الثلاثاء 16-04-2024 21:11:12 م : 7 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودولة المواطنة.. خطوات في البناء وسط المعوقات.. الخطوة الرابعة: الإصلاح والديمقراطية

الأربعاء 20 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ أ. عبد العزيز العسالي

 

مقدمة: عوائق الديمقراطية

لا شك أن القارئ يدرك أسباب وعوائق الديمقراطية، وأن أبرز الأسباب التي قتلت الديمقراطية تتمثل في كلمة واحدة هي "التقليد"، فالتيار المتغربن بشقيه الليبرالي والماركسي قدم صورة للديمقراطية تثير الغثيان.

بالمقابل، التيار المحافظ رفض الديمقراطية 100% لأنه يمتلك أقوى البراهين على تجريم الديمقراطية من خلال تطبيق اليسار العربي وبالتالي انكفأت وانغلقت.

ولو أن النخبة المحافظة تأملت بهدوء لوجدت أن الديمقراطية موديلات، وبالتالي كانت ولا شك ستقترب من الصواب محددة مجالات الاقتباس، حينها ربما كانت الثقافة العربية الإسلامية قطعت مسافة إيجابية.

لكن فريقي النخبة، الليبرالي والمحافظ، تشبعا بوباء التقليد، فالليبراليون أخذوا التفاهات عن الغرب، والنخبة المحافظة أخذت قشور الموروث.

 

الخلاصة:
ــ تم تشويه الديمقراطية ثقافيا وفكريا وسياسيا واجتماعيا.
ــ الممانعة الثقافية كانت في اليمن أكثر تصلبا نظرا لاتساع مساحة الأمية الحرفية، والتي أثمرت بطبيعة الحال الأمية الثقافية والفكرية خلال عقود طويلة.

لنترك عهد ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وبلمحة سريعة نتحدث عن دور ميادين التثقيف في العهد الجمهوري، فالمدرسة والمسجد والمعهد
والجامعة والإعلام والمقيل، هذه الميادين هي التي حملت الممانعة الثقافية دينيا وسياسيا واجتماعيا، ممانعة تعني التحريم والتكفير والتضليل والتبديع للديمقراطية وبقية المنظومة والبرهان فعائل اليسار العربي.

كانت ثقافة الممانعة قد خدمت الظلم والاستبداد والديكتاتورية أي خدمة.

 

محرمات الأمس واجبات اليوم:

بقيام الوحدة اليمنية جاء الدستور بالتعددية السياسية والديمقراطية.. إلخ منظومة مكونات بناء دولة المواطنة. وبين عشية وضحاها ما كان بالأمس كفرا وضلالا لدى فصيل إسلامي وبدعة وتقليدا للكفار لدى فصيل آخر، بل ما كان حرام سياسيا ودستوريا أمس يوم 21 مايو 1990م، فإنه قد أصبح بعد يوم واحد مباحا دستوريا والممارسة السياسية في الجانب الفردي جائزة.

أما على المستوى السياسي (الشرعية السياسية)، فقد أصبح واجبا، أو قل شرطا ضروريا يترتب عليه صحة أو بطلان العقد الاجتماعي، أي تصعيد الحاكم إلى سدة الحكم.

بكلمة، وجد العقل اليمني ذاته بين عشية وضحاها أنه أمام مشكلة كبرى بل وعويصة في أحسن توصيف، وإن هذه المشكلة بحاجة إلى تفكير طويل. وفريق آخر يرى أنه أمام إشكالية لا حل لها، وربما استحضر هاجس العنف.

 

الإصلاح والديمقراطية

ثقافة الإصلاح شأنها شأن ثقافة المجتمع اليمني بحكم دستور الأمس وتراكمات الصراع الثقافي، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إن ثقافة الشعوب الرازحة تحت نير الاستبداد هي أشبه ببذرة نبتت تحت صخرة ضخمة، فما الذي يحصل لها؟ إنها تنمو وتنمو ولكن كيف هذا النمو؟

إنها تنمو بشكل حلزوني طيلة أسابيع أو أشهر عدة بحسب مساحة حجم الصخرة، ثم بعد فترة طويلة تظهر للنور وتمتص من شعاع الشمس فيأخذ هذا الجزء الخارج شكل النبات الحيوي الذي نبت طبيعيا بعيدا عن الصخر.

ولكن إذا أزحنا الصخرة فسنجد أن البذرة قد بنت ساقا طويلا مستديرا حول ذاته كما أنه نحيل فاقع اللون، فإذا حاولنا جذبه لنجعل منه ساقا مستقيما فالنتيجة أنه يتقطع قطعا صغيرة لا تتعدى طول الأصبع، وبالتالي نكون قد أضعنا الشتلة والبذرة وأضعنا الوقت والجهد.

ذلكم هو مثال تقريبي للثقافة اليمنية -أغلبها- تجاه الديمقراطية خصوصا وبقية المنظومة ذات الصلة بها عموما والتي يتكون منها مفهوم بناء الدولة.

مشكلة أخرى: هذا التوصيف الثقافي حاضر وبقوة أكثر، دينيا وسياسيا واجتماعيا، لدى الفئات والشرائح التي سيتكون منها التجمع اليمني للاصلاح. لا شك أنها مشكلة ليس حلها بالأمر السهل.

عقلية رازحة تحت جنادل المعوقات، جنادل أو كتل خرسانية ضخمة متشابكة ترزح تحتها العقلية الثقافية سياسيا ودينيا وفكريا واجتماعيا. فكيف تصرفت اللجنة التحضيرية إزاء هذه المعوقات أولا، ثم وصولا إلى إقناع مكونات حزب التجمع اليمني للإصلاح ثانيا؟

لا شك أن القارئ العزيز قد اتضحت له المعوقات ولو إجمالا، وسينتقل حديثنا إلى المحورين التاليين:
المحور الأول: الجانب النظري.
المحور الثاني: التطبيق العملي ثم الخاتمة.

 

فإلى المحور النظري:

1ــ نص النظام الأساسي لتجمع الإصلاح على مبدأ الديمقراطية وبقية المنظومة المتداخلة معها في نص واحد تحت الهدف الرابع من الأهداف السياسية، وسنذكر النص بكامله لاحقا.

2ــ صياغة غير مسبوقة:
ــ الهدف الرابع الذي نص على التزام مبدأ الديمقراطية.. إلخ منظومة المبادئ ذات العلاقة، امتاز هذا الهدف بصياغة متينة وشاملة تدل على ذكاء عميق قام بسبر أغوار المعوقات الآنفة من كل اتجاه سياسيا ودينيا واجتماعيا.

3 ــ لست مبالغا إن قلت إن صياغة هذا المبدأ عكست فكرا ناضجا قطع الطريق أمام المخاوف والشبهات التي ستُثار من داخل مكونات تجمع الإصلاح أولا.

ــ كما أن هذه الصياغة في حدود علمي صياغة غير مسبوقة، علما بأني كنت قد توصلت إلى معنى هذه الصيغة من زاوية فكرية مجردة فقلت: هل يمكننا اتخاذ الشورى مبدأً دينيا ملزما لا تراجع عنه شأنه كسائر عقائد وتشريعات الإسلام، ثم نأخذ بالديمقراطية كآليةٍ تغطي الجانب الإداري للشورى؟ كان هذا تفكيري في منتصف الثمانينيات، وها هي الصيغة للهدف الذي نص على التزام الديمقراطية ننقلها حرفيا.

4- تضمين الشورى مبدأ آلية الديمقراطية والممارسة الديمقراطية لضمان التداول السلمي للسلطة وممارسة الحريات العامة والخاصة التي كفلتها الشريعة الإسلامية.

5- ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء تحقيقا للعدل ونزاهة القضاء، إذن الصياغة جعلت الشورى مبدأً أساسياً والديمقراطية "آلية" تخدم الجانب الإداري العملي لمبدأ الشورى.

ــ تضمن النص التزام ممارسة الحريات الخاصة والعامة وحرية التعبير التي كفلتها الشريعة الإسلامية.

أسلوب ذكي صهر الفكرة بكلمات محدودة، فالأصل هو الشورى والآلية هي الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة تضمن مفهوم التعددية كون التعددية أساس التداول للسلطة، موضحا بقية المفاهيم ذات الجانب العملي للمارسة الديمقراطية.

ــ بهذه الصيغة الناضجة قطع طريق التشكيك داخل مكونات التجمع وخارجه. فالشورى الإسلامية موجودة والديمقراطية بمنظومتها العلمية موجودة.

ومع ذلك لا زال هناك أشخاص داخل الإصلاح يشعرون بامتعاض شديد إذا سمعوا "ديمقراطية"، معللين أنه مصطلح وافد.

 

الجانب العملي:

ــ التزم الإصلاح الجانب العملي في الممارسة الديمقراطية وقد تكرر الحديث فيما سبق لكن سنشير سريعا فنقول:

1ــ مسيرة الإصلاح السلمية والتي طالبت بتعديل المادة 3 من الدستور حول مرجعية الشريعة الإسلامية في التشريع.

ــ كانت النتيجة عدم استجابة الحزبين الحاكمين، غير أن الإصلاح اكتفى بالتعبير عن رأيه سلميا وكفى.

2ــ الاعتراض على قانون التعليم، وبنفس الطريقة ونسق مع البعث العربي ضد قانون التعليم حتى تجمد تنفيذ القانون في درج رئاسة الجمهورية.

3ــ دخول الانتخابات البرلمانية 1993 ودخل في الائتلاف الحكومي الثلاثي.

4ــ شارك الإصلاح في الحوار إبان الأزمة التي سبقت حرب 1994 وعمل بكل ما لديه للحيلولة دون تفجير الموقف عسكريا.

5ــ بعد حرب صيف 1994 أصبح الإصلاح شريكا في الائتلاف الثنائي، فأعلن شروط مشاركته في الائتلاف، مؤكدا التزامه بالديمقراطية.

6ــ التزم نتيجة انتخابات 1997، وكذا نتيجة الانتخابات المحلية 2001، وكذا نتائج انتخابات برلمان 2003، ونتائج الانتخابات الرئاسية 2006، علما بأنه تقدم مع كتلة المشترك بمرشح واحد للرئاسة، كما التزم بحرية ممارسة التعبير في الممارسة العملية في الاعتصامات خلال 2009 ـ 2010.

7ــ قدم بر نامج إصلاح النظام السياسي عام 2005.

8ــ قدم مع كتلة اللقاء المشترك الرؤية الوطنية لحل مشكلة الوطن عموما سياسيا.. إلخ.

9ــ شارك بالتداول لرئاسة اللقاء المشترك شأنه شأن كل الأحزاب المنضوية في المشترك.

10ــ عمل مع المشترك على إقامة اللجنة الوطنية للتشاور الوطني (2009) برئاسة باسندوة وانضوى فيها كل أطياف المجتمع المدني.

11ــ شارك في حكومة الوفاق الوطني، ورغم حجم تجمع الإصلاح لكنه أخذ أقل حصة في الحقائب الوزارية.

12ــ شارك في لجنة الحوار الوطني وكان لديه أقل الممثلين قياسا بأحزاب أقل حجما.

13ــ كان ولا زال مطالبا بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني كونها خيار الشعب وتبلورت بطريقة ديمقراطية شفافة.

الديمقراطية دخل الإصلاح

هذه القضية لها أهميتها الثقافية والسياسية والفكرية.. إلخ. وقد كثر الحديث حولها داخل الإصلاح وخارجه، والإصلاح اعتبرها ظاهرة صحية من حيث المبدأ.

كيف تعامل الإصلاح مع الديمقراطية داخل الحزب؟

أولا، انعقاد المؤتمر الأول للإصلاح عام 1996، وحتى نكون موضوعيين نقول كان المتوقع أن أعضاء المؤتمر العام سيتم انتخابهم من أعضاء الإصلاح كل في منطقته، لكن الذي حصل أن أعضاء المؤتمر الأول كانوا بالتعيين، وهذا الموقف ثقافيا لم يخرج عما ذكرناه آنفا حول الشتلة التي نبتت تحت الصخرة.

جار الله عمر يشيد بمؤسسية الإصلاح:

الجديد في المؤتمر الأول للإصلاح أنه طبق المؤسسية داخل الحزب، حيث تم انتخاب مجلس الشورى الذي يقابل اللجنة المركزية لأحزاب اليسار.

تم انتخاب الهيئة العليا (المكتب السياسي)، وتم انتخاب الأمانة العامة (المكتب التنفيذي).

كانت هذه خطوة سبق إليها الإصلاح بشهادة الشهيد جار الله عمر رحمه الله، حيث قال أمام اتحاد طلاب جامعة صنعاء فور انتهاء القيد والتسجيل للانتخابات التي ستقام في أبريل 1997، وكنت أنا كاتب هذه السطور حاضرا أمام المنصة في قاعة كلية الشريعة، والتي جمعت الأستاذ جار الله عمر رحمه الله، والأستاذ قحطان فرج الله عنه، ود. طه الهمداني ومحمد المقالح، وأثناء حديث الشهيد جار الله عمر رحمه الله قال: "الحزب الاشتراكي يريد أن يتحول حزبا مؤسسيا كالإصلاح، وأقولها للأمانة إن الإصلاح قد خطا إيجابيا في هذا المضمار، لكن الاشتراكي لا زال شأنه شأن اليسار العربي الشمولي عموما". وأضاف: "ولا أخفيكم سرا أن ثلث اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي لا زالوا مع الشمولية ويريدون بقاء الحزب شموليا، لكن الأغلب يريدونه مؤسسيا كالإصلاح".

ــ كان المؤتمر الثاني للإصلاح عام 2000 تقريبا أيضا تم تصعيد أعضاء المؤتمر العام بالتعيين، لكنه تم تقديم عملا نوعيا هاما وهو تصعيد المراة إلى مجلس الشورى.

اجتهاد فقهي تعددي

ــ سنشير سريعا إلى الإدارة للموقف إزاء تصعيد المرأة إلى مجلس الشورى، حيث قدم رأييين فقهيين (موافق ورأي مانع)، وطلب التصويت، والشعار "هذان رأيان فقهيان والخيار للمؤتمر".

موضوع المرأة مشكلته تفوق مشكلة الديمقراطية، ولهذا سنتحدث بشيء من التوسع في الحلقة القادمة.

ــ في المؤتمرين الثالث والرابع اتسعت رقعة الديمقراطية بين أعضاء المؤتمر العام، حيث تم انتخاب قرابة 90% من الشباب والبقية تعيين، وهذا هو فقه الواقع، إذ ليس من العقل ولا المنطق أن يتم تهميش شخصيات كافحت في فجر الدعوة مثابرة بين الريف والمدينة، واليوم نأتي لإلغائها، أي ديمقرطية هذه التي تدمر البناء التنظيمي؟

انتقال نوعي:

ــ انتقال نوعي أكثر ديمقراطية في المؤتمر العام الرابع، حيث تم تحويل مكتب المرأة داخل الأمانة العامة إلى دائرة كدائرة التنظيم والتأهيل وغيرها، وكانت الطريقة هي التصويت لأحد الاجتهادين بعد جلسة عاصفة، غير أن الموقف المشجع أكثر هو أن شخصيات قبلية وقفت مع حق المرأة. سيقول قائل: أي جديد بل أي كسب في تحويل مكتب إلى دائرة؟ نقول: لا جديد لكن الخطوة ثقافية وسنتحدث أكثر في الحلقة القادمة إن شاء الله.

الخاتمة:

ــ اليسار العربي قدم صورة مشوهة للديمقراطية أساءت إلى المجتمع.
ــ ردة الفعل المحافظة انكفأت على الذات.
ــ التقليد للوافد والموروث هو الوباء الذي دمر ثقافتنا تجاه الديمقراطية.
ــ العوائق أمام الديمقراطية هي من أسوأ العوائق إن لم تكن أسوأها.
ــ قيادة الإصلاح كانت على وعي بحجم العوائق وأسبابها فتصرفت بحكمة مراعية للواقع.
ــ اعتمد الإصلاح الجانب العملي الهادئ وهو الأقوى من مجرد التنظير.
ــ بدأ الإصلاح بتطبيق الديمقراطية داخل المدرسة الفقهية الاجتهادية.

إذا كانت معوقات الديمقراطية صعبة التجاوز فإن قضية المراة أشق وأصعب. قضية المرأة والمعوقات هي موضوعنا القادم.

** تنويه
قيادة الإصلاح تعي ما يُطرح في هذا الصدد على المستوى الداخلي للحزب والمستوى الخارجي الذي يوجه النقد بغض النظر عن دوافع الجانب الخارجي، لكن القيادة أيضا تدرك حجم الإشكالات الناجمة عن التضاريس الثقافية والاجتماعية، فجاءت خطة التعامل تجاه الديمقراطية جاعلة مبدأ الديمقراطية ينمو نموا طبيعيا داخل الحزب لا بالشكل القسري والمرتجل، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، مع تسليمنا بهذه الإشكالية فإننا نقول للنقد القادم من خارج الحزب: كم هي الإشكالية والسلبيات المنعكسة سلبا على الخدمات تجاه الشعب بسبب غياب الديمقراطية داخل الإصلاح؟ وكم هي الإشكاليات السلبية جراء غياب الديمقراطية في الحزب الحاكم؟

أعني إن سلمنا بالقصور الديمقراطي داخل الأحزاب فإن المنطق يستدعي النظر في المآلات والنتائج، ثم ينظر أي الغيابين أخطر على مصالح المجتمع.