الخميس 28-03-2024 18:01:17 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

درس حجور.. ودور الإصلاح في الحرب على الانقلاب

الثلاثاء 19 مارس - آذار 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبد السلام قائد

 

أعادت معركة "حجور" الأخيرة بمحافظة حجة إلى الأذهان الدور الكبير للتجمع اليمني للإصلاح في الحرب على الانقلاب والنفوذ الفارسي في اليمن، ليس لأن منتسبيه وقادته هناك كان لهم الدور الأكبر في تلك المعركة وارتقى بعضهم شهداء، إلى جانب الشركاء الآخرين في الحرب على الانقلاب، ولكن لأن قبائل حجور كانت أولى القبائل اليمنية التي انتفضت ضد الحوثيين في العام 2012، وكان لمنتسبي وقيادات الإصلاح هناك الدور الأبرز في تلك الانتفاضة.

وقد نجحت تلك الانتفاضة في إحباط محاولة الحوثيين السيطرة على المنطقة بغية الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، والسيطرة على ميناء ميدي، بتعليمات من إيران، لاستخدامه في تهريب الأسلحة والأموال من إيران، وأيضا تهريب الحشيش والمخدرات وغيرها. ولم يتمكن الحوثيون من السيطرة على ميناء ميدي وغيره إلا بعد الانقلاب على السلطة الشرعية، بالتحالف مع الرئيس الراحل (المخلوع) علي عبد الله صالح.

 

- درس حجور

اختلفت أهمية منطقة حجور، ومحافظة حجة بشكل عام، بالنسبة للحوثيين، وفقا للمتغيرات العسكرية والميدانية التي شهدتها اليمن منذ مرحلة ما قبل الانقلاب وحتى الوقت الحالي. فقبل الانقلاب، كان هدف الحوثيين من السيطرة على محافظة حجة يتمثل في الحصول على منفذ بحري عبر ميناء ميدي لتهريب الأسلحة والأموال والمخدرات والحشيش من إيران. وبعد الانقلاب والسيطرة على عدة محافظات، بعد أن سلم لهم علي صالح إمكانيات الدولة بأكملها، صار هدف الحوثيين من السيطرة على منطقة حجور بمحافظة حجة يتمثل في الاستفادة من الموقع الإستراتيجي للمنطقة والمميزات العسكرية لجبالها الشاهقة، والتي ستمكنهم من تحقيق هدفين عسكريين رئيسيين: الأول، قطع خطوط إمداد الجيش الوطني القادمة من مديرية حرض باتجاه الحديدة. والثاني، اتخاذ تلك الجبال لنصب منصات إطلاق الصواريخ البالستية باتجاه الأراضي السعودية.

وبصرف النظر عن الخذلان الذي تعرضت له قبائل حجور، سواء في المعركة الأخيرة أو في معركة عام 2012 وغيرها، لكن الواضح هو أن الحوثيين لم ينظروا للتجمع اليمني الإصلاح كعدو رئيسي لهم إلا بعد فشلهم في السيطرة على محافظة حجة عام 2012، ذلك لأن منتسبي وقادة فرع الإصلاح هناك كان لهم الدور الأبرز في الحشد والتعبئة لتلك المعركة، وقد جعل ذلك الحوثيين يقتنعون تماما بأن مشروعهم السلالي الطائفي والعنصري لن ينجح في ظل وجود التجمع اليمني للإصلاح.

وإزاء ذلك، عزز الحوثيون من تحالفهم مع الرئيس الراحل (المخلوع) علي صالح، مستغلين خلافاته مع تجمع الإصلاح ومع أبناء الشيخ عبد الله الأحمر، رحمه الله، ليمدهم بمزيد من الدعم بالأسلحة النوعية المنهوبة من مخازن ما كان يدعى "قوات الحرس الجمهوري"، ثم حاولوا السيطرة على محافظة عمران بذريعة أنهم يستهدفون الإصلاح فقط وليس الدولة، وهو ذات المبرر لدخول العاصمة صنعاء والسيطرة عليها، وبالفعل أقدم الحوثيون على تفجير مقار الإصلاح بعد نهبها، ونهب وتدمير مختلف مؤسساته التعليمية والخيرية والدعوية وغيرها.

وكانت دوافع الحوثيين، بالتحالف مع علي صالح، لاستئصال التجمع اليمني للإصلاح، تتمثل في ركنين أساسيين: الأول، إضعاف الإصلاح باعتباره أبرز العوائق أمام مشروع الحوثيين الطائفي السلالي العنصري وعودة الإمامة، وكان علي صالح هدفه الانتقام فقط، كون الإصلاح كان أبرز عوائق مشروع التوريث. والثاني، تحييد بقية الأطراف عن المعركة بذريعة أن المستهدف هو الإصلاح فقط، من أجل التمهيد للانقلاب على الدولة بعد إضعاف أبرز الأطراف التي تشكل حماية لها ضد الانقلاب.

 

- متاعب ساحة التغيير

عندما أعلن الحوثيون انضمامهم لثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، ونصبوا خياما خاصة بهم في ساحة التغيير بصنعاء، كان شباب الإصلاح في الساحة أول من أدرك أن الحوثيين ليسوا صادقين في انضمامهم للثورة، كونهم لا يؤمنون بأهدافها، واتضح ذلك من خلال شعاراتهم الطائفية التي كانوا يرفعونها في ساحة التغيير ومن خلال الملصقات الخاصة بهم، ودفع ذلك شباب الإصلاح إلى منعهم من الصعود إلى منصة الخطابة في الساحة أمام بوابة جامعة صنعاء.

كما كان شباب الإصلاح يزيلون ملصقات الحوثيين الطائفية باستمرار، ويرددون شعارات ساخرة من شعاراتهم، وتسبب ذلك في العراك بالأيدي بين الطرفين عدة مرات. وعندما نصب الحوثيون منصة خطابة خاصة بهم في ساحة التغيير، أزالها شباب الإصلاح، ومنعوهم من الخطابة ومن التأثير على المعتصمين في ساحة التغيير من خلال نشر ملازم سيدهم المدعو حسين الحوثي، وغير ذلك.

موقف الإصلاحيين من انضمام الحوثيين للثورة السلمية نابع من قناعة مفادها أن انضمام الحوثيين للثورة يعكس أمرين: الأول، أنهم يريدون ركب موجة الثورة لتحقيق هدفهم في استغلال الظروف المناسبة للانقلاب وإعادة نظام الحكم الإمامي البائد والمستبد. والثاني، أن الحوثيين كانوا إحدى أدوات الثورة المضادة لنظام علي صالح ضد ثورة 11 فبراير، وعزز الطرفان العلاقة بينهما، ثم دفعهم علي صالح إلى الانضمام الظاهري للثورة، وتسليمهم محافظة صعدة، ودعمهم بأسلحة حديثة ونوعية منهوبة من مخازن ما كان يعرف بـ"قوات الحرس الجمهوري"، والتي تحولت بعد الانقلاب إلى مليشيات إمامية همجية.

 

- تأسيس المقاومة الشعبية

رغم أن الحوثيين برروا حروبهم في حجة وعمران بأنها ضد خصمهم الرئيسي، تجمع الإصلاح، إلا أن مبرراتهم للسيطرة على العاصمة صنعاء كانت تتمثل في الاعتراض على زيادة طفيفة أقرتها حكومة الوفاق الوطني في أسعار بعض المشتقات النفطية، وحاصروا العاصمة صنعاء بحشود مسلحة من مختلف مداخلها استعدادا للانقضاض عليها، بعد تلقيهم تطمينات من الرئيس الراحل (المخلوع) علي صالح بأن جميع الألوية العسكرية الموالية له في داخل ومحيط العاصمة ستبقى على الحياد، قبل أن يسلمها لهم كاملة.

وهنا، اندفع شباب الإصلاح، وبأسلحة شخصية خفيفة، لمنع الحوثيين من السيطرة على العاصمة، واستمرت المعارك ثلاثة أيام، ولم يتمكن الحوثيون من دخول العاصمة والسيطرة عليها إلا بعد أن انسحب شباب الإصلاح من المعركة، كونهم أدركوا أن المؤامرة كانت أكبر من قدراتهم، خاصة أن جميع القوات المسلحة المكلفة بحماية العاصمة لم تحرك ساكنا، بل فقد كانت تقدم الدعم لمليشيات الحوثيين من السلاح والغذاء، وبتوجيهات مباشرة من علي صالح وعائلته.

وبعد أن بدأ الحوثيون يسعون للسيطرة التدريجية على مختلف محافظات البلاد، اندفع قادة ومنتسبو التجمع اليمني للإصلاح للتصدي للمليشيات الحوثية، وشكلوا المقاومة الشعبية على عجل وبإمكانيات بسيطة، وبرزت أسماء قادة إصلاحيين كان لهم الدور الأكبر في مواجهات المليشيات الانقلابية، مثل: الشيخ علي بدير في محافظة إب، والشيخ حمود المخلافي في محافظة تعز، والشيخ الحسن أبكر في محافظة الجوف، والشيخ علي فلات في محافظة حجة، والأستاذ نائف البكري في العاصمة المؤقتة عدن، وغيرهم الكثير لا يتسع المجال لذكرهم وفي عدة محافظات وصلت إليها مليشيات الحوثيين وعلي عبد الله صالح، وقد استشهد عدد كبير من قيادات ومنتسبي تجمع الإصلاح دفاعا عن الوطن وأمنه واستقراره ودفاعا عن الجمهورية والديمقراطية والتصدي للنفوذ الفارسي في اليمن والمنطقة.

- تأييد عاصفة الحزم

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، ترقب كثيرون موقف التجمع اليمني للإصلاح منها، خاصة بعد أن وصف تحالف الحوثيين وعلي صالح التدخل العسكري بأنه "عدوان" على اليمن، ووصفوا من سيؤيده بـ"الخائن" و"العميل"، وتوعدوا بمحاكمته، وطلب تحالف الانقلابيين من الإصلاح إدانة التدخل العسكري ووصفه بالعدوان، مقابل الإفراج عن معتقليه السياسيين وإشراكه في السلطة.

لكن الإصلاح أبى إلا أن يكون سندا للسلطة الشرعية ومتحالفا معها، وأعلن ترحيبه بالتدخل العسكري العربي بقيادة السعودية للقضاء على الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية وتقليم مخالب إيران في اليمن، ودفع أنصاره ومنتسبيه وقياداته للانخراط في المقاومة الشعبية والجيش الوطني والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الوطن وأمنه واستقراره وحمايته من الوقوع في مستنقع التمدد الفارسي الطائفي التخريبي في اليمن والمنطقة بشكل عام.

وهكذا يتضح مدى حجم التضحيات التي يقدمها التجمع اليمني للإصلاح في الحرب على الانقلاب واستعادة الدولة، إلى جانب السلطة الشرعية وبقية الشركاء في الحرب على الانقلاب، وبإسناد ودعم دول التحالف العربي بقيادة السعودية، وبرز تجمع الإصلاح كأكبر طرف يمني مساند للسلطة الشرعية، وأكبر تنظيم سياسي يشكل حماية للوحدة الوطنية كونه يتجاوز الانقسامات القبلية والمناطقية والمذهبية وغيرها من الشروخ التي مزقت المجتمع اليمني بسبب السياسات الخاطئة لنظام علي صالح، ثم الدمار الذي سببه الانقلاب على السلطة الشرعية.

- سوءة الطابور الخامس

وبرغم كل ذلك، ظهر مؤخرا الطابور الخامس، الذي غاضه الدور الوطني لتجمع الإصلاح في الدفاع عن السلطة الشرعية والحرب على الانقلاب والحفاظ على الوحدة الوطنية، وراح يشيع أن الإصلاح سبب تأخر الحسم العسكري، وأنه تحالف مع الحوثيين سرا، رغم أن ذلك لا يتقبله العقل السليم، إذ كيف يتحالف الإصلاح مع الحوثيين سرا ويحاربهم جهرا؟ كما أن الإصلاح ليس بيده قرار الحرب أو الحسم العسكري، لأنه -ببساطة- ليس هو من يقود السلطة الشرعية والتحالف العربي ولديه سلطة اتخاذ القرار وما على الجميع إلا التنفيذ، فقرار الحسم بيد السلطة الشرعية والتحالف العربي، وليس بيد الإصلاح أو غيره من حلفاء السلطة الشرعية.

لكن الطابور الخامس ما زال يعمل خارج منطق العقل السليم، وانكشفت سوأته بوضوح خلال معركة حجور الأخيرة، وكرر كذبته المعتادة عندما أشاع بأن الإصلاح تحالف مع الحوثيين وسلم لهم حجور، ثم اتضح أن الحوثيين لم يسيطروا على حجور إلا بعد استشهاد قادة الإصلاح هناك الذين قادوا المقاومة الشعبية إلى جانب آخرين لا يمكن إنكار دورهم، وأيضا استشهاد عدد كبير من منتسبي الإصلاح وغيرهم، بعد أن استبسلوا في معركة الكرامة ضد المليشيات الانقلابية، منذ العام 2012، أي منذ سبع سنوات تقريبا، رغم الخذلان المؤلم من قبل كثيرين، وواجهوا بأسلحتهم الخفيفة أعتى مليشيات إجرامية استخدمت ضدهم إمكانيات دولة. فهل فهم الطابور الخامس "درس حجور"، أم أنه لا يريد أن يفهم؟!