السبت 20-04-2024 04:13:02 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قراءة عامة لمواقف الإصلاح في السنوات الأخيرة (التنازلات الوطنية، التضحيات التأريخية، السلوك السياسي المسؤول)

الإثنين 15 إبريل-نيسان 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص / محمد المياحي

 

على امتداد تأريخه في النضال، وفي كل المواقف التأريخية الحرجة، لم يتردد الإصلاح عن التضحية بكل ما يملك من طاقات ذاتية أو فرص في الكسب، من أجل تحقيق المصلحة العليا للشعب وبما يعزز المكاسب الكبرى للبلد.

هذا الحديث ليس امتداحًا إنشائيًا للحزب ولا هو موقف ناتج عن انحياز أيديولوجي له، بقدر ما هي حقائق موضوعية يمكن لأي متابع متجرد ومنصف أن يستخلصها من سلوكه السياسي إزاء مواقف كثيرة وعلى امتداد تأريخ الحزب القريب والبعيد.


* المصلحة الوطنية.. شعارًا وسلوكًا للحزب

كثيرون هم الذين يتشدقون بعبارات مصلحة الشعب والإعلاء من شأن المصلحة الوطنية؛ لكن الغالبية منهم تفضحهم سلوكياتهم السياسية في اللحظات الفاصلة ويتناقضون بين أقوالهم النظرية ومواقفهم العملية، على العكس من هذا تتجلى لنا المصلحة الوطنية لدى حزب الإصلاح كسلوك عملي حاسم يثبت مدى التزام الحزب بالشعارات التي يرفعها وكيف أنه لا يتردد لحظة عن التضحية بالمكاسب الخاصة مقابل أن يكسب الوطن الكبير وقضيته العامة.

والأمثلة العملية في هذا الاتجاه كثيرة، يمكننا فقط عمل رصد سريع لمواقف الحزب في السنوات الأخيرة ليتضح لنا الموقف أكثر.

* موقف الإصلاح من المبادرة الخليجية

(الجنوح للسلم تغليبًا للمصلحة العليا للبلد)

لم تكن المبادرة الخليجية حلّا مرضيّا يلبي تطلعات الحراك الثوري كما كان يطمح الشباب، والذين رفضوها حينها واعتبروها خيانة للثورة؛ لكن الإصلاح وبحكم ثقله في الثورة، عمل ما بوسعه للدفع باتجاه المصالحة الوطنية، وتقبل قسوة شباب الثورة وسخطهم، من أجل إخراج البلد بأقل الخسائر الممكنة.

هكذا نظر الإصلاح للمبادرة من منظور المصلحة العليا للبلد، وكونها قاعدة توافق تمثل الحد الأدنى لإجراء انتقال سياسي يمكن البناء عليه فيما بعد، واستكمال عملية تحول ديمقراطي بالتدريج. مع أن حزبًا بحجم الإصلاح لو أنه كان يشتغل بمنطق الانتهازية ويبحث عن مكاسبه الخاصة؛ لما كان قبل بمقترح المبادرة، وكان بإمكانه الاتكاء على المشروعية الثورية والذهاب باتجاه المطالبة باجتثاث النظام بكامله، فهو في تلك اللحظة يملك كل المبررات التأريخية والوطنية لممارسة عمل كهذا.

لكننا أمام حزب مسؤول، فضّل تحمل كل التهم من قبل الشباب الغاضبين وتقبل الأمر على مضص، فعل ذلك، لهدف تفويت الفرصة على النظام بجر البلد لحالة صراع مفتوح كما كان يهدد ضمنيّا، وفي بلد كاليمن تركيبته الاجتماعية هشة وقابلة للانزلاق إلى الصراع بشكل كبير، وكان احتمال عسكرة الثورة ودفعها للعمل المسلح وارد بشكل كبير، وفي ذلك خسارة باهضة حاول الإصلاح وشركاؤه تجنبها قدر الإمكان.

من هذا المنطلق قبل الإصلاح وشركاؤه في النضال الدخول في عملية سياسية مناصفة مع النظام، وهذا بحد ذاته تنازل تأريخي كبير يعكس طريفة تفكير الحزب وبذله لكل الجهود بهدف إخراج الشعب من محنته بأقل الخسائر الممكنة ولو كان ذلك على حساب مصلحة الحزب.

* موقف الإصلاح من انتخاب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني

(الإيمان الراسخ بالشراكة والتنازل للشركاء)

لاحقًا وبعد سريان المبادرة وتقدم العملية السياسية وصولًا لانتخاب الرئيس هادي في 22 فبراير من العام 2012، حشد الإصلاح كل طاقاته لانتخاب الرئيس، الذي ينتمي لحزب المؤتمر، لدرجة أن حرص الإصلاح حينها على إنجاح الانتخابات كان أكثر من حرص حزب المؤتمر الذي ينتمي له الرئيس هادي، وهذا يعكس مستوى إخلاص الحزب لأي عملية توافق وحرصه على تحققها دون أي اكتراث لمنطق المماحكات الحزبية أو التفكير من منطلق مكاسبه منها.

هكذا سخر الإصلاح نفسه للوقوف خلف رئيس هو من نفس الحزب الذي شارك الإصلاح بالثورة عليه، لكنها الضرورة الوطنية التي اقتضت ذلك إلى جانب منطق المصلحة العامة، وحين دعا الرئيس لتشكيل حكومة الوفاق التي قضت المبادرة بأن تكون رئاستها من نصيب المعارضة، لم يقل الإصلاح بأنه أكثر أحزاب المعارضة استحقاقًا لرئاسة الحكومة بل قدم لرئاستها شخصية تنتمي لحزب آخر (باسندوة المحسوب على الحزب الاشتراكي)، ليكون بذلك قد جسد قيمتين وطنيتين، الأولى تجاوزه لمنطق الثأرات ودعمه لانتخاب رئيس من حزب المؤتمر، والثانية تنازله لشركائه ومنحهم المناصب الكبرى مقدمًا بذلك شركاءه على نفسه.

والأمر ذاته انتهجه الإصلاح في تقسيم الحقائب الوزارية مع شركائه، إذ تقبل ما هو أقل من حجمه بكثير (4 حقائب وزارية: التخطيط، والتربية، والكهرباء، والعدل) وبقية الحقائب تم تقسيمها بين الأحزاب الأخرى، حتى تلك الأحزاب المتواضعة في وزنها منحت مثل حجم الإصلاح ولم يعترض الحزب أو يحتج على ذلك.

* الحوار الوطني واحتواء الإصلاح للخصوم

كان الحوثي هو المكون الوحيد الذي رفض المبادرة الخليجية؛ لكن هذا لم يمنع الإصلاح من الدعوة لإشراكه في الحوار مثل كل المكونات الأخرى بل وقبول منحه نسبة تمثيل تكاد تقترب من نسبة تمثيل الإصلاح، بالرغم من الفارق الكبير في الوزن بين الطرفين.

ومع كون الحوثي حينها لم يتخل عن السلاح وكان ما يزال يتحرش بالقبائل في حجة ومهد لخوض معركة ضد السلفيين في صعدة، وهو موقف كان الإصلاح يرفضه، إلا أنه حاول بكل ما يملك لعب دور إيجابي بهدف دفع الحوثي لميدان السياسة، في خطوة تعكس ولاء الحزب لكل ما يعزز السلام وقابليته للشراكة الوطنية مع أي قوة تمارس السياسة بأدواتها، وتبدي استعدادا لذلك، بصرف النظر عن تعنت الحوثي وتحايله وعدم جديته لأداء دور كهذا، فما يهمنا هنا هو دور الإصلاح المؤيد للسلام والشراكة والداعم لكل الكيانات التي تؤمن بالفعل السياسي بل والتنازل من أجل احتوائها، تجنيبًا للبلد من الصراعات.

* انعقاد مجلس النواب وإشهار التحالف السياسي ودور الإصلاح في الخطوتين

(مرونة سياسية عالية وتجاوز للأحقاد)

لدينا أيضًا موقف الإصلاح الأخير بخصوص انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب وكيف أن حزب الإصلاح كان السباق لحشد كل أعضائه في المجلس ودعم انتخاب رئيس جديد من حزب آخر (الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام) رغم أن هذا الحزب نفسه كان حتى الأمس القريب من أكبر خصوم الإصلاح؛ لكن الإصلاح تخطى كل هذه الحساسيات الحزبية بمرونة عالية متجاوزًا كل العقد التأريخية، مفضلًا المصلحة الوطنية العليا للبلاد وما يمكن أن تُثمره خطوة كهذه لصالح استعادة مؤسسات الدولة وتفعيل أدوارها بما يصب في خدمة المشروع الوطني الكبير وتعجيل خلاص الشعب من محنته الكبرى.

إلى جانب ما سبق، ومنذ انعقاد مؤتمر الرياض قبل عامين، عمل الإصلاح على الدفع باتجاه إنشاء تحالف سياسي جامع لإسناد الشرعية وتقوية مواقفها وبناء كتلة سياسية للوقوف خلفها، وبالرغم من تعرقل إعلان التحالف لأسباب سياسية كثيرة إلا أنه خرج للنور أخيرًا، وكان الإصلاح في مقدمة الأحزاب المنضوية فيه، ولم يمانع من ترشيح قيادي مؤتمري ليكون في واجهة التحالف الوطني (تم انتخاب رشاد العليمي وهو قيادي مؤتمري).

كل ما سبق يمنحنا شواهدا إضافية حول سلوك الإصلاح السياسي ومواقفه المبدئية الداعمة لكل عمل سياسي يسهم في عودة الدولة حتى لو لم يجن الحزب منها شئيًا.

الخلاصة

هكذا إذن ودائمًا نجد أن الإصلاح يرمي بكامل ثقله ويقف خلف كل خطوة تخدم المصلحة الوطنية دون أي التفات لمكاسبه الخاصة، بالرغم من مشروعيتها، كما أنه يفرق بين اللحظة التأريخية الاستثنائية وما تتطلبه من سلوك سياسي جامع وبين منطق المنافسة الحزبية التي تصلح في الظروف الطبيعية المستقرة للدول.

ففي كل السنوات الأخيرة، لم ينظر الإصلاح للهوية السياسية للأشخاص المنتدبين ليتقلدوا مهاما إدراية على رأس أي مؤسسة، فالأهم لدى الحزب هو أن يؤدي الشخص عمله بمسؤولية بصرف النظر عن انتمائه، وفي هذه الحالة لا يتوقف دور الإصلاح على مجرد عدم الاعتراض تجاه تقلد الشخص الذي لا ينتمي إليه لأي منصب ما، بل يقف لدعمه ويبدي استعداده لإنجاح مهمته حتى النهاية، في مشهد يعكس حسا وطنيا عاليا، وتصرف يندر أن تلاحظه لدى الأحزاب التي أدمنت البحث عن مصالحها على حساب مصلحة الوطن الجامعة.

كلمات دالّة

#حزب_الاصلاح #اليمن