الجمعة 29-03-2024 00:01:03 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مجزرة جمعة الكرامة.. دلالات الحدث ونتائجه العكسية

الخميس 21 مارس - آذار 2019 الساعة 08 مساءً / الاصلاح نت-خاص- عبد السلام قائد

 

تمثل مجزرة جمعة الكرامة، التي حدثت في 18 مارس 2011، نقطة تحول كبيرة في مسار الثورة الشعبية السلمية، التي اندلعت ضد نظام علي عبد الله صالح العائلي، نظرا لما ترتب عليها من نتائج كانت غير متوقعة للنظام الذي اعتقد بأن تلك المجزرة ستقضي على الثورة الشعبية ضده، وإذا بالنتيجة أنها زادت من وهج الثورة، وتسببت في شروخ عميقة هزت بنيانه، وكانت تلك اللحظة بمثابة البداية العملية لتفكك النظام وشبكاته وعلاقاته الزبائنية وبدء تفكك "الدولة العميقة" التي تراكم بنيانها الصلب أكثر من ثلاثة عقود.

ورغم أن مسار الأحداث في البلاد، منذ تلك المجزرة، تشعب كثيرا، خاصة بعد انقلاب تحالف جماعة الحوثيين وعلي عبد الله صالح على السلطة الشرعية، وما ترتب على ذلك من اندلاع حرب أهلية عنيفة وتدخل عربي لمساندة السلطة الشرعية ضد الانقلاب، إلا أن مجزرة جمعة الكرامة وتداعياتها لم تتجاوزها كل تلك الأحداث الصاخبة التي شهدتها وما زالت تشهدها البلاد، وما زالت تلك المجزرة البشعة والمؤلمة بمثابة الوقود الذي يجدد روح الثورة ويمدها بأسباب الاستمرار حتى القضاء على الانقلاب، ثم استئناف المسار الثوري حتى تتحقق أهداف الثورة كاملة.

- دلالات الحدث

لعل أهم دلالة لحادثة مجزرة جمعة الكرامة، التي راح ضحيتها 53 شهيدا ومئات الجرحى، أنها أجابت، وبشكل عملي، على السؤال الجوهري حينها، وهو: لماذا اندلعت الثورة الشعبية السلمية ضد نظام علي عبد الله صالح؟ ذلك أن نظام الحكم بارتكابه لتلك المجزرة كشف عن حقيقته بكل وضوح، ولم يعد بعدها بإمكانه أن يغطي بشاعته مهما فعل. كما أن اختيار مسار الثورة السلمية، كان الهدف منه تجنيب البلاد مجازر دموية بشعة سيرتكبها نظام علي صالح في حال اندلعت ضده ثورة مسلحة، بسبب تشكيله جيش عائلي لحماية السلطة وضد الشعب.

لقد أظهرت تلك المجزرة نظام علي صالح بأنه نظام دموي استبدادي، ويسعى بكل عزيمة وإصرار لمصادرة أحلام الشعب في بناء دولة ديمقراطية حديثة تحقق ولو الحد الأدنى من الرفاه المعيشي لمواطنيها، وأيضا إصراره على مصادرة تضحيات أحرار اليمن ضد نظام الحكم العائلي سواء كان بلبوس كهنوتي إمامي أو بلبوس جمهوري مغطى بمساحيق هشة من حرية التعبير وحرية العمل السياسي، وجعل الممارسة الديمقراطية مجرد ديكور لتلميع النظام والتغطية على فساده وعلى مشروعيْ تأبيد السلطة وتوريثها.

كانت مجزرة جمعة الكرامة محكمة التخطيط زمانا ومكانا، فالزمان هو يوم الجمعة وبعد انتهاء الصلاة مباشرة، حيث تكون الحشود في الساحة كثيرة جدا وفي أعلى درجات حماسها، نظرا لأن كثيرين يحضرون صلاة الجمعة فقط في الساحة ولا يعتصمون فيها بشكل دائم بسبب امتلائها بالمعتصمين. وأما المكان، فقد تم اختيار ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء من بين بقية ساحات الاعتصام في المدن الأخرى نظرا لرمزيتها، والتركيز على أن يكون إطلاق الرصاص على منصة الساحة وحواليها، كون ذلك مكان تجمع قيادات الثورة والنخبة الشبابية الأكثر حماسا لها.

كما تم اتخاذ من بيت مسؤول حكومي، وهو محافظ محافظة المحويت، لتكون مكانا لتجمع البلاطجة وتنفيذ الجريمة، بعد بناء حواجز جدارية تفصل البيت عن الساحة، وإحراق إطارات سيارات للتمويه على مكان تجمع البلاطجة، بعد أن رفض جميع ملاك البيوت المجاورة للساحة اتخاذ بيوتهم مكانا لتنفيذ المجزرة، وأيضا اختيار بلاطجة بلباس مدني، كل ذلك ليتنصل النظام من مسؤوليته عن الجريمة، في حال كان منفذو الجريمة بلباس عسكري أو من منتسبي قوات الجيش والأمن.

مع العلم بأنه لولا تمكن بعض شباب الثورة من هدم الحواجز الجدارية واختراق إطارات السيارات المشتعلة، رغم خطورة المغامرة التي راح ضحيتها عدد منهم، من أجل الوصول إلى مكان البلاطجة والقبض على بعضهم بعد فرار البعض الآخر، لكان البلاطجة استمروا في مهمتهم، وسيكون ضحايا تلك المجزرة بالمئات وربما الآلاف، نظرا لكثرة أعداد البلاطجة، وكثافة ما لديهم من رصاص، وربما أنهم كانوا يريدون الاستمرار في المجزرة حتى هروب جميع من في الساحة وإفراغها من المعتصمين.

ويعني ذلك التخطيط المحكم للجريمة، في وقت تمتلئ فيه الساحة بالمعتصمين، والتركيز على قتل أشخاص محددين قنصا بالقرب من منصة الساحة، وتكليف بلاطجة بزي مدني نفذوا الجريمة من منزل مسؤول حكومي، واستعداد علي صالح بأن يظهر بعد ارتكاب الجريمة مباشرة في خطاب عبر التلفزيون يدين فيه الجريمة ويعلن حالة الطوارئ في البلاد وحظر التجول في الليل، كل ذلك يعني أن نظام علي صالح كان يهدف إلى القضاء التام على الثورة ضده، لاعتقاده بأنه بعد تلك الجريمة إما أن المعتصمين سيصابون بالرعب وسيغادرون الساحة تطوعا خشية مصير رفاقهم والرعب الذي عايشوه، أو أنه سيوجد لنفسه المبررات لتفريق ساحات الاعتصام والقضاء على الثورة، بذريعة سريان حالة الطوارئ وحظر التجول في الليل وحفظ الأمن وغير ذلك من المبررات، في حال استمرت الثورة.

- نتائج عكسية

خابت توقعات علي عبد الله صالح ومعاونيه بعد ساعات قليلة من ارتكابهم لمجزرة جمعة الكرامة، فالمجزرة لم تنجح في القضاء على الثورة أو إيجاد المبررات للقضاء عليها، ولكن كان لها نتائج عكسية أربكت علي صالح ومعاونيه، وجعلتهم في حيرة من أمرهم، ولم يستطيعوا التنصل من مسؤوليتهم المباشرة عن الجريمة.

وفي ما يلي أبرز النتائج العكسية لمجزرة جمعة الكرامة بالنسبة لعلي عبد الله صالح ونظامه:

- بدأ نظام علي صالح، والدولة العميقة، في التفكك والانهيار التدريجي، بعد أن انشقت عدة كتائب وألوية عسكرية عن نظام صالح وأعلنت الانضمام للثورة وحمايتها، وأيضا انشقاق عدد من قيادات حزب المؤتمر ومسؤولين حكوميين وأعضاء في البرلمان ومجلس الشورى وإعلانهم تأييد الثورة والتبرؤ من جرائم علي صالح ومعاونيه ضد المعتصمين السلميين العزل.

- ازداد أعداد المعتصمين في مختلف ساحات الحرية والتغيير في مختلف أنحاء البلاد، وازدادت حدة السخط الشعبي ضد علي صالح ونظامه، وبالتالي ازدياد المطالب الشعبية برحيله ومحاكمته على جرائمه، وانضمام عدد كبير من قيادات وقواعد حزب المؤتمر للثورة وتأييد مطالبها المشروعة.

- خسر نظام علي عبد الله صالح علاقاته مع حكومات البلدان الشقيقة والصديقة، كما خسر كثيرا من علاقاته الزبائنية وشبكة المصالح التي شكلها حوله داخل البلاد، وبات الجميع ينظرون له كحاكم دموي لا يتورع عن سفك دماء عدد كبير من خيرة شباب بلاده وهم عزل من السلاح، وينادون بمطالب مشروعة كفلها لهم دستور بلادهم التي يحكمها، وأقسم اليمين الدستورية بتطبيق ذلك الدستور عدة مرات كلما جدد لنفسه استئناف حكم البلاد، سواء بإجراء تعديلات دستورية أو من خلال انتخابات مزورة.

وإزاء تلك النتائج العكسية لمجزرة جمعة الكرامة، شعر علي صالح ومعاونيه بالارتباك والانهيار النفسي والمعنوي، وكانت تلك المجزرة نقطة تحول كبيرة في مسار الثورة من جانب، وفي عمر نظام صالح وتماسكه من جانب آخر، وبدأ العدل التنازلي لنظام حكمه من تلك اللحظة التي ارتكب فيها المجزرة، ليتسارع مسار الأحداث بعد ذلك وتتعدد محطاته وتموجاته، ليشهد الجميع نهاية المسؤول الرئيسي عن تلك المجزرة، علي صالح، وبطريقة تشبه الطريقة التي قتل بها شباب الثورة، وعلى أيدي أشخاص يشبهون بطلاجته الذين كلفهم بتنفيذ تلك الجريمة.