الخميس 18-04-2024 03:29:22 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تداعيات الفشل.. وملامح ما قبل اندلاع ثورة 11 فبراير 2011م  (الحلقة الثانية)

الأحد 17 فبراير-شباط 2019 الساعة 08 مساءً / فهد سلطان - الإصلاح نت - خاص
 

 

في الحلقة الأولى تحدثنا بأن ثورة 11 فبراير/ شباط 2011م لم تكن ترفاً ثورياً، كما يحاول البعض تصوير ذلك، ولا كانت محاكاة لمد الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من تونس بعد حرق الشاب "محمد بوعزيزي" لنفسه يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010م، بل كانت الثورة اليمنية امتدادا طبيعيا لنضال بدأ يتشكل ويكبر كل يوم ككرة الثلج، كنتيجة حتمية للسياسة الفاشلة التي كان النظام السابق يقود البلاد بها ويجرها نحو الهاوية، وأكدنا -وكما سيتضح من خلال هذه السلسلة- أن البلاد كانت تسير نحو الاحتراب والتلاشي؛ بسبب الانسداد السياسي الذي وصلت إليه الأوضاع قبل اندلاع الثورة، وأن اليمن بتلك السياسة التدميرية التي قادها النظام كانت تسير نحو الهاوية.

لا يهمنا في هذه السلسلة أن ندين النظام السابق، فالتقارير الدولية كانت واضحة في تشريح وضع البلاد، بقدر ما هو الدفاع عن ثورة فبراير المجيدة وأهدافها الوطنية الخالصة، وأنها حاولت ولا تزال من أجل حماية البلاد من الانهيار الذي كان نتاجا لفشل النظام في إدارة البلاد، بكونها امتداد طبيعي وموضوعي لثورة سبتمبر/ أيلول 1962م الخالدة، وبالتالي، فكل الاحتراب الذي وصلت إليه البلاد اليوم لم يكن وليد الثورة وإن كانت اندلعت في سياقها، بقدر ما كان نتاج السياسية الفاشلة للنظام أولاً وللانقلاب الفاضح الذي ظهر إلى العلن مع سقوط العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م بين علي عبد الله صالح وبين الحوثيين أحفاد الإمامة الجدد.

  

الألفية ومد التوريث

يذهب مراقبون إلى أن مد التوريث قد بدأ فعلياً يطل بقرونه على الحياة السياسية منذ عام 2000م، وبعد هذا التاريخ ستظهر إلى العلن جملة من السياسات والمواقف والتحركات في كل الاتجاهات التي تسير نحو هذا الهدف (توريث الحكم لنجل صالح الأكبر)، ضارباً عرض الحائط بقدسية الجمهورية التي كانت نتاج نضال طويل وتضحيات جسيمة حتى تم التخلص من الإمامة ومخلفاتها والتي تقوم على التوريث كأساس في انتقال الحكم وإبعاد الشعب عن هذا الخيار الذي هو في صلب خياراته الأساسية.

وهذا التوجه الجديد والمحاذير التي كان يخاف منها رأس النظام في رفض عملية التوريث دفعه إلى إغراق البلاد في جملة من الأزمات الداخلية والخارجية، ابتداء من قوت المواطن اليمني عبر جملة من الجرع الإفقارية القاتلة، ثم فتح حروب صعدة التي انطلقت أولى شراراتها في يونيو/حزيران 2004م، والتي سيلهي بها الشارع اليمني كله هروباً من جملة من الاستحقاقات التي كانت تنتظره، وهو ما سيدفع رئيس أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد إلى دق ناقوس الخطر عن وضع البلاد والمسار الخطير الذي تسير إليه.

  

البلاد تسير نحو النفق المظلم

في فبراير/شباط 2005م، وأثناء افتتاح الدورة الثانية للمؤتمر العام الثالث لـ"التجمع اليمني للإصلاح"، انتقد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس الهيئة العليا للحزب الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تنتهجها الحكومة حينها، وطالب كل القوى السياسية والاجتماعية بالوقوف صفاً واحداً للحد من هذه الأزمة "لأن البلد يسير باتجاه نفق مظلم"، حسب تعبيره.

هذا التحذير المبكر لم يكن من فراغ، ولا هو نتاج مكايدات سياسية، فالشيخ الأحمر عرف عنه بحكمته وحنكته السياسية وابتعاده عن المهاترات الحزبية والسياسية، ولكن الحقيقة أنه قالها في لحظة لم يكن بداً من المكاشفة وقول الحقيقة أمام ما تتجه إليه البلاد مهما كانت مرة وقاسية، وهو ما سيدفع الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) لقيادة حملة إعلامية ضارية وغير مسبوقة على الشيخ الأحمر، والذي كان حينها رئيساً لمجلس النواب، حيث لم يقف الاستهداف عند شخصه بل تجاوز ذلك لشخصه وعائلته وحزبه وكل ما يتصل به.

لن نتوقف عند تلك الأزمة العارمة وطبيعتها ونتائجها، والتي حاول فيها النظام السياسي أن يذهب بها بعيداً وتحويلها لأزمة وقضية شخصية مع الشيخ الأحمر، كما هي العادة بالنسبة له في الهروب من المشكلات والأزمات التي يخلقها، وقد تجلى ذلك في أعنف هجوم من نوعه قادته صحيفة الميثاق في افتتاحيتها، في منتصف فبراير/شباط 2005م، بكلمة المحرر السياسي تعليقاً على خطاب الشيخ الأحمر بقوله: "تراءى للمرء أن الذي يخطب بمثل هذا الخطاب الذي يلوي الحقائق ويزيف وعي الناس هو ممن خانوا الوطن والدستور وظلوا يتسكعون على أبواب النخاسة السياسية يعرضون بضاعتهم البائرة".

الهجوم الشرس والضاري يعكس حالة التأزم التي وصل إليها النظام حينها، فقد كان يرفض أن توصف الحالة التي تمر بها البلاد، وهو كما سيلاحظ المتابع أن هذا التصريح خرج بعد توقف الحرب الثانية بصعدة التي بدأت في مارس/آذار وتوقفت في مايو/ أيار 2005م. وقد كان تصريح الشيخ الأحمر صيحة تحذير مبكرة، فهو إلى جانب أنه رئيس أعلى سلطة في أكبر حزب سياسي في البلاد، فهو أيضاً رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلاد، وهو إلى جانب ذلك زعم قبلي وعلى اطلاع كبير بالوضع الذي تمر به البلاد.