الأربعاء 24-04-2024 04:15:59 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

هل تبدأ جولة مشاورات جديدة..

مراوغات الحوثيين بين تصلب الشرعية وتدليل الدبلوماسية الأممية

الإثنين 11 مارس - آذار 2019 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص/احمد ابو ماهر
 

 

تسعى الأمم المتحدة خلال شهر مارس الجاري لعقد جولة مشاورات جديدة، عقب المحادثات الأخيرة التي جرت في السويد، والتي تم التوصل خلالها لاتفاق الحديدة الذي لم يرَ النور بعد.
كشف عن ذلك مصدر حكومي تحدث لصحيفة "عكاظ" السعودية، عن وجود تحركات دبلوماسية يقودها سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن والداعمة لمقترح مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث بعقد جولة مشاورات جديدة نهاية شهر مارس القادم في إحدى الدول الأوروبية.

يأتي ذلك في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة اليمنية، الدخول في أي جولة مشاورات، قبل تنفيذ اتفاق السويد الذي لم يخرج من دائرة المماطلة والوعود عبر وسائل الإعلام فقط.

 

تعثر متوقع

حتى الآن لم تبدِ مليشيات الحوثي أي تعاون حقيقي من أجل إنجاح ما تم التوصل له في مشاورات السويد، فهي لم تنسحب من الحديدة خلال "التزمين" المحدد، ولم تنفذ ما تم التوصل إليه بخصوص ملف المعتقلين والأسرى.

علاوة على ذلك، أعلن الناطق باسم مليشيات الحوثي محمد عبد السلام، عن رفض جماعته التعامل مع بريطانيا كوسيط، بحجة أنها تعد ضمن ما وصفه بـ"دول العدوان".

ويتضح من ذلك ومن خلال النظر إلى تعاطي الحوثيين طوال الفترة الماضية مع الاتفاقات، أن الجماعة غير جادة في تنفيذ أي اتفاق، وهي تسعى لإطالة أمد الحرب من أجل تحقيق أهدافها والعمل وفق أجندة إيران التي تسعى لزعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية.

وبناء على ذلك يرى كثير من المراقبين أن الحل الوحيد للتعامل مع الحوثيين ومن أجل إحلال السلام في اليمن، أن يتم إخراجهم من المحافظات -بينها الحديدة- التي يسيطرون عليها بالقوة، كونهم جماعة لا تفهم إلا لغة القوة.

 

انحراف المسار

يرى مراقبون أنه على الرغم من تصريحات ناطق الحوثيين المتشددة حيال بريطانيا إلا أن هذه الأخيرة كانت متماهية بشكل كبير مع المليشيات، وتكشف عن ذلك محاولات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الذي حاول القفز على المرجعيات، إضافة إلى ما صدر من تصريحات عن وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت لقناة سكاي نيوز بخصوص تسليم الحديدة لـ"سلطة محايدة".

أغضبت تلك التصريحات الحكومة اليمنية التي رأت أنها بعيدة كليا عن ما تم التوصل إليه في اتفاق السويد، حتى إنها أكدت في بيان صادر عن وزارة الخارجية، أن كافة القوانين اليمنية والقرارات الدولية وكل البيانات والمواقف الدولية ذات الصلة، تؤكد الحق الحصري للحكومة في إدارة شؤون الدولة اليمنية وبسط نفوذها على كافة تراب الوطن دون انتقاص.‏

وتتمسك الحكومة حتى اللحظة، برفض أي حديث حول أي ترتيبات أخرى، قبل ضمان تنفيذ اتفاق ستوكهولم، وهي تؤكد كذلك على ضرورة ربط ذلك بإنهاء الانقلاب وتسليم السلاح للدولة وعودة مؤسساتها.

 

إطالة أمد الحرب

ثمة تحذيرات كثيرة من خطورة إطالة أمد الصراع، الذي تستفيد منه مليشيات الحوثي في إعادة ترتيب صفوفها وأوراقها ضد الحكومة ومعها التحالف العربي.

وكما يقول الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، فإن التدخلات الإيرانية هي سبب أصيل في حالة انعدام الاستقرار في البلاد، وتسعى طهران من خلال ذلك لإطالة أمد الصراع الذي يدفع ثمنه المواطنون الأبرياء.

وسبق أن حذر المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي من إطالة امد الحرب في اليمن، كون ذلك يشكل فرصة عظيمة للقوى الدولية للتدخل المباشر وبيع السلاح لأطراف الصراع، متهما طهران بالتخادم مع بعض تلك القوى التي تعمل على تغذية النزاعات الخفيفة المحدودة المحكومة إستراتيجيا.

ويساعد في إطالة أمد الحرب تساهل الأمم المتحدة مع المليشيات، وعدم إلزامها بتنفيذ الاتفاقيات المختلفة التي كان يتم التوصل لها منذ بداية الحرب.

 

مخاطر كثيرة

يبدو أن ما تم التوصل إليه في مشاورات السويد وقرارات مجلس الأمن اللاحقة، يصب في مصلحة الحوثيين، فقد جرى تعطيل تنفيذ القرار الأممي رقم 2216 الذي كان يمكن إلى جانب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية أن يعمل على إيجاد سلام مستدام في اليمن.

وكما هو ملاحظ فقد تم التركيز خلال مشاورات السويد على ملف الحديدة فقط، بعد أن كانت القوات الحكومية المدعومة من التحالف على بعد أمتار قليلة من ميناء الحديدة الذي يمول الحوثيون من خلال إيراداته حربهم ضد المواطنين، وبذلك تم تحجيم القضية اليمنية واختزلتها في قضية الحديدة فقط، وبقي مصير المناطق الواقعة في قبضة تلك المليشيات مجهولا، وتزداد معه معاناة المواطنين جراء انتهاكاتهم.

كما ضمنت المشاورات استمرار معاناة اليمنيين، ودخولها فصلا جديدا من فصول المجاعة وتدهور الأوضاع المختلفة، فقد تم مؤخرا خلال مؤتمر المانحين مطالبة الأمم المتحدة مبلغ 4.2 مليارات دولار لتغطية نفقاتها للعام الحالي، وجمعت 2.6 مليارات دولار، ما يعنى استمرار المتاجرة بالأزمة دون العمل بشكل جاد على حلها.

أدت المشاورات والحديث عن السلام والتمسك بخياراته برغم عدم تفاعل الحوثيين معها، أدت إلى قطع الأمل بإمكانية الحسم العسكري في اليمن لإنهاء معاناة المواطنين جراء الحرب، بحجة تدهور الوضع الإنساني، وأبقت الوضع على ما هو عليه. في المقابل، تستفيد دول كبرى من استمرار الوضع الحالي بعقد صفقات بيع أسلحة كثيرة.

عمقت المشاورات من النفوذ الأممي ودور الفاعلين الدوليين في القضية اليمنية، حتى صار القرار بكامله بيد اللاعبين الدوليين، فخسرت الحكومة ومعها التحالف كثيرا من أوراقهما، فقد أصبح هناك بعثات مختلفة تعمل على الإشراف على وقف إطلاق النار في الحديدة، وهناك توقعات بأن يتم إرسال قوات حفظ سلام الى تلك المحافظة، الأمر الذي يفقد الشرعية كثيرا من قوتها ويجعلها مجرد طرف.

 

تدليل أممي

وقد سمح تساهل المجتمع الدولي مع الحوثيين ومماطلة هذه الجماعة في تنفيذ الاتفاقات، سمح لهذه العصابة بتوسيع نطاق عدوانها وانتهاكاتها الاجرامية بحق اليمنيين، وما يحدث اليوم في حجور بمحافظة حجه خير دليل على ذلك، فتدليل المجتمع الدولي لهذه الجماعة منحها شيك على بياض لممارسة شتى صنوف الارهاب بحق الشعب اليمني، دون ان تنال ولو مجرد ادانة إزاء ما تقوم به!

كما سمح الوضع الحالي لقوى كثيرة بالتدخل، لدى كل منها أهداف وأجندات خاصة، وتغيرت خارطة التحالفات التقليدية، في المقابل تراجع الى حد ما دور الشرعية، وهو ما تؤكده تقارير دولية مختلفة.

 

خدمة الحوثيين

يذهب الصحفي حسين الصوفي إلى إن ثمة خديعة كبرى وقعت فيها الحكومة الشرعية وذلك منذ لحظة قبولها بالحديث الجزئي عن ميناء الحديدة دون غيره، منتقدا وبشدة التعاطي معها على حساب القضية بأبعادها السياسية والإنسانية والجغرافية والاقتصادية وفوق ذلك التفريط بالسيادة.

وقال في تصريحات صحفية أن كل الحلول الجزئية تخدم مليشيات الحوثي، وحتى وضع اللاحل أو التسويف والمماطلة، مشبها ما سمي بـ"السلطة المحايدة" بأكذوبة "سلطة الأمر الواقع"، وكلاهما لغرض بقاء الانقلاب، وهو ما اتضح بشكل كبير في محاولات مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث الذي يحاول تجاوز وتمييع المرجعيات الثلاث أبرزها القرار الأممي 2216، واختلاق أزمات تغرق المفاوض السياسي في التيه.

وبحسب الصوفي فإن السلطة المحايدة هي انقلاب جديد يشبه انقلاب سلطة الأمر الواقع، وفي كلتا الحالتين هناك تقويض للدولة، وإبعاد الشرعية عن إدارة الملف، والتعامل معها كطرف، وربما "ضعيف" لا كدولة.

من جانبه أفاد الباحث في الشؤون الإيرانية عدنان هاشم في تصريحات صحفية، أن على الأمم المتحدة أن تكون أكثر وضوحا فيما تطرحه، مؤكدا أن إمساك العصا من المنتصف مع الكثير من الغموض، لا تكون نتيجته سوى الفشل الذريع وتأجيج الحرب.

ولا يستبعد بعض المتابعين للملف اليمني بأن تنفجر الأوضاع مستقبلا في الحديدة أو مناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، مع استمرارهم بممارسة انتهاكاتهم وجرائمهم الوحشية ضد المواطنين.