الخميس 28-03-2024 23:20:58 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثية.. الخلفية والعمق والتطور

السبت 06 إبريل-نيسان 2019 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ توفيق السامعي
 

الحركة الحوثية حركة اجتماعية عقائدية سياسية فكرية لها امتداد أيديولوجي ثقافي ديموغرافي عنصري تعتبر امتداداً للمشروع الإمامي عبر التاريخ اليمني. فالمشروع الإمامي هو الغاية يستلهمونه في أفكارهم وعقيدتهم وأيديولوجيتهم وسلوكهم، حيث إن هذه الحركة تعد اليوم رأس المشروع الإمامي الذي قضى عليه اليمنيون في ثورة 26 سبتمبر، عمد فيه المشروع الإمامي إلى التنظيم السري بعد ثورة سبتمبر ولم يسلموا بالثورة والحكم الجمهوري وأعادوا ترتيب صفوفهم بسند من إيران بعد انقلاب الخميني عام 79م.

 المشروع الحوثي أظهر المشروع الإمامي إلى العلن وعجل به بعد أن كان التنظيم الإمامي تنظيماً سرياً، عبر العمل العسكري المدعوم إيرانياً واقتطف ثمار هذا التنظيم حسين الحوثي بتمهيد من أبيه الذي كان بمثابة الإمام الخفي في أقاصي صعدة بعيداً عن عين الدولة والجمهورية، وبعد لجوئه إلى إيران كان حلقة الوصل وباذر بذرة الحوثية في صعدة منذ منتصف الثمانينيات بسبب تواجده في إيران لاستلهام الدعم وتصدير ما يسمى بالثورة الخمينية وولاية الفقيه التي سنفرغ لها حلقة خاصة بها.

كانت واجهة المشروع الإمامي العمل السياسي عبر حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية وتأثير كثير من شخصياته في الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) عبر بعض قياداته أمثال المتوكل والكحلاني والشامي وغيرهم، فضلاً عن لوبي خارجي في أمريكا وبعض الدول الأوروبية كألمانيا التي وصل أحدهم إلى منصب وزير فيها ووسيلتهم منظمات المجتمع المدني التي تدار من الداخل وهي واجهة الدعم الخارجي، وكان يسيطر عليها محمد عبدالملك المتوكل وآل الوزير وآل حميد الدين وبعض من شخصيات آل شرف الدين، والكل في أمريكا وبريطانيا وألمانيا. وامتزج في هذا المشروع البعد العقائدي الطائفي والعنصري والمناطقية والقبلية.

إذاً المشروع الإمامي سقط ظاهراً وبقي يعمل في الخفاء وله اختراقات في كثير من الأحزاب، فضلاً عن تغلغلهم في كل مفاصل الدولة منذ وقت مبكر؛ فالثورة والجمهورية لم تقصهم من وظائفهم أو مراكزهم في الدولة إلا بعض المناصب العليا كالرئاسة ورئاسة الوزراء لأنهم كانوا هم الدولة العميقة في الجمهورية، كانت المحسوبيات هي التي تعمل على تعزيز تواجدهم في الدولة عبر الجيل السابق ونقله للاحق بعملية سلسة وبكل هدوء بحيث لم تحدث ربكة أو جلبة تتنبه لها السلطات الحاكمة للجمهورية فيما بعد.

كما عززت المصالحة التي تمت بين الإماميين والجمهوريين عام 1970 وتمكينهم من نسبة مشاركة في الدولة على مستوى الوزراء عزز من تواجدهم في مفاصل الدولة التي أثرت فيما بعد تأثيراً كبيراً على كافة مناحي الحياة وحركة وبرنامج الدولة على مستوى التوظيف والابتعاث للخارج واختراق الجيش والأمن والمخابرات جعلتهم يتحكمون في كثير من الأمور حتى استعان بهم الرئيس السابق صالح عيني عينك بدون أي مواربة أو تردد وزاد من تمكينهم أكثر فأكثر حتى غدوا هم الحاكمين للبلد تحت مظلة الحزب الحاكم.

في عام 1984 بدأ ما يعرف بتنظيم الشباب المؤمن بالظهور في إيران بعد اقتحام الطلبة الإيرانيين السفارة الأمريكية في طهران، أو كان ذلك هو الثمرة لهذه الحركة، وفي تلك الآونة كانت بداية تصدير ثورات الخميني الاثنى عشرية، ومن ذلك التنظيم استلهم بدر الدين الحوثي فكرة إنشاء التنظيم في الوقت الذي كان ابنه حسين الحوثي في التنظيم السري للمشروع الإمامي بصنعاء والذي ظهرت واجهته في التعددية السياسية عام الوحدة وبرز كما قلنا حزبا الحق واتحاد القوى الشعبية كلافتة سياسية لهذا المشروع، غير أن حسين الحوثي استبطأ تحركات هذين الحزبين وسارع إلى قطف ثمار المشروع الحوثي بما يشبه التنافس الأسري الداخلي لهذا المشروع وعجل بحركته العسكرية عبر تجنيد الشباب في صفوفه وزار طهران واستجلب الدعم الإيراني بعد استقالته من حزب الحق وبدأ بتنظيم صفوفه عسكرياً بشكل سري في عام 1997 وكانت واجهته عبارة عن أنشطة ثقافية وتعليمية بينما كانت تنظيمياً تنتظر الفرصة عسكرياً.

المشكلة في هذا التنظيم أنه قام على أقبح المرتكزات للعمل السياسي، وهي العنصرية، والعمل المسلح الهمجي، وعملية الفرز الطائفي التي تودي بالمجتمعات وتخلق الكوارث والمجاعات والحروب والتهجير والقتل والنهب والسلب، حتى أنهم تجاوزوا العمل السياسي المسموح به في الدستور والقانون اليمني بحكم التعددية ولم يعترفوا بهما وداسوا عليهما ومضوا في تطبيق دستورهم، وفي الحقية اللادستور، وهي وثيقتهم الفكرية التي أخرجوها إلى العلن عام 2012.

أدرك هذا المشروع الإمامي والحوثية أنهم عبر صناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة لا يمكنهم الفوز ولا يمكن للشعب أن يقبل بمشروعهم فلجأوا إلى أقصر الطرق وهي الانقلابات والحروب ووسائل الإكراه والتسلط على الشعب، ساعدتهم كثير من المتغيرات الدولية والإقليمية، ولقوا تمويلات مختلفة ليس فقط من طهران ولكن حتى من بعض الدول العربية.

هناك بعض الأهداف الإقليمية والدولية التي دخلت على خط هذه الحركة المليشوية تمثلت في أن تجعل منها جماعة عنف مسلحة لطعن المنطقة وابتزاز بعض دول الإقليم مالياً وسياسياً والدليل رعاية هذه الدول للحركة الحوثية تصنيفها في قوائم الإرهاب رغم كل الجرائم الوحشية التي اقترفتها بحق الشعب اليمني.

تقاطعت الأجندة الدولية في تمكين الأقليات في المنطقة وخلط الأوراق وكذلك المساومات بها لدول أخرى داعمة لها مثل إيران.

بطبيعة الحال هناك جذور تاريخية سياسية وعقدية لهذه الحركة بدأت بشكل أفراد وعصابات منذ القرن الحادي عشر الهجري وكان يشجعها بعض الأئمة الذين مهدوا لها كأمثال القاسم بن محمد مؤسس الدولة القاسمية، وابنه المتوكل إسماعيل تسترت بالزيدية واتخذتها مطية لها وقد أوضح ذلك مؤرخهم يحيى بن الحسين بن القاسم في كتابيه بهجة الزمن والمسالك وما إن تختفي إلا لتعود مجدداً، وجاهرت برفضها واعتقادها الرافضية مع الحوثي الأول "يحيى بن محمد الحوثي، الذي كان يصرخ باللعن وسب الصحابة (في الجامع الكبير بصنعاء). كما قال بذلك الإمام الشوكاني رحمة الله عليه، على أيام الإمام المنصور علي، الذي أمر بنقل الحوثي من الجامع الكبير، فقام بعض أنصار الحوثي برفع أصواتهم باللعن والسب في الجامع الكبير بصنعاء، ومنعوا إقامة صلاة العشاء، وخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء، ورجموا البيوت، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيراً من الطاقات"( ).

ظلت هذه الظاهرة كامنة ومستترة بالمذهب الهادوي وكمنت في صعدة تحديداً حتى ظهرت مع الحوثي الأب الداعي إلى الاثنى عشرية وأخرجها إلى العلن كحركة منظمة وعسكرية مقاتلة ابنه حسين بدعم إيراني، ومضت بدعم دولي وإقليمي ساعدتهم على ذلك الكثير من الظروف على الأرض وتفكك وتنافر القوى المضادة، وفي الحقيقة كثير من تلك القوى كانت مكملة لهم لا مضاداً لهم، وقد تبينت عبر تأييدهم الانقلاب وقيادات حملات إعلامية وفكرية وسياسية ومساندة عسكرية لهم حتى ظل التجمع اليمني للإصلاح هو الكيان الوحيد الواقف ضد هذا المشروع الدخيل، لم ينتصر بقوته بل بتفكك القوى الوطنية وضعفها وعدم مواجهة الدولة له، إلا مؤخرا.