الجمعة 29-03-2024 14:16:50 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

التهجير القسري للسكان.. جريمة العصر الحوثية ضد المجتمع اليمني

الخميس 28 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص

 

كشف تقرير حقوقي أصدره ائتلاف المنظمات الحقوقية بمحافظة حجة، مطلع شهر مارس الجاري، عن أن قصف الحوثيين وحصارهم لمناطق قبائل حجور منذ أكثر من 40 يوما أجبر 48 ألف شخص على النزوح يمثلون 2200 أسرة.
ويقول التقرير إن بعض الأسر الهاربة من القصف العشوائي لجأت إلى 22 مدرسة، واتخذتها مساكن لها، لعدم وجود مخيمات إيواء، في وقت قامت فيه المليشيات الحوثية الانقلابية الممولة من طهران بالاستحواذ على مزارع ومنازل السكان وتدمير مزارع ومنازل أخرى.
وفي أحدث تقرير صادر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان قبل يومين، أشار المركز إلى أن الميليشيا الانقلابية اختطفت وأخفت 176 مدنياً في حجور بحجة، وهجرت نحو 2665 أسرة وتسببت في نزوح 4856 أسرة.
هذه الصورة لم تكن سوى حلقة إضافية من حلقات الجريمة الحوثية الممتدة منذ العام 2004، والمتمثلة بتهجير السكان والمواطنين اليمنيين الذين يرفضون أن ينساقوا في مخططات الجماعة الحوثية.

عقدان من التهجير

لم يكن تهجير مليشيا الحوثي لليهود اليمنيين من أراضيهم في صعدة إلا أول حلقات الجريمة الحوثية الموجهة إلى عمق المجتمع اليمني، فقد أصبح مسلسل التهجير هو أحد أشكال التطهير في صراع الجماعة بالنيابة عن المشروع الطائفي الإيراني، فاتجهت الذراع الحوثية الإيرانية في ممارساتها الانتقامية من المخالفين ليكون التهجير هو الأداة العقابية الجماعية، يتبع ذلك السيطرة على الأملاك أو تدميرها بأساليب تعكس الحقد والبطش الممنهج ضد كل قوى المجتمع اليمني.
ومنذ الحرب الأولى التي اندلعت بين الجيش اليمني ومليشيا الحوثي في صعدة في العام 2004، أصبح السكان يدركون أن من رفض الفكر الحوثي الدخيل على المجتمع لم يكن مصيره بعيداً عن الاعتقال والتعذيب والتهجير والقتل، فقد مارس الحوثيون شتى أنواع الجرائم واﻻنتهاكات بحق أبناء وسكان محافظة صعدة منذ بدء إعلان تمردهم على الدولة في 17 يونيو/ حزيران في عام 2004.
وخلال ست حروب عاشتها صعدة بين عامي 2004-2009 تعرضت خلالها قرى ومديريات صعدة للدمار وهجّر الآلاف من سكانها الذين ما زالوا نازحين ومهجرين من بيوتهم ومزارعهم حتى اليوم، وتقول إحصائيات إن نصف مليون من المهجرين والنازحين قسرياً شردتهم حروب المليشيا الحوثية الإيرانية، كما تم ملاحقة بعض المهجرين بالقتل والتغييب في السجون والاغتياﻻت.

اتساع رقعة الجريمة

ومع مطلع العام 2014 كان الحوثيون يقدمون على ارتكاب سلسلة أخرى من جرائم التهجير القسري بحق أبناء دماج في صعدة، ومعهم المئات من طلاب العلم، وحسب الإحصاءات فإن 15 ألف شخص أرغموا على مغادرة منازلهم ومزارعهم تحت وطأة القصف والحصار الذي فرضه عليهم الحوثيون لقرابة مئة يوم.
ووصل الحوثيون إلى محافظة عمران منتصف العام 2014 لتصل معهم جرائم التهجير القسري، فهجرت المليشيات عشرات الآلاف من السكان من مختلف المديريات، والآلاف من الأسر أصبحت تبحث عن مأوى، ووصلت جرائم الحوثيين إلى مختلف المحافظات التي وصلت إليها مليشياتهم الهمجية، ولعل أشهر جرائم التهجير الجماعي للسكان في الوازعية غربي محافظة تعز، وكذا تهجير 282 أسرة من قرية الشقب في صبر الموادم وحدها، وفي مديريات الساحل الغربي في الحديدة وحجة، وعدد من مديريات محافظتي إب وذمار، ولم تف الإحصائيات بحصر أعداد السكان والأُسر التي هجرتها المليشيات، لأن التهجير أصبح سلوكياً يومياً، ولا يكاد يمر يوم دون تهجير لأفراد أو أسر بكاملها.

سلوك حوثي

ويتعامل الحوثيون مع اليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم كرهائن، غير أن الجريمة الأكبر هي عملية التغيير الديموغرافي من خلال التهجير القسري للمختلفين مع الجماعة ذات التوجه الإيراني الفارسي، وما تتعرض له منازل وممتلكات المهجرين من بسط وتدمير، في ممارسات تعد جرائم حرب وتصنف كجرائم ضد الإنسانية.
لقد حولت مليشيات الحوثي المناطق التي تحت سيطرتها إلى مناطق عسكرية ترتكب فيها أبشع الجرائم، ليس أقلها التهجير القسري الذي أصبح سلوكاً توصم به الجماعة الموالية لإيران.
وأصبح من المتعارف عليه أن أبرز ما أنتجته الحركة الحوثية العنصرية من أشكال عقابية على المجتمع اليمني الرافض لها، هو خلق مأساة المهجرين اليمنيين ومضاعفة أعداد النازحين في مخيمات الإيواء، وما يترتب على ذلك من مشكلات اجتماعية ونشوء مظلوميات جديدة والعبث بالتركيبة الديمغرافية وخلق بؤر عنف متصاعدة ومستمرة، ونسف السلم الأهلي الذي أجهزت عليه الحركة المعبرة عن المشروع الإمامي في اليمن.

مشروع إقليمي

يرى الصحفي والباحث اليمني نبيل البكيري أن سياسة التهجير وإعادة تشكيل الخارطة الديمغرافية التي تقوم بها مليشيات الحوثي، سياسة خطيرة على المجتمع اليمني ومستقبل البلاد، ولها أبعاد متعددة.
ويؤكد البكيري لـ"الإصلاح نت" أن مليشيات الحوثي تستقي خططها في سياسة التهجير من نفس المشروع الذي جرى في سوريا والعراق وحتى لبنان والذي تبنته مليشيات طائفية مدعومة إيرانيا من أجل السيطرة على هذه المناطق من خلال تهجير سكانها الأصليين وتغيرهم بسكان ينتمون ويؤمنون بمعتقدات هذه الجماعة الطائفية.
أما الكاتب الصحفي حسين الصوفي فيوضح أن مليشيا الحوثي تعمل كمحتل سلوكا ومنهجا وعداءً للشعب اليمني بصورة مفرطة لم يسبق لها مثيل.
ويتفق الصوفي مع الباحث البكيري على أن ذلك هو الوجه الحقيقي للمليشيا الحوثية باعتبارها مقاول هدم وذراع خارجي لا تألوا جهدا في تفتيت النسيج المجتمعي وتفكيك الكتل الاجتماعية والديموغرافية تماما مثلما عملت أذرع إيران في العراق وسوريا وهي امتداد لإستراتيجية حرث الأرض التي أعلنتها إيران منذ مطلع الألفية.
لكن الصوفي يذهب في حديثه لـ"الإصلاح نت" إلى أن التصريحات من بعض الأطراف الدولية التي تأتي بين الحين والآخر تكشف عن رضى وقبول بما تقوم به مليشيا الحوثي من تهجير وتفجير وتشريد وتدمير لعمق المجتمع كما لو أنها تعمل كمقاول ينفذ أجندة تلك الأطراف التي تردد بين حين وآخر التقسيم الشفاف للجغرافيا في اليمن، وهو ما يفسر صمت وتغاضي الجهات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة.

صمت دولي

وفي محافظة مأرب تبرز الجريمة الحوثية واضحة للعيان، حيث ضمت مأرب عشرات الآلاف من الأسر القادمة من مختلف المحافظات، غير أن أبرز صور التهجير قسوة تتجلى في المئات من المختطفين الذين تم إطلاقهم من معتقلات المليشيات الحوثية ضمن صفقات تبادل أسرى، وتم تهجيرهم قسريا بعيدا عن أسرهم، في الوقت الذي عاد أسرى الحوثيين إلى أسرهم ليواصلوا القتال في صفوف الجماعة الحوثية دون أن يحرك ذلك ضمير المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة.
ترى الجماعة الحوثية -كذراع إيرانية في اليمن- أنها بهذه السياسيات تقوم بتفصيل مجتمع وفقاً لمشروعها السياسي والثقافي والاجتماعي والطائفي الدخيل على اليمنيين، وتستغل طول أمد الحرب لإحداث أكبر قد ممكن من النجاح، ويأتي التهجير وتغيير البنية الديموغرافية على رأس الوسائل التي تنتهجها مليشياتها، ويعد القانون الدولي جريمة التهجير ضمن الجرائم ضد الإنسانية، لكن التهجير مستمر في اليمن مع استمرار صمت المجتمع الدولي.