الثلاثاء 23-04-2024 23:59:26 م : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح والدولة اليمنية ونظامها الجمهوري.. الدولة المدنية (4)

الخميس 24 يناير-كانون الثاني 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص

  

إن الإصلاح حزب سياسي مدني مرجعيته إسلامية، أي ليس جماعة أو حزبا دينيا كما توصف أحزاب وجماعات، وفي الوقت نفسه ليس حزبا علمانيا. ومن ثم فإن طبيعة الدولة وهويتها تعنيه ومن صلب اهتماماته وقد توقف اختياره على الدولة المدنية.

ظهر مصطلح الدولة المدنية بقوة مصاحبا للثورات العربية في عام 2011 ولا يكاد يذكر في أدبيات الفكر السياسي الغربي. وبدا مصطلح الدولة المدنية هو الأنسب لتطلعات الشباب والثوار إجمالا. ويبدو معقولا ومقبولا ومخرجا من الجدل بين الدولة العلمانية والدولة الدينية، وهما مصطلحان لا يتناسب أي منهما مع الدولة في البلاد العربية الإسلامية.

  

الدولة والهوية

إن مصطلح الدولة المدنية يتصل بهوية الدولة، وهناك هويتان مشهورتان: الدولة الدينية والدولة العلمانية، وجاء وصف الدولة بالمدنية بديلا عن الاثنين.

الدولة الدينية

تكون فيها السلطة للكنيسة ورجال الدين (ثيوقراطية)، أي حكم رجال الدين وفيها يكون القائمون بالسلطة مقدسين ولا يسألون عما يفعلون، أي أن سلطتهم تعاليم دينية مقدسة وهي سلطة لا تسمح بالمعارضة ولا تسمح بحرية علمية، ومن ثم كانت معادية للعلم بجميع فروعه، وأعدم في ظلها علماء ومكتشفون لأن نتائج أبحاثهم تتعارض مع ما تؤمن به الكنيسة، لذلك كانت الثورة على السلطة الكنسية وفصل السلطة الزمنية (السياسية) عن السلطة الدينية ثم فصل الدين عن الدولة وظهور العلمانية التي من معانيها الدنيوية أو اللادينية.

ثمة خلط واسع بين الظروف التي أدت إلى ظهور العلمانية في الغرب وبين الحالة عند المسلمين، فالدولة الدينية وفقا للمفهوم الكنسي تعني سلطة الكنيسة (رجال الدين) الدينية والزمنية (السياسية)، ويطلق عليها ثيوقراطية، أي حكم رجال الدين، وذلك يعني ما يعرف بالحق الإلهي أو التفويض الإلهي لرجال الدين، فتصير السلطة مقدسة والقائمون بها مقدسون، وذلك طغيان وفساد مطلقين ليس بعدهما.

  

الإمامة دولة دينية بالمفهوم الكنسي

تبدو الامامة عند الشيعة سلطة دينية بالمفهوم الكنسي، فالإمام معين من الله وهو معصوم، مع ملاحظة أن الإمامة لم ترد في القرآن الكريم للدلالة على السياسة أو السلطة، ولم يوصف أي من الخلفاء الراشدين بالإمام، وإنما جاء وصف علي بن أبي طالب بالإمام في زمن لاحق ثم جرى اختراع الإمامة من قبل الشيعة.

إن الإمام عند الشيعة أكبر من البابا عند الكنيسة، والواقع أن الإمام يغدو إلٰها، الصلاحيات التي له، والقداسة التي تضفى عليه، تفوق الحاخام والبابا عند اليهودية والنصرانية.

  

الإمام ومقامه

"إن للإمام مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل".

الخميني (الحكومة الإسلامية) في إيران توصف بسلطة الروحانيين ورجال الدين وتختزل في الإمام ثم نائب الإمام ولي الفقيه، وتجسدها سلطة المرشد التي هي فوق الدولة وفوق الشريعة وفوق القانون سلطة مطلقة، أراد الشعب أم لم يرد ليس لرضاه أي تأثير.

ومن أصولهم في الإمامة وولاية الفقيه "الأحكام الشرعية سواء الملزمة أو غير الملزمة لا يمكن وضعها أو تعيين تطبيقاتها بناء على رأي الأكثرية أو رضا عامة الناس سواء أراد الشعب أم لم يرد فإنهم باعتبارهم مسلمين مكلفون بالإذعان لتلك الأحكام. الثابت من تلك الأحكام يستنبط من جانب الفقهاء جميعا والمتغير منها المتعلق بإدارة البلاد يستنبط من جانب الفقيه الحاكم وهو الذي يأمر أجهزة الدولة بتنفيذها في كل الأحوال ليس للشعب دور في التشريع أو نظم الإدارة والعمل في المجال العام، وليس لرضا الشعب أو رأيه (دخالة) في تطبيق تلك القوانين والنظم"، الفقيه الحاكم له سلطة مطلقة أراد الشعب أم لم يرد.

  

رأي ولي الأمر هو المعيار

"رأي ولي الأمر هو المعيار في القضايا والقرارات المتعلقة بالمجال العام والجمهور المتدين مكلف شرعا باتباع أمر الولي الفقيه وطاعته على نحو يرضيه ويعزز مكانته".

وهنا يتلاقى "ولي الأمر" عند الشيعة مع فرعون {ما أُريكم إلا ما أرى}، فرأيه هو المعيار، لا يوجد في الفكر البشري، ولا في رسالة إلٰهية (تعبيد الناس لشخص مثل هذه المقولة)، وتقترب من ذلك مقولة أهل السنة "رأي الإمام يرفع الخلاف"، والمشكلة حين يكون الرئيس طرفا في الخلاف فإنه حينئذ يكون الخصم والحكم ومقالة فرعون {ما أريكم إلا ما أرى}.

  

الزيدية الحوثية الجارودية

وأصدرت الحوثية وثيقة جاء فيها أن الإمامة حصرا في علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين وذريتهما.

وورد في الوثيقة "إن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين".

إذن الإمامة عندهم من أصول الدين وأولئك هم الأئمة الشرعيون عندهم، أجدادهم فقط عترة رسول الله وهداة الأمة وقرناء الكتاب إلى يوم التناد.

وهي وصاية على الإسلام وعلى الأمة ومن أصول الدين وليس من أصول المذهب، فهي سلطة دينية بالمفهوم الكنسي حيث لا هداية للأمة بدون الإمام، إذ يجمع الإمام بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية، كما تصنف في المسيحية، وهم حجج الله في أرضه، فمن يحاجج حجج الله؟

سلطة مطلقة ومقدسة وغير قابلة للنقاش، فالأشخاص أوصياء وهم حجج وهم فوق الهداية، هم الهداة مع ملاحظة أنه لا يوجد في الإسلام مستحفظين ولا أوصياء ولا أحبار ولا رهبان، ثم بيان كامل عن ما فعله أولئك من أهل الكتاب.

إنه فكر الشيعة في الإمامة باعتبارها هي الدين واختزال الإسلام في أشخاص والتنظير للطغيان والفساد في الأرض.

   

الدولة العلمانية

العلمانية كانت ردة فعل من تسلط الكنيسة وإحاطة حياة الناس بالظلام من جميع الجهات، لذلك كانت ردة فعل مناهضة للدين ذاته وإقصاء لارتباطه بالسلطة الكنسية المطلقة، إذ وكما هو معروف أن مفهوم العلمانية من معانيه اللادينية أو الدنيوية، والواقع أنها عودة لقاعدة فلسفية مسيحية هي عندهم مروية عن عيسى بن مريم أنه قال: "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر".

وتلك قاعدة ليست في الإسلام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا وقائدا إلى جانب كونه رسولا مبلغا ونبيا معلما، فضلا عن أن القرآن الكريم قرن بين الاستجابة وإقامة الصلاة وأمرهم شورى بينهم.

وعلى الرغم من المراجعات، فإن العلمانية انتهت في ما هو غالب إلى حرية الاعتقاد وتوظيف الدين وليس جعله مرجعية بل اعتباره من الأدوات والوسائل خاصة في ما يتصل ببعثات التنصير التي تخدم السياسة الخارجية الغربية، إذن فالدولة العلمانية أو علمانية الدولة لا تتفق مع الإسلام ولا مع المجتمعات العربية والإسلامية، وتلك خلاصة تجربة المفكر المغربي محمد عابد الجابري (مسألة العلمانية في العالم العربي مسألة مزيفة، وفي رأيي أنه يجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي وتعويضه بشعاري الديمقراطية والعقلانية)، وإذ لم يجد في الفكر السياسي الإسلامي ما يلبي التطلعات للحرية والمساواة والعدالة فإنه فضل الديمقراطية وما دعاه بالعقلانية.

السلطة أمانة لذلك فان السلطة في الإسلام أمانة تقتضي الأهلية ممن يقوم بها والإخلال بها خيانة تنعكس على الدولة وعلى مواطنيها، وقد جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة"، قيل: وما إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله"، أخرجه مسلم عن أبي هريرة.

وفيه إشارة إلى الشر المستطير، إذ لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس وليس القصد الانتظار، ففي حديث آخر: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".

حزب الإصلاح يتبنى مدنية الدولة أو السلطة لأنه يدرك أنه لا توجد سلطة دينية في الإسلام، كما لا يمكن وصفها باللادينية، فالتعبير عن المدنية تعني أن القائمين بالسلطة يجب أن يكونوا مدنيين لا عسكريين، فالدولة والمجتمع مدنيان، وذلك يحقق الكثير من الأهداف ويقي من كثير من المشكلات ويقطع الطرق على الادعاء بالحق الإلهي كما في السلطة الكنسية، وأيضا فإن عسكرة السلطة تعني امتلاك العسكريين للسلطة والقوة معا، وذلك يجعل السلطة مستبدة عنيفة غير قابلة للمراقبة والمساءلة.

  

الدولة المدنية

إذن فالمقصود بالدولة المدنية المتداول والذي يتبناه الإصلاح هو أن السلطة تقودها أحزاب سياسية، ويقوم بها مدنيون ليسوا مقدسين ولا معصومين، كما أن القوات المسلحة والأجهزة المختلفة للدولة تخضع للقيادة السياسية المدنية التي تخضع بدورها للرقابة العامة والمحاسبة وتخضع للشريعة والدستور والقانون.

الدولة المدنية إذن ليست علمانية، كما أنها ليست دينية ولا عسكرية، وتلك هي الدولة المنشودة أنها ليست طائفية ولا مذهبية ولا أسرية ولا مناطقية، بل دولة لكل المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم ومناطقهم وعشائرهم وقبائلهم.