الجمعة 26-04-2024 00:19:06 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح ودعوات المصالحة الوطنية (2)

الثلاثاء 19 مارس - آذار 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص - محمد المياحي

دور الاصلاح في حماية الجمهورية.

استكمالًا للحديث السابق حول دعوات المصالحة الوطنية التي تتجلى في مواقف حزب الإصلاح، سنواصل في هذا الموضوع حديثنا عن فحوى تلك المصالحة التي يرمي إليها الحزب والأرضية التي تتأسس عليها؛ بهدف إنهاء حالة الشتات الجمهوري وترميم التصدعات في الصف الوطني بشكل عام.

في الوقفة السابقة اقتصر الحديث عن دعوات المصالحة التي يطلقها الحزب بين الفترة والأخرى ودوافع تلك الدعوات وأبعادها، وفي هذا الوقفة سنحاول استكمال مقاربة "المصالحة الوطنية"، من منطلق فكرة الجمهورية لدى الحزب ومدى رسوخها لديه، وضرورتها التأريخية ومعيقاتها وفرص النجاح الممكنة أمامها.


فكرة "الجمهورية" لدى حزب الإصلاح

بالعودة للجذور التأريخية للحركة النضالية التي انبثق منها حزب الإصلاح، يتأكد لنا ارتباط البدايات الأولى لنضالات الحركة بفكرة "الشعب" والإيمان بـ"الإرادة الشعبية" وكذلك النضال لتثبيت فكرة "الدستور" كعقد اجتماعي بين الشعب والسلطة، وهذه الأفكار التأسيسية هي ما تشكل النواة الأولى لفكرة "الجمهورية"، وهي أفكار تجلت بوضوح في مطالب رموز الحركة الوطنية في ثورات 1948، مرورًا بمحاولة الانقلاب 1955، وصولًا لثورة 1962، حيث الكثير من قادة هذه المحطات كانوا أعضاء في الحركة الإسلامية وبمثابة رموز ملهمة لحزب الإصلاح، على المستوى الفكري والسياسي، الذي تأسس لاحقًا بعد انفتاح المجال للتعددية الحزبية مع قيام الوحدة عام 1990م.

من هذا المنطلق يمكن القول إن حزب الإصلاح بمضامينه السياسية والاجتماعية يمثل النقيض التأريخي لفكرة الإمامة، على اعتبار أن النواة الأولى التي انبثق منها الحزب كانت حاملة لفكرة الجمهورية حتى قبل قيامها، ثم بعد قيامها شكلت الحركة الوطنية حائط الصد ضد الإمامة، ومع قيام الوحدة انتظم الكثير من رموز الحركة الوطنية والإسلامية تحت الإطار الجديد الذي حمل اسم: حزب التجمع اليمني للإصلاح.

وبهذا تكون فكرة الجمهورية راسخة في الذهنية العامة للحزب ليس بوصفها فكرة ثانوية فحسب، بل إطارًا سياسيّا هوياتيًا ومرجعية عامة تشكل خلفية ناظمة لتوجهات الحزب ومواقفه بشكل عام، ومن هنا يأتي استشعاره الكبير للخطر الذي تتعرض له الجمهورية كمكسب حضاري وهوية سياسية شاملة للدولة اليمنية.

المصالحة كضرورة وطنية ومهمة تأريخية

يدرك حزب الإصلاح حقيقة الظرف الحرج الذي تمر به "الجمهورية" والتهديدات الوجودية التي تتعرض لها المكتسبات الوطنية الكبرى من قبل الخصوم التأريخيين للشعب، أولئك الذين كانوا وما زالوا يحتقرون إرادة الشعوب وينظرون لها كفكرة تقوض دعاوى الوصاية الإلهية التي يزعمونها، ويسعون بكل ما يملكون للانتقام من الموروث السياسي للشعب (الجمهورية) التي بقيامها أعلن الشعب إسقاطه لنظامهم السلطوي واستعاد حقه في الحكم.

وأمام واقع كهذا تعيشه الجمهورية اليمنية تحت سطوة جماعة دينية عنيفة، تحمل هذا العداء التأريخي للأمة اليمنية، وتفكر بهذا الشكل الذي ينتمي للقرون الوسطى، وبه تُصادر الإرادة الشعبية عبر أدوات القوة، وتمارس تجريفًا تأريخيًا مخيفًا إزاء كل ما يتعلق بـ"الجمهورية" كهوية لتغدو فارغة من أي مضمون اجتماعي أو سياسي، عدا عن أمور شكلية لا تتجاوز الشعار والمسمى.

من هذا المنطلق، وردًّا على هذا النكوص التأريخي، تأتي دعوات الحزب المتكررة للمصالحة الجمهورية، فهي الفكرة الجامعة لليمنيين والأرضية التي يمكنهم بواسطتها ترميم جراحاتهم الوطنية، حيث إن الجميع في مرحلة تتعرض فيها الذاكرة التأريخية للشعب لأسوأ عملية تشويه في تأريخها من قبل جماعة تمثل الخصم اللدود لتطلعات اليمنيين وكل المفاهيم الحديثة التي يناضلون من أجلها، وفي مقدمتها فكرة الجمهورية كإطار سياسي يرمز للإرادة الشعبية وتنبثق شرعية السلطة منها.

إمكانية نجاح المصالحة الجمهورية

نجاح فكرة المصالحة الوطنية، التي يدعو إليها الإصلاح، مرتبط بوعي النخب السياسية، وتجاوبها معها، ومدى إدراكها لخطورة اللحظة التأريخية التي تعيشها البلاد، وبأن الجميع بات مستهدفًا وليس حزبًا بعينه، وبالتالي فهذا الخطر الوجودي يعد حافزًا مهمًا لاصطفاف الكتلة الجمهورية في مواجهة مشروع الإمامة.

فنحن أمام ظرف استثنائي الجميع فيه بحاجة للتماسك وتجاوز الخصومات الثانوية، حيث الكل فيه بحاجة للكل ولا قيمة للواحد دون المجموع، فالعمل السياسي الحزبي شبه معطل أو ربما متوقف كليًا جراء الوضع الناتج عن سقوط الدولة، ولا قيمة لأي تمترسات فردية خارج الصف الجمهوري أو بدونه.

وما دام الحال كذلك، فإن فرص المصالحة مهيأة بشكل كبير، ولا يحتاج الأمر سوى مبادرة شجاعة تلتقط فيها الأحزاب هذه الدعوات وتبني عليها حالة من الوفاق العام تجاه بعضها، وبما يوحد الجهود لاستعادة الجمهورية وحماية مكتسباتها، وفي نفس الوقت استعادة أجواء العمل السياسي بشكل عام، حيث لن يتعافى الفضاء السياسي ما لم تتعافَ الجمهورية بشكل عام.

المعيقات الحائلة أمام وحدة الجمهوريين

لعل أبرز العوائق أمام تلاحم القوى الجمهورية هو حالة الانقسام السياسي وتكتل النخب حول نفسها، هذا الانقسام هو ما مهد لسقوط الدولة ابتداء وسهل للإماميين الجدد التسلل والعبث بالجمهورية، وهو الآن ما يعيق استعادة الدولة الآن ويمنح أعداء الجمهورية مزيدًا من الوقت لمواصلة عبثهم بالموروث الحضاري للأمة اليمنية.

وثاني عائق هو الاستقطاب الخارجي للقوى السياسية الذي ينعكس على مواقفها الداخلية من المصالحة التي ينادي بها الحزب، إلى جانب فقدان الثقة بين القوى الجمهورية وما يستتبعه من حالة الشحن الإعلامي الذي تعيشه النخب السياسية تجاه بعضها؛ متغافلة عن الخطر العام الذي يتهددها جميعًا.

وتأتي دعوات حزب الإصلاح للمصالحة لهذا الغرض وبهدف بناء جسور الثقة بين الشركاء أو ترميمها وإنهاء حالة الاستقطاب والانقسام بين القوى الوطنية، والذي يؤخر تحقيق هدف استعادة الدولة وحماية الجمهورية من غول الإمامة المدمر للجميع.

الخلاصة

أخيرًا، من المهم أن يدرك الجميع أن دعوة الإصلاح للمصالحة مع الشركاء الجمهوريين، هي دعوة وطنية لحماية الجميع، فهو -أي الإصلاح- لا يتعرض للتهديد وحده من قبل أعداء الجمهورية، بل أصبح الجميع في دائرة الاستهداف ولو بمستويات مختلفة. صحيح أن المليشيا الإمامية توجه النصيب الأكبر من العداء إلى هذا الحزب، كونه النواة الأصلب في كتلة الجمهورية؛ لكن بالأخير يبقى هدفها العام تفتيت كل المكونات الحاملة لمشروع الجمهورية، ولن يكون بمقدور أحد استعادة قدرته على العمل داخل الحقل السياسي في ظل بقاء هذه المليشيا متسيدة للمشهد ولم يتمكن أنصار الجمهورية من زحزحتها وتقويض نفوذها بطريقة أو بأخرى.