوبئة.. والقائمة طويلة.

تلكم هي بإيجاز بالغ صور من الأطماع والإفساد الرسي الهاشمي السياسي.

فما هي دوافع هذا الإفساد؟
وكيف نجح المفسدون وما هي وسائلهم؟ هذا موضوع الحلقة الثانية بعونه سبحانه.